دراستان جامعيتان كفيلتان بنقل صورة صادمة عن واقع التلوث في لبنان، الذي وصل الى حليب الأم، وهذه الحقيقة تفرض واقعاً جديداً وخطيراً “حتى الرضاعة أصبحت ملوثة بنسب متفاوتة وبسموم فطرية ومعادن ثقيلة”. تعتبر هذه الدراسة الأولى في لبنان والمنطقة والتي تتناول سلامة حليب الثدي، وقد نشرت في مجلتيّ Journal of food protection و Chemosphere العالميتين في أواخر العام 2017 واوائل 2018.
بالرغم من النسب ونتائج الدراستين، إلا ان ذلك لا يقلل من أهمية الرضاعة الطبيعية وفوائدها الصحية والنفسية المهمة على الطفل والأم في آن معاً، فحليب الأم يحتوي على الفيتامينات والمغذيات الأساسية لنمو الطفل، كما ان الرضاعة تساعد الأم على استعادة رشاقتها وزيادة الرابط النفسي بين الأم والطفل. ويبقى حليب الثدي الأفضل من ناحية التغذية والمناعة بالرغم من الملوثات الموجودة فيه.
سموم فطرية وملوثات
سُحبت111 عينة من أمهات في مختلف المناطق اللبنانية. كان السؤال الأساسي هل يُعقل ان يكون حليب الأم ملوثاً نتيجة غذاء الأم والتلوث البيئي؟ انطلقت الدراسة من هذا المنطلق وفق معايير منظمة الصحة العالمية وبرسالة تسهيل من وزارة الصحة لتسهيل الدخول الى المستشفيات والمستوصفات وبتمويل من المركز الوطني للبحوث العلمية. عمل اكثر من استاذ وباحث في الجامعة اللبنانية الأميركية لإعداد هذه الدراسة وشارك فيها كل من الأستاذ والباحث في سلامة الغذاء الدكتور حسين حسن والأستاذة والباحثة في التغذية الدكتورة مايا باسيل والأستاذة والباحثة في الكيمياء الدكتورة جمانة العريضي بالتعاون مع باحثين في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا.
إعتمدت الدراسة على عينات حليب الأم بالإضافة الى إستبيان لمعرفة النمط الغذائي للمرأة خلال فترة الحمل والرضاعة. وجاءت النتيجة ان العينات تحتوي على سموم وملوثات مصدرها الأطعمة والمواد الغذائية الملوثة بالإضافة الى التلوث البيئي.
وفي هذا الصدد، أكد الأستاذ والباحث في سلامة الغذاء في الجامعة اللبنانية- الأميركية الدكتور حسين حسن في حديث لـ”النهار” ان “الدراسة الاولى تناولت وجود السموم الفطرية Aflatoxin M1 في حليب الأم والتي يعد مصدرها Aflatoxin B1 الموجود في المواد الغذائية. وقد كشفت الدراسة ان 94% من العينات تحتوي على Aflatoxin M1 وانما ضمن المعدل المعترف به في الاتحاد الأوروبي حيث سُجلت نسبة 4 ng/L اما المعدل الأقصى المسموح به 25 ng/L . ” كما كان لافتاً ارتفاع نسبة السموم الفطرية Aflatoxin M1 في الصيف والربيع أكثر من فصلَي الخريف والشتاء نتيجة الحرارة والرطوبة المرتفعتين.
إذاً السموم الفطرية الموجودة في حليب الأم مطابقة لمعدل الاتحاد الاوروبي، لكن اللافت كان في ارتفاع نسبة السموم الفطرية في الأجبان والألبان. وهذا بحدّ ذاته كان موضوع دراسة سابقة أعدتها الجامعة اللبنانية الأميركية بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت في العام 2014 التي كشفت ان نسبة السموم الفطرية مرتفعة في الأجبان والألبان في لبنان.
نسبة المعادن الثقيلة
“اما بالنسبة الى المعادن الثقيلة فإن الأرقام مخيفة”، وفق حسن الذي قسم المعادن الثقيلة الى 3 :
* الرصاص
* الزرنيخ Arsenic
* Cadmium
وفي تحليل لنتائج المعادن الثقيلة في حليب الثدي، يشير الأستاذ والباحث في الجامعة اللبنانية -الأميركية الى انه “من أصل 74 عينة جاءت النتائج على الشكل الآتي:
– 64% من العينات تحتوي على الزرنيخ
– 41% cadmium
– 68% تحتوي على الرصاص
وفي قراءة لهذه النتائج، اكتشفنا ان “الزرنيخ موجود عند الأمهات اللواتي تناولن الحبوب والأسماك، ويعود ذلك لأن الأسماك موجودة في مياه ملوثة والحبوب تتعرض لرش المبيدات والتلوث البيئي الذي يحتوي على مادة الزرنيخ. اما بالنسبة الى الرصاص فهو نتيجة تناول الأمهات للبطاطا التي تتعرض للمبيدات الزراعية والتربة الملوثة بالإضافة الى التدخين الذي ينتج عنه الرصاص.
اما مادة Cadmium فهو نتيجة التعرض للدخان بسبب المحارق ودخان المصانع. وقد سُجلت اعلى نسبة في الرصاص والـCadmium اما الزرنيخ فسُجلت اعلى نسبة في جبل لبنان ( نتيجة الكثافة السكانية والمصانع) والجنوب (نتيجة القنابل المستخدمة في الحروب السابقة ولاسيما حرب 2006).
لبنان الأعلى مقارنة بباقي الدول
اذاً، يتعرض كل طفل الى 2.7ug/kg b.w/week لمادة الزرنيخ في الأسبوع وبالرغم من انها أقل من المعدل المسموح به 14.7 ug/kg b.w/week إلا ان الزرنيخ يجتمع في الجسم. وتعتبر النسبة المسجلة في لبنان الأعلى في المنطقة مقارنة مع دول اوروبية كثيرة، وهذا بحدّ ذاته بمثابة انذار حسي يجب التعامل معه بجدية. في حين يتعرض كل طفل الى 20ug/kg في الأسبوع وهو ضمن المعدل المسموح من منظمة الصحة العالمية 25ug/kg.
في رأي حسن انه “بالرغم من ان نسب المعادن الثقيلة ما زالت ضمن المعدل، إلا انها الأعلى مقارنة بدول كثيرة، لاسيما ان هذه المعادن تجتمع في الجسم ومع الوقت سوف تساهم في ارتفاع نسب الأمراض السرطانية. لكن هذه الدراسة لا تعني ان حليب الثدي غير آمن بل يحمل فوائد صحية ونفسية للأم والطفل في آن معاً. وبالرغم من نسب الملوثات الموجودة في حليب الثدي يبقى حليب الأم افضل مصدر للغذاء بالنسبة للرضيع، وبالنهاية لا بديل عنه وبالنهاية يبقى الهدف من هذه الدراسة تسليط الضوء على واقع التلوث البيئي والغذائي في لبنان الذي وصل الى حليب الثدي”.
في النهاية وبعد كل ما سبق ماذا عن وضع حليب الأم في فلسطين؟!
