من يكون نصفك الآخر؟ رحلة البحث عن شريك الحياة
بقلم حنين دويكات بإشراف الدكتورة فلسطين نزال
اختيار شريك الحياة يُعد من أبرز القرارات المصيرية التي تؤثر على مسار الإنسان وسعادته. فهو لا يقتصر على المشاعر فقط، بل يتطلب توازنًا دقيقًا بين العاطفة والعقل، ويؤسس لمستقبل تُبنى عليه الأسرة وتُرسم من خلاله ملامح السعادة أو التعاسة.
فالزواج ليس مجرد ارتباط عاطفي، بل هو شراكة طويلة الأمد تحتاج إلى وعي، تفاهم، وقيم مشتركة تُسهم في بناء حياة مستقرة وسعيدة للشريكين فالتوافق في القيم والمبادئ، والاحترام المتبادل، والتواصل الفعّال، كلها عناصر أساسية لضمان استمرارية العلاقة ونجاحها.
في النهاية، النجاح في اختيار الشريك يقوم على توازن منطقي يجمع بين القلب والعقل، ويأخذ بعين الاعتبار الرغبات الشخصية، والواقع، والقدرة على التفاهم وبناء مستقبل مشترك، فالقلب يمنحنا الشغف والحماس، بينما يقدم العقل الإرشاد والحكمة. وعندما نجمع بين هذين الجانبين بحكمة، نتمكن من بناء علاقة متينة تستند إلى الحب الحقيقي والاحترام المتبادل، والتي تستمر لتصبح مصدرًا للسعادة والإلهام.
عند اختيار شريك الحياة، هناك مجموعة من المعايير الأساسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار لتحقيق علاقة ناجحة ومستقرة، من أبرز هذه المعايير الجاذبية الشكلية والمظهر الخارجي، حيث يلعب الشكل دورًا في الانجذاب الأولي والقبول بين الطرفين. كما أن المكانة الاجتماعية تُعد عاملاً مهمًا، إذ يُفضل الكثير من الناس الارتباط بشخص من طبقة اجتماعية مشابهة لضمان وجود تقارب في أسلوب الحياة والتفكير.
كذلك، القيم الدينية والأخلاقية تشكل حجر الأساس في بناء علاقة قائمة على الاحترام والتفاهم، خاصة إذا كانت المبادئ متقاربة بين الطرفين. ولا يمكن تجاهل الوضع المادي، فهو يؤثر بشكل مباشر على القدرة على بناء حياة مستقرة وتوفير احتياجات الأسرة، مما يُقلل من التوترات ويزيد من شعور الأمان بين الشريكين.
عند الحديث عن مراحل اختيار الشريك المناسب، نبدأ دائمًا بمرحلة ما قبل الاختيار، وهي مرحلة مهمة جدًا لأنها تحدد استعدادنا النفسي والفكري للدخول في علاقة ناجحة.
في هذه المرحلة من حياتنا، من الضروري أن نعيد تقييم أفكارنا السلبية حول العلاقات، غالبًا ما نتأثر بتجارب فشل سابقة، سواء كانت من أهلنا أو أصدقائنا، مما يجعلنا نتوقع أن كل علاقة مصيرها الفشل، لكن الحقيقة أن كل تجربة تختلف عن الأخرى.
من المهم أن نكون صادقين مع أنفسنا، نُدرك عيوبنا ومميزاتنا، لأن معرفة الذات تساعدنا على أن نكون أكثر نضجًا وثقة، الثقة بالنفس هي أساس أي علاقة ناجحة.
بناء علاقة صحية يتطلب وعيًا ذاتيًا، وتقديرًا للذات، وتواصلًا صريحًا مع الشريك، عندما نُعزز ثقتنا بأنفسنا، نصبح أكثر قدرة على التعامل مع التحديات، ونُقيم علاقات مبنية على الاحترام والتفاهم المتبادل.
بالاضافة الى عدم تسرع بالحكم على الأشخاص، بعض الناس يرفضون التعارف أو اللقاء مع شخص لمجرد شعور سلبي أو توقعات غير واقعية، وغالبًا تكون مبنية على مشاعر لحظية بدون تفكير منطقي. المشاعر مهمة ، لكن لايجب ان يتم اعتماد عليها دائما يجيب موازنة بين مشاعر و تفكير منطقي.
اتخاذ قرار بالاختيار الشريك يحتاج وعي وفهم، ويعتمد على توازن بين القلب والعقل. وكل ما كانت رؤيتنا أوضح، كانت اختياراتنا أنجح وقدرتنا على التعامل مع التحديات أقوى.
في مجتمعاتنا، تختلف طرق اختيار شريك الحياة، قديما كان الأهل والأقارب والأصدقاء هم الوسيط الأساسي في عملية الاختيار. لكن مع تطور المجتمع وتغيّر طبيعة العلاقات الاجتماعية، أصبح الكثير من الناس يفضلون اختيار شريكهم بأنفسهم، سواء من خلال بيئة العمل، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو أماكن مشتركة مثل النوادي أو المناسبات الاجتماعية، هذه التغييرات ساعدت على تعزيز التوافق بين الطرفين، وجعلت عملية الاختيار أكثر مرونة وواقعية.
اليوم، مع ارتفاع مستوى الوعي وزيادة الاستقلالية عند الرجل والمرأة، يقع على الطرفين حرية اتخاذ القرار دون ضغط عائلي كبير، وهو تطور إيجابي جدًا، لأن اختيار الشريك المناسب هو حجر الأساس لبناء أسرة مستقرة، وتحقيق الانسجام، وتجنّب المشكلات لاحقًا.
بعد اختيار شريك الحياة المناسب الذي يجمع بين الطرفين التفاهم وتشارك الاهتمامات، تأتي المرحلة الأهم: التقييم العميق المبني على الصفات الجوهرية التي تشكّل الأساس الحقيقي لنجاح العلاقة، فالعاطفة وحدها لا تكفي، بل لا بد من وجود وعي ناضج بالمسؤوليات الزوجية والاستعداد لتحمّلها بجدية.
وتُعد الاستقلالية من الصفات المحورية؛ إذ ينبغي أن يكون كل طرف قادرًا على اتخاذ قراراته دون الخضوع للضغوط الخارجية. كما تُعتبر الثقة حجر الأساس لأي علاقة ناجحة، سواء كانت ثقة بالنفس أو ثقة متبادلة، ولا تُبنى هذه الثقة إلا من خلال الصدق والمصارحة.
كذلك، يشكّل التوافق بين الشريكين – من الناحية الاجتماعية، الثقافية، التعليمية، أو الدينية – عاملًا مهمًا في تقليص الفجوات وبناء الانسجام. ولا يمكن إغفال أهمية الصفات الشخصية مثل: الدعم والمساندة، ضبط الانفعالات، والقدرة على التواصل الفعّال، فكلها تساهم في استقرار العلاقة على المدى الطويل.
ورغم أن دور الأهل يبقى مهمًا في تقديم الرأي والنصيحة، إلا أن قرار الارتباط يجب أن ينبع أولًا من قناعة داخلية وفهم حقيقي لطبيعة العلاقة ومتطلباتها.