- مُراجعة نقدية لفيلم تامر حسني 2022
بقلم: هبه ملحم*
لم يقدم حسني أساليبَ جديدة للحياة؛ لكنه عزّز الصدق في نمط الحياة..
لم يقدم أبطالاً خارقين جدد، بل أنّ البطل الخارق موجود بالحقيقة وهو الذي يمتلك القوة والقدرة على الاحتفاظ بالمبدأ والعمل به، البطل هو الذي يفعل الصواب، ولا ينجر خلف الخطأ، حتى وإن كانت الفرَص أمامه مُتاحَة، ما يعني أنّ هذا الفيلم اللطيف قد تضمّن أفكاراً جميلة مستندة إلى الثقافة والأخلاق، ودعّم قصته بشخصيات جميلة طبيعية تتفاعل بتلقائية، مستمتعة، ووصلت إلى الجمهور.
لا يمكن الجزم بأنّ قصة فيلم “بحبك ” ل”تامر حسني ” نمطية، بل هي قصة واقعية، والمجتمع العربي مليء بقصص من هذا النوع، القصص التي دائماً ما ترافقها تبعات كارثية، لارتباطها بالكذب والخيانة، فتراها تدمّر إنساناً، أو أُسَراً، حين يكون الحدث قائماً على اللعب بالعواطِف!
قدم حسني القصة ووظفها بأسلوبه وحسّه الكوميدي، لكنه ظلّ محافظاً على المبدأ.
كانَ ثابتاً بأدواته المتنوعة
خرجَ إلى الكوميديا، وأبدعَ في توظيف الموسيقى..
لم تكن الأغاني التي تم توظيفها فقط للمؤلف، بل كان هناك وجود لأغانٍ أجنبية، فلا يمكن تجاهل الصوت الملائكي للمغنية الفرنسية انديلا Indila برائعتها love story، لكن هذا الإنتاج الفني قد تُوّج بإحساس وبصمة حسني المطرب العربي والذي طالما اعتُبِرَ نموذجاً جميل تأثر به جيلٌ كامل من شباب وصبايا هُم الآن آباء وأمهات، ولازالوا يسعَوْن في هذه الحياة، ويبحثون عن تطوير لذاتهم، عن مخارج لأزماتهم المتنوعة، وعن فُرصة! فطالما كانَ هذا الفنان رفيق أحلامهم ونجاحاتهم وأوجاعهم وحتى ساعات جنونهم.
لم يسبق وأن شهدت صالات السينما في فلسطين والأردن هذا الالتزام والانتماء من قبَل الجمهور تجاه إنتاجٍ ما؛ مثلما يحصل مع إنتاجات حسني، ربما يعود السبب في ذلك إلى تعطشهم إلى قصص حُب وسلام حتى وإن كانت ضمن إطار كوميدي، في ظل تراكمات الحياة والنزعة نحو العنف في العموميات والتفاصيل. فلم تتمالك صالات السينما على امتداد أسبوع كامل أمام وفود الشباب والعائلات التي شكلت جمهوراً وِجهَتُهُ واحدة، وهو مشاهدة الفيلم السينمائي (بحبك ) للفنان العربي الشامل “تامر حسني “.
منذ البداية وحتى النهاية، ظل المُشاهد مُدركاً للجهد المبذول في العمل، وأحداثه التي تبعث على الراحة، واستطاع فهم الأبعاد والقيم، إذ أتاح فرصة للنظر إلى داخل النفس بإيجابية، وإلى الآخر أيضاً بإيجابية.
كان فيلماً مليئناً بالألوان، ألوان من جمال، وضحك، وروح شابّة، وصدق، وإخلاص، وقناعة، وحُب.
قد تثير كلمة “الحُب ” ذاكرةً نمطيةً وفورية، وسلسلةً من صور ومواقف مشوّهة أو صحية تعرض لها الإنسان، لكنه الحُب؛ هو من أعظم الأرزاق التي رزقها الله تعالى للإنسان، فالمحبة والمودة والعطف جميعها تؤدي مفعول المعجزات، خاصة إذا ما قامت وفق مبدأ محدد وقيم واضحة، فجاء الفيلم كحملة ودعوة للمحبة والصدق والاهتمام بالذات. وقد لوحِظَ أن تفاعُل الجمهور بدا وكأنهم في مسرح، تراهم يصفقون، ويتفاعلون بالصوت وحركات الجسد المختلفة.
تنوّعَ النقدُ الموجه للفيلم ولشخص حسني، فبدا غريباً ما قيل بحق التأليف والإخراج والتمثيل. لم يُلاحِظ المُشاهد الذي بدا مُندمِجاً ومتفاعلاً مع أدق التفاصيل والشخصيات؛ لم يُلاحِظ وجودَ أخطاء في التأليف والسياق الدرامي، بل كان هناك عنصر مفاجأة واضح في الأحداث؛ مفاجآت في التعبير عن الحُب والإعجاب، مفاجآت في الحدث والسياق نفسه، حينما اعترفت إحدى الشخصيات بأنّها تعمّدت نزع فرحة واستقرار من أحبّت، بعد أن اعتبرت ذاتها الضحية والمُضحية! حيث كانت هناك بعض المقالات العبثية التي أدرجت نفسها ضمن النقد، لكنها لم تكن نقداً بنّاءً ولا حتى هدّاماً، بل مجرد كلمات عبثية من هنا وهناك، ولو أنها دققت فقط بملامح الجمهور الذي يتمتع بذكاء واضح وإدراك لما يُقدّم له؛ لأدركت مدى حاجة الإنسان لخفة الظل والروح، ولجرعة العاطفة والسلام العاطفي التي غابت كثيراً عن درامانا العربية منذ سنوات، الدراما التي هي انعكاس للمجتمع، تتأثر به، وتؤثر فيه، ولكن جل ما يتم تقديمه للجمهور هو العنف والقتل، بل التفنن بالعنف، ما جعل المجتمعات العربية كافة تشهد سلسلة من الجرائم المتشابهة في الفكرة والإخراج، كما حدث في جريمة فتاة المنصورة المصرية، وطالبة التطبيقية الأردنية، وغيرهما.
التوصية الوحيدة التي أقدمها بناءً على عدة مراجعات لأفلام حسني، أنه وعلى الرغم من جمال وإبداع بطلات أفلامه مؤخراً؛ وحرصه على الاستثمار بملكات الإبداع لديهنّ؛ إلا أنه بحاجة إلى بطلة من وزنه، من خبرته، من زخم التفاصيل في الملامح والإحساس وأبعاد الحكايات، وهذا جله ينسجم مع الاحترام الذي يحظى به تامر حسني، ومن الأمان تجاه إنتاجاته الفنية، السمعية والبصرية، والثقة التامة بنوعية ما يُقدمه للمشاهد العربي والأسرة العربية التي تسمح لابنائها وبناتها بالذهاب لصالات السينما ومتابعة الإنتاجات الأجمل للفنان الراقي تامر حسني. فبانتهاء عرض أفلامه ينسحب الجمهور تباعاً دون رغبة في متابعة عروض الأفلام اللاحقة، وهذا هو انتماء الجمهور الذي شهدته صالات السينما في فلسطين والأردن.
الكاتبة هبة ملحم…
*خبرة مهنية لأكثر من 10 أعوام في المجال الإعلامي، و7 أعوام في مجال إعداد الأبحاث، و4 أعوام في مجال المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، وكذلك مشاركة المجتمع ودراسات النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، وتقييم الاحتياجات. قامت مؤخراً بإعداد كتاب بعنوان: واقع الإعلام الثقافي في فلسطين وأثره على تشكيل الوعي الجماعي، قيد النشر وحفل توقيع الكتاب سيكون على هامش معرض فلسطين الدولي للكتاب المقرر تنفيذه في سبتمبر 2022، وبناء مشروع جائزة فلسطين للصحافة والإعلام 2012، لصالح نقابة الصحفيين، برعاية سيادة الرئيس محمود عباس، وبتمويل من صندوق الاستثمار الفلسطيني والوطنية موبايل (أوريدو حالياً )، فلسطين.