بأنامل “معقوفة”، تمكنت الفتاة ميس العطاونة، من اقتحام حرفة صناعة الذهب، مُشَكلة بذلك أجمل متطلبات الزينة والحلي للنساء في مجتمعها.
ميس، واحدة من بين فتيات عديدات يتشابهن في ظروف الإعاقة “المحدودة” في شركة مجوهرات القواسمي بالخليل، يسجلن كل يوم قصة إبداع وتحدِ، متغلبات بذلك على أنفسهن وعلى نظرة المجتمع لهن كواحدات من ذوات الاحتياجات الخاصة.
العطاونة (21 عاما) تخرجت من جامعة الخليل دبلوم سكرتاريا عامة وفنون مكاتب، لم يحالفها الحظ لنيل وظيفة في ذات تخصصها، لكن إرادتها الصلبة رغم كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة مكنتها من تعلم حرفة الذهب والإبداع في هذا المجال.
“بأربعة أصابع في يديّ الاثنتين من أصل عشرة موجودة أيضا، استطعت منافسة زملائي في العمل، وأحظى اليوم باهتمام واحترام كبيرين من إدارة الشركة التي أعمل بها ومن العاملين فيها” قالت ميس، وأضافت “كنت على يقين منذ بدأت العمل، ورغم صعوبته ودقته، أنني سأحدث فرقا.. ثابرت واجتهدت، كما أن حبي وشغفي لمثل هذه الحرف والفنون ساهما في نجاحي”.
وتؤكد العطاونة، أن مهنتها في صناعة وزخرفة الذهب تنسجم مع هوايتها الشخصية في فن الرسم منذ طفولتها، وهو عامل آخر ساعد في نجاحها.
تقول العطاونة، وهي البنت الوحيدة في أسرة مكونة من 6 أفراد، ويشاطرها شقيقها الأصغر بمرض ضمور العضلات: “رغم ان البداية كانت صعبة، لكن انتباهي وإدراكي الجيد لعملي ومعالجتي للأفكار وكيفية التعاطي معها سهّل عليّ العمل.. نحن نعمل 8 ساعات يوميا، وعملي هو كل حياتي بالنسبة لي”.
وحرفة تشكيل الذهب بالنسبة لـ ميس، الناشطة النسوية وعضوة النادي النسوي في بلدتها بيت كاحل، هي أكثر من عمل. إنها هوايتها، وتجد فيها نفسها كما تقول.. وأكثر من ذلك، إنه شغفها وميولها صوب الفنون والأعمال الدقيقة التي تتطلب المهارة والإحساس العالي والمرهف وصولا إلى جمال الذهب.
عامان مضيا على ميس، وهي تعمل في هذه الحرفة. “اختلف عن زميلاتي.. لكلٍ منا طريقته في العمل، لهن طريقتهن ولي طريقتي في تشكيل الذهب. أنا اتلقن ما يعملون بكلتا يديهم وأصابعهم العشرة بناظرتي.. أفكر وأحلل في داخلي كيف أنجز ما ينجزونه. أحاول المرة تلوَ المرة، وأواصل العمل والانتاج بالطريقة التي تناسبني مثل زميلاتي بإتقان كبير” قالت العطاونة، وأضافت “أتقاضى راتب قدره 1500 شيقل، بالإضافة لحوافز تتعلق بالعطل والإجازات”، غير أن راتبها لا ينطبق بالضرورة على كافة العاملات ذوات الاحتياجات الخاصة اللواتي يعملن في مصانع ومنشآت عمل أخرى في نفس المحافظة.
ولفتت ميس، الى أنها لا تعاني من أي تمييز في الأجور بينها وبين زميلاتها في العمل من غير ذوي الاحتياجات الخاصة، كما لا تعاني أيضا من تمييز سلبي بالمعاملة.
أحد أصحاب شركة الذهب التي تعمل فيها ميس، أمين سر الغرفة التجارية في مدينة الخليل أحمد القواسمة قال لــ”وفا”، إن تشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة واجب أخلاقي قبل أن يكون قانونيا، القانون الفلسطيني نص على ان يكون 5% من الموظفين والعاملين من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن هذا القانون حسب اعتقادي لا يطبق في مؤسساتنا ومشاغلنا وشركاتنا بشكل عام.
تابع، الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة لديهم طاقات أفضل من غيرهم الذين لا يعانون أي مشاكل أو إعاقات جسدية، لذلك علينا توجيههم لبعض الصناعات الحرفية من أجل دمجهم في المجتمع وإعادة روح الحياه لهم، ميس لديها إصرار على التعلم والعمل وهذا ما جعلها مبدعه في عملها الذي اتقنته بحرفية ومهنية عالية تفوق في كثير من الأحيان زملائها الأصحاء الذين يعملون معها.
يقول الأمين المالي لغرفة تجارة الخليل عبده ادريس: “منذ 3 أعوام عملت بالتعاون مع الجمعية العربية للتأهيل، وجمعية الشبان المسيحية، والغرفة التجارية بمدينة الخليل على مساعدة وتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من العمل في سوق العمل الفلسطيني، كما وقعنا جميعا على مذكرة تفاهم مع المصانع والشركات لتشغيل هؤلاء الأشخاص والحفاظ على حقوقهم وتنظيم حقوقهم وواجباتهم، أنا تبنيت هذه الفكرة شخصيا وعملت على تشغيل 4 منهم في شركتي الخاصة”.
ويضيف ادريس، تدحرجت كرة الثلج وكبرت الفكرة حتى أصبحنا نساعد في تشغيل معيلين لأشخاص ذوي احتياجات خاصة لا يستطيعون العمل بأي شكل من الأشكال، نشرنا هذه الثقافة واتبعنا معهم ما قاله المثل “علمني كيف اصطاد ولا تعطيني سمكة”، حتى استطعنا تشغيل ما يقارب 500 شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة في غضون عامين، ونحن نتابعهم في أماكن عملهم بعد تسلمهم مهامهم سواء في المؤسسات أو المصانع والشركات، وهذه الفكرة التي انطلقت من الخليل لاقت ارتياحا وترحيبا من المشغلين، وبدأت تنتشر في كافة محافظات الوطن.
ومن جانبه، قال عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين والناطق الإعلامي باسم الاتحاد الناشط النقابي محمد عبد الحميد ، إنه وفي العديد من مواقع العمل، أثبت الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة جدارتهم وتميزهم في بعض الصناعات الحرفية، مثل صياغة الذهب، والتطريز الشعبي، وقطاع الالكترونيات، ووصلت نسبتهم الى ما يقارب 2.5% فقط، من أصل 5% منحها قانون العمل الفلسطيني فرصا للتشغيل.
ويتطلب القطاع الخاص عمالا وموظفين من ذوي الاحتياجات الخاصة، تقول مدير مكتب التشغيل والتوظيف في مديرية عمل الخليل جيهان الدحنوس، وتضيف “نحن ندرس الوظائف الشاغرة وننسب بدورنا أشخاصا يتناسبون ومتطلبات العمل المتاح. أصحاب العمل من جانبهم يتفهموا ويرحبوا بتشغيل هؤلاء الأشخاص لأن غالبيتهم أثبتوا جدارتهم وحرصهم على العمل، لكن فرص العمل الشاغرة بشكل عام في السوق الفلسطيني قليله.”
ونوهت الدحنوس، الى أن وزارة العمل تعقد لذوي الاحتياجات الخاصة ورشات عمل ودورات تأهيل لمساعدتهم على الاندماج في سوق العمل بشكل دوري تقريبا، وقالت “لدينا مشاريع مموله لذوي الإعاقة، ففي عام 2017 تعاونت وزارة العمل والغرفة التجارية بالخليل والجمعية العربية للتأهيل في بيت لحم وجمعية الشبان المسيحية، وشكلنا جميعا التحالف الوطني لذوي الإعاقة بهدف تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة وتدريبهم”.
وبحسب الدحنوس، ساهمت وزارة العمل بالتعاون مع بنك فلسطين خلال العام المنصرم بتمويل 24 مشروعا لذوي الاحتياجات الخاصة بقروض على مستوى الضفة وغزة، وكانت المشاريع بنسبة فائدة صفرية، ووصل المبلغ الممول لهذه المشارع ربع مليون دولار.
نقلاً عن وفا الإخباري