خلال هذا الأسبوع، قالت إليزابيث هيرلي إنها تود إنجاب المزيد من الأطفال، لأن الأطفال الوحيدين يعانون غالباً من العزلة. في الحقيقة، لا تزال مثل هذه القوالب النمطية راسخة في الأذهان، فهل يجب أن تقلق العائلات حيال إنجاب طفل واحد في أيامنا هذه؟
صحيفة The Guardian البريطانية، نشرت تقريراً يتناول الأفكار الشائعة حول الطفل الوحيد ورأي خبراء فيها.
حساس ومغرور ويفتقد المغامرة، هل هذا صحيح؟
يبدو أن علماء النفس في القرن التاسع عشر كانوا محقين عندما عارضوا فكرة إنجاب طفل واحد. وقد ادعى عالم النفس الأميركي، ستانلي هول، أن مجرد أن يكون الطفل وحيد العائلة فهو “مرض في حد ذاته”. ثم بعد فترة وجيزة، عرض عالم نفس آخر يدعى يوجين دبليو بوهانون تحليلاً صادماً أكثر حول الطفل الوحيد، ذكر فيه أن هذا الطفل “يفتقر لروح المغامرة” “ومفرط الحساسية”، وأكثر عرضة أن يتملّكه “الغرور”.
ولا يمتلك أصدقاء
وذكر بوهانون أن احتمال أن يتشبه الطفل بالنساء مرتفع، لأنه أقل تواصلاً مع أقرانه من الذكور وأكثر ملازمة لوالدته. وقد اعترف عالم النفس أن الطفل وحيد العائلة يكون أكثر إبداعاً، لكنه عزا ذلك إلى “غياب الأصدقاء”، كما ذكر أنه يمكن أن يستخدم مثل هذه المواهب “لممارسة الخداع والكذب”.
صمدت مثل هذه القوالب النمطية عن الأطفال الوحيدين المدللين وغريبي الأطوار لأكثر من قرن من الزمن، على الرغم من ظهور كم هائل من الأبحاث التي تبين أن الأطفال الوحيدين لا يتصفون عادة بهذه الصفات، وغالباً ما يكونون أفضل من الأطفال الذين لديهم أشقاء، وذلك في العديد من المجالات. لكن، وعلى الرغم من أن عدد العائلات التي تتألف من طفل واحد أصبح أكبر، إلا أن انبهارنا بهذه الحالات، التي تعد غير اعتيادية ضمنياً، ما زال مستمراً.
خلال هذا الأسبوع، عبرت الممثلة وعارضة الأزياء، إليزابيث هيرلي، وهي أم لطفل يدعى داميان ويبلغ من العمر 16 سنة، عن موقفها الشخصي بشأن هذه القضية، قائلة إن من بين الأمور التي تأسف عليها أنها لم تنجب أكثر من طفل واحد.
وقالت هيرلي في مقابلة مع مجلة غراتسيا: “كنت واحدة بين ثلاثة أبناء، حيث أمتلك أختاً تكبرني وأخاً يصغرني وكنت أحبهما وأتشاجر معهما. ولكن، داميان محرومٌ من كل ذلك. إن الأطفال الوحيدين، مختلفون جداً، فهم أكثر انعزالية، لكنهم يشعرون بالراحة التامة مع أنفسهم، ويتمتعون برباطة الجأش والتركيز الشديد”.
متلازمة الطفل الوحيد
وفي الواقع، هناك أسباب واضحة تقف خلف هذا الاتجاه، ففي كثير من الأحيان لا يكون ذلك بسبب اختيار العائلة التمسك بمسألة إنجاب طفل وحيد. لكن، قد يؤدي تأخر الأبوة أو مشاكل الخصوبة أو انقطاع العلاقات أو الضغوط المالية، بما في ذلك تكاليف السكن ورعاية الأطفال، إلى تكوين عائلة ذات طفل وحيد. ولكن في الوقت نفسه، تتزايد الأدلة التي تظهر أن أسرة الطفل الواحد يمكن أن تكون خياراً إيجابياً لكل من الوالدين والطفل على حد السواء.
وقد تبين أن ما يسمى بمتلازمة الطفل الوحيد، التي تستخدم لوصف الطفل المدلل غريب الأطوار والمتقوقع على نفسه، ليست في الغالب أكثر من مجرد أسطورة. وفي هذا السياق، قالت كلير هيوز، أستاذة علم النفس التنموي ونائبة مدير مركز البحث العائلي في جامعة كامبردج: “في الصين، كان الاهتمام ينصب حول ما يمكن أن يؤول إليه نمو دولة بأكملها وكانت السياسة السكانية قائمة على سياسة الطفل الواحد. ومع تركيز العائلات والآباء الشديد على إنجاب طفل واحد، كان احتمال أن يصبح هؤلاء الأطفال أنانيين مرتفعاً جداً، لكن، عندما تم التدقيق في الأمر، خالفت النتيجة التوقعات”.
وبالنسبة للأجيال القديمة لم يكن إنجاب طفل وحيد أمراً جيداً لسببيْن، يتمثل أولهما في أن الآباء لا يستطيعون عادةً إنجاب طفل آخر، ليس لأنهم اختاروا ذلك، بل لميلهم إلى تقديم حماية مفرطة للطفل. ويتمثل السبب الثاني في أن الطفل الوحيد يعد من الأقليات مقارنة بالأغلبية السائدة، لذلك، فهو غالباً ما يشعر بالمضايقة والوحدة.
في المقابل، يعد هذا الأمر خياراً إيجابياً، في الوقت الحاضر، في نظر الكثير من الآباء، لذلك لا يشعر الطفل بأن وضعه غير عادي وبأنه محاصر بحماية مفرطة، بل أنه يتمتع بمكانة عالية ضمن عائلته. وأشارت ليندا بلير إلى أن هناك جوانب سلبية لفكرة إنجاب طفل وحيد، يتمثل “أحدها في أنه حتى مع بذل الآباء والأمهات لجهود حثيثة لإقناع أطفالهم بقضاء المزيد من الوقت مع أقرانهم، إلا أن ذلك غالباً ما يشعرهم بالحرج قليلاً”.
هل يعادي المجتمع حقاً؟
أما بالنسبة لغرابة أطوارهم ومعاداتهم للمجتمع، فقد كشفت دراسة أجريت في سنة 2011 أنه على الرغم من أن البالغين الذين كانوا ضمن عائلة الطفل الواحد انخرطوا في أنشطة اجتماعية أقل مع الأقارب، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره في البداية من خلال وجود عدد أقل من ذوي القرابة في محيطهم، إلا أنهم لم يجدوا أي اختلاف في عدد المشاركات الاجتماعية مع جهات أخرى على غرار الأصدقاء والزملاء.
وقد كشفت دراسة استقصائية أجريت على أكثر من 2500 مراهق إسباني، أن الأطفال الوحيدين تعرضوا لمعدلات أعلى من الإيذاء من قبل أقرانهم. ولكن اعتبرت كلير هيوز أن هذا قد يتأثر وفقاً لتصورهم لمفهوم الإيذاء، وقالت: “يعلمك الأشقاء، إلى حد ما، كيفية الجمع بين الشدة واللين”.
ومزايا للطفل الوحيد أيضاً
وأوضحت دراسة أجرتها جامعة ساوث ويست في تشونغتشينغ في الصين السنة الماضي على أكثر من 250 طالباً في الكلية أن الأطفال الوحيدين كانوا أكثر مرونة في تفكيرهم، وبالتالي أكثر إبداعاً، رغم أنهم أظهروا مستوى أدنى من القبول.
في هذا السياق، قالت عالمة النفس السريرية ليندا بلير، مؤلفة كتاب “Birth Order”، أنه يمكن أن تنجر فوائد ضخمة عن هذه البنية العائلية، حيث يمكن للوالدين تركيز وقتهما وطاقتهما على الطفل الوحيد”، والاستمرار في التمتع بحياتهما الخاصة في الوقت ذاته. ومن وجهة نظر الطفل، يعد هذا الوضع مثيرا للاهتمام في المستقبل.
على الآباء أن يسمحوا ببعض الفوضى
ويواجه الطفل الوحيد مشكلة أخرى تتمثل في أن حياته داخل المنزل تخضع لتأثير البالغين، حيث غالباً ما تكون مُنظّمة وتتسم بالهدوء النسبي. وعادة ما يعاني الطفل الوحيد من مشكلة السيطرة على نفسه ويصاب بالإحباط عندما تتعقد الأمور في حياته نظراً لأنه لم يتعود على الفوضى.
وحيال هذا الشأن، يجب عليك أن تكون متساهلاً قليلاً وتسمح بحدوث بعض الفوضى، مثلما يفعل الآباء الآخرون، حيث أفادت بلير: “اسمح بحدوث القليل من الفوضى، تماماً كما كان ليحدث في حال كنت أباً لثلاثة أو أربعة أطفال”. وأضافت بلير أنها لا تعتقد أن هناك أي مشاكل خطيرة على الإطلاق متعلقة بأن يكون أحدهم طفلاً وحيداً.
ولا يتمتع كل الناس بعلاقة طبيعية مع أشقائهم الكبار، كما أنه في مقابل كل طفل يتذكر كيفية قضائه لطفولته وحيداً، سيكون هناك آخرون يشتكون من تعرضهم للأذى من قبل أخ أو أخت متسلطة.
وبالنسبة لبلير، فليس هناك حجم مثالي للأسرة، حيث ترتبط العائلة المثالية بعدد أطفالها، وما إذا كنت تسعى لتنشئة أطفال متزنين على الصعيد النفسي، “فإذا قدمت لهم الحب بشكل كاف، فسيكونون سعداء”.