جمان أبو عرفة-فلسطين
قبل خمس سنوات نشرت المقدسية رؤى سالم (20 عاما) على حسابها في إنستغرام صورة يدها وقد غطتها الدماء والجروح البالغة، تلقت على إثرها اتصالات عديدة هلعة من أقاربها للاطمئنان عليها، لكن تلك الصورة لم تكن إلا خدعة صنعتها بنفسها في أول خطوة على طريق احتراف المكياج السينمائي.
بعد ذلك بعامين تجمّع المارة في أحد شوارع القدس حول شاب بدت عليه علامات التعنيف الجسدي الشديد وهموا بطلب الشرطة لإنقاذه، قبل أن يكتشفوا أن ذلك مجرد مكياج صنعته رؤى ضمن مشروع عن العنف الأسري.
تُعرّف الفنانة المقدسية المكياج السينمائي للجزيرة نت بأنه مجموعة التقنيات (النحت والتشويه) التي يستخدمها صنّاع الأفلام للشكل المطلوب تجسيده من خلال استخدام أدوات صناعية أو غذائية للحصول على تأثيرات سينمائية على الوجوه وأعضاء الجسم من قبيل الجروح والثقوب والدماء، وهذا ما اختارت أن تحترفه.
بدون “فلتر”
في بيتها في حي رأس العامود جنوب المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، تُفرد رؤى وقتا خاصا لتطوير مهارتها، فتارة تصنع جرحا غائرا في باطن كفها أحاطته الغرز، وتارة تُخفي عينها كأن حروقا طمست معالمها، أو تصنع كدمات بالغة في وجهها كأنه ضرب مبرح.
توثق صنيعها هذا وتنشره على حسابها بدون تعديلات أو تأثيرات للصور، حتى أن الناظر ليُذهل من مقاربتها للحقيقة، أو يشيح بنظره مشمئزا من هولها.
لا تنكر رؤى أن تعليقات الاشمئزاز والانتقاد من قبيل “يع، شو هالقرف؟، ليش بتسوي هيك بحالك” أرجعتها خطوة إلى الوراء، فانقطعت سنة كاملة عن صنع المكياج السينمائي لكنها عادت بقوة بعدها مستهجنة على نفسها ترك ما تحترفه وتحبه لأجل الناس.
تغلب الرِقة والنعومة على شخصية ومُحيا رؤى، ورغم الكدمات والجروح التي تصنعها في وجهها فإن عيونها الزرقاء تلفت النظر للوهلة الأولى عن قسوة المشهد، عن ذلك تقول “إحدى الطالبات في جامعتها استوقفتها ذات يوم معبرة عن استغرابها: كيف لرقيقة مثلك أن تصنع صورا منفرة قاسية؟” فأجابتها بأن ما تفعله “نوع من أنواع الفن توصل من خلاله رسائل كثيرة”.
رسائل هادفة
علاوة على حُبها للأمور غير المألوفة والتجارب الجديدة، وتمتعها بمهارة الرسم بكافة أنواعه، اختارت رؤى ممارسة المكياج السينمائي لإيصال رسائل صورية صامتة، كان آخرها التضامن مع الصحفي الفلسطيني معاذ عمارنة الذي فقأ الاحتلال عينه أثناء عمله، فقامت بتغطية عينها بالكامل بطريقة احترافية، ورسائل أخرى تسعى لإيصالها أيضا كنبذ العنف ضد المرأة ورفض قمع الحريات، وتفضيل الجمال الداخلي.
اختارت دراسة تخصص الصحافة والإعلام في جامعة بيت لحم جنوب فلسطين، فقد رأت أنه الأقرب لشخصيتها، حيث لم تجد مكانا في القدس والضفة لتدريس المكياج السينمائي باحتراف، ولا ترغب بتلقي علومه لدى الكليات والمعاهد الإسرائيلية، ورغم ذلك تطور مهارتها بشكل دائم معتمدة على موهبتها وشبكة الإنترنت بشكل عام ومحترفين عالميين في هذا المجال.
تحديات
لا ينحصر تحدي رؤى على محدودية علوم المكياج السينمائي في فلسطين وقلة محترفيه، وإنما ندرة أدواته ومواده في السوق المحلي وتكلفتها العالية بالسوق الإلكتروني.
لكن الفنانة المقدسية تحدت العائق الأخير فصنعت معظم المواد بنفسها كالدماء وعجينة الجلد الصناعي، وجمعت بين أهم ركيزتين في المكياج السينمائي (الإبداع وتخطي المألوف).
ورغم صغر سنها وحداثة عهدها بهذا الفن، استطاعت رؤى وهي على مقاعد الدراسة عام 2017 أن تعقد أول ورشة للمكياج السينمائي في القدس بحوش الفن الفلسطيني، كما شاركت بإعداد مكياج الممثلين في أحد الأفلام الفلسطينية الحديثة قيد الإنتاج، وعقدت دورات عديدة في هذا المجال بالقدس، إضافة إلى مساهمتها في مشاريع طلبة التمريض والإسعاف الأولي.
ولا تخلو مهارة رؤى من بعض المقالب التي يطلب منها معارفها صناعتها، كجرح في يد صديقتها أخاف والدتها، أو إصابة لأختها أقلقت خطيبها، لكنها تقول مازحة إنها لم تعد تصنع المقالب بوجهها أو جسدها فقد “انحرق فيلمها”. وتضيف ضاحكة “جرحت يدي قبل شهرين جرحا بالغا، نشرت ذلك على حسابي فلم يصدقني أحد، ظانين أنه مقلب أو لوحة جديدة من صنيعي”.
موقع الجزيرة