يمكن لمس معاناة النساء في حوادث كالتحرش الجنسي والتعنيف في المنزل وقلة الرواتب. لكن هناك أشكالا أخرى للتمييز لا نلاحظها، وتأثيراتها ليست دوما ملموسة للنساء أنفسهن.
هذا النوع من التمييز لا يتم في أماكن العمل أو الشوارع فقط، ولكن في المنازل، ويرتكبه هؤلاء المقربون جدا، كالزوج والأخ والأب والابن، وقد يكون جميعهم، وهو ما يحدث عادة في الزيارات العائلية، عندما يتم تجنيد كل النساء باختلاف أعمارهن لخدمة الضيوف، في حين يسترخي الذكور.
يطلق على ذلك اسم التمييز الجنسي غير المباشر، ويعني وجود قاعدة أو سياسة أو ممارسة يكون فيها احتمالات وجود شخص من جنس معين في محل شخص من الجنس الآخر أقل. كأن تقل احتمالات تمثيل مشهد في فيلم لزوجين تقوم فيه الزوجة بإحضار اللحم بعد يوم عمل شاق، لينظفه زوجها ويطبخه ويعد طاولة الغداء.
يبدأ بالمنزل
قد لا يؤثر الرفض الأول للزوج في مشاركة زوجته في ذات اللحظة، لكن الأثر الأول عادة ما يكون احتقار الذات الذي يتفاقم حتى يصاحبه الأعراض الجسدية. فيظل التمييز الذي تتعرض له المرأة بشكل مكرر كل مكان في حيز مهمل بخلفية حياتها اليومية، حتى لا يعيقها عن أداء مهامها، لكنه يضيف نفسه تدريجيا لدوافع توترها. لذا لن يثير الدهشة ربط الباحثين التمييز داخل الأسرة بتراجع الصحة العقلية عند النساء.
ففي دراسة منشورة بمجلة “سيكولوجية المرأة” تحت عنوان “الارتباطات الجسدية والنفسية بالتمييز بين الجنسين” شملت نتائج تعرض النساء للتمييز اليومي باللفظ، والسلبية من قبل الأزواج، أعراضا مثل: الإجهاد العام، زيادة آلام ما قبل الحيض، الإصابة بالاكتئاب والوسواس القهري، الصداع المزمن، اضطرابات ما بعد الصدمة، والتدخين بشراهة، وإدمان الخمر. وتباينت النتائج بين النساء مع تقدم العمر واختلاف العرق.
أذى لا ندركه
وفق مركز بيو للأبحاث، يعد 40% من المعيلين الأساسيين للعائلات الأميركية من الأمهات، و37% من العائلات يعمل فيها الزوجان. أي ما يقدر بنحو 5.1 ملايين امرأة تنفق أكثر من زوجها.
ويبدو أن الزوجين لا يعيان ما يتم من تمييز عند توزيع الأعباء المنزلية. ففي دراسة منشورة بمجلة “علم اجتماع التربية” استهدفت أولياء أمور 116 طالبا وطالبة في مراحل التعليم الأولى، تم سؤالهم عن توزيع الأدوار داخل المنزل، وعن الافتراضات الأكثر تقليدية حول مسؤولية الأب عن الدخل المادي، ومسؤولية الأم الرئيسية تجاه أطفالها. ثم سؤال الطلاب عن تطلعاتهم التعليمية والمهنية، وأنشطتهم خارج المدرسة.
رصدت الدراسة الطموح التعليمي والمهني العالي بين الطلاب، مع تمايز ضئيل بين الجنسين، مقابل طموح الآباء المرتفع لدراسة الفتيات للعلوم، على أن يدرس الذكور الحرف المهنية.
ورغم ميل الوالدين إلى أن يكونوا نمطيين حسب الجنس ضد أبنائهم، فقد دعم الآباء بشكل عام خيارات فتياتهم غير التقليدية، وفضلوا أن تحصلن على أجر متساو عند التوظيف، وأن يتزوجن من رجل يساعد في الأعمال المنزلية، في الوقت الذي يعيش فيه هؤلاء الأطفال في منزل تتولى فيه الأم وحدها أعباءهم، مما يجعل الرسائل التي يتلقاها الأطفال حول النوع الاجتماعي متناقضة مع ما يتمناه الوالدان لهم.
يضر بالصحة
حاولت دراسة منشورة حديثا في مجلة الصحة والعلوم الاجتماعية معرفة ما إذا كان التمييز الجنسي يساهم في تدهور صحة المرأة البدنية والعقلية مقابل الرجل.
أفادت الدراسة بأن 25% من النساء يتعرضن للتمييز من عائلاتهن وفي أماكن العمل بشكل مستمر. وأبلغ الرجال بنسبة 1.3% عن تعرضهم للتمييز. وكان معدل سوء المعاملة الذي يتعرض له الرجال أقل بكثير من النساء. ولإثبات تأثير ذلك على الصحة، تمت مراعاة الأسباب المحتملة الأخرى لسوء الصحة كالعمر والخلفية الاجتماعية والاقتصادية لنفس مجموعة البحث.
وتوصلت إلى وجود رابط قوي بين التمييز ضد النساء وسوء صحتهن العقلية، مع رابط آخر بين التعرض للتمييز وتدهور الصحة البدنية. فكانت المرأة عندما تبلغ عن تعرضها للتمييز -وهي تحت البحث- تقضي متوسط تسعة أيام في حالة إجهاد بدني وذهني.
ولم تجد الدراسة رابطا مماثلا لدى الرجال ممن تعرضوا للتمييز وسوء المعاملة. كذلك لم يبد أن اللاتي لديهن تقدير أعلى للنفس يعانين من التمييز ضدهن. وحددت نتيجة الدراسة مسؤولية التمييز بين الجنسين عن الفجوة الصحية بينهما بنسبة 10%.
المصدر : الجزيرة، مواقع إلكترونية، أنتِ لها