قد تطرأ أسئلة عجيبة على بال المرء خلال ممارسته للعلاقة الحميمة؛ مثل: ماذا سنأكل اليوم؟ أو: كم ساعة بقي على بداية مباراة الليلة؟
إذ كنت قد مررت بتجربةٍ مشابهة؛ فاعلم أن تفكيرك بموضوع غريب أثناء الممارسة أمرٌ طبيعي!
لا داعي للقلق، فشرود الذهن والسَرَحان في أمرٍ بعيدٍ يعاني منها الكثيرون.
أزمة «الشرود» منتشرة أكثر مما تتخيل!
بحسب صحيفة The Guardian البريطانية، توصل استبيان أجرته هيئة الصحة البريطانية العامة في يونيو/حزيران 2018، إلى أن 49% من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 25 و34 عاماً اشتكين من افتقادهن للمتعة الجنسية.
ولم تقتصر المشكلة على هذه الفئة السنية تحديداً، بل بلغت نسبة الإناث غير الراضيات عن مستوى المتعة الجنسية في كافة الأعمار 42%.
كما توصلت دراسةٌ أخرى أجرتها هيئة مسح السلوكيات الجنسية وأنماط الحياة في بريطانيا في العام 2013، إلى أنَّ الناس باتوا يمارسون الجنس أقل مما اعتادوا عليه في الماضي.
وكانت مشكلات الاستجابة الجنسية شائعة، لتأثرّ على 42% من الرجال و51% من النساء.
الحل بسيط: الجنس الواعي!
إذاً، هناك مشكلة واضحة في الوصول إلى المتعة الجنسية المرجوّة.
لنتّفق أولاً على أن شرود الذهن والسَرَحان أثناء ممارسة العلاقة الحميمية يقلِّل من المتعة، إذا لم نقل إنه يقضي عليها تماماً.
هنا يأتي دور «الجنس الواعي»!
ما هو «الجنس الواعي»؟ وكيف لك أن تمارسه؟
ببساطة، ما عليك سوى صرف كل انتباهك على ما يحدث في اللحظة الحاضرة أثناء اللقاء الحميمي، والتركيز على مشاعرك الآنية دون الحكم عليها.
فمن شأن التركيز على اللحظة أن يحول دون شرود ذهنك بعيداً، ويقلل من الضغط الذي ستعاني منه لاستعادة تركيزك.
من أين أتت فكرة «الجنس الواعي»؟ وما هو «الوعي التام»؟
نظرية «الجنس الواعي» لم تكن متعلقةً بالجنس في بداية الأمر، إذ استخدمت هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS) ما عُرف بـ «الوعي التام» في علاج الاكتئاب، قبل أن تتطور النظرية وتظهر مصطلحات مثل «التناول الواعي للطعام» و«الاستهلاك الواعي للكحوليات»، و»التربية الواعية»، و»العمل الواعي».
ويعتبر «الوعي التام» أحد الأدوات التي يمكنها مساعدتك في التركيز على عالمك المليء بمصادر التشتيت والهموم التي قد تسيطر على تفكيرك في أي لحظة.
وبعدما نجح الأخصائيون في علاج بعض المشاكل النفسية والسلوكية من خلال «الوعي التام»، قرروا تطبيقه لمعالجة بعض المشاكل الجنسية، فظهر مصطلح «الجنس الواعي».
هل أنت بحاجة إلى «الجنس الواعي»؟ أم أنك بخير؟
خبيرة الصحة النفسية الجنسية كيت مويل، قالت لـ The Guardian «عندما تعاني من مشكلاتٍ جنسية، فإنَّ الأسباب تكون في كثيرٍ من الأوقات مرتبطة بالتوتر، وليست في واقع الأمر مرتبطة بالجسد أو في اللحظة نفسها (وقت ممارسة الجنس).
مويل أضافت، «باستخدام نظرية (الوعي التام)، بإمكانك أن تعود إلى اللحظة التي تعيشها».
وشرحت، «إذا سألتك: بماذا كنت تفكر أثناء ممارسة الجنس؟ ولم تستطع الإجابة، فأنت لا تعاني من مشاكل. لأنك لم تكن تفكر في شيء، بل كنت تستمتع باللحظة. وهذا هو الوعي الجنسي التام».
وأوضحت خبيرة الصحة النفسية الجنسية، أنَّ تجربة «الجنس الواعي» تدفعك للتركيز على أحاسيسك الجسدية، واستكشاف حواسك.
كيف يمكنك التدريب على «الجنس الواعي»؟
مويل نصحت قرّاء The Guardian بتدريب بسيط؛ فإذا ما أردت مثلاً الوصول إلى مرحلة «الوعي التام» أثناء الاستحمام، «عليك أن تتواصل مع حواسك، من خلال الاستماع إلى صوت الماء، والإحساس بملمس المياه على بشرتك، والانتباه إلى أي روائح، وتجربة طعم الماء، والنظر إلى ما يحيط بك».
إذاً، حتى تصل إلى «الوعي التام»، لا بد من محاولة إبقاء تفكيرك مركزاً على جسدك، بدلاً من عقلك.
فإذا كان شريكك يلمسك، فعليك أن تصبّ تركيزك على هذه الأحاسيس.
آماندا ماغور التي تقود الممارسة السريرية في منظمة Relate، قالت إن منظمتها صارت تعتمد «الجنس الواعي» في معالجة عملائها.
وأضافت، «مع الممارسة، ستدرك أنَّك قادر على المشاركة في الوعي التام بشكل لا إرادي، إذ يصبح باختصار ممارسةً لأسلوبِ حياة».
وبخلاف التركيز على الأحاسيس، يمكنك أن تزيد من متعة الجنس من خلال التركيز على «الملمس اللطيف للشريك، أو رائحته الطيبة، أو كيف يبدو صوته. عندما تدور في رأسك أفكار تشتتك، تجاهلها».
كيف تصل إلى «الوعي»؟ جرّب تمرين ثمرة الزبيب
يتضمن واحدٌ من التدريبات التي ينصح بها الأخصائيون، التركيز على ثمرة زبيب (تعتبر هذه ممارسةً راسخة، ويوجد عديدٌ من الدروس عنها على الإنترنت).
في البداية، دَقِّق فيها، في شكلها وحجمها ورائحتها وملمسها وتعريجاتها، ثم ضعها على شفتيك ولاحظ حدسك واستجابتك اللعابية.
وأخيراً، اقضم منها ولاحظ بالتفاصيل طعمها وقوامها.
يمكن أن يُعلِّمنا هذا التركيز على الأحاسيس وعلى اللحظة، بدلاً من تناول حفنة من الزبيب دون تفكير. ويمكن أن ينطبق نفس النوع من الانتباه على الجنس.
كما يعتبر مسح الجسد أحد «التقنيات» المفضلة للأخصائيين في مجال الجنس؛ ويتضمن إغلاق العينين والانسجام مع الأحاسيس المختلفة في أجزاء مختلفة من جسدك، وعدم محاولة تغيير أي شيء، بل مجرد مراقبة «ما يحدث».
اكتشف الأحاسيس بدلاً من أن تسعى إلى النشوة
يقول استشاري الطب الجنسي البريطاني د. ديفيد غولدماير، إنَّ «الوعي التام» يستخدم في حلّ الكثير من المشاكل الجنسية.
وبحسب د. غولدماير، فإن هذه المنهجية في العلاج الجنسي استُخدمت منذ الخمسينيات، لكنَّها لم تكن معروفةً في ذلك الوقت بـ «الوعي التام».
واستخدم الباحثان الأميركيان ويليام ماستر وفيرجينيا جونسون تقنية تسمى «التركيز المُدرَك بالحواس»، التي تؤكد على استكشاف الأحاسيس بدلاً من التركيز على هدف الوصول إلى النشوة الجنسية.
أما أستاذة علم النفس لوري بروتو، فقالت في كتابها Better Sex Through Mindfulness (جنس أفضل عبر الوعي)، إنَّ «عليك أن تولي انتباهك إلى الوعي التام باللحظة، وأن تنتبه لإحساسك بأعضائك التناسلية، وأن تراقب الأفكار تراودك».