أصدر الائتلاف النسوي للعدالة والمساواة (إرادة) بيانًا جاء فيه ما يلي :
تمر البشرية جمعاء باختبار عالمي حقيقي بسبب وباء كورونا الذي ترك تأثيرات عميقة على كل مجالات الحياة، مما استدعى من جميع الدول والشعوب أخذ العبرة أثناء التصدي لهذا الوباء، ونحن في حراك إرادة نشارك البشرية جمعاء وكجزء من شعبنا الفلسطيني هذا الهم الذي دفع بالعالم نحو إعادة التفكير بأولويات البشرية، بعد أن تكشفت العديد من الثغرات أثناء مواجهة هذا الوباء وعلى رأسها هشاشة الأنظمة الصحية وغياب أنظمة العدالة والمساواة التي تضع الإنسان وكرامته في مقدمة أولوياتها، وعليه فإننا في حراك إرادة، واستفادةً من هذه التجربة الفريدة وغير المسبوقة، نطمح أن يتجه العقل الإنساني نحو عالم جديد يضع كرامة الإنسان وحقوقه فوق كل اعتبار، عالم جديد تكون حقوق الإنسان هي بوصلته.
لقد كان للنساء الفلسطينيات دوراً أساسياً في مواجهة فيروس كورونا، حيث شاركت النساء وبشكل فعال في صفوف المواجهة الأولى سواءً من خلال لجان الطوارئ والمساندة والتطوع وتوفير الأمن الغذائي بالإضافة لدورها المميز سواءً في القطاع الصحي أو غيره من الأماكن والقطاعات، ومن جانب آخر فقد تأثرن أيضاً بشكل كبير بما تمخض عن انتشار الفيروس، حيث ازدادت نسبة تعرض النساء للعنف بكل أشكاله وخاصة العنف الاقتصادي والنفسي والجسدي وغيره من أشكال العنف، سواءً في المنزل أو في أماكن العمل، والذي جاء امتداداً لمرحلة ما قبل الكورونا والتي شهدت تنامي لخطاب الكراهية ضد النساء وغياب الإرادة السياسية لسن قوانين عادلة ومنصفة للنساء.
إننا في حراك إرادة، وكجزء من شعبنا الفلسطيني والمنظومة العالمية، نتجه بفكرنا أيضاً نحو مسار أكثر تحيزاً لحقوقنا المهدورة، مدركين أن التطور الطبيعي لمقومات دستور دولتنا يُفترض أن يتجه نحو بوصلة حقوق الإنسان واحترام مواطنة المرأة الكاملة، وتغليب كرامة الفرد على المصالح الطبقية والاجتماعية والاقتصادية.
لقد ترك انتشار فيروس كورونا تأثيرات سلبية على مختلف شرائح الشعب الفلسطيني وبشكل خاص النساء والفتيات، وفي الوقت الذي أثبتت فيه النساء الفلسطينيات إمكانياتها وقدراتها في كافة المواقع التي تشغلها وتحتل مراكز قيادية فيها في مختلف القطاعات، ضمن تقييم منصف لجهودها سواء من قبل القيادة أو شرائح مجتمعنا قاطبة، ورغم أننا نرى أن الجهد الذي تبذله الحكومة والقيادة الفلسطينية غير كافٍ قياساً بما تواجهه النساء الفلسطينيات من تمييز صارخ سواء بالمنظومة القانونية أو الثقافة المجتمعية، فإننا نرى في حركة إرادة أن الظروف أصبحت أكثر ملائمة لإحداث منحى جديد وجذري في منظومة القوانين الفلسطينية في سياق التغيرات التي أحدثها فيروس كورونا على العالم، مما يتطلب تبني فكر إبداعي وحضاري من قبل الحكومة الفلسطينية والتي نراها نظرياً تتوافق مع رؤى حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة، إلا أنها بحاجة لتطبيق ما تؤمن به نظرياً على أرض الواقع، إننا ننظر بتفاؤل نحو العمل على تغيير القوانين التمييزية والتي تتناقض مع رؤية الحكومة وخططها التنموية وأيضاً تتناقض مع كافة مرجعياتنا القانونية والثقافية والنضالية، إننا نقدر عالياً مجموعة القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء بالآونة الأخيرة والتي توفر الحماية الاجتماعية للنساء اللواتي يواجهن العنف وحياتهن مهددة بخطر الموت ويلجأن للبيوت الآمنة، إلا أننا نراها خطوة غير كافية، حيث ننظر نحو أفق رحب يتسع ليصل نحو بناء نظام ديمقراطي شامل تحتل فيه النساء مواقعها المتساوية مع الرجل وتشارك بعدالة في توزيع الموارد وفي تبوّء كافة مواقع صنع القرار السياسي والاجتماعي والتنموي بكافة أشكاله، مؤمنين بقدراتنا وبأصالة أدبياتنا وعلى رأسها وثيقة الاستقلال والتي شكلت مرجعاً اصيلاً لدستورنا المستقبلي، إننا ننظر أيضاً، بإيجابية وتقدير نحو خطوة رئيس الوزراء بوضع قانون حماية الأسرة من العنف على طاولة مجلس الوزراء للنقاش سعياً لإقراره، هذا القانون الذي ناضلت من أجله الحركة النسوية منذ أكثر من اثني عشر عاماً، ودفعت ثمنه النساء غالياً حيث تم في ظل تغييب هذا القانون ارتكاب جرائم بشعة ضد النساء لم يتم تجريمها تحت مسمى العادات والتقاليد والعشائرية المنحازة للأقوى، إننا ننتظر أيضاً إعادة قراءة قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات وكافة القوانين التمييزية وإعادة الاعتبار للمرأة الفلسطينية التي ناضلت في خندق واحد مع الرجل منذ انطلاق الثورة الفلسطينية.
لقد أثبتت النساء الفلسطينيات في معركة الكورونا قدراتها وشكلت قدوة لكافة الشرائح ومثالاً يحتذى على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، ونستغرب في الوقت ذاته عدم ثقة قياداتنا الفلسطينية بهذه القدرات، حيث تخوض هذه القيادة لقاءات سياسية وعلى أعلى المستويات مع رئيسات الدول العظمى ووزيرات خارجياتها، والتي تصنع خيارات دفة العالم وتتحاور معهن على مستقبل الدولة الفلسطينية والخلاص من الاحتلال، إلا أنها بذات الوقت لا تعترف بنسائنا الفلسطينيات وبدورهن النضالي والثقافي والتنموي وتفرد لهن مواقع رمزيه في كافة مراكز صنع القرار، مما يضعنا أمام ازدواجية فكرية تشكل فارقاً بين النظرية والتطبيق والإيمان بقدرات نساء العالم ودورهن في قيادة شعوبهن وبين دور نساءنا الفلسطينيات هؤلاء النساء.
إننا في حركة إرادة لا نريد أن نبقى بين قوسين تحت عنوان حارسة بقاءنا وأمننا، بل نريد أن يكون لنا دوراً أساسياً في إحداث التغيير جنباً إلى جنب مع الرجل كوننا نؤمن أننا قادرات ومتمكنات ويمكننا أن نصنع التغيير، كما أننا نعتقد في حراك إرادة أن معركة كورونا ستغير العالم حقاً، وستدفع أيضاً باتجاه تغيير ثقافتنا السائدة والتي جاءت نتيجة استعمار طويل قادنا إلى معاداة نصف المجتمع وتجميد مقدراته بإقصاء النساء واستبعادهن عن صنع القرار، لقد آن الأوان لانتصار المفاهيم الانسانية على المادية.