أعتقد أنني لو كنت أكبر عمراً، لكنت تدبّرت أمور حياتي وعائلتي بطريقة أفضل
“كنت طالبة جامعية لا أهتم بأعمال المنزل، أو كي ثيابي أو الطبخ، ولكن كأم أشعر أن اليوم قصير جداً ومسؤولياتي كبيرة،” تقول صديقتي التي تتابع تخصّصها في الحقوق وتهتم بإبنتها ومنزلها، وتقوم بكل تلك الأعمال المذكورة التي أراها “مضيعة لوقتي” الذي استثمره في الدراسة والانخراط في النشاطات الفنية والاجتماعية لـ”اكتشاف وبناء الذات.” لا أعرف كيف تستطيع فعل كل هذا (ولا أحبّذه)، إلا أنني أقدّرها، كثيرًا. في الحديث مع الأمهات الصغيرات اللواتي يخبرن عن تجربتهنّ مع الأمومة المبكرة، تعلمت أشياء لم ولن تَقلها لي أمي. تحدثت مع خمسة أمهات صغيرات وأخبرنني كيف تغيرت حياتهن بعد الإنجاب.
ريم، 21
العمر عندما تزوجت: 16
العمر عندما أنجبت: 19
في ضيعتي، الزواج المبكر هو القاعدة. ضَغطت عليّ عائلتي وعمّتي بشكل خاص لأتزوّج عبر إغرائي بفكرة الحياة الزوجية الأشبه بالجنة والتي ستسمح لي أن أحقق ذاتي وأبني عائلة وأتابع علمي. ما إن تزوجت، توقّفت عن الذهاب إلى المدرسة، كنت في السادسة عشرة من العمر فقط. بعد 3 سنوات من المحاولة، أنجبت توأم. أوّلًا كنت أشعر بأن الأمر أشبه بلعبة: تغيير حفاضات وإرضاع الحليب، وعندما ازدادت المهمات، أدركت أنني أصبحت…أمّا. أهلي أتمّوا واجباتهم الأساسية لا أكثر ولا أقل. لم يكن زوجي بجانبي، وكان يعنّفني جسديًا ولفظيًا. فبدأنا معاملات الطلاق ولجأت الى جمعية “كفى”* كنت بحاجة الى من يساعدني، ينقذني، يرشدني.
الأمومة أخذت كل وقتي وحياتي التي كرّستها للتوأم. وأجد أنني خسرت حياتي مرّتين بالإنجاب المبكر: المرّة الأولى بزواجي عن عمر صغير قبل أن أختبر الحياة بكل ما فيها، والمرة الثانية عندما كرّست كل حياتي لأطفالي قبل أن أحقق شيئًا لنفسي، قبل أن أبني نفسي.
بعد الولادة، كنت وحيدة وأصبحت حياتي “ماراثون،” إرهاق ووحدة وتعدد المسؤوليات. هذا بالإضافة إلى القلق المستمر: هل ما أقوم به كافٍ لتوأمي، أكبر مصدر حب وعطف في حياتي؟ كنت أشعر أنه يجب أن أعطي المزيد. لم أملك لا شهادة، ولا عمل، ولا مال، بالنسبة لزوجي الذي كان مسؤولاً عن جميع المصاريف، كنت لا شيء. أن أكون أمّا للتوأم هو أفضل ما حصل في حياتي. الأمومة رائعة، ولكنها جاءت بشكل مبكر. أريد أن أقول للفتيات في عُمري: تابعن دراستكنّ، فالعلم سلاحكنّ الوحيد. أنا سوف أتابع دراستي بمساعدة “كفى” وسأبرهن لهم (أي المجتمع) أنني أستطيع أن “أكون” و”سأصبح” أماً وامرأة ناجحة.
ندى، 19
العمر عندما تزوجت: 16
العمر عندما أنجبت: 19
كنت أعتقد أن أهلي هم الأهم في الدنيا. وبعدما أنجبت، أصبحت ابنتي كل شيء في حياتي. لا زالت في أشهرها السبعة الأولى وهي تمنحني كميّة حنان كبيرة: تستيقظ من دون بكاء وتلعب بشعري وتبتسم لي، أضعها في عربتها الصغيرة خلال التنزه تلتفت إلى الوراء لتنظر إلي طوال الطريق، أقبّلها قبل النوم فتبتسم وتطمئن. أشياؤها الصغيرة تملؤني حب. لا أشعر بالذنب أو الندم لإنجابي المبكر، فهذا كان خيارنا أنا وزوجي.
حين حملت خلال السنة الأولى من دراستي للحقوق، خجلت أن أذهب إلى الجامعة وبطني أمامي، فلم أتابع دراستي. قررت بعدها أن أتخلّى عن مهنة أحلامي – المحاماة – لأنّها تتطلب جهدًا ووقتًا كبيرين، وأفكر حالياً أن أختار تخصصًا آخر أقل تعبًا كاللغة الفرنسية أو الرياضيات. أنا مصممة على العودة إلى الجامعة بعد بضعة سنوات.
حاليًا أبقى مع ابنتي طوال اليوم. وعندما أضجر أغيّر ملابسها وأهتم بمظهرها وألعّبها كدميتي الصغيرة. أقرّ صراحة أنني أفتقد الوقت الخاص للاهتمام بدراستي ونشاطاتي. كما أفتقد الخبرات التي لم أقم بها مع الأصدقاء، والسفرات العائلية أيضًا. على الرغم من كون الأمومة أروع شعور في حياتي، إلا أنها صعبة جدًا وتمتصّ من قوتي الجسدية والنفسية: مثلًا عندما تمرض ابنتي، تبقيني ليالٍ متتالية من دون نوم. ومن كثرة المسؤوليات الملقاة على عاتقي والتعب، أغضب وأصرخ ويضيق خلقي، وأخفق في مداراتها. أحياناً أقلق وأفكر بطريقة تربيتي، وأتساءل كيف سأتصرّف معها وهي تكبر؟ هل هذه الطريقة الأفضل لتربيتها؟ هل أنا أم صالحة؟ كيف سأعلمها أن تواجه الحياة؟ كل هذه الأمور تجعلني أتمنّى لو أنني لم أتحمل تلك المسؤولية الآن. أعتقد أنني لو كنت أكبر عمراً، لكنت تدبّرت أمور حياتي وعائلتي بطريقة أفضل.
ماريز، 22
العمر عندما تزوجت: 20
العمر عندما أنجبت: 21
إخترت وزوجي الانجاب مبكرًا، لأنّ وضعنا المعيشي يسمح لنا بتأمين متطلبات وحاجات الطفل على أكمل وجه. كما أنني لا أحب فارق العمر الكبير مع أولادي، إذ يخلق تباعدًا في وجهات النظر وطريقة التفكير، وأحب أن أكون قريبة منهم، أفهمهم. أضع الكثير من الجهد والوقت في تربية طفلتي، هي نقطة ضعفي وأولويّتي. أحيانًا أبقى بجانبها وهي نائمة، فقط لتأمّلها. أحبّ عندما أغنّي لها وتتفاعل معي، أو عندما تميّزني بين العديد من الأشخاص وتأتي إلي. لم تقف ابنتي بوجه أحلامي وطموحاتي، والوقت الذي يمضي من شبابي معها ليس ضائعًا، بل هو أنجح استثمار في حياتي. لكن هذا ليس خالٍ من الصعوبات. فقد واجهت مشقّات دراسيّة حيث الحضور اجباري والدرس كثيف، وحالتي (أوقات الحبل أو الأمومة) لا تؤخذ بعين الاعتبار، فتغيبت عن بعض الصفوف ورسبت موادها. أما بالنسبة إلى أصحاب العمل، فعندما عرفوا أنني حامل، خافوا من إجازة الامومة ونسوا المهارات والخبرات والكفاءة. ولولا مساعدة زوجي لكنت اكتئبت. فنحن نتناوب الأدوار: مثلًا هو يهتم بـ”آية” في الصباح الباكر وأنا أسهر معها ليلًا. أنا أحمّمها، وهو يطعمها، أو يبقى معها عندما أخرج مع أصدقائي.
جوزيان، 21
العمر عندما تزوجت: 17
العمر عندما أنجبت: 18
اخترت الزواج المبكر وليس الانجاب، لأنني أردت متابعة دراستي. كنا صغيرين أنا وزوجي، وغير واعيين، فحبلت بعد شهرين فقط. عندها قررت تأجيل الجامعة بضعة سنوات. بعد انجابي ابنتي جود، أصبحت هي أولويتي، لأنها تحتاج اليّ، راحتها قبل راحتي. فحرمت نفسي من أمور عديدة كنت أحب القيام بها: كالسهر مع الرفاق والسفر معهم أو مع زوجي… ولكن بعد الولادة، أصبح أطول مشوار عند الأهل أو الى الحديقة.
علّمتني جود معنى الحب والحنان والعطاء، تعلّقت بها كثيرًا وأصبحت حسّاسة حيال الأشياء الصغيرة. أنا لا أعمل اذا أبقى معها طول اليوم: نلعب، نحضّر الحلويات، وأعلّمها عن الألوان والأشكال والموسيقى. تفرحني بعض المواقف حيث تتصرّف بطريقة أكبر من عمرها وبذكاء. فمرّة قلت لها: “ماما عليك حرارة” فأجابتني: “لا، لا ! إنها الشمس، ألا ترين كيف هي على بشرتي؟” وما أواجهه معها الآن صعب: عمرها 3 سنوات وهي تريد أن تفرض شخصيتها واستقلاليتها. وأنا لست صبورة كفاية كي أتحمل، فأغضب وأصرخ ولا أعرف كيف أتصرّف. خصوصًا عندما أكلّمها ولا تجيب. هذا يحزنني لأنني لا أحب تأنيبها، وأنا أمرّن نفسي كي أصبح أكثر هدوءًا وتقبّلًا.
بعدما اختبرت كل هذه الأمور، أدركت قيمة أهلي والتضحيات التي قاموا بها من أجلي، وتقرّبت منهما. قدّرت أمّي كثيرًا. كما شعرت بندم لأنني تزوّجت من دون موافقتهم، حتى ولو كنت سعيدة مع زوجي. فأنا أدرك اليوم المعنى الحقيقي للخوف والقلق على الأبناء. بعض التعليقات كـ: “شو كان بدك بهالشغلة؟” “لا زلت صغيرة على تحمل المسؤوليات” كانت تجرحني من دون أن أعرف كيف أجيب. أمّا الآن أقول في نفسي أنني اخترت طريقي طوعًا ولا أشتكي إلى أحد، فلماذا ما زالوا مصرّين على التكلم بمواضيع خاصة لا تعنيهم، ولا يمكن تغييرها؟
رينا، 18
العمر عندما تزوجت: 16
العمر عندما أنجبت: 17
زال الروتين بعد الإنجاب، مع العلم أن المسؤوليات كثرت. واكتشفت كم أن الطفل يحتاج إلى وقت واهتمام ومتابعة، وكم تتعب الأم خلال عطائها المستمرّ. لكن هناك حبّ ولذة لا يمكن وصفهما: أن أرى قطعة مني تكبر يومًا بعد يوم. علي يملئ حياتي ووقتي، أحبّه كثيرًا.
بعد الولادة ظلّت أمي معي لعشرة أيام. وعندما غادرت بكيت. أحسست أنني وحيدة ولا أعرف ماذا أفعل. لم يكن عندي أي فكرة عن الاهتمام بطفل، ولولا زوجي، لم أكن لأتحمل كل هذا الضغط. هو خفّف عني ولعب دورًا أساسيًا في تقاسم التعب والمسؤوليات.
تغيّبت 20 يومًا عن المدرسة، ثمّ عدت للمتابعة. وأنا أفتخر بأنني الأولى في صفّي، وسأقدّم الامتحانات الرسمية في نهاية هذه السنة. طبعًا أجد صعوبات أوقات الامتحان، لأنني أريد أن أتدبّر أمور منزلي وزوجي وابني، والدراسة تحتاج إلى الكثير من الوقت – تلك هي الفترات الوحيدة التي أترك خلالها الصبي عند جدّيه. لست نادمة، وأنا سعيدة مع زوجي، لأنني كنت أعلم بكل المسؤوليات التي تنتظرني.
وابني لم يحفّزني أن أكون أمًا صالحة فحسب، بل أن أصبح الشخص الذي أريد أن أكونه. في الوقت نفسه، أجد أن تأخير الزواج كان ضروريًا، فالمسؤوليات تزيد كلّما كبر، والوقت ضيّق. (فايس – البيسا المدور)