عرض على مسرح بلدية رام الله يوم الاثنين الماضي الفيلم الوثائقي “سماح” وهو من كتابة وتحقيق أستاذة الإعلام في جامعة بيرزيت جمان قنيص ومن إخراج مراد نصار .
يعود اسم الفيلم “سماح” إلى شخصية حقيقية تعرضت للعنف الأسري والإهمال من قِبَل زوجها الذي اصطحبها معه إلى الولايات المتحدة عقب تخرجها من جامعة بيرزيت، وهناك بدأ ممارسة العنف والإهمال معها حتى فكرت بالانتحار، ولكنها فضلت مراسلة معلمتها ” جمان قنيص”.
قصة سماح ألهمت قنيص بكتابة الفيلم، والبحث حول أسباب العنف الأسري الذي تتعرض له النساء الفلسطينيات هنا ، فكانت النتائج مخيفة،عندما خلصت قنيص برجوعها لمراكز إحصاء فلسطينية أنه من بين كل 10 نساء فلسطينيات يتعرض 7 منهن للعنف الأسري .
وتقول قنيص :إن الفيلم يسلط الضوء على عدة قصص حقيقية لنساء تعرضن للعنف الأسري من قبل أزواجهن أو عائلات أزواجهن، وتم اتخاذ حالات من فئات عمرية مختلفة وانواع محتلفة من العنف ، كما يتطرق الفيلم إلى رأي الأديان الثلاثة حول العنف ضد المرأة ، ورأي العلم في قضية العنف وتعريفه “.
إن أهمية التطرق لهذا النوع من الأفلام في مجتمع يخضع للاحتلال كالمجتمع الفلسطيني أمر يراه البعض غير ضروري، وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون عندما ينظرون إلى مشكلات المجتمع والتطرق لها كشيء ثانوي مع ظرف الاحتلال، إلا أن تعامل الاحتلال مع مجتمع مفكك ومتراجع حضاريّا سيسهل سيطرته عليه ويمكنه منه بسهولة تامة ، وهو الرأي الذي يقول به مخرج الفيلم مراد نصار حول أهمية الموضوع وإخراجه إلى الضوء فيضيف ” لقد صنعت العديد من الأفلام حول الاحتلال والأفلام السياسية ، ولكنني الآن أجد في المشاكل المجتمعية خطورة أكبر من الاحتلال نفسه علينا “
ويتابع نصار ” هذا الفيلم موجه للنساء الفلسطينيات ، وليس للمؤسسات الرسمية، هذا الفيلم يقول لنساء فلسطين المعنَفّات ، اطرقن جدار الخزان”.
ويعلق الدكتور عبد الرحمن أقرع أستاذ علم وظائف الأعضاء الطبي في جامعة النجاح وأحد المشاركين في الفيلم :” فيلم سماح” فيلم شجاع لأن التصدي لاظهار عيوب المجتمع واخطائه في كل ما هو مسكوت عنه لا يقل أهمية عن أي شجاعة أخرى في مواجهة الأخطار الخارجية .
وقد تشرفت بالمشاركة بالفيلم فيما يخص الجانب “الفيسيو عصبي” أو الجانب العلمي الذي يشكل القاعدة لحدوث العنف، فالعنف لا يقف عند حدود الضرب أو الإيذاء الجسدي ، العنف الممارس ضد نسائنا يشمل الإهمال، يشمل حركات الجسد والاشارات المهينة المتضمنة للحوار، هذه التفاصيل الدقيقة قد تؤدي إلى مشاكل حقيقية تقع كلها تحت إطار العنف ” .
وتناول الفيلم أربع قصص أخرى غير قصة سماح، وكانت الشخصيات ذات أسماء وهمية ووجوه مغطاة لحفظ السرية ، وتدور كل من قصص” سراب وليالي وأحلام وشمس” حول قضايا التحرش الجنسي بزوجة الابن، الضرب، والإهانات اللفظية، التفريغ النفسي اتجاه الزوجة، الإهمال ، الخيانة، ونقاش مشاكل مثل القضاء الشرعي الفلسطيني في تعقيد معاملات الطلاق وضياع حق الزوجة فيها،و النفقة بعد الطلاق التي لا تكفي لشراء الخبز وحده .
وقد استفز الفيلم العديد من الحضور حيث استمر النقاش بعد الفيلم الذي لم تتجاوز مدته الـ”٣٠” دقيقة، مدة ساعة ونصف الساعة، حيث تبايت آراد الحضور الذيين وجدوا أن الفيلم عرض قصصًا عادية ولا تعتبر بذلك القدر من العنف ، الأمر الذي ردت عليه رئيسة النيابة الشرعية صمود ضميري وهي أيضًا أحدي المشاركات بالفيلم في حديث خاص لـ” القدس “دوت كوم بقولها:” من ردود فعل الحضور تبين لي أن مجتمعنا الفلسطيني بحاجة فعلًا لتعريف العنف وفهمه على حقيقته، فهناك الكثير من النساء اللواتي يمارس ضدهن العنف كل يوم من الصباح إلى المساء، وهن لسن على دراية بأنهن معنفات”.
وتضيف الضميري :” نحن بحاجة إلى هذه النوعية من الأفلام التي تعتبر أقرب إلى الناس منا وهي قادرة على إيصال تأثيرها بشكل أكبر لشرائح مختلفة من المجتمع لتوضيح مواضع الثغرات ومواجهتها ، وإخبار المجتمع الرافض لحقيقة وجودها ، بأنها موجودة وبكثرة، وتحتاج إلى الكثير من التدابير السياسية والاجتماعية والإعلامية لحلها، وهذا الفيلم يحقق جزءًا من هذه المسؤولية “.
كان فيلم “سماح”رائعًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لقد أثر في غالبية الحضور حد البكاء، حين لامس واقعا حقيقيا للنساء الفلسطينيات، كما أتقن نصار إخراج الفيلم في دمجه للرواية المحكية والصورة البصرية والموسيقى التصورية بشكل حرفي ، فيلم سماح كان صرخة مدوية تهز القلوب والضمائر وتطرق جدران الخزان. (القدس نت)