سنوات ما بعد التخرج تدور بالأساس حول “النجاة في الحياة” عبر إيجاد وظيفة، شركاء سكن جيدون، علاقات عاطفية واجتماعية ثابتة.
وما إن تبدأ أخيرًا بالاطمئنان إلى أن كل الأمور تحت السيطرة؛ حتى يستولى عليك فجأة ذلك الهلع اللعين في صيغة فكرة متكررة “ماذا أفعل بحياتي؟ لا أملك أدنى فكرة!”
طبقا للأطباء النفسيين… في السن ما بين منتصف العشرينات وحتى أوائل الثلاثينات، فإنه من الطبيعى تمامًا أن تستحوذ عليك الشكوك حيال حياتك المهنية والاجتماعية والعاطفية… يدعى هذا بـ ازمة ربع العمر ، ويعاني منها عادة ثلثي الشباب عالميًا.
بالرغم من صعوبة خوض تلك الأزمة، إلا أن 80% ممن مروا بها يؤكدون أنهم أصبحوا أكثر سعادة ورضا عن مسار حياتهم بعد مرورهم بتلك التجربة.
وقد اكتشف د/ أوليفر روبنسون من خلال مقابلاته وأبحاثه بجامعة جرينتش – لندن، أن لـ ازمة ربع العمر أربع مراحل مميزة… وهى:-
1) المرحلة الأولى: تشعر أنك عالق!
ربما كنت تعمل لثلاث سنوات بذات الوظيفة ذات النهاية الميتة، أو لازلت تبحث عن عمل أو لازلت متخبطًا في علاقة عاطفية قديمة لا تسير على ما يرام… أيا كان ما يعيقك فأنت بحاجة لمخرج؛ لكنك تخشى أن تغيير مسارك الآن بترك العمل أو العلاقة سيتسبب في فوضى عارمة!
“امض قدمًا بحياتك إن كنت تشعر بالتعاسة منذ عام أو أطول، حان الوقت لفعل شيء ما على الرغم من الفوضى التي قد يتسبب بها هذا”
تنصح د/ ميج جاى مؤلفة “THE DEFINING DECADE”
لكنها تحذر أيضًا من مغبة تعجل التغيير لأنه قد يؤدى لارتكاب ذات الأخطاء، ولذا فأنت بحاجة للتفكير على المدى الطويل… وليس فقط قطع المسار فجأة والهرب، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية.
تنصح الأخصائية النفسانية “كاثرين برندورف” بضرورة تحديد سبب المشكلة التي تؤرقك، مثلًا في علاقتك العاطفية مع أحدهم، والتحدث إليهم بخصوص المشكلة (لأنها الوسيلة الوحيدة لمعرفة أنك غير راض) ثم العمل سويًا على حلها قبل التفكير في هجر العلاقة كليًا.
وعلى ذات المنوال، إن كانت المشكلة هي وظيفتك، عليك بمقاومة الرغبة الملحة في تركها، فأنت لازلت غارقًا في الفواتير والالتزامات الأخرى على أي حال.
خذ ما يلزمك من وقت – شهرين مثلًا – لإعادة النظر في الأمور وعمل بعض التغييرات المحورية الصغيرة، حاول تحديد مجالات العمل الأخرى التي قد تستهويك وانخرط بها، طالب بمهام جديدة ومختلفة في العمل (استخدم العصف الذهني للخروج بخطة تسويق مذهلة إن كنت تعمل بالمبيعات على سبيل المثال)، أو سجل للالتحاق بمحاضرات إحدى الجامعات المحلية.
قد يستغرق اكتشاف ميولك الحقيقية بعض الوقت، لكن البدء به من الآن سيقلل من احتمال تعرضك لأزمة منتصف العمر الشهيرة والتي هي أصعب بمراحل من ازمة ربع العمر لأنك وقتها ستكون على الأرجح ملزما بأسرة وأطفال ومسؤوليات أكثر تستدعي القلق بشأنها.
2) المرحلة الثانية: تقوم بندب حياتك التي هجرتها للتو!
الآن، وبعد الكثير من البحث الروحي المضني، وهجر وظيفتك/علاقاتك السيئة… تشعر كما لو أن معدتك تغوص بقدميك!
فأنت تواجه مستقبلًا ضبابيًا ولا يساعدك الوقوف على أرض غير ثابتة في تخفيف منسوب القلق لديك، لذا تبدأ بافتقاد الأيام الخوالي الأكثر بساطة وألفة.
امض بحياتك قدمًا حتى لو أنك تستهلها الآن من الصفر، فالتغيير يأتي مصحوبًا بإحساس الخسارة عادة، طبقا ل د/ برندورف.
خذ الوقت الكافي لاجترار خسارتك المزعومة واستلق على الأريكة في نهاية الأسبوع غاضبًا لترك أحد الأشخاص اللطيفين، أو وبخ نفسك لبقائك طويلًا في وظيفة ليس لها مستقبل… المهم ألا تحاول إلهاء نفسك عن حزنك، الأمر مؤلم على الأرجح لكن أخذ هذا الوقت المستقطع للتنفيس عن إحباطك سيجعلك أكثر استعدادًا لتقبل التغييرات والمضي للأمام.
إذا استغرق حزنك هذا أكثر مما يجب عليك بالحصول على مساعدة احترافية، هناك 15% من المصابين بـ ازمة ربع العمر تتدهور صحتهم النفسية أكثر في تلك المرحلة فانتبه!
3) المرحلة الثالثة: الشك بنفسك!
الآن وقد وضعت حياتك على المحك وتستكشف شغفك الجديد إما في عالمك العاطفي أو العملي، ستعتاد تقلباتك المزاجية التي تطير بك فوق السحاب في يوم وفي اليوم التالي تكاد تختنق جزعًا متسائلا “فيم كنت أفكر؟!”
امض قدما، لا تقلق إن اتضح لك أن ما ظننت أنه شغفك الحقيقي هو مجرد خطوة كبيرة للوراء، لا تخش شيئًا… فالوظيفة والحب يستغرقان وقتًا لإيجادهما، كما أن الاحصائيات الحكومية تشير إلى أن الشباب في عقد العشرينات يتركون العمل أسرع من أي فئة عمرية أخرى… لذا استمر باستكشاف ميولك واختبارها فهذا طبيعي.
يقول “مرانتز هينج” أن السر في اجتياز تلك المرحلة هو التركيز على روعة شعورك مستقبلًا وأنت تنطلق مباشرة نحو هدفك وتصيبه.
احرص على تقدير مسار العملية لتتمكن من الاستمتاع بانتصاراتك الصغيرة دون الإحساس بالضغط أكثر من اللازم حين تفكر في نهاية اللعبة؛ على سبيل المثال أنت تمضي الكثير من الوقت على موقع “pinterest“، لم لا تقوم بتأسيس لوحة لشغفك وميولك هناك؟ وفى كل أسبوع علّم على نشاط واحد ستفعله في سبيل تحقيق أهدافك، كتحديث سيرتك الذاتية مثلًا أو الانضمام لموقع تعليم ذاتى عبر الإنترنت، وهكذا تبقى متحمسًا بشأن رؤيتك العامة وأهدافك بطريقة مسلية متجنبًا في الوقت ذاته الانسحاب للعادات القديمة.
4) المرحلة الأخيرة: أهلًا بك من جديد
قد يستغرق تخطيك لتلك الأزمة العمرية بضعة أشهر أو عامًا أو أكثر، لكنك ستعلم حين تنتهي على وجه اليقين. سيجتاحك الارتياح والاستقرار والسعادة أيضًا! نعم!
وعلى الرغم من أنك على الأرجح ستنتابك الشكوك من وقت للآخر، إلا أن التردد والضباب لن يغرزا حياتك بعمق الأرض بعد الآن.
امض قدمًا، واحرص على التأكد من سعادتك في اختياراتك المستقبلية، فبعد انتهاء ازمة ربع العمر – لحسن الحظ – سيلتقط رادارك الإشارات بشكل أسرع حين تشعر بخطب ما في حياتك، وسيصبح بإمكانك تحديد المشكلة في بدايتها بدقة وإصلاحها قبل أن تستفحل الأمور وتخرج عن السيطرة مجددًا.
وأخيرا… في كل يوم، استغرق دقيقة من وقتك حين تستيقظ صباحًا، أو قبل الذهاب للنوم ليلًا… وفكر بالأمور الجيدة بحياتك، ستذكرك تلك الومضات السريعة بكل الأشياء التي تجري على نحو صحيح وستشعر بالامتنان لما لديك الآن.
المصدر
Self