لم تكن هبة عيّاد وهي تدخل سجن نفحة الاحتلالي زائرة لشقيقها محمود، تتوقع بأن توأم روحها، يقبع أسيرا خلف القضبان، فكان منتصف نيسان/ إبريل 2013، يوما غير شكل حياتها، بعد أن رأت منذر صنوبر صاحب محمود في سجنه، وهو الذي يقضي حكما بالسجن المؤبد 4 مرات، و30 عاما.
انتهت الزيارة ولم تنته معها قصة الشابين، فقد طرق الحب قلب منذر المولود في قرية يتما جنوب مدينة نابلس، مذاك الحين، رغم أنه آثر كتم مشاعره وعدم البوح بها، خشية أن يربط فتاة في مقتبل عمرها بأسير قد لا تعرف الحرية سبيلها إليه.
ذهبت الأيام، وحان موعد تحرر محمود من أسره، فخرجت معه من السجن سبل لقاء منذر بفتاة أحلامه، وإن كانت من وراء القضبان التي تحاصره كما حاصرت الفتاة قلبه، فانقطع الوصال بينهما.
إلا أن الأقدار شاءت أن يعود الوصال بينهما، في اتصال هاتفي أجراه منذر مع مؤسسة الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات”، كما تعنى أيضا بشؤون الأسرى.
الاتصال كان في يوم الأسير الذي يصادف الـ17 نيسان/ إبريل من كل عام، فكانت صدمته كبيرة عندما كانت هبة هي من تلقى اتصاله، للتنسيق لفعاليات يوم الأسير، ورغم محاولته كبت غبطته، إلا أن لهفته وشت بمكنوناته، بعد أن لمست هبة مشاعره في صوته.
لم يكن ذاك اليوم آخر حديث لهما، فقد كان منذر يهاتف هبة خلسة، كلما غفلت عين السجان وسمحت بذلك ظروف السجن، فتعلقت هي أيضا به لتوافق عائلتها بعد ذلك على ارتباطها بمنذر.
وتصف هبة التي تروي تفاصيل حبهما، مشاعر الارتباك التي سيطرت عليها خلال لقائهما الأول، بعد أن شقت طريقها نحو سجن نفحة الصحراوي في الأول من كانون الثاني عام 2017، عقب شهرين من عقد القران، بعد إصدار تصريح زيارة لها من قبل سلطات الاحتلال لمدة عام على اعتبار أنها زوجته.
وتقول هبة “شعرت بالخوف يتملكني، كان قلبي يدق بسرعة، وعندما وصلت لشباك الزيارة رمقني منذر بنظرات تنم عن حب كبير، استمرت الزيارة 40 دقيقة فقط، تكلمنا قليلا وابتسمنا كثيرا، رفعت يدي لأريه خاتم الزواج من خلف الزجاج العازل، وقلت له أتمنى أن ألبسك واحدا”.
دققت هبة كثيرا في ملامح منذر، خشية ألا تعود مرة أخرى لزيارته، لكنها في الشهر التالي تمكنت من ذلك، وفي الزيارة سألته هبة عن تفاصيل حياته ماذا يحب وما يكره، ما أكلته المفضلة ما لونه المفضل، وتقول: “في نهاية الزيارة أوصاني عدم قصّ شعري هو يحب الشعر الطويل، مع الأيام صرت أحب كل شيء يحبه منذر”.
في آذار/ مارس ألغيت الزيارة الثالثة المقررة لمنذر بسبب حالة التوتر التي سادت سجون الاحتلال في تلك الفترة، واعتزام الأسرى خوض إضراب مفتوح عن الطعام عشية يوم الأسير، وبقيت هبة ممنوعة من الزيارة لنهاية العام.
أصيبت هبة في تلك الفترة بوعكة صحية جعلتها طريحة الفراش بسبب غياب منذر، الذي كان من ضمن الأسرى الذين خاضوا إضرابا مفتوحا عن الطعام، تقول إنها خسرت من وزنها الكثير حيث انقطعت عن الطعام تضامنا معه.
وفي 30 أيلول في الذكرى السنوية الأولى لعقد قرانهما، وبينما هبة جالسة داخل مكتبها، دخل شابان يحملان باقات كبيرة من الورد الجوري، قدماها لها وقالا: “زواج سعيد، هذه هدية منذر”.
سبقت دمعة هبة ابتسامتها وهي تتذكر مفاجأة منذر لها: “دخلت مكتبي وبعدها بساعة جاء شابان من مدينة نابلس قالا لي إنهما أسيران محرران، حيث أوصاهما منذر بتقديم الورد لي ودفع ثمنه لهما، واشترط أن يكون ذلك في ذكرى عقد قراننا”.
وعلى إحدى الباقات عُلقت بطاقة معايدة خُط عليها: “إلى الزوجة والحبيبة والرفيقة كل عام وحبنا وزواجنا بألف خير”.
لم تتوقع هبة هذه الهدية والمفاجأة، التي أنستها كما تقول كل أيام التعب والمُر الذي ذاقته في غيابه، “فهو يحاول أن يسعدني بأبسط الأشياء وهذا بالنسبة لي يعادل الدنيا وما فيها”.
لا سلاسل ولا سجان ولا قضبان استطاعت منع منذر من مشاركة زوجته هبة مناسباتها، وبعيد ميلادها في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر العام المنصرم، فاجأها برسالة مكتوبة بخط يده أرسلها مع أحد الأسرى المفرج عنهم.
كتب منذر في رسالته: “وددت أن أهديك طوقا من الياسمين والجلنار، فماذا أهديك من الدنيا وأنا مقيّد الجسد لكني طليق الأفكار، وسأهديك عقدا عقيق الكلمات، وهمّا أكابده وضيقا بصدري يجري، ففي قلبي فراق مُر المذاق، فكيف السبيل إلى لقاء حبيب بيننا وبينه جدران وأسلاك وباب مغلق، كل عام وحبك يتجددُ بداخلي يوما بعد يوم، فقلبي كان قبلك مظلما وعندما جئت أشرقت ظلمته بنور حبك، فكل الآلام التي أواجهها لن ولم تنسني العهد الذي بيننا”.
وختم منذر رسالته بالقول: “ماذا إن لم يكن لهمي فرج قادم؟”.
لا تستطيع هبة رد الهدايا لمنذر، لكنها تتحين الفرصة عندما تسمح إدارة مصلحة سجون الاحتلال بإدخال الملابس الشتوية والصيفية للأسرى، لتقوم هي بشرائها له.
ولأنهما يعيشان على الأمل، أوكل منذر لهبة مهمة شراء منزل الزوجية الذي سيجمعهما عقب الإفراج عنه، حيث قامت بتلبية رغبته وشراء شقة في مدينة رام الله، وستقوم بتجهيزها قريبا وشراء كل ما يلزمها من أثاث.
قبل أيام احتفلت هبة ومنذر بالذكرى السنوية الثانية لعقد قرانهما، فكانت المفاجأة الأخرى، حيث أهداها بواسطة والدته خاتما ذهبيا، ومعه رسالة خطيّة كتب فيها: “تحية الشوق والمحبة تحية الانتظار واللهفة تحية أبرقها لك من خلف القضبان الواهية إلى من في القلب سكناها، أخط كتابي هذا ليصف شوقي إليك وأكتبه من دموع شوقي وحنيني لرؤيتك، حنين لا يزيله تعاقب الليل والنهار، وأنا لشدة شوقي كالعطشان الذي كشف له عن ماء عذب ومنع منه بمانع صعب، ورجائي لك أن تكوني صابرة لعل وعسى الأيام القادمة تجلب لنا مكانا تحت شمس الربيع”.
وختم رسالته: “حبذا أن يكون اللقاء قريبا، وإلى ذلك اليوم أريدك قوية”.
تعود الابتسامة الى محيا هبة التي تتحسس، سلسلة ذهبية متدلية من عنقها في آخرها قلبيْ حب، نقش على أولهما اسمها، فيما حمل الآخر اسم منذر، وهي أول هدية من منذر لها.
وتقول هبة مبتسمة “أحببت منذر كثيرا لكن، حكمه العالي ولّد لدي تخوفات انتهت بمجرد أن أفصح لي عن مشاعره، فكان قراري نعم سأرتبط به، وللآن أجد من يقول لي “ضيعتي حياتك وعمرك” وانا أجيب “لا بل معه وجدت حياتي”.
المصدر: وفا-رشا حرزالله