رشا حرز الله
وكالة وفا الإخبارية
في الثامن من تشرين الثاني الحالي، قصدت منى جعابيص وعائلتها سجن الدامون، لزيارة شقيقتها إسراء التي تقضي حكما بالسجن 11 عاما، حيث استقبلتهم من خلف الزجاج مبتسمة، وراحت تمعن النظر في شقيقتها، منتظرة أن يفاجئها طفلها معتصم علّه يكون مختبأ وراء خالته ويفرحها بقدومه كما كان يفعل دائما.
خاب ظن إسراء هذه المرة أيضا، فمعتصم لم يأتِ، لأنه ممنوع من زيارتها منذ ثلاثة أشهر، بحجة عدم حيازته هوية تثبت أنه طفلها، كون والده من سكان الضفة، رغم أن معتصم مولود في القدس، ويدرس في إحدى مدارسها، ليتسبب هذا الإجراء القاسي بألم مضاعف يضاف لكومة الآلام التي تعيشها إسراء في السجن.
تجرعت إسراء الحسرة، مطرقة رأسها في محاولة لمداراة دموعها عن عائلتها، لتبدي لهم أنها بخير، طالبة من شقيقتها الاعتناء بمعتصم، فالمهم لديها أن يكون بخير، وفق ما سردته شقيقتها منى.
إسراء جعابيص (33 عاما)، من مواليد جبل المكبر في مدينة القدس المحتلة، أتت الحروق على أكثر من 60% من جسدها ووجهها عقب اندلاع حريق في المركبة التي كانت تقودها في تشرين الأول عام 2015، بعد أن انفجر بالون الهواء في المقود، بالقرب من حاجز الزعيم شرق القدس المحتلة، لتصبح بين ليلة وضحاها من وجهة نظر الاحتلال “مجرمة”، وتحاكم بتهمة محاولة تنفيذ عملية دهس.
ومنذ ذلك الحين، وإسراء تكابد أوجاعا جسدية ونفسية كبيرة، بسبب ما خلفته الحروق من أضرار تسببت بتغيير ملامحها كليا، وأدت لالتصاق كتفها الأيمن من تحت الإبط بجسدها، حيث أصبحت عاجزة كليا عن تحريك يدها، كما التصقت أذناها برأسها بفعل النيران.
شقيقتها منى قالت: إسراء تعاني من تقيَّحَات وإفرازات جلدية، وانتشار للدمامل في أماكن الحروق خاصة وراء الأذنين، وأصبح لون جلدها مائلا إلى الاصفرار، إلى جانب ضعف في السمع والبصر، في الوقت الذي ترفض إدارة سجن الاحتلال توفير نظارة طبية لها.
وتحتاج إسراء بحسب شقيقتها إلى عشرات العمليات الجراحية والتجميلية، خاصة في منطقة الفم واللثّة والأسنان، فهي للآن لا تستطيع مضغ الطعام جيدا، إلى جانب عملية في الأنف حتى تستطيع التنفس جيدا، فمنذ إصابتها، وهي تتنفس عن طريق الفم، كذلك عمليات لفصل أذنيها عن رأسها، بالإضافة إلى أخرى لفصل أصابع يدها الملتصقة مع بعضها.
وجع إسراء آخر ما يشغل بال ما تسمى إدارة “مصلحة سجون” الاحتلال، التي لا تكترث بمتابعة علاجها وتستمر في إهمالها، وتتركها وحيدة في مجابهة الألم.
إسراء ليست الوحيدة التي تعاني من سياسات وعنف الاحتلال، فهناك 52 أسيرة بينهم قاصر، يعانين الأمرين، في ظل تشديد الخناق عليهن، وحرمانهن من أبسط حقوقهن، حيث تستمر إدارة السجون في سياسة العزل الانفرادي، والإهمال الطبي، ومنع عائلاتهن من الزيارة، والنقل التعسفي.
كما تعمد إدارة سجون الاحتلال إلى انتهاك خصوصيتهن من خلال التفتيش الليلي والعبث بأغراضهن والاستيلاء على مقتنياتهن، وقمعهن بطرق هي الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان، في وقت ما زال فيه العالم ينادي بضرورة القضاء على العنف ضد المرأة، ليصادف اليوم الأحد، الموافق الخامس والعشرين من تشرين الثاني من كل عام، “اليوم العالمي للقضاء على العنف ضدها”.
الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أعلنت عن اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة عام 1999، داعية الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة تهدف إلى زيادة الوعي العام في هذه القضية.
ويحتفل أنصار المرأة بهذا اليوم منذ عام 1981، وذلك عقب الاغتيال الوحشي الذي جرى بحق ثلاثة شقيقات هن: باتريسيا، وماريا مينريفيا، وأنطونيا ميرابال عام 1961، حيث كن من السياسيات النشيطات في الجمهورية الدومينيكية.
بيد أن دعوات الأمم المتحدة للقضاء على العنف ضد المرأة لم تلق أذانا صاغية لدى إسرائيل، التي تقتل وتعتقل وتنكل بالنساء في فلسطين بأبشع الوسائل.
ويشكل اعتماد المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة في دورته عام 2018 التي عقدت بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، مشروع القرار المعنون “حالة المرأة الفلسطينية وتقديم المساعدة إليها” اعترافا بما تكابده المرأة الفلسطينية من معاناة جراء سياسات الاحتلال.
ومما أكده هذا القرار الذي جاء بناء على توصية لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة، التي عقدت في مارس2018، أن “الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يشكل عقبة رئيسية تحول بين النساء الفلسطينيات وتقدمهن واعتمادهن على النفس ومشاركتهن في تنمية مجتمعهن”.
ويطالب القرار إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بالامتثال التام لأحكام ومبادئ وصكوك القانون الدولي ذات الصلة من أجل حماية حقوق النساء الفلسطينيات وأسرهن، ويهيب بالمجتمع الدولي مواصلة تقديم المساعدات والخدمات الملحة والمساعدات الطارئة بصفة خاصة، للتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية الخطيرة التي تعاني منها النساء الفلسطينيات وأسرهن، والمساعدة في إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية ذات الصلة.