نساء وُلِدن من رحم المعاناة والحرب

بقلم سهير سلامة
عكست ظروف الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023 توابعها على مجريات الواقع المعاصر، والذي أثر بشكل خاص وملحوظ على حياة المرأة الفلسطينية، وخاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء. ورغم أن المرأة الغزية هي التي عانت المرّ والمرارة، وتصدرت واجهة العمل النضالي، وشاركت الرجل في كل الأعباء والتحديات، نجد أن مثيلتها في الضفة الغربية كانت كذلك جزءًا من هذا النضال. فقد وقفت في مهب المعاناة والتبعات التي انعكست عليها أيضًا، وأصبحت العون والسند والحليف القوي في تحمل الأعباء معًا.
فرغم مكانة المرأة ودورها في المجتمع عبر العصور، وكيفية تفاعل القوانين والعادات والتقاليد والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع وضعها، فإن هذا الدور يختلف تبعًا للسياق الجغرافي والثقافي من واقع إلى آخر.
فالمرأة الفلسطينية تواجه تحديات تتعلق بالتمكين والمشاركة الفعالة، بينما في بعض المجتمعات الأخرى، شهدت تحسنًا في دورها وقدرتها على المساهمة في التنمية والتأثير في المجتمع.
ومع واقع الحرب القاسي، وجدت المرأة الفلسطينية نفسها أمام خيارين: إما الاستسلام لهذا الواقع وتقبله كما هو، أو الوقوف جنبًا إلى جنب مع الزوج والابن والأب في تقرير مصير العائلة. عملت المرأة مع أسرتها يدًا بيد، بداية من اتخاذ القرارات المشتركة، وصولًا إلى التصدي لغول الجوع والنزوح والاحتلال والقتل والتدمير. سعت المرأة، رغم كل شيء، إلى إيجاد الأمن والاستقرار قدر المستطاع في ظل واقع حرب إبادة جماعية، لا تفرّق بين صغير وكبير، عاجز ومريض؛ فقد أصبح الجميع مستهدفًا لنيران عدو غاشم.
![]()
هنا برز دور المرأة في تحقيق التنمية المستدامة، خاصةً وأنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسرة التي تعد نواة المجتمع. كانت المرأة صانعة للتغيير بفضل تمتعها بالقدرة الفعالة على إحداث تغيير إيجابي في المجتمع الذي تنتمي إليه، سواء من خلال دورها كناشطة مجتمعية أو موظفة أو قيادية أو ربة منزل لا معيل لها.
لقد طرأت تغيرات جذرية على حياة المرأة، حيث وجدت نفسها في معترك حرب لا بد لها من العيش في ظلها والتكيف معها، رغم الخصوصية والكرامة التي كفلتها جميع الشرائع السماوية. فبينما كانت المرأة تتمتع بحقوقها لتكون في مأمن من الغدر والعوز، فقد واجهت التحديات بكل قوة، ونجحت في قيادة أسرتها. فبدلاً من أن تكون ضحية، أصبحت هي القائدة والمنظّمة لهذا السرب، تتحمل جميع الأعباء في غياب الرجل المصاب أو الشهيد أو الأسير أو المعتقل.

هنا وُلِدت امرأة جديدة، لا خصوصية لها، ولا احتياجات خاصة، ولا بيت، ولا زوج، ولا معيل، ولا عمل. هنا وُلِدَ الإصرار والعزيمة، وولدت الإرادة القوية. نساء تحت مجهر التحليل، يلمع في عيونهنّ عظمة هذه الحالة، ليقلن للعالم: “أنا هنا، ولا أحد يستطيع ثني إرادتنا. وُلِدنا من رحم الجوع والهدم والعجز والرصاص”.
وقالت المرأة الفلسطينية بصوت عالٍ: “إننا باقون، ولن تهزمنا أية حرب مهما بلغت الخسائر والتضحيات. مهما بلغ بنا الحال، وجدناها تصارع الموت بأنيابها لا بأسنانها. تقول للعالم أجمع، عندما سكتت ألسنتكم، وغابت ضمائركم، وتلعثمت حناجركم، وماتت قلوبكم، وهانت عليكم حرائركم: هنا أجساد لا تعرف إلا الإصرار والتحدي. لا تعرف إلا الوقوف شامخة، لتبقي ماء وجوهكنّ، الذي فقدنه مع كل صرخة لطفل جائع يريد ماءً وخبزًا، ولا يريد منكم سوى بضع كلمات وحروف تشعره بأنكم بجانبه. ولكن… لا صحة لضمايركم، وقد هان الدم ليصبح شراب أطفال غزة.”



































































