بناء الهوية الفلسطينية وعلاقتها بالثقافة الوطنية الوطنية
بقلم: هبه ملحم*
إنّ الهوية تستيقظ حين يشعر صاحبُها بتهديد خارجي وإلا تبقى غافية، كما أنّ الطرف القوي لا يلتفت كثيراً إلى هويته.
تتكون الهوية الفلسطينية من عناصر عدة أولها: الذاكرة الوطنية وثانيها نسبية العدل الإنساني التي جعلت من القضية الفلسطينية قضية كونية، من هنا تظهر أهمية الوعي بالهوية الوطنية عبر تسجيل التجربة الفلسطينية من خلال المثقفين والأدباء أولاً ومن خلال السياسة الثقافية الوطنية. وهنا تظهر علاقة أولى بين الهوية والثقافة.
يُقال أنّ الفلسطينيين لديهم هويات مختلفة، فهناك ما يسميه البعض “المستعمرة الثانية/ أراضي 1967 ” أما المستعمر الأولى هي “اسرائيل ” هكذا يطلق عليها البعض، بالإضافة إلى مجموعة من الهويات الفلسطينية (أهل الضفة/ أهل قطاع غزة/ أهل القدس/ فلسطينيي 48 )، وهناك هويات تشكلت في المنفى والشتات فأغلبية المخيمات كانت في لبنان والأردن. بمعنى؛ يستمد الوعي الفلسطيني رموزه من ثلاثة مراجع: الوطن المغتصب، ومن المنفى، ومن المستقبل الذي يقف غامضاً، وهي ثلاثة مراجع يظهر من خلالها: أولوية الفعل الإنساني على البلاغة، وأولوية التجربة على الرموز، وأولوية المستقبل على الماضي، هكذا يتناول فيصل دراج بناء الهوية الفلسطينية والكيفية التي يتم ربطها في الثقافة الفلسطينية.
يطرح درّاج رؤيته الخاصة بأنه ليس بالضرورة أن تقوم الجغرافيا بتوحيد الفلسطينيين بمعنى أنها لا تبني القومية، ويتساءل حول إذا ما كان بالضرورة للثقافة الفلسطينية أن تكون موحدة من أجل الانتماء للقضية الفلسطينية، لكن يجاوب في آن أنه ليس بالضرورة أن تكون هناك ثقافة موحدة. من هنا يصل إلى ثلاث نتائج:
- الهوية الفلسطينية ليست مُعطى ثابت فهو يناقش مسالة الثابت والمتعدد والمزيج بينهما فالهوية الفلسطينية ليست شيء ثابت متوحد العناصر، هنا يتحدث عما هو موجود وليس فكرة.
- الشتات الفلسطيني يفرض ويستدعي التفكير بسياسة ثقافية وطنية.
- ليس من الممكن أن أي سياسة تنفصل عن السياسية الفلسطينية، فمثلاً كأن أوسلو كانت لتفكك الهوية الفلسطينية فيجب البحث في السياسة الصحيحة والتوصل إليها.
فيدعو إلى التجمع في إطار موحد على اختلاف الآراء والأفكار، هذه النقطة التي يحاول أن يصل إليها.
لقد نتج عن النكبة ظهور هويات مختلفة، فالهوية تؤدي إلى ثقافات مختلفة عند كل شخص. فالتظاهرات التي تخرج كل سنة في ذكرى إحياء النكبة، يدل على أن الهوية الفلسطينية هي متخيل وكأنه ليس بالضرورة أن يكون هناك ان نصور فلسطين التاريخية ككل تلك التي نعيشها في نكبة 48 في 15 أيار ونعيشها في ثورة عام 1936 ونعيشها في الانتفاضتين الأولى والثانية. يتوصل دراج إلى أنه لا توجد هوية جاهزة ثابتة فهي تتبدل وتتكون، من خلال المبادئ التالية:
- الهوية الفلسطينية تساوي الكفاح الوطني الفلسطيني.
- الهوية الفلسطينية هي وعي الفلسطيني لجملة من الوقائع التاريخية التي طردته من أرضه وجعلته يقاتل من أجل استعادتها. وهي جملة العناصر التي جعلته يرفض المنفى.
- الهوية الفلسطينية ليست نقيضاً كلياً للهوية الصهيونية، لأن هذا القياس يأخذ بالهوية الفلسطينية بتصورات الهوية الصهيونية مثل الكراهية والتمييز العنصري وأسطورة الماضي.
- مهما يكن الوضع القومي والديني والتراثي والموروث في الهوية الفلسطينية المحتملة فهي لن تحقق غايتها إلا إذا كانت هوية تنطلق من التحرر.
- مازال البحث من قبل الفلسطينيين عن هويتهم لحين لتحرير فلسطين من العنصرية وغطرسة القوة.
تمثل الهوية الفلسطينية الانتماء الجماعي والوعي الذاتي للفلسطينيين وروح الانتماء للأرض والتاريخ، وتتميز الثقافة الفلسطينية بتنوعها وعمقها التاريخي، وهي جزء لا يتجزأ من بناء الهوية الفلسطينية. يُعتبر بناء الهوية الفلسطينية عملية مستمرة ومعقدة، ويتأثر بالعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية المحيطة. فيما يلي نقاط تسلط الضوء على بناء الهوية الفلسطينية وربطها بالثقافة:
التاريخ: يعتبر التاريخ الفلسطيني وروابطه العميقة بالأرض والمكان جزءًا أساسيًا من بناء الهوية الفلسطينية. يتميز التاريخ الفلسطيني بالتعاقب الثقافي والحضاري والاجتماعي عبر العصور، ويسهم في تعزيز الوعي الثقافي والانتماء للأرض والهوية الوطنية.
اللغة والأدب: تلعب اللغة العربية دوراً هاماً في بناء الهوية الفلسطينية، حيث تعتبر اللغة العربية لغة العمل والتواصل في البيئة الفلسطينية. كما يعكس الأدب الفلسطيني التجربة الثقافية والتاريخية للشعب الفلسطيني، ويعبر عن آماله وتحدياته وتجاربه المختلفة.
التراث والفنون: يحتفظ الفلسطينيون بتراث ثقافي غني ومتنوع يشمل الموسيقى والرقص والأزياء والمطبخ والعمارة. يُعتبر الحفاظ على التراث الفلسطيني وتعزيزه ونقله إلى الأجيال القادمة جزءاً أساسياً من بناء الهوية الفلسطينية.
المقاومة: ترتبط الهوية الفلسطينية بالنضال الوطني والمقاومة ضد الظلم والاحتلال، إذ أنّ روح المقاومة تُعَد إحدى العناصر الأساسية في بناء الهوية الوطنية وتعزيز الوحدة الفلسطينية.
التكافل: تعتبر القيم الاجتماعية التي تعكس التعاضد والتكافل بين المواطنين جزءأ أساسياً من الهوية الفلسطينية، ما يعكس الروح الجماعية والمساندة المتبادلة والذي يعني قوة العلاقات الاجتماعية والانتماء للمجتمع الفلسطيني.
تختلف النظريات الفلسفية حول الهوية في الكثير من الجوانب، فمنها ما يؤكد على أن الهوية هي جوهر ثابت وثابت للفرد أو المجموعة، بينما يرون آخرون أن الهوية قابلة للتغيير والتشكل من خلال العلاقات والتفاعلات مع الآخرين والبيئة. وترتبط فلسفة الهوية بالعديد من القضايا المهمة مثل الانتماء، والتمييز، والانفصال، والتضادات الثقافية، والتعددية الثقافية. تتساءل الفلسفة أيضًا عن مفهوم الهوية الشخصية والهوية الجماعية والعلاقة بينهما، ومدى تأثير الهوية على سلوك الفرد وتصرفاته.
يمكن الحديث عن وجود علاقة تفاعلية ما بين الثقافة والهوية، فالهوية هي ما تميز إنسان عن غيره أو بطاقة إثبات لاسم الشخص وجنسيته ومولده، بينما الثقافة الثقافة حسب تيلور هي الكل المعقد الذي يتضمن المعارف والمعتقدات والفنون والآداب والأعراف والقوانين وغير ذلك من منجزات الإنسان كفرد أو كمجتمع، غذاً تظهر تظهر العلاقة التفاعلية ما بين الثقافة والهوية على اعتبار أن الثقافة هي صانعة الهوية ويجب توظيفها بفاعلية في بناء الدولة الفلسطينية، وتعزيزها وترسيخ حضورها في مختلف مناحي الحياة والأنشطة الإنسانية جميعاً.
دور المرأة الثقافي والنضالي في الحفاظ على الهوية الفلسطينية
من خلال تمرير المعرفة والممارسات التقليدية للأجيال القادمة؛ تقوم المرأةُ الفلسطينية بدورٍ حيويٍ في المحافظة على التراث الفلسطيني والهوية الثقافية، حيث تساهم في تعزيز اللغة والأدب والموسيقى والفنون التشكيلية والحرف اليدوية، وتحافظ على قيم وتقاليد فلسطينية فريدة، كما تسهم في الابتكار والإبداع في مختلف المجالات، بما في ذلك الأدب والفنون والعلوم والتكنولوجيا، وتُقدم رؤىً وخبرات فريدة تثري المجتمع الفلسطيني وتعزز تطوره.
من ناحيةٍ أخرى؛ تلتزم المرأة الفلسطينية بدورها في النضال والمقاومة من أجل الحرية والعدالة وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني عبر مشاركتها في الحركات السياسية والاجتماعية والنسوية، وتعبر عن هويتها الفلسطينية وتدافع عنها في المحافل الدولية. ومن خلال دورها الاجتماعي والتربوي تقوم بتعزيز التعليم وتساهم في تمكين الشباب، مما يساهم في نقل الهوية الفلسطينية والقيم الوطنية إلى الأجيال الجديدة.
لم تسمح المرأة الفلسطينية للظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحيطة ومختلف التحديات أن تكون سبباً في ضياعها وتلاشيها، بل طالما كانت رمزاً وكياناً قيّم نأى بنفسه عن التلاشي والاستسلام، وهنا أستذكر مقولةً فحواها بأنّ السفن لا تغرق بسبب المياه التي أسفلها إنما تغرق عندما تصل تلك المياه إلى داخلها،،
فنحن النساء وإن كنا في الحضيض، وإن كنا في قمة الانكسار؛ إلا أننا لدينا نور.. نُور إلهي، يضيء فسحة أملٍ في قلبنا وخيالنا.. لا نسمح لكل ما حولنا أن يصل إلى قلبنا فيثقله ويُغرقنا ويٌغرقه، لدينا يقينٌ تام بأنّ الاستثمار الحقيقي يكمن في أنفسنا.. نحن النساء اللاتي خلقنا الله تعالى بهذا القلب..
_________________
*متخصصة في المجال الإعلامي وإعداد الأبحاث ودراسات حقوق الإنسان.