في إحدى زوايا مكتبة بتير العامة غرب بيت لحم، هيّأت الحكواتية مريم معمر زاوية يملؤها السجاد الأحمر التراثي، وبعض الأزياء الشعبية معلقة على الحائط وقليل من الأدوات الزراعية التي كانت تستخدم قديما، في أجواء تعيد للأذهان البيوت الفلسطينية العتيقة.
“تعلمي سر النضال تعلمي واصبري على المر ولا تتألمي… ويا بنت فلسطين النضال خواتك لينا ومنتهى ودلال… وجمّع يا رمز التحدي والقتال في وسط المسيرة وبسرعة تقدمي… مين غيري وغيرك للمعارك مين… ما بنخاف الموت ما بنخاف الموت بحطة ملثمين… ولو زاد القتل برصاص المجرمين عَلّي الراية فوق وظلي تعلمي“.
بهذا الموال افتتحت الحكواتية معمر حكايتها للأطفال الذين سبقهم شغفهم للحضور بكل حواسهم لتحملهم الحكاية إلى زمن الماضي الجميل الذي تملؤه البساطة.
وتقول: بداية تعلقها بالحكايات الشعبية بدأت منذ نعومة أظفارها، حيث عاشت طفولتها في بيت على رأس جبل لا تتوفر فيه الكهرباء، والوسيلة الوحيدة لتسليتها هي وعائلتها كانت حكايات أمها وجدتها، مضيفة أن علاقتها مع الطبيعة غرست في نفسها حبها لهذا النوع من السرد القصصي، فطريقها الطويل إلى المدرسة جعلها تتأمل الجبال، والوديان، والسهول، والأشجار، فبلدة بتير تشتهر بطبيعتها الجذابة وسلاسلها الزراعية الرومانية فأُدرجت على قائمة التراث العالمي في “اليونسكو”، فهذه الأجواء كانت الملهمة لخيال معمر.
وأشارت إلى أن كون والدها رئيس فرقة بتير للتراث الشعبي الفلسطيني آنذاك جعلها تتعلم المواويل وتحفظها.
وتابعت: العام 2014 انضمت لمكتبة بتير العامة، فغاصت في القصص العالمية، وبعد كل كتاب تروي لأطفال المكتبة القصص بأسلوب سردي سلس بمساعدة “مؤسسة تامر”، الذين اقترحوا عليها تنظيم دورة تدريبية ضمن مشروع “جمع الحكايا” خلال العام 2016، حيث جرى التدريب على يد أمهر الأساتذة، من بينهم حمزة العقرباوي، وشريف كناعنة، ودنيس أسعد، وكان يعتمد على أسلوب المجاورة أي تبادل الخبرات والتجارب والمعلومات في هذا المجال.
وبكل شغف تقول الحكواتية أنها بدأت بالعمل مع بلدية ومكتبة بتير ضمن مشروع خطة بتير التنموية الذي يهدف إلى جمع وتوثيق الموروث الثقافي، فحملت بذلك على عاتقها مسؤولية مجتمعية كبيرة فهي تجمع المواويل والحكايات من الأجداد والجدات فهم بحسب وصفها كنز ثمين ويجب المحافظة عليه من خلال توثيقه وتوريثه للأجيال القادمة، “من لا ماضي له فليس له حاضر ولا مستقبل“.
وتضيف أن أهم أدواتها كحكواتية هي العيون، فهي وسيلة الاتصال الأولى بينها وبين المتلقي، ثم الصوت، فمن المهم اختيار نبرة الصوت المناسبة لكل مقطع من مقاطع الحكاية للفت الانتباه، وجذب تركيز السامع، مؤكدة أن أهم عوامل نجاح الحكواتي الشجاعة وسرعة البديهة وتدارك الموقف في حال نسيان أجزاء من الحكاية.
وعن المهرجانات التي شاركت فيها، ذكرت معمر عددا منها، وهي: مهرجان حكايات الماء والأرض، ومهرجان نوّار نيسان بعنوان ثلاثون عاما وثلاثون حكاية، والذي تضمن حكايات الثوار والمطاردين إبان الانتفاضة الأولى، ومهرجان الراوي في معهد الشارقة للتراث وكانت مريم الفلسطينية الوحيدة ممثلة عن دولة فلسطين في الإمارات، ثم شاركت في الملتقى التربوي الأردني الذي أقيم في عمان وجرش.
وتتطلع إلى إنشاء فرقة للتراث الشعبي الفلسطيني بأنواعه المختلفة، وتشييد معهد تراثي لدراسة وجمع الموروث الثقافي وتوثيقه، وإقامة متاحف وطنية للاهتمام بالموروث المادي الفلسطيني.
وأكدت أن الحكايات الشعبية هي حلقة الوصل الحقيقية بين الأجيال في ظل الانجرار خلف التطور التكنولوجي، كما أنها تؤكد تجذر شعبنا في أرضه، فهناك الكثير من الحكايات التي سطرت بطولات الثوار الفلسطينيين من خلال جمعها من ذويهم أو منهم أنفسهم.
من جانبه، قال مدير وزارة الثقافة في بيت لحم زهير طميزة “إن الحكاية الشعبية تتحدث عن جانب مهم من التراث الثقافي غير المادي المرئي، وهو عكس التراث المادي الذي يبقى ظاهرا للعيان لآلاف السنين كدير قرنطل وقصر هشام، بينما التراث الشعبي الشفوي هو أكثر عرضة للاندثار.
وأشار إلى أن وجود حكواتيين في فلسطين من جيل الشباب كمريم معمر هو أمر حيوي ومهم للحفاظ على ديمومة التراث الشعبي الفلسطيني، ونقله للأجيال القادمة”.
وأضاف طميزة أن وزارة الثقافة تولي اهتماما كبيرا بهذا الجانب فيتم التعاقد مع باحثين وكتّاب وأدباء لتوثيق التراث الشعبي، ويتم عقد الدورات التدريبية لإعداد حكواتيين لنقل الحكاية الشعبية للأجيال القادمة، موضحا أن الحكايات الشعبية ستكون حاضرة ضمن برنامج بيت لحم 2020، فالمدينة ستكون مسرحا على مدى عام كامل للعروض المختلفة كعاصمة للثقافة العربية، لما لها من أهمية دينية، وثقافية، وتاريخية، وسياحية.
وبيّن أن وزارة الثقافة تتعاون مع وزارة التربية والتعليم لإدخال الحكاية الشعبية على الطلبة في الصفوف الأساسية والوسطى لتشكيل وعي لديهم بأهمية الحفاظ على التراث الشعبي غير المادي.
–
س.ك
المصدر: وكالة وفا: وعد الكار.