توظيف المرأة في الإعلانات
بقلم: هبا ملحم*
وراء كل منتج ناجح إعلان بتقنية عالية، وامرأة جميلة.
مع العقد العشرين ازدادت ظاهرة تناول المرأة في وسائل الدعاية والإعلان التي يربطها البعض بالحداثة، وقد اتخذ تناولها أنماطاً متعددة تتراوح بين الإيجاب والسلب، فيكمن الإيجاب في تناولها قضايا تتعلق بالوعي والأسرة أو المجتمع، أي حين يكون صوتها مُعْبراً للثقافة والوعي والنهوض. وتأتي السلبية حينما يوظّف جسدها بصورة مبتذلة تخدش الحياء العام. هكذا تلقى ظاهرة استخدام المرأة في الدعاية والإعلان رواجاً والتي يتفق كثيرون حول أنها أتت نتاجاً للحداثة وإحدى تمثلاته ومرتبطةً بالنظام الرأسمالي الغربي الذي يُقدّس المادة والربح بصرف النظر عن المبادئ والأخلاقيات وآليات الحصول عليها.
لقد حاربت الماركسية ذلك فحرمت بيع الجسد في السوق الرأسمالي باعتباره امتهان لإنسانية الإنسان عموماً والمرأة خصوصاً، كما تناولت قضية توظيف المرأة في وسائل الإعلام والدعاية والإعلان، إذ كتب ماركس في كتابه المخطوطات الاقتصادية الفلسفية: “لا يمكن أن تكون حرية، ولم تكن قط، ولن تكون يوما حرية حقيقية طالما لم تتحرر المرأة من الامتيازات التي يكرسها القانون الرأسمالي للرجل، طالما لم يتحرر العامل من نير الرأسمال، طالما لم يتحرر الفلاح الكادح من نير الرأسمالي والملاك العقاري والتاجر “. فقد ربطت الماركسية تحرر المجتمع بتحرر المرأة.
تناقش هذا المقالة ظاهرة استخدام المرأة في الإعلانات التجارية التي تشكل مرتكزاً في الاقتصاد العالمي، فلماذا يتم استخدام المرأة في الإعلان وما الدوافع والآثار الاجتماعية المترتبة على ذلك، مع الإشارة إلى أنّ حوالي 60% من النساء غير راضيات عن تلك الصورة في الإعلانات باعتبارها تقدم المرأة كسلعة للإغراء والترويج دون التركيز على جوهرها وإنسانيتها.
يُقصَد بصورة المرأة؛ تلك الصور أو القضايا التي تنشأ عن المواقف المتعارضة الوصف من المرأة ومن دورها الاجتماعي والانساني والتفاعلي مع الآخر أو العلاقة معها والتعامل مع وجودها وطبيعة دورها سلبا أم إيجاباً. ويمثل الإعلام ذلك التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت نفسه. والإعلان كإحدى أساسيات الإعلام يُعد عملية اتصال مخطط له.
غالباً ما يتم توظيف جسد المرأة في الإعلانات بناءاً على طلب من صاحب المنتَج، ولكن يوجد نقد موجه للكيفية التي توظف بها المرأة في الإعلان على اعتباره تشويه للإعلان أولاً وللمرأة ثانياً، وما هو إلا دليل على تراجع القيم المهنية والاجتماعية لدى المعلنين والمتسلقين على حد سواء، فكبرى الشركات تربط نجاح الإعلان بظهور المرأة المرتبط بالإيحاء، وهي صورة ذهنية نمطية موجودة أيضاً لدى الشركات التجارية الصغيرة، في محاولة للربح السريع.
أعتقد أنه لا بأس من توظيف المرأة في الإعلانات والمواد الدعائية لأن المرأة ارتبطت دائماً بالجمال والجذب، ووجودها يُضفي حِسّاً أنثوياً جذاباً. ورغم الانتقادات المتداولة عن صورة المرأة التقليدية التي تظهر في الإعلانات فما هي إلا حقيقة، فالمرأة هي ربة بيت تقوم بمهامها على أكمل وجه، تربية تنظيف، ولا يقل هذا من شأنها أو جمالها، فالمرأة القوية قادرة على الاهتمام بنفسها وجمالها وبيتها في آن. وظهورها بوظيفتها التقليدية ما هو إلا شكل من الوظائف المختلفة العِدّة التي تؤديها في حياتها. إذ نجد في الإعلانات كذلك نموذجاً آخراً لامرأة عصرية حضرية، وهو أيضاً نموذجاً حقيقياً لا يؤثر على كينونة المرأة. من ناحية أخرى فإنّ توظيف المرأة في الإعلانات بشكل محترم ولائق؛ لا يُعد استغلالاً من قبل الشركات، فالمرأة المحترمة تظل كذلك، حتى لو عملت في أي مجال ما دامت لا تخرج عن حدود الأدب العام واللباقة، وليس هناك أي ضرر من قيام المرأة بالإعلان عن المنتجات الاستهلاكية بشرط أن تتأكد من جودة المنتج لكي لا تقع فريسة للشركات التي تبيع الناس الوهم، ولكن لا تفقد مصداقيتها أمام الآخرين وأنا مع عمل المرأة في مجال الدعاية والإعلان؛ لأنه عمل إبداعي وفني جميل، يتطلب مهارة عالية وأسلوبـا رفيعـا لترويج المنتجات التجارية وأعتقد أن المرأة لديها المقدرة الكافية لذلك.
تستدعي ظاهرة تناول المرأة في وسائل الدعاية والإعلان الدراسة والمعالجة، باعتبارها ذات تأثير على الهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع وخاصة المجتمعات العربية “الفتيّة “، ولكنها ظاهرة تكمن خطورتها في تهديد الثقافة ومكانة المرأة: الإنسانة، الأم، العاملة المنتجة، والزوجة، والابنة، فنحن مع كل ما يعزز صورة المرأة العربية الناضجة المتزنة.
ويمكن إيجاز الآثار المترتبة على توظيف المراة في الإعلانات كما يلي:
1. المرأة والجسد: من خلال ربط صورة المرأة وأهميتها الإعلانية بالجسد، فكلما احتوت المادة الإعلانية على مغريات أنثوية جسدية كان ذلك أكثر دلالة على نجاح الإعلان.
2. المرأة كسلعة وسمتها سطحية: فيتم تصوير المرأة وكأنها سلعة وأداة تُعلن عن سلعة أخرى ضمن محتوى فارغ من الإبداع والجدية، فتبدو المرأة سطحية كشيء مُجرد من الأحاسيس والمشاعر والمحتوى الثقافي.
3. بث نزعة الاستهلاك وتوحيدها عالمياً من خلال محاكاة الغرب، باعتباره اتجاهاً تقوده الدول الغربية لأهداف اقتصادية وتسويقية.
4. تأثير اجتماعي على مستويين، الأول على مستوى أفراد المجتمع على اعتبار أن المرأة تمثل نصف المجتمع وهي التي تنجب النصف الآخر، فتتأثر بها مختلف الأجيال، باعتبارها قدوة وتتمتع بقوة مؤثرة، والمستوى الثاني يكمن في التأثير على ذاتية المرأة من خلال تذويب شخصيتها.
ختاماً؛
لا مفر من الأثر الذي تتركه وسائل الإعلام والاتصال بمختلف أشكالها كالمواد الإعلانية، القابلة للهضم والامتصاص الذهني والبصري من قبل الجمهور على اختلاف تصنيفه العمري والنوعي، فكثير من الأساتذة يجمعون على أن وسائل الإعلام الحديث تلعب دوراً فعالاً في تربية الأطفال، فقد أخذت من أدوار الآباء والأمهات في عملية التربية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ولا مفر من الأذى الذي تلحقه الإعلانات التي تركز على جسد المرأة وتوظفه في سبيل إنجاح الإعلان من أنه يجرد المرأة من عواطفها ومضمونها الفكري والثقافي والاجتماعي، إنها عملية تذويب لتاريخها النضالي والتربوي المعطاء.
إنّ عملية استغلال جسد المرأة وتوظيفه كأداة وسيطة بين المنتِج والمستهلك وكأداة جذب وإغراء وتسويق للمنتَج سواء اكان يمت للمرأة بصلة مباشرة أو لا؛ جميعها تعد شكلاً من أشكال الاستغلال للمرأة أولاً، وزيادة نزعة الاستهلاك ثانياً. فمازال 60% من النساء غير راضيات عن تلك الصورة في الإعلانات باعتبارها تقدم المرأة كسلعة للإغراء والترويج دون التركيز على جوهرها وإنسانيتها، وذلك حسب الدكتورة سعاد بن سليم في بحثها المقدم إلى منتدى المرأة والإعلام. وفي دراسة أجرتها الباحثة جيهان بيطار بعنوان أخلاقيات الإعلان؛ تبين أن:
1. 39% من الإعلانات تستخدم السيدات.
2. 73% من الإعلانات يتم تقديمها من خلال حركة المرأة.
3. أكثر من النصف يحتوي على إثارة في المضمون.
وهنا أؤكد على القدرة الإبداعية للمرأة في العطاء، فمقدرتها ربّانية حين تكون بإرادتها وحين تكون هي صاحبة القرار، فلا داعي لأن يتم توظيفها قسراً في مواد إعلانية تفتقر للمضامين الثقيلة التي لا تليق بأنوثتها ومكانتها الإجتماعية.
_______________
- نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية.
الإعلامية هبا ملحم
*متخصصة في المجال الإعلامي وإعداد الأبحاث ودراسات حقوق الإنسان.