قدمت الدعم النفسي لأكثر من 5000 إنسان
الأخصائية الاجتماعية ديما الطيبي.. المواجهة بالتفاؤل
بقلم: هبه ملحم*
دائمةُ البحث عن التفاؤل، وتنظر للأمور بنظرةٍ تحترفُ فيها الإيمان بلطفِ الله تعالى وأقداره، فترى أنّ النصفَ الفارغ من الكأس قد شربناه واستفدنا منه، لتبدو النظرة هنا شمولية وإيجابية، إنها الأخصائية الاجتماعية الفلسطينية ديما الطيبي.
كل قصة في الحياة وراءها سبب لتحب الحياة أكثر، وتحب تفاصيل حياتك أكثر.. تقول الطيبي: “اكتشفتُ مرضي لأحب زوجي.. فقد كان فراس إنسان داعم لي.. وحين خسرتُ أول بيبي كان ذلك لأعرف قيمة تاني بيبي.. فقد اضطروا لإجهاض الجنين وهو على قيد الحياة لأنه يشكل خطر على حياتي، لكنّ الله سبحانه وتعالى عوضني بباسل وسليم ” وهنا واجهت الطيبي ولازالت تواجه الحياة بأن ترى الأجمل فيها.
لقد شكلت كل من: الدراسة، والعمل في مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب، واكتشاف المرض، ومرحلة الإنجاز، وفترة مرض ووفاة والدتها؛ المراحل المفصلية الخمس في حياة الطيبي، فتقول: كنت ابنة من بين خمسة، والأربعة جميعهم يتمتعون بذكاء خارق، فأخي الأكبر “نضال ” كان من بين العشرة الأوائل على الضفة الغربية في الثانوية العامة، كنت شاطرة لكن ليس مثل أخوتي، وفي الجامعة قررت دخول تخصص صادم لأمي وأبي فقد قررت دراسة علم الاجتماع لأنه تخصص جميل ومفيد، وخلال سنين الجامعة كنت طالبة متفوقة (أنر ) في أغلب الفصول، ودكاترتي في الجامعة في البكالوريوس والماستر يتذكرونني، الأمر الذي يسعدني “.
وقد شكّل عملها في مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب المحطة المحورية الثانية، فهناك أدركت معنى ان يكون الإنسان ضحية تعذيب لكن رغم ذلك هو قادر على الوقوف على قدميه بمساعدة نفسية بسيطة، ما عزز محبتها لعملها وارتباطها بالوظيفة.
وعن مرحلة المرض، تقول الطيبي: “كان يجب ان ازرع كلية خلال سنة من اكتشافي المرض (قصور كلوي )، لكن بقيتُ 10 سنين عملت خلالها نظام غذائي قاسٍ جدا حاولت فيها الابتعاد عن البوتاسيوم والبروتين حتى لا آخذ كلية أحد من اخواني، فعشر سنوات لا آكل برتقال مثلاً،.. لكن أخي تبرع لي بكليته وهو في قمة سعادته وخوفه علي. حين اكتشفت مرضي، الذي تزامن مع خطبتي، جعلني أعرف أن كل شي بالحياة له قيمة، فتغيرت نظرتي للحياة التي أعتبر أنّ أهم إنجازي فيها أبنائي سليم وباسل وهما أكبر مغامرة في حياتي على صحتي.. باسل وسليم يستحقان المغامرة. ولكن أصعب التجارب في حياتي كانت وفاة والدتي، في فترة مرض والدتي كنت أشعر أنّ امي ترتاح حين تتحدث معي، فقررت أن أقدم شيء للمجتمع، وهو ان اتطوع مع النساء والاطفال المصابين بالسرطان، واشتغلت فعلا معهم، وقد حدث أن اتصل والد أحد الأطفال المصابين بالسرطان ليشكرني لأنّ ابنه تجاوب أكثر مع العلاج ومدّ يده للدكتورة وقال لها: “حطيلي الدوا انا مستعد “.. لكن الطفل موسى توفي بنفس يوم وفاة والدتي، وبعلم النفس كان صعب جداً جداً أن أشتغل نفسيا مع مرضى السرطان بسبب (الاسقاط ) أي أن أسقط مشاعري عليهم أو أسقط مشاعرهم عليي.. وهنا بدأت مرحلة جديدة في حياتي أن أقدم نصائح عبر الراديو والتلفزيون، وادعو ربي بأن يستفاد الناس مني.. “.
ومن الجدير ذكره انّ الطيبي متطوعة في علم النفس لأي إنسان بحاجة لدعم نفسي وللأهالي بشكل كامل، وتقدم جلسات دعم نفسي كثيرة ومجانية، فالدعم النفسي مهم في هذه الحياة، دون أن يتم الحُكم علينا مهما تعددت المشكلات.
ترفض الطيبي المقولة التي ترى إن في الحياة فترات انتقالية لا يمكن اجتيازها دون أن يموت شيء بداخلك، من منطلق أنّ تلك الفترات الانتقالية تترك اثراً في القلب ولكن القلب لا يموت، ولا يموت جزء منه، فتتغير طريقة تعاملنا مع الأمور لكن يظل ينبض وبقوة.. إنّ المواقف الصعبة تعلمنا كيف نتخطى الأصعب في المستقبل، فالذي يجعلنا ننضج هي التجارب.
تعتقد الطيبي أنّ الظاهرة الاجتماعية المرعبة والأكثر تهديداً على المجتمع تتمثل بعدم الانتماء، وهذا قاتل، فتعريف الانسان بأنه اجتماعي، وليكون اجتماعي يجب ان يبحث عن الانتماء، ولكنّ الانتماء الحقيقي لم يعد موجوداً للأسف، كما أنّ غياب الأمان يُضعِف الانتماء.
إنّ حُب الذات هو أفضل طريقة ليطوّر الإنسان ذاته، تقول الطيبي: “فليتخيل الإنسان نفسه وهو صغير ويعطيه رسالة، فحين أرى ديما الصغيرة واعطيها رسالة أقول لها ديما لا تخافي حياتك رح تكون حلوة، لأننا إذا أحببنا سنستطيع أن نُسقٍط حبنا على الاخرين”.
وفيما يتعلق بالمحتوى الفلسطيني الرقمي؛ تدعو الطيبي إلى ضرورة العمل على تطوير المحتوى الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك حاجة إلى مؤثرين في مجالات أكثر جدية تتناول موضوعات الانتماء، الانتماء إلى فلسطين وموضوعات أخرى تبحث في الجانب الإيجابي الموجود في فلسطين، خاصةً وأنّ المؤثرين في هذا المجال قليلون.
وفي الختام توصي الأخصائية الاجتماعية ديما الطيبي بضرورة أن نفهم بعضنا البعض، لأنّ تفهمنا للآخرين سيجعل الحياة أفضل، وهناك ضرورة لأن تصل المفاهيم النفسية لجميع المواطنين، فمن المهم أن يعرف كل إنسان نفسه ويتعامل معها بالشكل السليم، حتى يكون قادراً على التعامل مع الآخرين.
________
هبه ملحم
*متخصصة في المجال الإعلامي وإعداد الأبحاث ودراسات حقوق الإنسان.