إباء أبو طه خلوف – كاتبة صحفية
تمت دعوتي قبل نحو أسبوعين لإلقاء محاضرة في جامعة بيرزيت، للحديث عن موضوع “ماما الفيوتشر” والذي يدور حول كيف تستعد المرأة للأمومة، وكيف تتهيأ لاستقبال وأداء هذا الدور.
لأن عندي قناعة أن المحاضر الجيد يلزمه إعداد جيد وإن توفرت لديه كل المعلومات، لكنني قررت فعليا أن أدخل على غوغل لأبحث المزيد حول الموضوع الذي سأتناوله، وفعلا وضعت عنوان “كيف نتهيأ للأمومة” والأمر الظريف في المحتوى العربي قدم لي إجابات نحو” كيف نتهيأ للولادة” ..
فعليا معظم النساء تتهيأ للولادة “بفكرة الانجاب” أن تنجب انساناً لهذا العالم؛ هذا ما تفعله المرأة العربية في الغالب، ولكن قلّة من النساء من تتهيأ “لدور الأمومة” قبل عملية الإنجاب أصلا، هذه الفكرة حقيقة تبدأ عند نقطة حسن اختيار شريك الحياة.
لذا أردت أن أسرد بعض النقاط عند حديثي عن ” ماما الفيوتشر” الأم المستقبلية، أو بالأحرى كيف نتهيأ للأمومة.
1.كلنا أمهات مثاليات قبل أن ننجب؛ قبل أن أصبح أما كنت انتقد الكثير من الممارسات التي تمارسها الأمهات مع اطفالها؛ في الشارع في السوق في الحدائق العامة، كانت دائما تشدني طبيعة العلاقة التي تكون بين الأم وطفلها، وكان هناك حديث داخلي يدور لو كنت أماً مكانها لفعلت كذا، أو ما عملت كذا.
في مخيلتي كانت تدور أفكار حول كيف ستكون شكل العلاقة مع طفلي، أو كيف سأتصرف لو كنت مكان الأم في هذا الموقف الفلاني. الشيء اللطيف في الغالب كنت أَضع توقعات ” مثالية” في طريقة النظر للأمور ومعالجتها، وكنت أقول : لا أظن أني سأصرخ فجأة على ابني لأنه لا يتناول طعام الغداء، أو لأنه أصرّ أن يشتري لعبة ما.
كنت أقول بالتأكيد سأتصرف بطريقة رومانسية جميلة ولطيفة؛ كانت نظرة بعيدة عن ملامسة الواقع الحقيقي لمعنى أن تكوني أم.
2. نتيجة الوقائع التي يصورها ويقدمها الإعلام تتكون لدينا الصورة عن دور الأمومة؛ الإعلام يقدم لنا حفاضا لا يسرب البولّ، حليب سيحبه الطفل، علاقة جميلة جدا بين الطفل وأمه مبنية على السعادة والفرح الدائم، يعرض علينا الأم ذات الملامح الجميلة والجذابة ذات الشعر الأشقر في الدعايات والإعلانات.
لكن الواقع يرينا شيئا آخر؛ وجه أم متعبة، ترسو الهالات السوداء تحت عينيها، ووجها شاحبا، وليالي السهر والتعب.
الإعلام لا يرينا التوقعات الأخرى للمنتج، كرفض الطفل لحليب ما ومحاولات أمه لتغييره مرات كي يتلاءم مع جسده. لا يرينا الحفاض الذي قد يسبب تحسساً للطفل، ويسرب البول مراراً؛ هذه هي الصورة اللتي يقدمها الإعلام، وتعيش بناء عليها العديد من الأمهات “أحلام وتوقعات بأمومة سعيدة على طول الخط”.
3. الأمومة تعّلم لا فطرة
كنت قد استمعت مؤخراً لمقطع على “الساوند كلاود” يقول فيه د. طارق الحبيب وهو مختص في علم النفس، حول تربية الأبناء: “أن هرمون الأبوّة والأمومة وحده لايكفي، بل لا بد أن نتعلّم ونقرأ عن سيكلوجية أبنائنا وعن تربيتهم وكيفيّة التعامل معهم”.
التربية لا تشبه الذهاب لنزهة، أو تناول وجبة سريعة، أو شرب فنجان قهوة، أو حتى الاتصال بصديق، كما أنها لا تشبه عودتك لقراءة كتاب كنت قد نسيته على الرف يوماً.
بل هي “فعل” يحتاج إلى كثير من العلم، والحكمة، والإطلاع، والذكاء، والمرونة، والقوّة، والاجتهاد، والصلابة، والأخلاق، والإبداع، وسرعة البديهة، والمثابرة، والطاقة وغيرها. كيف لنا كآباء وأمهات أن نستحضر كل تلك الصفات مجتمعةً فينا ونحن نربيّ أبناءنا، بالقراءة والمعرفة وتعلم كل شيء عن حياة أطفالنا، بدل أن نركن إلى إحساسنا الفطري كأمهات أو إلى خرافات أمهاتنا وأجدادنا في التربية.
4. الأمومة تجربة ثريّة؛ الأمومة تمنح ما لا تمنحه الكتب، ليس هناك شيء أعمق ويمكن أن يقدم للمرأة أكوام من المشاعر والتجارب والخبرات مثل الأمومة. فالقراءة تقدم وصفات لعلاج المشاكل التي تواجهها الأم، وتقدم مفاتيح؛ ولكن ليس كلها قد يكون مناسباً لشخصية الطفل. لهذا التجربة قد تعلم الأم أكثر من أي شيء آخر، كما أن الأمر المذهل والذي أؤمن به تماماً أنه ليس هناك تطابق في التجارب؛ كل تجربة هي فريدة، كل أم هي مميزة، وكل تجربة لها تجلياتها الخاصة ورونقها الخاص.
5.كوني أماً جيدة: طبعا لن أٌقول كوني أما رائعة أو مثالية؛ هذا شيء قاتل وخارج عن الطبيعة؛ الشي الجيد أن تكوني أم جيدة.
طبيب الأطفال البريطاني والمحلل النفسي “دونالد وينيكوت” طرح في كتابه الشهير “اللعب والواقع” نموذجاً يساعد الأمهات على التوازن؛ حيث كان يرى أن من بين الأمور التي تثير قلق الأم ومخاوفها، تفكيرها الدائم بمدى إتقانها لدورها، وهو ما يجعل العبارة الشائعة تتكرر: “هل أنا أم جيدة بما فيه الكفاية”.
ويرى وينيكوت أنه مطلوب من الأم أن تكون “أم جيدة بما فيه الكفاية” وليس” أما مثالية”؛ كما لاحظ وينيكوت أن الأطفال يستفيدون بالفعل عندما تفشل أمهاتهم في رعايتهم، وهنا لا نتحدث عن حالات الفشل الكبرى، مثل إساءة معاملة الأطفال والإهمال، “فالأم الجيدة بما فيه الكفاية” تسمح للرضع بتجربة كميات صغيرة من الإحباط فهي لا تتعجل فورا مع كل صرخة طفل، قد تسمح لطفلها بالبكاء لبضع من الوقت قبل أن تغذية، إنها ليست “مثالية” لكنها “جيدة بما فيه الكفاية” في أن طفلها يشعر بكمية ضئيلة من الإحباط.
6. ليس هناك تربية عظيمة من غير علاقة عظيمة: هذه العلاقة قوامها وأساسها ثلاثة أمور؛ الحوار والإنصات الفعال وعناق أي ضمّة؛ شخصياً هذ معادلتي لعلاقة آمنة وتربية عظيمة، تخلق طفلا سويا وسعيدا في هذه الحياة وقادرا على أن ينظر لنفسه بثقة وايجابية.
7. ليس هناك تجربة سيئة وتجربة جيدة، كل التجارب في ميدان الأمومة هي جيدة بنظري، فكما يقول أحد الكتاب إما تربح وإما تتعلم، وهذا فعلا ينطبق على التربية كلها ربح لا خسارة فيها؛ إما على صعيد شخصيتنا كآباء أو على أطفالنا.
8. الأمومة دور لا هوية: الأمومة هو دور مرحلي، لا يجب أن يمنعك أن تكوّني مساحتك الشخصية، هذا الدور سينتهي في يوم من الأٍيام، عندما يكبر أطفالك ويرحلون للزواج أو العلم، لذا اجعلي لك حلماً ومشروعاً يملأ وقتك وحياتك، قبل أن ينتهي الدور وتصبحي وحيدة.