قد يختلف الكثيرون معي….وقد يعتبرون نظرتي سوداوية..أو أنني أبالغ في ردة فعلي…
إلا أنه لا بد لي من هذه الوقفة للحديث حول هذا الموضوع…فقد تفاقم الخطب…وأصبح الناس مفتونين به…غير هداة ولا مهتدين!!!
يقول عز وجل في كتابه العزيز: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم).
فكرة المجتمع النمطية عن إنجاب الإناث
ويقول قائل: مالنا ولذلك…وأد البنات كان سمة في الجاهلية وقبل الإسلام…وعندما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة السماوية؛ حارب هذا السلوك، وانتهى هذا السمت من المجتمع.
ومن خلال عملي اليومي كإختصاصية أمراض نسائية وتوليد؛ اأستطيع أن أؤكد أنّ هذه الظاهرة أصبحت تنتشر بشكل أكبر في مجتمعنا. تتغلغل في أفكار شباب الجيل الحديث، بعمق أكثر مما كان يفعل آباؤهم.
يومياً ومن خلال متابعاتي للسيدات الحوامل، _ومعظمهن لا تتجاوز أعمارهن العشرين أترقب ردة فعلها الأولى عندما أزف لها خبر جنس وليدها المرتقب.
فإذا كان المولود ذكراً، فإنها تتنفس الصعداء وتحمد الله، وتنظر إلى زوجها نظرة الانتصار والسعادة، أنها استطاعت أن تحقق له رغبته.
أما إذا كانت أنثى، فيسود صمت رهيب في العيادة، وتترغرغ عينيها بالدموع، وتتحاشى النظر في عين زوجها.. ولا يكسر الصمت إلا صوتي وأنا أحاول أن اجعلهما يتقبلان عدم فوزهما بالجائزة الكبرى، إنما بجائزة الترضية.
قد تكون هذه السيدة بكراً أو قد رزقها الله البنين والبنات من قبل. ليس هناك فرق!! الموقف لا يختلف وردة الفعل لا تتغير.
وصفات ومقادير من مطبخ الذكورة:
وتمر الأيام، وتطرق ذات السيدة باب عيادتي؛ طالبة النصح والنصيحة الطبية؛ في كيفية الحصول على مولود ذكر. ويا حبذا توأم من الذكور، فالعصر تطور والطب تقدم، وليس هناك داع لإنجاب العديد من الأطفال، فلنمارس القليل من السحر ولنحصل على طفل أو طفلين من الذكور، وننهي المسألة.
وتكون قد قضت الساعات والأيام في البحث عبر مواقع الإنترنت، عن وصفات ومقادير تساعدها على إنجاب الذكور والتقليل من فرص إنجاب الإناث.
فتارة تجد من يتحدث لها عن تغيير جذري في نظامها الغذائي، من شأنه أن يزيد من فرص الحمل بذكر، والتقليل من فرص الإناث، وتارة يخبرونها عن عقاقير ومحاليل؛ تغير من حامضية جسمها، وتساعدها للحمل بذكر.
والحقيقة، أن كل هذه الاجتهادات، لا محل لها ولا أساس من الصحة. ولم يتكلم العلم ولا الطب في أي منها… وماهي إلا وصفات تطبخ وتُعد من قبل من يستغلون جهل الناس، فيدفعون إليهم بمثل هذه الخرافات، لإشباع حاجاتهم تلك.
وإذا حصل ونجحت إحداهن بالحمل بجنين ذكر، فإنها تنسى فضل الله عليها، وتشرع بالقول بأن الطريقة الفلانية حققت لها النجاح، وأن الطبيب العلتاني ساعدها. وهذا إما أن يكون جهلا ونكراناً، وقد يرقى إلى مرتبة الشِرك والعياذ بالله.
أليست هذه صورة جديدة متطورة حديثة لوأد البنات وكراهيتهن؟!
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات.
تحديد جنس الجنين: مابين الحاجة الطبية والرفاهية الأسرية
إذا ما بحثنا في اسباب توجه العلم الى تحديد جنس الجنين، والذي يتم عن طريق زراعة اطفال الانابيب ( IVF)
نجد أن السبب في أصله كان من أجل تجنب بعض الأمراض المتوارثة جينياً.
فالتقنية المسماة ( PREIMPLANTATION GENETIC DIAGNOSIS)، والتي يشكل تحديد جنس الجنين جزءاً صغيراً منها؛ تساعد في التعرف على بعض الجينات التي تسبب أمراضاً خطيرة عند المواليد، والتي أحيانا تكون مرتبطة بجنس الجنين؛ فهناك ما قد يرتبط بجنس الذكور وما قد يرتبط بجنس الإناث. وهنا يأتي دور العلم والتقدم الطبي؛ في محاولة زراعة الجنين السليم الذي لا تحتوي جيناته على مورثة جينية مريضة.
توفر هذه التقنية، فتح الباب للراغبين في تحديد جنس الجنين، من دون علة طبية، فقط اذا دفعوا مبلغاً خيالياً من المال، للحصول على ما يرغبون به من الذكور غالباً، وفي حالات نادرة؛ القليل من الإناث.
وبالنسبة للعامة، فهذه هي القشة التي يتعلق بها الغريق، الذي يسعى يائساً من أجل مولود ذكر. المجتمع يضغط عليه، العائلة تسأل باستمرار: متى سنرى حفيدنا…ولي عهدنا، وحامل اسمنا..؟؟
ويتوجه العامة الى مراكز مساعدة الإنجاب، كما يتوجهون الى السوق. يظنون أنهم اذا دفعوا تلك المبالغ الهائلة، فإنهم سيحصلون فوراً على طلبهم، أليس هذا ما يحصل عندما تدخل متجراً للألبسة؟
والحقيقة عكس ذلك تماماً، فالعملية أكثر تعقيداً وخطورة مما يتصور الناس واحتمالية نجاح الحمل لا تتجاوز ال٤٥٪ في أفضل حالاتها.
وبعد خضوع السيدة لكل خطوات السحب والإرجاع وما يسبقه من عقاقير وهرمونات، وما يتبعه … فإن تلك السيدة وزوجها وطبيبها يقفون كلهم مترقبين منتظرين، يرجون من الله إنجاح مسعاهم وتحقيق أملهم.
وبما أننا كلنا نعلم أن الله يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، فلماذا كل هذه الفوضى؟ ولماذا كل هذه الجهود المهدورة؟
ولماذا نعرض النساء لإجراءات طبية، قد تشكل خطراً على صحتها وصحة جنينها أيضاً؟ اذا كنا موقنين بأإراده الله المطلقة في هذا المجال.
أليست هذه صورة جديدة متطورة حديثة لوأد البنات وكراهيتهن؟!
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: من كان له ثلاث بنات ، فرباهن وأحسن تربيتهن كن لهن سترا من النار.
وليس الذكر كالانثى
وأنقل هنا حرفياً نصاً رائعاً للدكتور المفكر بسام جرار، يقول فيه:
((جاء في الآية 36 من سورة آل عمران:” فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ…”.
اللافت في الآية الكريمة تقديم لفظة الذّكَر على لفظة الأنثى. وهذا يعني أنّ المُشبّه هنا هو الذكر والمُشبّه به هو الأنثى. ومعلوم أنّ وجه الشبه يكون أقوى في المشبّه به، وهو هنا الأنثى. ولو قيل:” وليس الأنثى كالذكر…”، لوافق ذلك ميل الناس إلى تفضيل الذكر على الأنثى، ولأصبحت الآية من مستندات من يريد أن يُفاضل بين متكاملين. ونحن لا نشكّ بأنّ المرأة تفضل الرجل في أمور، وأنّ الرجل يفضل المرأة في أمور، وكل ذلك من مقتضيات الوظيفة التي شاءها العزيز الحكيم. وعليه لا يمكن المفاضلة بين الرجل والمرأة بالمطلق.
جاء في الآيات 49 – 50 من سورة الشورى:” يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا “.
ذهب بعض أهل التفسير إلى أنّ تعريف الذكور وتنكير الإناث يشير إلى شرف الذكور وتفضيلهم على الإناث. ويردّ الشوكاني على ذلك فيقول في فتح القدير:” إنّ التقديم للإناث قد عارض ذلك، فلا دلالة في الآية على المفاضلة، بل هي مسوقة لمعنى آخر”.
إذا كانت الآية الكريمة قد قدّمت الإناث في قوله تعالى:” يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ “، فإنها أيضاً قدمت الذكور في قوله تعالى: “أو يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وإناثاً”. إذا عرفنا هذا أدركنا أنّ التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، يرجع إلى أمور أخرى يجدر بنا أن نُعمل النظر فيها لعلنا نقتبس قبساً من بلاغة القرآن الكريم.
إنّ تنكير إناثاً وتعريف الذكور قد يشير إلى أنّ الأُسر التي يهبها الله تعالى إناثاً فقط هي أكثر عدداً من الأُسر التي يهبها الله تعالى ذكوراً فقط، وهذا أمر يلمسه الناس. ويمكن أن تُعزز هذه الملاحظة بإحصاءات يُراعى فيها الأسلوب العلمي في الإحصاء. أما تنكير الذكور والإناث في قوله تعالى: “أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وإناثاً”، فقد يشير إلى أنّ الأُسر التي تشتمل على ذكور وإناث هي الأكثر، وهذا ملموس بوضوح ولا يحتاج إلى إحصاء. وتقديم ذكراناً على إناثاً قد يشير إلى أنّ الأُسر التي يكون عدد المواليد الذكور فيها أكثر من عدد الإناث هي الأكثر في المجتمعات البشريّة. وهذه الحالة تحتاج منّا، كمهتميّن، إلى دراسة إحصائيّة.
** انتهى كلام الدكتور بسام جرار
الأنثى (XX) الذكر( XY)
ولعلنا بحاجة الى إدراك أمر مهم هنا، أن الإناث هن فعلياً من يحفظن للجنس البشري معلوماته الجينية، فكروموسوم X هو الكروموسوم الذي يحمل هويتك الجينية، وما توارثته عن اَبائك وأجدادك، فيما يتوقف دور كروموسوم Y على تحديد صفة الذكورة بدون حمل أي هوية جينية.
مما يعني أن الأنثى أقوى جينياً وأقدر على حفظ المورثات من الذكر، وهي السبيل لبقاء واستمرار الجنس البشري، لأنها تملك نسختين من الكروموسوم X.
بينما يحمل الذكر نسخة واحدة فقط.
هذا لا يعني إنكاري لأهمية الذكران، فالكون لا يستمر الا بوجود الذكر والانثى جنباً الى جنب لإعماره.
لكنني هنا فقط أؤكد على أهمية الأنثى وضرورة تكريمها، واحترامها، والفرحة لقدومها الى الدنيا، فهي حرفياً من سيحمل اسم ابيها وصفاته الوراثية كابراً عن كابر وجيلاً بعد جيل.
أطفال الأنابيب والمسؤولية الطبية
وهنا أتوجه الى زملائي الإطباء العاملين في مجال مساعدة الإنجاب وتأخر الحمل؛ فالمسؤولية الطبية تقع على عاتقنا نحن مجتمع الأطباء، الفئة الأعلى قدراً وعلماً، في محاولة إرشاد الناس وتنويرهم، وفي الحد من استغلال حاجاتهم وشبقهم تجاه الذكور.
علينا أن نقلل من الحالات التي يلجأ فيها الى زراعة أطفال الأنابيب رغبة في انجاب الذكور فقط، وأن لا تجرفنا رغباتنا في المال والثروة والشهرة، نحو سلوكيات تجردنا من انسانيتنا وأخلاقيات المهنة التى اقسمنا فيها على خدمة المريض وتقديم ما في مصلحته، حتى وإن تعارض ذلك مع رغبته.
واذا لم نكن نحن أصحاب التغيير، فمن سيكون؟
إن لم نقف نحن لتصويب المعتقدات والموروثات المغلوطة، فمن سيقف؟
من حق المرضى علينا توضيح الأضرار الجانبية لعملية زراعة اطفال الانابيب، من حقهم أن يعلموا ان هناك أخطار غير معروفة لغاية الاَن للحقن الهرمونية، وان عمليات سحب البويضات وارجاع الأجنة قد تعرض السيدة للنزيف الداخلي، حتى وإن كانت الاحتماليات نادرة… من حقها اأن تعلم وأن تختار!
من حقها ان تعلم كل المشاكل التي قد تحدث في حال كان حملها متعددا( توأم)، من حقها أن تفهم احتماليات الولادة المبكرة والاجهاض، وموت أحد الأجنة، وتغذية جنين على حساب الاَخر، واحتمالات التشوهات والعيوب الخلقية الأعلى نسبة في التوائم.
حتى ولو لم تتعدى النسبة 1%.
ليس من حقنا فقط اظهار النصف الممتلىء من الكأس، فالحياة ليست وردية طوال الوقت.
لا تعطوا الناس الأمل بأن الزراعة ناجحة لا محالة، وأن الأمور ستكون على خير مايرام، لأنها في معظم الحالات ليست كذلك.
علينا أن نخصص وقتاً قبل مباشرة اجراءات الزراعة، من أجل الجلوس مع المريضة وزوجها والحديث بإسهاب عن تفاصيل العملية، اوأخطارها وما يترتب عليها.
في اعتقادي، نسبة كبيرة من الناس سوف تعزف عن هذا الاإجراء اذا سمعوا بما يمكنه ان يضر السيدة او جنينها.
علينا- معشر الاطباء- أن نحارب وأد البنات المعاصر.