“الهدف الأساسي لما نحكي قصص قبل الاحتلال، متل قصة حَسنة كيف طلعت على الفرس وهي لابسة ثوبها، انو الناس ما تنسى انو احنا خسرنا كتير، ولكن هاد الشي بخلينا أقوى لأنه عِنّا قصة نحكيها، عِنّا رسالة بدنا نوصلها”، بلهجة محلية توضح ماجدة أبو غزلان (32 عاما) كيف يمكن لمشروعها “سرو فاشن” أن يحمل بين طياته قضية يمكن إيصالها للعالم، من خلال صيحات الموضة.
فبعد أن عملت مهندسة للعمارة في مكاتب هندسية أربع سنوات، قررت أبو غزلان بالشراكة مع والدها افتتاح مكتب خاص بالهندسة المعمارية، وبقيت خلال عطلة كل أسبوع تعمل على مشروعها الجديد “سرو فاشن”، ومع ازدياد الطلب على تصاميمها، قررت أبو غزلان إغلاق المكتب الهندسي والتفرغ لمشروعها الخاص.
مواكبة صيحات الموضة
تساؤلات أبو غزلان عن سبب ربط التطريز الفلسطيني بالأثواب التقليدية، واقتصار ارتدائها على المناسبات الرسمية؛ قادها لكسر تلك القاعدة والتفكير جديا في إدماج التطريز الفلسطيني في الأزياء العصرية، لتتماشى مع القطع التي ترتديها السيدات، ومواكبة صيحات الموضة من ألوان وقصات حديثة.
التطريز مسؤولية وطنية
اكتشفت أبو غزلان عن طريق المصادفة أن فتاة إسرائيلية تروج للتطريز الفلسطيني على أنه إسرائيلي الصنع في أحد المتاجر الإلكترونية العالمية، احتفالا “بعيد استقلال إسرائيل”.
شعرت أبو غزلان بمسؤولية وطنية تقتضي عرض علامتها التجارية، على المتجر ذاته، لتروي القصة بفصولها الحقيقية. وتسعى أبو غزلان إلى إبراز قصة كل “غرزة تطريز” على تصاميمها، مثل غرزة “النجمة” المأخوذة من مدينة بيت لحم، وغرزة “سرو” التي تعود لمنطقة بئر السبع.
القطب الفلاحي أصله كنعاني
تكشف أبو غزلان في إحدى تصاميمها قصة “غرزة الدولار” الموجودة في بلاد الشام منذ عهد الأمويين، فعندما انتقلت لفلسطين تم تجريدها بطريقة “القطب الفلاحي”. والقطب الفلاحي امتداد لأيام الكنعانيين، حيث إنهم كانوا يطرزونها على أزيائهم، نظرا لكونها تشبه “دودة العلق”، التي ترمز للصحة بسبب استخدام الأطباء قديما لها، في علاج ارتفاع ضغط الدم، وظلت تعرف إلى يومنا بالقطب الفلاحي.
مخيم غزة.. انضمام 30 سيدة للمشروع
شكلت زيارات أبو غزلان لمخيم غزة في محافظة جرش الأردنية نقطة تحول في مشروعها، حيث صُدمت بتردي أحوال أبناء المخيم، الذي وصفته بأنه يعاني تهميشا وفقرا كبيرين، لكون قاطنيه من أبناء قطاع غزة، من الذين لا يملكون رقما وطنيا يؤهلهم للعمل في أي من الوظائف.
تعتقد أبو غزلان أن عدم ديمومة المشاريع التي تستهدف سيدات مخيم غزة يسهم في إفقاره، كون هذه المشاريع المدعومة من منظمات ومؤسسات مجتمع مدني تعمل على تدريب السيدات على صناعة منتجات، دون تعليمهن كيفية تسويقها وبيعها خارج المخيم، الأمر الذي تعمل على تغييره.
انضمت ثلاثون سيدة من مخيم غزة لمشروع “سرو فاشن”، كما تضيف أبو غزلان للجزيرة نت، وأحد أسباب استمرارية مشرعها وتكبيره يكمن في تمكين أكبر عدد من السيدات من خلال مساعدتهن في المحافظة على دخل منتظم، يسهم في دعمهن ماديا ومعنويا، وتغيير نمط حياتهن ومستوى معيشتهن.
توثيق حياة الفلسطينيين
“أنا للأسف ما معي هوية فلسطينية، قبل عام 1999م، كنت أدخلها بتصاريح، وهلا انحرمت من زيارتها، بس البدائل كتيرة، وحب الوطن ما بتعوض، واحنا بنخترع مية وسيلة عشان يضل حب الوطن بمجرى الدم”. بهذه الكلمات المحلية تفسر الحاجة عصمت الوزني (ستون عاما) نشاطها في حرفة التطريز الفلسطيني.
إلى شمال المملكة الأردنية الهاشمية، حيث تقيم الوزني في محافظة إربد، لم تتوقع بأن مزاحا مع الإبرة والخيط سيمتد 14 عاما. تشعر الوزني بالامتنان لابنها الأكبر الذي كان سببا في تعرفها على موهبة التطريز، يوم أن سهرت على راحته في إحدى الليالي أثناء مرحلة التعليم الثانوي.
الوزني التي بدأت رسم إطار مرآة، لم تستهوها فكرة التطريز على الأثواب والألبسة، فقد كانت تشعر بضرورة توثيق حياة الفلسطينيين قبل الاحتلال الإسرائيلي سنة 1948م، مثل لوحة العرس الفلسطيني التي تحضر فيها الدبكة، وأطباق الطعام، والخيل الذي يمثل الأصالة العربية والحرية، وزينت الوزني هذه اللوحة بعبارات كان يرددها الفلسطينيين في أعراسهم.
شركة العال الصهيونية
استهجنت الوزني قبل ستة أعوام قيام شركة العال الصهيونية باعتماد أزياء مضيفاتها بالتطريز الفلسطيني، فحاولت كرد فعلٍ إيصال أعمالها لدول العالم، من خلال معارف وأقرباء، وتضيف بأن هذه الخطوة أقل ما يمكن صنعه ليعرف العالم أصل التطريز كوسيلة لإبراز التراث الفلسطيني، إلى جانب مشاركتها في الأنشطة والمعارض الفلسطينية.
وتختم الوزني حديثها للجزيرة نت بأن تقدم سِنها لن يقف أمام استمرارية هذا المشروع، وهو بالضبط ما نجحت في توريثه كوسيلة لابنتها الأصغر، التي انضمت لوالدتها، لكن بطريقتها الخاصة.
اعتقال بسبب التطريز
ميساء أبو عيشة (ثلاثون عاما) تعمل في مجال التصميم الداخلي بأحد المكاتب الهندسية في محافظة إربد، اعتقلها جنود الاحتلال الإسرائيلي عام 2015، أمام إحدى بوابات المسجد الأقصى، للاشتباه في تنفيذها عملية طعن، بعد ضبط مقص قماش وإبرة تطريز، كانت تحملهما في حقيبتها أينما حلت.
عبارة الشهيد باسل الأعرج
انضمت أبو عيشة لوالدتها عام 2017، لكنها فضلت شكلا مختلفا عن لوحات والدتها عصمت الوزني؛ إذ تأثرت بمشاهد صمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال عندما كانت تزور الضفة الغربية نهاية كل عام، لذلك اختارت رسم وجوه الشهداء والمقاومين، كالشهيد باسل الأعرج، وعبارته الشهيرة المطرزة بالخط الكوفي: “كل ثمن تدفعه في المقاومة ستحصل على مقابله”.
هدية للجندي أحمد الدقامسة
لا تتكل أبو عيشة على أعمال التطريز كمصدر رزق أكثر من كونها وسيلة رمزية، تشجع فيها العمل الفدائي، الذي كانت آخر صوره قيامها بتطريز عبارة “سلمت اليد التي ضغطت على الزناد”، وأهدتها للجندي الأردني أحمد الدقامسة، إبان الإفراج عنه، بعد قضائه عشرين عاما في السجون الأردنية، لتنفيذه عملية إطلاق نار على سبع فتيات إسرائيليات، كنّ سخرن من صلاته.
التطريز وتوريثه للأجيال القادمة
لم يستطيع الاحتلال الإسرائيلي عبر العقود الماضية طمس هوية التطريز الفلسطيني عن الوجود، نظرا لامتداد جذوره التاريخية في قرى وبلدات فلسطين، لذلك يلجأ لسرقتها، ونسبها لكيانه.
ماجدة وعصمت وميساء، وكثير من السيدات الفلسطينيات حول العالم، يعملن بكل ما أوتين من وسائل على توثيق قصص التطريز وتوريثه للأجيال القادمة، وإبرازه كهوية تراثية فلسطينية أصيلة، تستحق منا كل الدعم والتشجيع.
المصدر: الجزيرة