نقلاً عن صحيفة الرّأيْ – الصحفي رسمي الجراح
لم يسبق للفنانة الفلسطينية المقيمة في اميركا منال ديب أن تقوم بالإعداد مسبقاً لأية لوحة فنية على قيد البدء، بل تعتبر التخيل هو الرسم الأولي والصورة الجميلة التي لابد أنها ستكون رائعة في الواقع وعلى النفس، فهي تميل للون الذهبي والألوان الترابية في معظم أعمالها، وبحسب ما وجدته بأن اللوحة من تختار ألوانها بنفسها.
الارهاصات الأولى لدى الفنانة اما محبطة أو محفزة، كيف كانت تلك الارهاصات في بدايتك؟
الفنان مزيج من عوامل متعددة في حياته، وفي النهاية نتاج أعماله في معظمها ما هي الا انعكاسات لروحه وخلجات نفسة من حزن وفرح وحنين وتصوف، في بداية حياتي وبعد هجرتي الى الولايات المتحدة الامريكية، درست الفن في جامعة إلينوي في شيكاغو، وحينها كان الرسم هواية ألجأ إليها وأمارسها في أوقات فراغي، ثم توقفت عن الرسم لفترة كنت اكوّن فيها أسرة وانشغلت بأموري العائلية، ومع ذلك كان الرسم جزءاً من روحي الذي اشعر به غائباً عني، كان لدي شغفاً أيضاً بالتحليل النفسي فقررت الرجوع إلى مقاعد الدراسة ودرست علم النفس ومعه عادن شهية الرسم والإبداع بطريقة مختلفة عن بدايتي، دراسة التحليل النفسي وعلاقته بالفن حفزت لدي الفضول لاكتشاف مكنونات نفسي ومعرفة ما يدور في الا وعي لدي، وخلق لي عالماً مميزاص، ربما ملجأ في الغربة، أو اسلوب حياة وراحة واستسلام.
من هو معلم الفنان الحقيقي
اعتقد بأننا نحتاج التاريخ أو الموروث والحداثة معاً، أما الناس لديهم وجهات نظر مختلفة اتجاه الفن أو الذوق الجمالي، فما دامت اساليب حياة الناس مختلفة فلن يكون إجماع على ما هو جيد وما هو جميل مع أي منتج ثقافي، كما أن الظروف الاجتماعية تتحكم كذلك في إنتاج الأعمال الفنية، إذّ يمكن النظر مثلاً إلى أعمال بعض المدارس الفنية أنها كانت تعبيراً عن تقاليد أو ظروف جماعية أو سياسية أو اقتصادية، أكثر من كونها رؤية فردية عن جمال الشيء في ذاته، وبالتالي يقال إن هذا الفنان فنان لأنه يرسم بدقة ما يرونه أو ما يتفقون عليه، وهنا تأتي ضرورة الإتفاق أو الإجماع على الشيء وواقع مجتمعه.
المرأة بطلة في معظم لوحاتك، ما المغزى من ذلك الطرح؟
تظهر المرأة في معظم آعمالي كما آتخيلها تختار ألوانها بنفسها، احتجاج صامت وشريط من حروف اللغة العربية ملفوفة حول رأسها كالشال، كل طبقة لونية اختارها وكأنها هالة من طيات حياتها، ان كانت تعاني من الغربة أو هي تدافع عن وطنها، الأنثى في أعمالي لا تعرف المستحيل، والرأس يتكرر موطن الأفكار القيمة، المرأة هي التي تحتج ضد الظلم، على الرغم من أنه احتجاج صامت فهي تدرك أن عزيمتها أقوى من كل الظروف.
هل أنت من الرسامين أصحاب الطقوس الفنية؟
لا اومن بالتخطيط المسبق لأي عمل أقوم به، أتخيله أولاً فإذا اعجبني في الخيال فهو لابد رائع في الحقيقة، والتجربة أعطتني القة بحدسي والإحساس هو أقوى حضور لدي عند المباشرة بأي عمل جديد.
تأثرت المتصوفه ومحاولاتهم في البحث عن البعد الاخر في النفس وتحريرها من ثنائيات الخير والشر، الشيطان والملاك، وأردت من أعمالي الابتكار من مصادر الوعي واللاوعي و إنتاج أفكار جديدة ربما غير مباشرة والخارجة عن المعتاد، وهكذا وصلت لمرحلة من حياتي الفنية من حيث أرى نفسي مزيجاً من العربي والغربي بحيث أن من يتطلع على أعمالي من وجهة نظر عربية تأخذه إلى عروبته والحنين إلى وطنه، اما بالنسبة للاجنبي فهي مصدر جمالي وانسجام ودهشة.
عندما يصبح العمل في الفن مهنة وليس ابداع تنتقي الجمالية، كيف للفنان الخلاص من هذه المعضلة؟
الرسم هو حالة خشوع، عبادة، تصوف، وانصهار، ولا أعد العمل الفني خلقاً مبدعاً إن لم يأتِ تبعاً لكل هذه المشاعر مجتمعة معاً، الرسم والإبداع كما الأمومة والحب، لايجب أن نذهب للمدارس لكي نتعلمها، مشاعر تأتي مع لحظات الولادة، والفن كذلك يأتي مع رحلة طويلة من المخاض والعذاب والتلم التي يمر بها الفنان وتتبلور في نفسه حتى تكون بهاء ورونقاً بأعماله، هو الإبداع يُخلق من خلال العذاب والالم والحزن والفرح والتشكل من جديد.
لابد للفنان أن يتبع إحساسه في العمل وأن ينمي إحساسة والفنان المثقف بالمواظبة على الإنصات لحدسه أكثر من أي شيء أخر، وحتى لا يتحول إلى آلة عليه أن لا يتبع ما يطلب منه فقط أو ما يحتاجه الطالبين، ولكن الإبداع يأتي من الإحساس بالعمل ومن الشعور بالرغبة الملحة في انتاج عمل يستوطن الخيال، لا يمكن أن يكون الفنان مبدعاً إن اعتمد فقط على ما يطلب من في مهنته ولكن اليقين الذي اعرفه بأن المبدع يتبع حدسه وما يمليه عليه اللاوعي في الخيال.
البناء والهدم والعكس في اللوحة هل هما حالة صحية عند الفنان؟
يتجدد الفكر ويتغير مع الوقت لدى الفنان كما لدى أي شخص أخر في هذه الحياة، وما كان يراه مناسباً اليوم في لوحة ما، ربما يجده غير مناسباً بعد أيام أو لنقل ربما يغير رأيه في عمله بعد مروره في تجربة ما، اسميه المزاج، حيث يلعب هذا المزاج دوراً مهما في حياة الفنان وجمالية الأشياء تختلف معه من وقت لأخر.
هل أنت أسيرة تلوينية معينة؟
الذهبي لوني المفضل وأميل إلى الالوان الترابية في معظم أعمالي، لا أخطط مسبقاً لأي عمل فقط أتخيله، إذا أعجبني في الخيال، فلابد من أنه جيد في الواقع، واللوحة هي تختار الالوان بنفسها.
ما أهمية النقد بالنسبة للفنان؟
النقد وسيلة وطريقة حقيقية لتنمية الابتكار والإبداع وهو علم يسعى إلى تطور المجتمعات الانسانية من خلال الإرتقاء بذوق الإنسان، وارى بأنه ضروري، بحيث أن النقد البناء يفسر ويوضح ويحلل الظواهر الفنية للعمل، وهو الذي يصل بين الأحداث الفنية والجمهور حتى ولو كانت هذه الأحداث غريبة وغامضة، وهذا ما ينمي قدرة الجماهير على التذوق السليم ويحفز روح الثقة والإبداع لدى الفنان، لا أومن بأن على الفنان أن يشرح عمله، ومن الأفضل ترك الترجمة للآخرين، الإبداع هو الإنغماس في حالة وجدانية والمشاركة بها هو سر الدهشة، ولهذا تأثير الفن عظيم علينا، وبه تتحرك مشاعرنا بعمق الغرابة، لأنه ينشأ الا من الأعماق.
ما هو مشروعك الحالي؟
احضر لمعرض في المتحف الفلسطيني في الولايات المتحدة، تحديداً ولاية كنكت، وكل جديد مع الفن يأتي بالمثابرة والإيمان بالرسالة التي نتواصل بها مع الناس من خلال الرسم، وهذه هي روعة الفن وأهميته في الحياة، وكل معرض يجلب معه فرص عديدة و الغير متوقعة، أطمح لما هو مفيد ومثري للحياة.
كيف ترين تفاعل الجمهور الاميركي مع فنانة عربية تقدم رؤية شرقية؟
الفن لغة عالمبة يفهمها الجميع، ومن خلال تجربتي مع المعارض الفردية أو الجماعية التي أشتركت بها في أمريكا أو أوروبا، وجدت تجاوباً ملحوظاً ما بين الملتقى الأجنبي والعمالي، وكل شيء غير مألوف وغريب ينجذب إليه المشاهد ويثير التساؤل عنده، ومع ذلكتجد الأجنبي يندهش لجمالية الخط العربي الذي يلتف حول الوجوه الأنثويةالعربية ويعجب به، على الرغم من أنهم لا يجيدو قراءة الحروف العربية أو فهم مدلولاتها في العمل، وهذا ما ارمي إليه وهو تعريف الغرب على تراثنا ولغتنا العربية العريقة، والهدف الاسمى لدي هو الإبقاء على هذه الهوية التي احملها في طيات اعمالي لتبقى ما بقى الدهر.
يذكر أن الفنانة ديب مواليد قرية دير طريف برا م الله، تقيم في ضواحي مدينة واشنطن، درست: الفن في جامعة إلينويز/ مدينة شيكاغو الأمريكية، وعلم النفس والفن في جامعة جورج ميسن/ مدينة فيرفاكس الأمريكية، تم اختيار 30 لوحة فنية من أعمالها وعرضها في صالة عرض مقر الأمم المتحدة – مدينة نيويورك الأمريكية/ عام 2012.
تقتني لوحاتها متاحف ومؤسسات وأفراد وجمعيات في مختلف أنحاء العالم وعُرضت بمعارض مشتركة وفردية.