خاص
فلسطين والتجميل قصة أخرى مختلفة، تداخلت فيها المهنيّة مع الفوضى والطب مع التجارة، واختلطت الأمور مع الرواج الذي عرفته والتوسع الذي حققته، مؤخرا بحيث باتت مهنة التجميل قطاعا إقتصاديا ناشطا من جهة، وحالة متفلتة من الضوابط التنظيمية من جهة ثانية.
ولم تكن وفاة سيدة في الخليل (45) عاما إثر إجرائها جراحة تجميلية، النقطة التي جعلت كوب قضية قطاع التجميل في فلسطين يفيض.
“الكوب” بهذه الضحية امتلأ فعلا منذ سنوات وفاض مرات عديدة ما استدعى تحرك الجهات المعنية مرارا واتخاذ قرارات بهذا الشأن. لكن معظم تلك القرارات إما أنه لم يتم الإلتزام بها أو تم الإلتفاف عليها، ما ترك القطاع في فوضى، زادت حدّة مع تزايد مراكز التجميل والعلاج بالليزر وتزايد الإقبال عليها.
وهذا ما دفع وزارة الصحة إلى العمل على تنظيمها بما يضمن كفاءة المهنة وسلامة المستشفين.
وببحث سريع أجرته “أنتِ لها” مؤخرا فقد تبين بحسب احصائيات منشورة في سجلات وزارة الصحة الفلسطينية فإن عدد مراكز التجميل المرخصة وصلت إلى 3 مراكز فقط من أصل 148 مركزا، رخصت لوجود أخصائي تجميل او جلدية يعمل في المركز في حين وصل عدد طلبات الترخيص المقدمة إلى قرابة 60 طلبا.
وبحسب الخبير والمدير السابق بدائرة الإجازة والترخيص في وزارة الصحة د. كمال الوزني أن الترخيص في مثل هذه الحالات ينقسم إلى جزئين أولها ترخيص المكان الذي يتم فيه العمل أي مركز التجميل، وثانيها هو ترخيص الشخص الذي يمارس المهنة معتبرا في تصريح منشور له أن المشكلة تنبع من كون القوانين المعمول بها اردنية كانت او مصرية لا تعالج هذه المهنة لعدم وجودها في الفترات التي أقرت بها هذه القوانين ما دعا دائرة الاجازة والترخيص في حينه إلى عقد ورشات عمل مكثفة بهدف الخروج بأنظمة وقوانين تحدد طبيعة عمل المهنة وتداخلاتها مع المهن الأخرى والتي كانت ستؤثر إيجابا على المهنة والعاملين فيها في حال إقرارها.
و ما يخشاه المختصون قيام بعض المراكز بعمليات مختلفة دون وجود الاخصائي وان هذه المشكلة مستمرة حتى الان بسبب عدم وجود اليات واضحة لتنظيم هذا المجال من العمل.
وفي هذا الصدد تطلق د. ولاء عبد الناصر سعد الدين اخصائية الأمراض الجلدية والتجميل الطبي غير الجراحي والعلاج بالليزر صرخة مدوية في وجه المراكز والصالونات التي تمارس دور الأطباء المختصين
وتضيف في معرض حديثها عن الأخطاء التي يمكن ان تقع في بعض مراكز التجميل :” في النهاية اي اجراء طبي يمكن ان يحمل مضاعفات او اعراض جانبية و هذا يعتمد على تفاعل الجسم مثلا مع دواء معين طبعا يتم شرح ذلك للمريض قبل بدء العلاج انطلاقا من هذا المفهوم فان الطبيب اكثر الناس قدرة على التعامل مع هذه المضاعفات فمثلا ازالة الشعر بالليزر و هو من اكثر الاجراءات التجميلية طلبا في مراكز التجميل ويحتاج قبل البدء به مناقشة المريضة و اخد تاريخ مرضي مفصل منها لاستبعاد امراض مثل تكيس المبيايض “.
مطالبة باتخاذ خطوات حاسمة لتنظيم المهنة وإعادة النظر بالتراخيص الممنوحة لمراكز التجميل.
ولا شك في أن الإقبال على الجراحات التجميلية المختلفة ازداد في السنوات الأخيرة في شكل مطّرد، سواء من فلسطين أو من الخارج.
معتبرة أن ما يجري داخل بعض مراكز التجميل جريمة بحق قاصديها، خصوصا بعد بروز أخطاء عدة استدعت معالجتها في عيادات الاطباء وهذا ما حدث معها شخصيا.
، وشددت سعد الدين على ضرورة التوعية في مجالات التجميل كلها، وخصوصا الليزر لأن تأثيره على البشرة ليس بسيطا.
هذا الأمر معطوفا على ما تؤمّنه صناعة التجميل من مردود عال لأصحابها، دفع بالعديد من الباحثين عن جني سريع، إلى افتتاح مراكز تجميل والتسويق لها واستقبال الآلاف من طالبي العلاج التجميلي، من دون توفّر الحد الأدنى من شروط السلامة الصحية المطلوبة. وكانت تتكرر الأخطاء التجميلية في السابق ولكن من غير أن تنال حقها من الإضاءة الإعلامية. وذلك إما لأن أصحاب المراكز المعنية كانوا يُنفقون الكثير من الأموال للحفاظ على سمعتهم غير مشوّهة، أو لأن أصحاب العلاقة ممن حصلت معهم أخطاء تجميلية كانوا يفضّلون السكوت على الأمر نظرا لخصوصيته.
“باعة متجولين على مواقع التواصل الاجتماعي”
ولوحظ في الاونة الاخيرة انتشار الاعلانات الترويجية لمئات المراكز التي قد تكون غير المرخصة وغير المستوفية الشروط.
لدرجة ان البعض ذهب باتجاه تقديم الخدمة من المنازل بطريقة اشبه «باعة متجولين» يطرقون الأبواب ويعرضون على ربات المنازل ما لديهم من خيارات تجميلية بسيطة، أي أنها لا تستدعي توفر عيادة، وبأسعار متهاودة… وبغض النظر عن التجاوب مع عروض هؤلاء من عدمه، إلا أن شيوع مثل هذه الظواهر ينم عن الدرك الذي بلغه الأمر في فلسطين، ومدى الحاجة إلى التحرك السريع لضبط المخالفين وتنظيم القطاع من قبل وزارة الصحة.
فما الذي تم إنجازه على هذا الصعيد حتى الآن؟
وقبل عدة اشهر أغلقت مديرية صحة نابلس ثلاث مراكز تجميلية لعدم استيفائها لشروط الترخيص.
وقال مدير صحة المحافظة د.رامز دويكات عقب اغلاق تلك المراكز إن الوزارة ،إن الوزارة تشدد من إجراءاتها على المراكز التجميلية العلاجية خلال هذه الفترة .
وأوضح دويكات” ان صحة نابلس تقوم بجولات ميدانية في المراكز التجميلية التي تقدم خدمات علاجية مثل الليزر والحقن للتأكد من استيفائها لكافة الشروط من أجل صحة المواطن.
وحذر دويكات المواطنين من التوجه لمثل هذه المراكز دون التأكد من ترخيصها من قبل وزارة الصحة بشكل رسمي .
رأي علم النفس الإجتماعي
الإقبال على عمليات التجميل إلى ازدياد، حتى من محدودي الدخل نسبيا وممن لا تستدعي حالتهم الجمالية المخاطرة بصحتهم وربما بحياتهم وإجراء مثل هذه العمليات. فما سبب هذه الظاهرة؟ وكيف يعدد علم النفس الإجتماعي أسبابها؟
يقول متخصصون في هذا المجال إن للإقبال المتزايد على عمليات التجميل على الرغم من خطورتها من جهة وعدم ضمان نتيجتها الجمالية من جهة ثانية، وعدم الحاجة لها أصلا في حالات عديدة، أسبابا عديدة منها:
أولا من الناحية المادية، تعتبر هذه العمليات بمتناول حتى محدودي الدخل. فانتشار المراكز التي تجري مثل هذه العمليات والمنافسة في ما بينها، أدى إلى خفض الأسعار، فبات العديد من العمليات التي يرغب قسم من طالبي العلاج بإجرائها في متناول الطبقات الوسطى وما دون. اضافة الى ذلك تعتبر تكلفة عمليات التجميل في فلسطين مقبولة مقارنة مع دول أخرى تقدّم المستوى نفسه من الخدمة.
ثانيا من الناحية النفسية أو في قراءة بسيكو-سوسيولوجية لسلوكيات المجتمعات بحسب ما هو منشور في مجالات الرعاية النفسية، نجد أن الإنسان يطمح دائما ليكون الأفضل والأجمل، ويجهد لتحقيق ذلك إرضاءً لتوق داخلي نفسي يجعله راضيا عن نفسه في المجتمع. وهذا الأمر ليس بحديث وليس ظاهرة برزت مؤخرا بل إن الإنسان كان يسعى دائما للتجميل. وقد كان للشعوب القديمة آلهة للجمال. وابتكر الفراعنة منذ 3000 سنة قبل الميلاد مساحيق تجميلية وحتى جراحات تجميلية وأعضاء إصطناعية لمن فقدوا أعضاء من أجسادهم بنتيجة حوادث أو حروب. حتى الماكياج هو بمعنى ما عملية تجميلية.
وكيف يمكن معالجة هذه الحالة للحد من آثارها السلبية؟
لا علاج محددا أو سريعا لها، بحسب المتخصصين. البداية والأساس هي التوعية، في غياب الوعي لا نجاح لأية معالجة. ولا يخفى أن بعض أسباب التوسع غير المبرر لعمليات التجميل هو غياب العمق في نظرة الفرد والمجتمع لمقاربة الأمور. فنسعى لتجميل الجسد ونهمل تجميل النفس والفكر علما أنهما الأساس. ففي حقبات النهضة تعمل الشعوب على تطوير ذواتها وريادتها، أما في حقبات التقهقر فنرى أن الإهتمام بالمظاهر يطغى، وهذا ما هو حاصل اليوم عندنا.
وكان الناطق باسم الشرطة العقيد لؤي ارزيقات اكد أمس وفاة سيدة 45 عام داخل عيادة تجميل في مدينة الخليل.
وأشار ارزيقات في تصريح له أن الشرطة والنيابة العامة باشرتا في التحقيق في ظروف وفاة سيدة اربعينية وصلت الى طوارئ مستشفى الخليل الحكومي وهي متوفية.
وقال العقيد لؤي ارزيقات المتحدث باسم الشرطة ان المعلومات الاولية افادت بان السيدة توفيت داخل عيادة للتجميل في المدينة الخليل وقام الطبيب الذي كانت متواجدة في عيادته باحضار جثتها الى المستشفى .
واضاف ان التحقيقات الاولية تشير الى ان المتوفية كانت قد قامت بإجراء جراحة تجميلية قبل عدة ايام وحضرت اليوم لمراجعة طبيبها لكنها توفيت ولا زالت القضية قيد التحقيق.
وهنا يبقى الأكيد بانتظار التحقيقات أنه على الرغم من تحرك الجهات المعنية والمختصة، إلا أن المأساة وقعت، فأي تعويض يمكن أن ينوب عن حياة أم أو زوجة أو ابنة؟!
بعد كل ذلك، ربما آن الأوان ليَدخل القطاع نفسُه عيادة التجميل، فيتم شفط الزائد غير المرغوب فيه منه، وتنحيفه بحيث يقتصر على من يتصف بالمهنية والقانونية، والعمل على تكبير العائد منه. ليس العائد المادي فقط، بل المعنوي أيضا، لتحقيق الهدف وحماية صحة الناس من المتاجرة وسمعة المشهد الطبي الفلسطيني برمته من التشويه.