يحاصرها الخيال في كثير من جوانب حياتها، وتسعى دائماً لأن تحقق لنفسها حياة واقعية سليمة بعيداً عن دوامة العمل ومطالب الحياة، يجري الإعلام بدمها،وتحب الحياة وتحاول الاستمتاع بكل تفاصيل الفرص المتاحة،قارئة جيدة للأحداث تنقلت بين العديد من المحطات من تونس الى غزة ولبنان، ومصر، والأردن، وأسبانيا، وفيتنام، والنرويج، والضفة الغربية لتشكل هذه التجارب شخصيتها الحديدية.
أنتِ لها حاورت الكاتبة والإعلامية المبدعة والجميلة ناريمان شقورة لتطوف معها في شريط ذكرياتها ؛ ولنتعرف عليها عن قرب من خلال الموهبة ،والكتابة، والآمال، والطموحات والتجربة الملهمة للكثيرات.
• من هي الكاتبة ناريمان شقورة؟
إنسانة بسيطة تحب الحياة وتحاول الاستمتاع بكل فرصة متاحة لذلك، ولدت من أم لبنانية وأب فلسطيني، التقيا في لبنان وتزوجا، ثم أتيت لأكون الابنة الأكبر في أسرة مكونة من بنتين و3 صبيان( ناريمان، لنا، محمد، إيهاب، عائد).
أحب الصحافة والكتابة والاطلاع على ثقافات أخرى عبر القراءة ومشاهدة التقارير الإخبارية والوثائقية والسفر ومخالطة جنسيات مختلفة، أحب المشي والموسيقى وتصوير الأماكن الجميلة والمناظر الطبيعية والمواقع الأثرية، واستغلال العطلة في الاستمتاع بالطبيعة والخروج من الأهل والأصدقاء.
• كيف كانت انطلاقة ومسيرة حياة الكاتبة والباحثة ناريمان؟
على الرغم من وضوح السؤال وضوح الشمس إلا أنه صعب، فمن ناحية كنت أحب الكتابة منذ صغري، بمعنى مواضيع التعبير في المرحلة الابتدائية، حيث كانت طالما تحظى موضوعاتي بإعجاب المدرسين وأحصل على علامة عالية في ذلك، وفي مرحلة المراهقة والإعدادية كنت أكتب النثر وأحيانا خواطر تشبه الشعر لكن دون النشر، ومن ناحية أخرى لم أمارس فعل الكتابة المرتبط بالنشر إلا في مراحل متأخرة ربما أثناء الدراسة الجامعية كانت بداية نشري لمقالاتي، ثم بعد التخرج.
درست المرحلة الابتدائية في الجزائر لغاية الصف الخامس، ثم انتقلنا إلى العيش في غزة بعد اتفاق أوسلو، وأنهيت الدراسة الإعدادية في مدرسة المأمونية وهي أشهر وأهم مدارس الوكالة في قطاع غزة، ثم درست الثانوية والثانوية العامة في مدرسة بشير الريس.
وفي 2001 انتقلت للمرحلة الجامعية، وحصلت على بكالوريوس في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية في غزة 2005.
في النصف الثاني من السنة الثانية في الجامعة، توجهت للتدريب الصحفي في مكتب صحافي في غزة وكان للأستاذ سعود أبو رمضان، وتدربت في ذلك المكتب لمدة عامين، تقريبا لغاية التخرج، وأيضا في إذاعة صوت الحرية.
وبعد التخرج، عملت تحت بند متدربة في قسم التحرير وإعداد التقارير بـوكالة رامتان للأنباء وكانت في حينها الأقوى في قطاع غزة، وبعد ذلك عملت في مكتب صحفي بإعداد التقارير الصحفية المكتوبة.
وفي 31/10/2006 غادرت قطاع غزة متوجهةً إلى مصر لاستكمال الدراسة، خرجت من القطاع لأسجل في برنامج الماجستير وأعود، ولكن!! بدأت الأحداث السياسية في الظهور على الساحة المحلية في غزة، فقررت الالتحاق بالدراسة كطالبة انتظام وليس انتساب، والتحقت بمعهد البحوث للدراسات العربية، برنامج الدراسات الإعلامية، وفي 2008 حصلت على دبلوم عالي في الدراسات الإعلامية، وسجلت لرسالة الماجستير، وفي منتصف الطريق، حدث الانقلاب، وغادرت أسرتي قطاع غزة متوجهةً إلى الضفة الغربية بحثاً عن الأمان، وفي نيسان 2009 وبعد محاولات عديدة للتنسيق، دخلت إلى الضفة الغربية لزيارة أهلي، والعودة مجددا لاستكمال رسالة الماجستير التي بدأت فيها وكانت مشرفتي في حينها د.راجية قنديل وهي أحد أعلام الصحافة في مصر، ولكن وللأسف كانت إجراءات التنسيق لحملة هوية (عنوان غزة) صعبة جدا، فبقيت في الضفة الغربية مع أسرتي.
• التحديات والصعوبات التي واجهت ناريمان:
في الحقيقة اعتقد أن مشوار التحدي بدأ مبكراً جدا لدي حيث الطفولة، فليس من السهل أبدا أن يلتحق فلسطيني لم يتم الست سنوات بمدرسة جزائرية هو الوحيد فيها المغترب، وأيضا لا يجيد تلك اللهجة المختلفة تماما عن لهجتنا، كما الاختلاف في طبيعة المجتمع أيضا، والذي لا أنساه أبدا أن معظم الأطفال كانوا يعرفون بعضهم من الروضة أو الحياة وتجمع بينهم صلة القرابة، باستثنائي أنا الوحيدة التي قريب لي أو صديق، فمن هناك بدأ التحدي بالانصهار والاندماج بالمحيط الجديد بل واستطعت التفوق الدراسي في الصفوف المدرسية الخمس الأولى.
وبعد الاندماج التام خلال خمس سنوات بخمس صفوف دراسية، بدأ تحدٍ جديد آخر، بالانتقال إلى غزة في آخر سنة من مرحلة الابتدائي، ومرة جديدة بيئة جديدة وعالم غريب بالنسبة إليّ رغم اللغة الواضحة هذه المرة، فبعد الولادة في تونس والعيش قليلا فيها والتنقل بين بضع دول، والدراسة في الجزائر لمدة خمس سنوات ونصف، وبعد عامين من تعلم اللغة الفرنسية في المدرسة، بدأ التحدي في غزة، بين صف لا أعرف فيه أي طالب أو طالبة ولا نوعية المنهج من قارة أفريقيا إلى آسيا، بالإضافة إلى كل ذلك كان صف السادس قد سبقني بعام بتعلم اللغة الإنجليزية، وكان التحدي أمام هؤلاء التلاميذ والمدرسين الذين رؤوا شهاداتي السابقة وقد تفوقت فيها، وأيضا التحدي في بيتي حيث الرهان أنني استطيع الاندماج والحفاظ على مستواي الدراسي.
ولم ينته التحدي بعد، حيث كان العائدون في تلك المرحلة 1996 وكأنهم ظاهرة، فكان يلتم حولي التلاميذ ويسألونني الكثير والكثير، وكان التحدي بالانصهار معهم وجعلهم يتقبلونني، وبدوري أتقبلهم أيضا فهم يعرفون بعضهم من السنوات السابقة إلا أنا، وفعلت ومنهم ورغم أننا تفرقنا بعد ذلك العام اتواصل معهم حتى يومنا هذا.
وبعد الانتهاء من مرحلة المدارس والانتقال إلى المرحلة الجامعية، كان التحدي الجديد هو الانصهار في الجامعة التي اخترتها بمحض إرادتي رغم اختلافها عني واختلافي عنها، حيث طريقة التفكير والملبس وبعض السلوكيات، لكني فضلتها في 2001 لأنها قوية أكاديميا وكل من سبقوني في التخرج من قسم الصحافة منها هم صحفيون لهم مكان وحضور مهم في غزة، وأيضا نجحتُ في هذا التحدي وأتممت الأربع سنوات دون أي مشاكل بل وكونت صداقات وزمالات اعتز بها.
وبدأت التحديات الحقيقية في نفس العام الذي غادرت فيه القاهرة 2009 وبعد عامين ونصف من الدراسة والتفوق في مصر، وعلى مشارف الانتهاء والحصول على درجة الماجستير، لعبت السياسة لعبتها وأفسدت مخططي، فكنت أحلمُ أن أكون دكتورة في سن الثلاثين، ولكن شاءت الأقدار أن يتأخر ذلك، ولكن وكما يقول المثل الشعبي “في كل تأخيرة خيرة”، لم أنهي الدراسة التي تغربت من أجلها، وعملت في الضفة الغربية في صوت الحرية، ومراسلة صحفية لموقع “صحيفة الشعلة”، ثم في الدائرة الإعلامية في المجلس التشريعي 2009، ثم في قناة الفلسطينية كمحررة أخبار، ومسؤولة الشريط الإخباري، وملف يسمى “أرشيف الرئيس”، وفي هذه الأثناء كان التحدي حيث لم أستغني عن حلمي بإنهاء الدراسات العليا، فبحث في جامعات الضفة الغربية عن تخصص الإعلام ولكن للأسف في حينها لم يكن التخصص متاح كدراسات عليا، فقبلت في جامعة بيرزيت دراسات دولية، وفي جامعة القدس دراسات إقليمية، فتوجهت إلى جامعة القدس (أبو ديس)، قسم الدراسات العربية المعاصرة، ولأني كنت أتمنى الحصول على الدرجة في المجال الإعلامي، حاولت ذلك من خلال اختيار عنوان إعلامي لرسالتي، وفعلا تم ذلك وكان العنوان “تغطية وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي للتغييرات السياسية في المنطقة العربية” وحصلت على درجة الماجستير في 2014 بتقدير جيد جدا، ولم يكن التحدي الوحيد في ذلك هو البدء من جديد دون أي احتساب ساعات دراسية من الدبلوم العالي، ولكن أيضا التحدي، هو التعب الجسدي والإرهاق، حيث أنني أسكن مع عائلتي في مدينة رام الله، وأعمل في مدينة أريحا حيث انتقلت للعمل فيها في أكتوبر 2009، فكنت أخرج من بيتي في تمام السابعة صباحا متوجهة إلى أريحا وأنجز مهامي المطلوبة، وأغادر العمل حوالي الساعة 13:00 متوجهة إلى أبو ديس حيث تبدأ محاضرات الماجستير من 14:00-17:00 وأعود من أبو ديس إلى رام الله، وغالباً ما كنت أعلق في ازدحام منطقتي جبع وقلنديا ووضع الاحتلال الإسرائيلي للحواجز، ما كان يؤدي أحيانا إلى الوصول للبيت في السابعة مساءً وهو قمة الإرهاق خاصةً في فصل الشتاء البارد عندما تتعرض للبقاء في سيارة الأجرة لمدة ساعتين ومرات أكثر.
• كيف تمكنت من التغلب عليها؟
بالإصرار والعزيمة وتخيل تحقيق الهدف، يجعلني أعمل من أجل قطف الثمار، طبعا لا يمكنني تجاهل دعم أسرتي المستمر والتي تشجع دائما على النجاح والتقدم نحو الأفضل، وبعض الأصدقاء الجيدين الداعمين معنويا.
• ناريمان والسفر
• الحياة سفر وتنقلات غربة وتحديات حدثينيا عن هذه التجربة:
الغربة وما أدراكم ما الغربة، ربما هي قدرٌ غريب مكتوبٌ لي، فلقد ولدت أصلا في الغربة حيث لا العائلة فأهل أمي في لبنان، وأهل أبي في فلسطين، ترعرعت فقط بين أحضان أمي وأبي وبصراحة كانوا ولا زالوا لي الوطن والعائلة، وكما يحدثني أهلي لي ولإخوتي، أنه ما نلبث أن نستقر في بلد ما حتى ننتقل إلى بلد آخر بتعليمات من منظمة التحرير، وبعد أن نكون بدأنا بالتآلف مع البلد وأهلها، نضطر بالرحيل مجددا وترك الذكريات خلفنا وأثاثنا وحاجياتنا، والبدء من جديد في مكان جديد وثقافة جديدة وعلاقات جديدة.
أما بالنسبة إلي فكان لي أيضا من السفر نصيب وتجارب، فعندما كنت طفلة تنقلت مع أهلي إلى تونس والجزائر ولبنان وسوريا وقبرص والسودان، أما في نضوجي وبعد العودة إلى الوطن سافرت إلى لبنان، ومصر، والأردن، وأسبانيا، وفيتنام، والنرويج، وفي كل دولة لي تجربة وتعلمت الكثير.
ففي الجزائر وحيث كانت طفولتي التي أذكرها، تعلمت حب الوطن، فكان الغائب الحاضر دائما فكنت مع زملائي الجزائريين نحيي العلم الجزائري واتخيل أنه الفلسطيني، تعلمت من التركيبة المتنوعة لأجدادي حيث جدي اللبناني وزوجته السورية الذين زوجا بناتهما لجنسيات مختلفة، ما جعلنا منفتحين على بعض الثقافات العربية مثل مصر وسوريا والبحرين.
وفي مصر كلما مرة أزورها أعرف أن الحضارة ليست فقط حجارة متراكمة مثل الأهرام أو المعابد بل هي فكر مميز مبدع، فمجرد النحت على الصخور والجدران بتلك الرسومات الساحرة في الأماكن الأثرية فيها تشير إلى عبقرية من كانوا في تلك الحضارة حيث جعلوا رسومهم تقص لنا حياتهم بتفاصيلها اليومية، من عبادة وعمل وتطبيب وتتويج و….الخ، طبعا ولأني مكثت في مصر لمدة طويلة أثناء الدراسة تعلمت المسؤولية والاعتماد على النفس بشكل كبير، فحيث لا أب أو أم أو أخ يجب أن أقوم بكل تلك الأدوار وأحافظ على نفسي من ناحية، وأقضي كل أمور حياتي اليومية وكأني ضمن أسرة من أبسط الأمور إلى أقصاها من شراء حاجيات البيت والاهتمام به وإصلاح ما يخرب وتسديد الفواتير والتعاطي مع المجتمع المحيط والتداوي في حال المرض، وهذا بحد ذاته أضاف الكثير إلى شخصيتي.
سافرت مرة في 2010 إلى أسبانيا ضمن ورشات عمل مكثفة حول التهريب والإتجار بالبشر، هذه التجربة كانت غنية بالمعلومات حول استغلال القاصرات ومن بلن الثامنة عشر حديثا وهن من القرى والمناطق المهمشة من بلدانهم وتحديدا المغرب بسبب القرب الحدودي وإقناعهن أنهن سيسافرن ليتحررن من الحياة الصعبة ويتوجهن إلى الحرية من خلال عصابات البشر، ليجدن عبودية لا خلاص منها دعارة واستغلال وبعد سن معين قد يكون القتل وسرقة الأعضاء، طبعا وسرقة الأطفال من أهاليهم وإيذائهم ببتر أطراف من أطرافهم مثلا، أو تشويه مناطق معينة من أجسادهم للتسول بها، فأدركت ان التسول قد لا يكون أعمالا فردية كما نراها، بل قد تكون أعمال منظمة من قبل عصابات مختصة في ذلك، وبعيدا عن مضمون الورشات العمل تلك، شاهدت للمرة الأولى في العاصمة مدريد نوعاً جديداً من التسول، حيث الفِرق والأشخاص الذين يؤدون عروضاً في غاية الروعة منها الموسيقي ومنها ما يظهر على هيئة تماثيل وبالجوار منها حصالة للمارة، في الحقيقة إنه تسول من نوع خاص.
وفي 2013 كان لي تجربة فريدة من نوعها في السفر، حيث كلفتني جامعة الاستقلال بقيادة وفد طلابي نسائي لمدة 6 شهور في فيتنام، تلك البلد المختلفة عنا تماما في عاداتها وتقاليدها وطعامها وتراثها وديانتها، كانت تجربة لن أنساها من حياتي، لأنها ثرية جدا بالمواقف والأحداث، فعندما تتولى امرأة لم تبلغ الثلاثين بعد في وقتها قيادة 10 شابات طالبات من بيئات مختلفة ومحافظات وقرى الضفة الغربية وفي سن العشرين ليس بالأمر السهل، فلكلٍ منهن بيئتها وعقليتها وأطباعها وشخصيتها المختلفة، وكلهن كانت التجربة الأولى لهن بالسفر، وكانت المدة ليس بالصغيرة، في مكان غريب علينا بالكامل، وعانينا فيه بقصص الطعام وطريقة طهيه وما يتعلق باللحوم والدواجن (الذبح/الصعق الكهربائي)، واللغة أيضا كانت صعبة جدا فالشعب الفيتنامي لا يتحدث اللغة الإنجليزية ولا يجيدها باستثناء القائمين على الدورة، فكان هناك صعوبات كثيرة، وعوائق، وكانت مهمتي الأصعب بين الجميع، كوني كنت لهن في تلك الفترة القائد والمعلم والمترجم أحيانا، والأم والأب والأخت الكبرى، وجميعها تتطلب مواقف متنوعة بين الصلابة والقوة واللين والاحتواء والنجاح.
وفي خلاصة تلك التجربة القيادة ليست لقب يمنح بل هي القدرة على تقييم المواقف واتخاذ القرارات الملائمة في الوقت المناسب والحسم، وهي احتواء مع قوة ترافقها اللين في بعض الأمور.
ومن بين أهم الدروس أن الإنسانية أكبر من الجنس واللون والدين، لأن الشعب الفيتنامي الذي يدين بالبوذية ويأكل ما نحرمه، ويتحدث ما لا نفهمه، هو شعب طيب جدا ويتمتع بأخلاق عالية، ويحاول المساعدة لو بالإشارة ويحب الشعب الفلسطيني حيث التجربة المشتركة بالاحتلال، وأمام كل هذه الصفات تعلمت أن تكون إنساناً لهو أمر كافي.
وفي 2014 سافرتُ برفقة أمي إلى النرويج لزيارة أختي التي كانت مقيمة هناك، وهي دولة جميلة جدا وتتمتع فيها المرأة بحقوق كبيرة، وفي هذه الدولة شاهدت الكثير من الجمال من طبيعة ونظافة وسلوكيات والحريات، فتجد كل الشوارع نظيفة ولا أي شخص يرمي قصاصة ورق في الطرقات، البحيرات فيها ذات مياه نقية وجميلة جدا، تجد الأبيض والأشقر برفقته زوجة ذات بشرة سوداء ومعهم طفل جميل أسمر اللون، تجد امرأة كبيرة في السن وزوجها شاب ويعاملها بلطف كبير، ولا يبالي الرجال هناك بالزواج من مطلقة وأرملة وعندها أولاد من زوجها السابق، فلا توجد تلك التعقيدات الموجودة في مجتمعاتنا والتي ترتبط بالسن واللون والحالة الاجتماعية وغيره .
ولكن لكل شيء ضريبة، والضريبة في هذه الدول المتقدمة باهضة الثمن حيث ومع الإقامة المؤقتة أو الزيارة الطويلة بعض الشيء، استنتجتُ من الملاحظة ومن تجارب المحيطين أن الأطفال هناك خاصةً أبناء الجاليات الأجنبية أي كل من ليس نرويجي هم أبناء الدولة وليسوا أبناء أهاليهم، وتقابلت مع أسرة سلبتها الدولة أبناءها الأربعة لمجرد أن أحد الأطفال أخبرهم في الروضة أنه والده صرخ بوجهه وضربه على مؤخرته، فجاءت المؤسسة التي عني بذلك وهي تحمل اسم (بارنفان)، وأخذت الأطفال جميعهم من المدارس والبيت، معتبرين أن الأبوين لا يصلحان للتربية، وأعطوهم لأسر لا تنجب الأطفال ومؤهلين وفق برامج معينة للتربية، وكل طفل في أسرة جديدة، فتفرق الإخوة وتغيرت أسماءهم وأماكن إقامتهم، وتشتت كل الأسرة وإلى يومنا هذا لا تعرف الأسرة شيئا عن أبنائهم، ولأننا نحن العرب وغيرنا من أجناس لنا عادات مختلفة عن تلك الدول التي نهاجر ونلجأ إليها يكون التكيف صعب وصعب جدا وليس كما يظن البعض أنه ذاهب إلى الحريات، نعم يوجد حريات ولكن تكلفتها النفسية قد تكون مدمرة.
• ما هي السمات التي اكتسبتها الكاتبة من غربتها؟
القوة والصبر والحذر صفات تعلمتها في غربتي، حيث توجب على أن أكون قويةً لأتغلب على مشاكلي والعثرات التي تواجهني، والصبر لأننا في الغربة لا نكون بين أهالينا ليخففوا عنا مشاعر الحنين والاشتياق، ولا من نعرفهم هم حولنا ليساعدونا إذا احتجناهم لذا علينا الصبر والتروي، والحذر لأنك في غربة قد تكون مطمعاً للبعض كسرقة وتحرش واستغلال وغيره.
• المرأة في فلسطين ومسيرة الكاتبة ناريمان؟
بدأت الكتابة الجدية والنشر أثناء دراستي في الجامعة، وبعد التخرج وتحديداً في مصر بدأت انشر كتاباتي وكانت متمثلة في مقالات متنوعة تحاكي المجتمع وبعض الظواهر الاجتماعية، بالإضافة إلى بعض القضايا السياسية، وفي مصر انضممت إلى اتحاد الكتاب الآسيوإفريقيين، كما كتبت القصة القصيرة (الكترونيا)، وبعض الخواطر والنثر التي انشرها بشكل شخصي وليس في المواقع الإلكترونية أو المجلات المختصة.
• أبرز المحطات التي ركزت عليها ناريمان في كتاباتها حول المرأة؟
أحب أن تكون المرأة منصفة في المجتمع وألا تكون تابعاً دون رأي، ودائما أركز على أن تكون صاحبة هدف تسعى إلى تحقيقه، وألا يكون الزواج والفستان الأبيض أقصى أحلامها، ونبذت عبر كتاباتي تعنيف المرأة ومصادرة آرائها وحقها في اختيار الشريك والدراسة ونوع العمل، وحثثت في كتاباتي المرأة على المطالبة بحقوقها والسعي لنيلها.
• العنف في فلسطين بحق المرأة كيف جسدته ناريمان؟
من خلال المشاركة في دورات تدريبية وورش عمل حول حقوق المرأة والعنف ضد المرأة ودور الإعلام في القضاء على ذلك العنف، لمست أن هناك نساء معنفات في مجتمعنا الفلسطيني من الزوج ومن الاب ومن الأخ، وتحديدا من الزوج ولأن المجتمع ذكري بشكل عام فإن المرأة تخاف من اللجوء للقضاء والشرطة من العائلة حيث اللوم والعتاب وحثها على التحمل وتقبل الأمر غالبا وهو ما يزيد الأمور سوءاً حيث يفترض أن الأسرة هي المظلة التي تحتمي بها المرأة، طبعا ويوجد حالات قتل وضرب لأسباب عديدة منها الميراث ومنها ما يسمى قضايا الشرف، وأمور أخرى.
وحاولت دائما حث النساء عبر كتاباتي ومنشوراتي في مواقع التواصل الاجتماعي إلى الانتفاض لكرامتهن ورفض أي نوع من الامتهان.
• توجيه الشباب نحو سلوكيات إيجابية كيف تنصحين بذلك؟
هناك طرق شتى يمكننا توجيه الشباب فيها لسلوكيات إيجابية تفيدهم وتفيد المجتمع، ومنها البدء من الأسرة نفسها من خلال مصادقتهم وحثهم على السلوكيات الإيجابية مثل المساعدة في المنزل، احترام الجيران وتقديم العون لهم لو تطلب الأمر، وكف الأذى عن الطرقات و…غيرها، وطبعا للمدرسة دور مهم في ذلك وفي مراحل مبكرة حتى تتأسس أجيال مؤهلة نحو سلوكيات الشاب في المجتمع، وأما الدور المهم جدا فيتوجب أن تلعبه وسائل الإعلام باختلافها وتنوعها بين المرئي والمسموع والمطبوع ووسائل الاتصال الحديثة وما تتضمنه من مواقع التواصل الاجتماعي التي تحظى بشعبية كبيرة فيمكن من خلالها بث فيديوهات ومنشورات ذات قيم ومبادئ معينة، فيجب أن يكون هناك تضافر للجهود لتوجيههم نحو سلوكيات محببة.
• كتبت أيضا عن ألعاب الترفيه وأدوات العنف كيف شخصتي هذا الواقع وما هي نصائحك بهذا الاتجاه؟
بصراحة متناهية لدي الكثير من الملاحظات على الألعاب الترفيهية الانترنتية لما تبثه من روح عنيفة لدى الشباب واللاعبين، ولا أرى فيها سوى مضيعة للوقت وتعزيز للعنف، ولا أدري ما هي المتعة في القتل وإراقة الدماء، والفوز بناءً على أكبر عدد تصفية؟؟؟
هل هذا ما نريده أن نصبح يوما بعد يوما وباللا إرادة قتلة؟ البوكيمون، والبوبجي، والحوت الأزرق وهي الأخطر لأنها تجعل من اللاعبين عبيداً لتنفيذ الأوامر بعد استغلالهم عبر البوح بأسرارهم للقائمين عليها ومن ثم تجنيدهم كيفما يشاؤون وسمعنا عن حالات ربما ليست في فلسطين لكنها في دول عربية ومجاورة حول قتل الأخ لأخوته، والانتحار وعمل سلوكيات منبوذة أخرى؟؟ وكلها تصب في هدم الإنسان ومنظومة القيم الأخلاقية.
وهنا يتوجب علينا كلنا المشاركة في نشر الوعي بمخاطر هذه الألعاب التي تسرقنا رويداً رويداً من إنسانيتنا، كما أنها تعزلنا عن مجتمعاتنا الحقيقية وتأخذنا إلى عالم افتراضي، ناهيك عن الأضرار الجسدية والنفسية والاجتماعية المترتبة عليها، ولا يمكن تجاهل التجنيد في الأعمال الإرهابية من خلال بعض الألعاب، لذلك أكرر أن الوعي مهم جدا وليكن من خلال الإعلانات الممولة وغن كانت مكلفة لكنها تستحق لأنها تحمي أبناءنا، وعلى الآباء مراقبة أبناءهم بحذر وبطرق غير مباشرة، لأن الممنوع مرغوب دائما، وعلى الإعلام والمختصين عمل دراسات استطلاعية ودراسات تحليلية حول ما يجعل الشباب يتجهون إلى تلك الألعاب ويدمنون عليها، ومن ثم العمل على إرجاعهم إلى الواقع، أو العلاج من جنس الداء، بمعنى ابتكار ألعاب جميلة وجاذبة مضادة بمعنى حمل قيم جميلة بعيدة عن القتل كزراعة أراضي قاحلة، بناء مباني جميلة، وعمل حدائق ومرافق عامة، مساعدة الأطفال وضحايا الحروب وليس عمل حروب، وإعادة إعمار الأماكن المدمرة والمهجورة وغيرها من القيم البناءّة، وأكرر للإعلام والقائمين عليه مسؤولية كبيرة في بث برامج متنوعة تحمل رسائل ذات معنى وقيمة ومن خلال البرامج المفضلة التي يحبون متابعتها، وربما عمل برامج ترفيهية منافسة تأخذهم من تلك الألعاب رياضية ومسابقات وخلافه.
• الكتابة النقدية ومتى تقبلها في مجتمعنا؟
مثلها مثل أي شيء آخر يلقى قبولا عند البعض ورفضا من البعض، وغالبا المواضيع التي تحث النساء على رفض الظلم والامتهان يرفضها الرجال ويعتبرونها نوع من التحريض والاستقواء عليهم طبعا مع وجود القليل من الرجال المؤيدين، بينما تلقى استحسانا عند النساء وخاصة المظلومات اللاتي تحتجن لمن يتحدث عنهن ويشجعهن على الخروج من صمتهن والتحرر من ذلك الواقع الذي فرض عليهم.
• الكتابة العادية في عصر “السوشيال ميديا” في واقعنا الفلسطيني؟
الإعلام الجديد ومخرجاته يساهم بشكل كبير بنشر المعلومة المراد نشرها بشكل سريع وواسع الانتشار، لذلك إذا ما أُدير استخدامه بشكل مدروس وصحيح فإنه يؤتي نتائج جيدة وناجحة وذلك لما تحظى به من شعبية واسعة تطغى أحيانا على وسائل الإعلام التقليدية طبعا لما يتمتع به هذا العصر من تقنيات وتكنولوجيا وعناصر جذب والأهم التفاعلية بين المتلقي والجمهور، لذا في تقديري أن الكتابة في تلك المواقع تلقى صدى خاصة إذا أُحسن استخدامها بما يتوافق مع السوشيال ميديا وخصائص مستخدميها والأوقات الخاصة بالنشر مع مراعاة الوضع العام، فعلى سبيل المثال ليس من المحبب نشر موضوع يتعلق بالألعاب مثلا في عز الاجتياحات من قبل الاحتلال، فيجب مراعاة عدة أمور لاستخدام السوشيال ميديا.
أما من بين أهم المآخذ على مواقع التواصل الاجتماعي هو عدم وجود خاصية حقوق الملكية الفكرية وبالتالي سرقة المواد وإمكانية التلاعب فيها وتحريفها من جهة، ومن جهة أخرى المصداقية ليست عالية فيها حيث اللامراجعة واللا تدقيق.
أما عن الكتابة في الوسائل التقليدية مثل الصحف والمجلات والكتب بالتأكيد أنها تأثرت سلباً بظهور الإعلام الجديد الذي استقطب الجماهير، ولكن كما لم يستطع التلفزيون أخذ جمهور الراديو رغم سيطرته، فقد ظل هناك قراء يحبون الاستمتاع بالصحيفة والكتاب، وإن كانوا أقلاء لكنهم موجودين وينتظرون دائما مواضيع جديدة تحاكي احتياجاتهم.
• تطرقت أيضا لاستحداث وتحديث القوانين ما الذي لامستيه ويحتاج لتحديث؟
بعض القوانين الفلسطينية تحتاج إلى إعادة صياغة بما يتواءم مع الحالة الفلسطينية حيث تتبع غالبية مواد القانون الفلسطيني إما للقانون المصري أو القانون الأردني، وهناك قوانين تخص النساء كانت ولا يزال بعضها بحاجة إلى تعديل، وهنا نشكر فخامة الرئيس محمود عباس الذي ألغى قانون 308 “الزواج من المغتصب” الذي كان يجعل الضحية تعيش في ظلم أكبر فبعد أن تم اغتصابها يتم تزويجها بالمغتصب بمعنى أنها ضحية مرتين فكيف للضحية أن تتعايش مع جلادها؟؟؟
وأيضا جرى تعديل على المادة 99 وهو مهم جدا حيث كان سابقا يحظى المجرمون بتخفيف العقوبات على خلفية القتل بما يرتبط بـ”قضايا الشرف” ما يعني أنه لا تهاون مع قتل النساء وهو أمر مهم جدا.
ولكن طبعا نحن بحاجة إلى سن قوانين جديدة أو تعديل مواد ونصوص قانونية ترتبط بالأسرة والزواج والطلاق وتبعاته من نفقة واستخراج الأوراق الثبوتية، والمعاملات البنكية وغيره، حيث تعاني الكثير من المطلقات الحاضنات لأطفالهن من صعوبة استخراج جواز سفر مثلا وأمور أخرى، أو حتى التسجيل في المدراس وغيرها كلها تحتاج إلى إذن الأب الذي غالباً ما يكون غير مبالي وغير مسؤول، فماهذا الظلم، بأن المرأة التي تحمل وتنجب وتنفق بعد الطلاق على أولادها وتربيهم بمفردها لا تستطيع حتى السفر فيهم دون إذن الأب؟
– ما هي أبرز التوصيات التي تقدمها الكاتبة ناريمان؟
• هناك مواضيع مهمة تمس المجتمع بشكل مباشر ومهم يجب على الإعلاميين والكتاب عرضها على الجمهور والحديث عنها مع تقديم حلول، فلسنا نريد فقط طرح المشكلات ولكن أيضا يتوجب علينا المساعدة والإسهام في حلها.
• التوجه إلى صناع القرار ومخاطبتهم عبر وسائل الإعلام واستضافتهم في برامج حوارية وجادة لشرح البعض من قرارتهم التي قد تكون غامضة للجمهور.
• الكتابة ليست وسيلة للشهرة بل هي لسان من لا يجيدون التعبير أو من يعجزون عن التعبير لأسباب كثيرة منها الخوف من المحيطين ومنها عدم امتلاك القدرة على ذلك وغيره، لذا يجب أن تحاكي هموم الناس ومشاكلهم.
• الإعلام القوي الناجح هو الذي يسهم في عملية التنمية من خلال ما يقدمه، فليس المهم شكل المذيعة الجميل، ولا الديكور الأنيق بقدر ماهو المضمون المقدم وبأي طريقة قدم.
• هل اكتفت ناريمان بدرجة الماجستير؟ وماهي مخططاتك؟
في الواقع قد سجلت في مصر حديثاً لاستكمال دراستي العليا والحصول على درجة الدكتوراة في مجال الصحافة والإعلام، وبإذن الله سأحصل عليها، أما عن مخططاتي ساستمر بالكتابة في مواضيع شتى ومتنوعة وربما أتوجه في وقت لاحق للكتابة المتخصصة في القضايا الاجتماعية التي تمس حياة الناس وتؤثر على نسيج المجتمع، وقد أتوجه في المستقبل لكتابة رواية مثلا أو تأليف كتاب في جانب معين.
• عندما تسأل ناريمان، من أين أنتِ، ماذا تجيب؟
ههههههههه سؤال جميل، في الضفة الغربية يصفني البعض بالغزاوية، وفي غزة سابقاً كانوا يصفوني بالمجدلاوية، إذا سئلتُ وأنا في سفر أجيب فوراً من فلسطين، أما لو في الوطن عندما يسألني أحدهم من أين أنتِ أهدأ قليلا وأجيب، الأصل من المجدل (عسقلان) وسكان رام الله، فأنا اعتز كثيراً بمدينة أجدادي وأحرصُ دائما على التمسك بحق العودة من خلال الحديث عن مدينتي الأصلية وهي التي تذكرني ما ظل عقلي سليما أنني لاجئة ومُهجرة ولدي حق مثل كل شعبنا الفلسطيني وهو حق عودة اللاجئين، أما عن رام الله فهي المدينة الجميلة التي أعيش فيها مع أهلي الرائعين الذين لو لم أكن ابنتهم، ما حققت ما أنجزته إلى يومي هذا، وأنا ورغم الانقسام ووجعه الذي تدفع ثمنه معظم البيوت الفلسطينية، إلا أنني محظوظة بالقدوم إلى الضفة الغربية والتعايش مع الشق الآخر من الوطن، وهذا بحد ذاته جعلني أوسع اطلاعاً في واقعنا الفلسطيني.
• لم تولد ناريمان ومعظم إخوتها في غزة، لكن عاشت فيها، ما الذي تعنيه غزة لك؟ وكيف أثرت السياسة على حياتكم؟
نعم ولدت أنا وثلاث من إخوتي في الخارج، لكن وبعد اتفاق أوسلو وعودة منظمة التحرير إلى فلسطين وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، أول مكان عدنا إليه هو غزة، حيث عائلتي (شقورة)، لأن العائلة الكبيرة بعد التهجير والنكبة، هاجروا من مدينة المجدل عسقلان إلى قطاع غزة واستقروا فيه.
غزة تعني لي الكثير والكثير، الحب الخالص من المصالح، وصلة القرابة، والبحر والسمك، النخوة والمروءة، ذكريات مليئة بالدفء من الجيران والأهل والأصدقاء، لكن وجراء أحداث 2007 وحيث كان والدي في منصب قيادي، وتعرض لمحاولة قتل وكان في حالة خطيرة، غادر لتلقي العلاج في الضفة الغربية بعد أن قتل رفاقه ونجا من عملية اغتيال، وبقينا فترة أسبوعين لا نعرف شيئا عنه وكنا في حالة رعب وخوف شديدين، أنا وأختي وأخي كنا خارج القطاع، وظلت امي مع أخوَي الصغيرين في غزة وكنا نحن الثلاثة الكبار ندرس في الخارج، ولاحقاً وبعد اتصال هاتفي عرفنا أنه خرج من غزة، وكانت الأحداث وقتها دامية تشبه الحرب الأهلية ويسودها الخطر كما تقص لي امي وإخوتي، إلى أن تمكنت من زيارة والدي بعد أشهر لمدة يومين، وبعد عام كان هناك زيارة لأمي لأبي ومجرد أن خرجت من المنزل ووصلت إلى الضفة الغربية، ما مر يوم إلا وعلمنا أن عناصر من حماس وتحت تهديد السلاح استولوا على منزلنا في تل الهوا، بكل ممتلكاته وعلى السيارة الخاصة، ورغم أن أمي لم تخرج أغراضنا من البيت عندما توجهت إلى الضفة كزيارة قصيرة، لكن كانت كل بيوت من يعملون في السلطة ومن ينتمون إلى حركة فتح تحت المراقبة، وبعد ذلك وبظروف صعبة استقرت امي برفقة أخوي الصغيرين في الضفة الغربية في 2008.
– كيف أثرت السياسة على حياتنا؟
بكل تأكيد أثرت السياسة كثيرا على حياتنا جميعنا في المنزل، فعندما غادرت للدراسة في 2006 كنت ذاهبة لمدة أيام وكحد أقصى شهر للتسجيل (انتساب) تعليم عن بعد والعودة إلى غزة، وما أن خرجت بدأت بعض الأحداث السياسية الفلسطينية، وبدأ معبر رفح بالإغلاق، فقررت الأسرة أن أظل في مصر، وكنت قبلها غادرت من منزل في حي النصر وانتقل أهلي إلى منزل في تل الهوا كنت قد اخترت غرفتي الجديدة ولكني لم أقضي فيها يوما واحداً حتى، ولم أسكن ذلك البيت الذي كان جميلا كما وصفوه لي، لم آخذ أي شيء من أغراضي العزيزات ولا أي شيء، وهذا ما تكرر مع والدتي عندما ذهبت لتطمئن على أبي بعد عام، تم الاستيلاء على المنزل بأثاثه وأغراضه وألبومات الصور التي تحمل ذكريات الخارج كله منذ خطوبة والدي حتى آخر أيام لنا في الخارج، وأخرى في غزة، مقتنيات أمي المميزة من والقليل من المجوهرات ذات الدلالات المعنوية والذكرى الجميلة، وتحف وتراثيات من هنا وهناك كلها ذهبت، كان لدي حقائب كبيرة احتفظ فيها بأهم الهدايا على مر حياتي في غزة والقطع المميزة منذ طفولتي حتى يوم غادرت غزة، مع بعض الأمور الأخرى حيث اعتاد اللبنانيون والسوريون تجهيز بعض المناشف والشراشف للبنات حتى يأخذهن معهن بعد الزواج، وكانت أمي تحتفظ لي ولأختي بالقطنيات وبعض ما يتعلق بأغطية الطاولات وما شابه، كلها تم الاستيلاء عليها، صناديقي الخشبية ودفاتر الذكريات التي احتفظت فيها لسنوات وسنوات ذهبت ولم نعرف مع من ولمن.
أما الأهم من كل هذا قضت الأحداث والانقسام على حلمي بأن أكون دكتورة في سن الثلاثين، فكان ذلك أحد أهم طموحاتي، أن أنهي الماجستير وأسجل للدكتوراة وأحصل عليها عند الثلاثين، لكن هذا لم يحدث فكما أخبرتكم سابقا زيارتي لأهلي في 2009 لم استطع بعدها السفر مجددا، رغم أن كل حاجياتي الجديدة في مصر التي مكثت فيها من أواخر 2006 وحتى نيسان 2009، وكأن الترحال قدرنا حتى الماجستير الذي كنت على مشارف إنهاءه في صيف 2009، لم أحصل عليه كما أردت.
طبعا لا يمكن حذف من الذاكرة كل الألم الذي مررنا به من خوفنا على والدنا، ومن الاستيلاء على بيتنا بكل مقتنياته إلى أن انتهى الأمر ببيعه بخسارة كبيرة، وبدء حياة جديدة في الضفة من الصفر، تأجير شقة سكنية وتأثيثها و…..الخ، وأيضا تلك الأحداث الدامية بشكل عام مؤسفة وحزينة ولا تنسى.
كما ان لنا تجارب مرة أيضا في التنقل والسفر ففي بادئ الأمر كنا نحمل هويات عنوان الإقامة فيها غزة، فكان دائما هناك توتر بسبب الحواجز الإسرائيلية، أما السفر هو بحد ذاته كان قصة معاناة حيث نحتاج إلى تنسيق مع الجانب الإسرائيلي، وعدم ممانعة لدخول الأردن و……الخ، ثم وبعد مرور سنتين ثلاثة تم تغيير العنوان وبدأت المعاناة تخف.
ولكن الحمد لله أن والدي عاش وظل في خدمة المؤسسة الأمنية إلى أن وصل سن التقاعد على رتبة لواء حديثا، وأنا تدرجت في العمل الوظيفي في الضفة الغربية على أن أصبحت اليوم محاضرةً فيها بعد العمل كمسؤول للإعلام في بداية عملي مرروا بتأسيس العلاقات الدولية فيها برفقة المدير، وفي كل تلك السنوات منذ 2009 إلى يومنا هذا وأنا أحرص دائما على تعلم كل ما هو جديد أو تحديث معلوماتي في قضايا إعلامية وقضايا المرأة من خلال المشاركة في دورات تدريبية ووش عمل ومؤتمرات.
ولكن ربما الله أراد لنا ولغيرنا هذا والحمد لله، اليوم تغيرت توجهاتي فيما يخص العمر والدراسات العليا، فأصبحت أفضل أن الحصول على الدكتوراة تحديداً ربما يفضل بعد سن الثلاثين حيث سن النضوج والتجارب والخبرة في العمل كلها ستساعد الباحث في إعداد دراسات أكثر نجاحا.
الحب والارتباط
• هل للحب والارتباط مكان في حياة ناريمان؟ وهل مرت بتجربة حب؟
ربما انشغلتُ في مرحلةٍ معينةٍ بالتعليم والعمل حيث كنت حريصة على النجاح وبناء المستقبل ولم التفت إلى موضوع الزواج بعد التخرج رغم أنني وأثناء الدراسة في الجامعة كان هناك عروض زواج عديدة، لكن لم تكن تعنيني.
ومن منا لم يمر بتجربة حب؟ إن الحب أمر جميل يغذي الروح والقلب، وأنا أشعر دائما أنني في حالة حب وليس بالضرورة أن تكون دائما بين المرأة والرجل فقط، فأنا محاطة دائما بالأسرة والتي اعتبر بأنني محظوظة فيها بوالديّ وإخوتي حيث الحب والدعم والاهتمام بي، كما محاطة بالأصدقاء المحبين، وبالتأكيد مثلي مثل الكثيرات من الفتيات إن لم يكن جميعهن، طُرِق بابي، ومررت بتجارب تعارف من أجل الزواج وقبل الخطوة الرسمية مثل عقد القران والزواج كنتُ أُرجحُ عقلي عن قلبي لأن الزواج لا يقوم فقط على الحب وحده بل يوجد مقومات لا بد من توافرها، ولستُ أغلق بابي أمام الحب والارتباط، ومن وقت لآخر يكون هناك محاولات من البعض للارتباط وأعطي فرصة لذلك ولم أجد الشخص المناسب لي بعد، فشريكي المستقبلي يجب أن يدعم طموحاتي ويساعدني في تحقيقها وإن كان ذلك معنويا، وفي رأيي دائما ورغم أهمية الحب أن الاحترام أهم من الحب، بمعنى احترام المرأة في وجودها وغيابها وحمايتها واحتوائها وعدم السماح لأي مخلوق بإيذائها أو إيذاء مشاعرها، ومن المهم أن يكون الشريك في رأيي يتمتع بحس المسؤولية لإدارة منزل وأسرة.
• رسالتك للمرأة الفلسطينية:
كوني أنتِ وفقط أنتِ، ثوري وتمردي على التبعية غير المبررة، اختاري لنفسك ما تحبين دراسته وما تحبين ارتداءه، لا تسمحِ لهم بتزويجك ممن لا تتقبليه، لا تسمحِ لهم بسرقة سنوات شبابك بتزويجك من مسن وأنتِ شابة، إذا تزوجتِ وتعرضتِ للضرب والإهانة اكسرِ حاجز الصمت وتوجهي إلى الأسرة وإن لم تنصفك توجهي إلى اقرب مركز شرطة وضعي حداً، إذا كنتِ مطلقة طالبي بحقوقك فإن بعض المواد القانونية الحديثة في صالحك ويوجد صندوق نفقة يساعدك في الحياة، لا تسمحِ باستغلالك مقابل مساعدتك، لا تسكتِ عن التحرش، لا تفقدِ أنوثتك وسط ضجيج الحياة وزحام المتطلبات بين البيت والزوج والأولاد والعمل، دللِ نفسك وأعطِها حقها، اجعلِ راتبك الذي تتقاضيه بعد تعب وعمل مرهق لكِ بالدرجة الأولى ثم لمن يستحق من بيت وزوج وأولاد أو حتى أهل، فلا تعطي بطاقة الصراف الآلي لأحد، ولا تتزوجي من أجل الهروب من لقب عانس، ولا تسمحي بتعزيزه فيمكنك استبدال العنوسة بالعزوبية ولتعلمِ أنها قد تكون نعمة مقابل الزواج غير المتناسب وغير المتكافئ، اقرئي وتثقفي وتعلمي الجديد، فالعلم لا ينتهِ، كوني شريكةً في الرأي كما أنت شريكة في الدفع داخل بيتك فمن حقك إشراكك في كل ما يخص أسرتك، اجعلِ لنفسِك أهدافا واعملِ على تحقيقها، تيقني دائما أنكِ جميلة ولستِ بحاجة إلى عمليات تجميل قد تؤدِ بحياتك، لا تستغني عن أحلامك ولا تستلمي للظروف وانهضِ مجددا، ابتكري أصنافاً جديدة في مائدتك ونوعيها، غيري بين فترة وأخرى في إطلالتك حتى لا تكوني رتيبة، قاتلي من أجل أن تكوني أنتِ، أحبي نفسك واجعلي لها وقتاً خلال كل إرهاصات الحياة.
شكرا لكل الأمهات الفلسطينيات الصابرات أمهات وزوجات الشهداء والأسرى اللاتي يمدننا بالطاقة والحب والتفاني من أجل الوطن، شكرا لكل الأرامل اللاتي نجحن في تربية أبنائهم تربية صالحة.
• رسالتك لمجلة أنت لها؟
شكرا لكم لاهتمامكم بالمرأة وقضاياها، وتسليط الضوء على النماذج الناجحة، دمتم بهذا التألق وبانتظار المزيد من النجاح والتقدم نحو امرأة حرة ذات رأي وقرار وقدرة على النجاح.
وأهنئكم على جمال وتنوع موقعكم الالكتروني.