تقرير: عروبة علي
امرأة صنعت في كتاب التاريخ ورقة لتسطر فيها أزماتها المتتالية مع زوجها وعائلتها، عاشت سنوات بعنف زوجها وعائلته، أمٌ لطفل، ومريضة بمرضٍ خطير، وهذا لم يكن عائقاً في وجهها لتحقيق حلمها في الدراسة.
(ن.ن) صاحبة الخمس وأربعون عاماً، تروي لنا معاناة عشرون عاماً في كنف زواجها الغير موفق، وفي مواجهة نظرة مجتمعها الذي لم يرحمها، فلم تكن زوجة مُعنفة فقط، بل زوجة الذكريات والألام والمعاناة من زوجها ومجتمعها.
بداية الحكاية (بداية زواجها):
تروي (ن.ن): “كان عمري 17 عاماً عندما تقدم لي شاب للزواج، وكنت على وشك بداية عامي الأخير في المدرسة، لكن عائلتي وافقت على الشاب الثري، وهذا ما جعلني أنهي حياتي المدرسية لأبدأ بحياتي الزوجية الجديدة، ومن هنا بدأت حكايتي”.
انقلبت حياتها رأساً على عقب، فقد تركت الحياة البسيطة مع أبيها الكفيف وأمها التي تعمل لتعين عائلتها إلى حياتها الزوجية مع عائلته الثرية، وكانت قد تركت تعليمها في المدرسة لتجلس في بيت زوجها.
وتقول : “كنت سعيدة جداً في عامي الأول بحياتي الزوجية، وكانت حياة أكثر من رائعة، لكن لم يحالفني الحظ لأرزق بطفل، فبدأت حياتي تنقلب لأعيش في جحيم مع زوجي الذي بدأ بضربي وتعنيفي هو وعائلته”.
كانت تتعرض للعنف الجسدي واللفظي من عائلة زوجها، ” كان من الصعب جداً أن أسمع أم زوجي تقول لي (يا عقيمة)، أو أن أسمع زوجي يقول (سأتزوج امرأة تُنجب لي طفلاً) وكأن هذا الشيء بيدي، وإن كنت أقول لهم أن هذا بيد الله كنت أتعرض للضرب من زوجي ووالدته”.
“وبعد مرور ثلاث سنوات من تعرضي لهذا العنف، يأتي زوجي ومعه امرأة جميلة ليعرفني بها، بأنها هي من ستنجب له طفلاً، وكان يقول لها هذا هو بيتك وهذه هي العقيمة”.
وتضيف: “تغيرت حياتي التعيسة مع زوجي ووالدته لتصبح أكثر تعاسة مع ضُرتي ويصدق المثل حين قال (الضرة مرة)”.
الفترة الثانية من حياتها الزوجية:
جَلَسَتْ (ن.ن) ما بين التصديق والتكذيب والصدمة لما حصل معها في سنتها الرابعة من الزواج، “كان قد مرّ لزواج زوجي نصف عام، وكانت المفاجأة بأني حامل وغير عقيمة، كانت هذه صدمة كبيرة، وشعرت وقتها بأن الحياة انفتحت بوجهي من جديد”.
وتضيف: “تغيرت معاملة زوجي ووالدته لي بفترة حملي، ولكن بقيت ضُرتي تعاملني بطريقة قاسية، إلا أن أملي كان كبير بأن تعود حياتي الزوجية كما كانت بسنتها الأولى، وكنت أتحمل كل الضغط من ضُرتي وأحياناً من زوجي لحماية عائلتي”.
وأَنْجَبَت (ن.ن) طفلها الأول في عام ال 1997، “كانت هذه أجمل لحظة في حياتي، فطفلي الأول غيّر لي الحياة وجعلني أتمسك بها من جديد، وشعرت أن زوجي عاد يحبني كما كان في سنتنا الأولى وأن الأيام الجميلة بدأت تعود”.
لم تنتهي من تصور حياتها الجديدة الملونة بألوان زاهية مع طفلها وزوجها إلا وجاءت زوجة زوجها لتبارك لها بمولودها، إذ بدأ تصور حياتها يتلاشى ويطغى اللون الأسود عليه.
تضيف (ن.ن): “كم كان جميل أن أتصور حياتي بدون ضُرتي، لكنها كانت تصنع المشاكل معي ليعنفني زوجي كما في سنتنا الثانية والثالثة، واستمرت حياتي فترة طويلة على هذا الحال”.
فترة انتهاء زواجها:
انتهى العنف الذي كانت تتعرض له (ن.ن) من زوجها ووالدته وضُرتها، فبعد مرور ثمان سنوات على هذا الزواج أنتهى بكلمة (طالق) من زوجها.
تقول (ن.ن): “تحملت الكثير من زوجي وزوجته ووالدته، وتعرضت للضرب والشتم منهم، لكن كنت أتحمل لأحافظ على عائلتي ولأن المطلقة في مجتمعنا تعاني كثيراً، وأيضاً لن أنسا عائلتي التي تعاني من وضعها المادي الصعب، ولكن وبعد ثماني سنوات من المعاناة أصبحت مطلقة، وعدت لأهلي أنا وطفلي”.
عانت (ن.ن) الكثير بعد طلاقها، حيث بدأت تعاني من المجتمع الذي ينظر الى المطلقة نظرة سيئة، وبدأت تشعر بأنها وطلفها ثِقلٌ على عائلتها البسيطة.
فترة ما بعد الطلاق:
بدأت (ن.ن) بالبحث عن عمل لتعين عائلتها وطفلها، لكن مستواها العلمي لم يسمح لها بالعمل إلا كمنظفة داخل مؤسسة صحية.
وتقول: “كنت أذهب إلى عملي واضطر لأصطحب طفلي معي، لأن والدتي تكون في عملها وأبي كفيف وغير قادر، وجميع أخوتي في المدارس”.
استمرت بالعمل لمدة اثنا عشر عاماً، واستطاعت أن تُربي ابنها وتحاول قدر الإمكان أن تؤمن له جميع احتياجاته.
الفترة الجديدة بحياتها:
بعد أن عانت في العمل لتوفر احتياجات ابنها، وحين وصل ابنها لسنته الأخيرة من المدرسة كانت تجلس طويلاً لتتذكر سنتها الأخيرة بالمدرسة التي بدأت فيها حياتها الصعبة.
وتقول (ن.ن) : “جلست طويلاً وفكرت كثيراً لأخرج بأول قرار صائب في حياتي، فقررت أن أقدم السنة الأخيرة من المدرسة (التوجيهي) مع ابني”.
تحدت (ن.ن) المجتمع وحديثه عليها كمطلقة، وعملت كعاملة نظافة لتستطيع أن توفر احتياجات ولدها، وعند دخوله المرحلة الثانوية إتخذت قرار سيغير مسار حياتها.
وتابعت حديثها: “بدأت دراستي بالثانوية العامة فرع أدبي، فكان ابني يذهب الى المدرسة ويعود ليدرسني ما درس، وحتى في هذه المرحلة لم أترك عملي بالتنظيف فبقيت أداوم في الصباح، لأعود لمنزلي فأبدأ بالدراسة مع ابني”.
استمرت (ن.ن) على هذا الحال ليأتي شهر الإجازة لتتم دراسة المواد وتتحضر لامتحاناتها الوزارية إلا أنها بدأت تشعر بأعراض غير مريحة، “كنت أدرس بأول أيام الشهر وبدأت أشعر بأعراض غريبة، ففي نصف الشهر قررت أن أذهب لعمل فحوصات طبية، وإذ أن الطبيبة تخبرني بأني مُصابة بمرض السرطان”.
بدأت تَسْوَّد الحياة بعيونها من جديد، فكانت عيونها مليئة بالدموع في طريق العودة الى منزلها ، ولكن قررت أن تكتم هذا السر عن ولدها وأن تُكمل دراستها دون أن يكون مرضها عائق، “عدت لمنزلي لأحتضن ابني وأقول له أني أحبه كثيراً وأننا سننجح في الثانوية العامة”.
أكملت (ن.ن) دراستها بوضعها الصحي الصعب، وبالرغم من دراستها وتلاشي صحتها كانت تواصل عملها في التنظيف، وتحاول أن تجمع المال لتستطيع أن تُدرس ابنها في الجامعة، “واصلت الدراسة مع ابني وبدأنا في الامتحانات الوزارية، فأذكر ليلة الامتحان الأول لم استطع النوم أنا وولدي، فشعرت بتوتر كبير، كنت قد أنجزت المادة كاملة لكن لم أستطع النوم من توتري وخوفي من هذا الامتحان”.
قدمت (ن.ن) امتحانها الأول وباقي الامتحانات بتوتر عالي، واستطاعت أن تسيطر على نفسها أمام ابنها الذي يقدم معها الامتحانات “قمت بتجميع المال لأستطيع تعليم ابني في الجامعات، وكنت أتمنى أن أبدأ دراستي بالجامعة بعد أن أُنهي دراسة ابني”.
بدأت (ن.ن) بالعلاج الكيميائي لتتخلص من هذا المرض، “بعد تجاوزي لأول جلسة كيميائية، سمعت الخبر الذي جعلني أتمسك بالحياة من جديد، فقد حصل ابني على معدل عالي جداً في الثانوية العامة وأستطعت أن أحصل على 78.3%، فمنذ هذه اللحظة بدأت أقاوم لأتخلص من هذا المرض”.
استمرت (ن.ن) في علاجها لمدة عام، “فرحت جداً عندما أخبرني ابني أنه قد حصل على منحة لدراسته الجامعية بسبب تفوقه بمعدل الثانوية العامة، فهذا جعلني أفكر ببداية مرحلة جديدة لي، فقررت أن أسجل بالجامعة بعد أن أتخلص من المرض “.
استطاعتت (ن.ن) بطاقتها الإيجابية أن تتشافى من المرض، “استطعت أن أتغلب على هذا المرض اللعين، وقررت أن أشق بداية جديدة لي”.
ذهبت (ن.ن) للبحث عن جامعات لتدرس تخصص يحمي النساء اللواتي انظلمن مثلها في الحياة، فاختارت أن تدرس القانون لتساعد النساء وتدافع عنهن.
“أنا في سنتي الثانية بالجامعة بتخصص القانون، وما زلت أعمل كمنظمة في مؤسسة صحية لأستطيع أن أُغطي تكاليف جامعتي ومصروف ابني، وكنت أعمل في الصباح وأذهب بالمساء إلى جامعتي، وأتمنى أن ينتهي الحجر الصحي ونتخلص من الفايروس اللعين وأعود إلى عملي لاستطيع تكملة دراستي وتحقيق حلمي”.
(ن.ن) واحدة من مئات النساء المطلقات اللواتي يتعرضن للعنف اللفظي والجسدي، ولكنها كانت أقوى من المجتمع والظروف والمرض فتخلصت من مرضها، وقاومت المجتمع وأتمت دراستها، وفرحت بتفوق ابنها في المرحلة الثانوية والحياة الجامعية.
وتتعرض كثير من النساء الفلسطينيات للتعنيف سواء كان التعنيف جسدياً أو لفظياً، وما زالت المرأة تخاف من أن تكون مطلقة في المجتمع الفلسطيني.