المشهد ذاته تكرر في عدة بيوت من أنحاء الضفة الغربية، أم تمتم صوت بكائها خشية أن تظهر بمظهر ضعف أمام الجنود، والد بعينين منكسرتين، يرى ابنته يخطفها جنود من أمام عينها ولا يحرك ساكنا، إخوة يحدقون في أختهم يتساءلون “كيف ستتحمل هذه الأنثى خشونة السجون وعلى أي صوت ستغفو إن استطاعت”، وفتاة كانت منذ لحظات حرة حتى جاء محتل وخطف حريتها مكبلا يديها.
الأسيرة المحررة “منى قعدان”؛ تمَ اعتقالها خمس مرات متفرقات خلال سبع سنوات، واضطرت للانقطاع عن التعليم في تلك السنوات بسبب الاعتقالات المتتالية، إلا أنّها تملك هدفاً واضحاً، أصرّت عليه، وفور خروجها عادت لتكمل ما انقطعت عنه.
كانت اعتقالاتها المتكررة انتقامية متعمدة من قِبل الاحتلال، لم ينسَ لها نشاطاتها وحركاتها بل حفظ ملفها ليتخذه حجة لمعاودة أسرها بعد تحررها بسبب صفقة “شاليط”، عدا عن الغرامات المالية الكبيرة والشروط المجحفة بحقها، حتى أنّها حُرمت من رؤية والدتها قبل موتها.
إضافة لذلك؛ عانت خلال أسرها من العديد من الأحكام الظالمة، تمثلت في منع أهلها من زيارتها، وتأجيل محكمتها كثيراً، إضافة للإهمال الطبي الذي يعد من أبغض الممارسات ما أدى إلى إصابتها بقرحة في المعدة بسبب انفجار المرارة ورفضهم لمعالجتها.
أضربت عن الطعام لتوصل رسالتها لكل المؤسسات والمعنيين بحقوق الأسير، وخاضت هذه المعركة حتى نالت حريتها لمدة خمسة وعشرين يوماً ثم عاودوا اعتقالها.
وبالرغم من الفراغ الذي عاشته في السجن؛ ملأته حين خروجها بالتعليم والاستمرار بما منعه عنها الاحتلال!
تقول الأسيرة المحررة منى قعدان: “تحدي الاحتلال والوصول إلى الطريق الذي أريده هو الدافع الرئيسيّ الذي دفعني إلى إكمال مسيرتي التعليمية حتى نثبت للاحتلال أنّنا قادرون على الوصول إلى النتيجة التي نختارها نحن”.
وتفيد أنها لم تقف عاجزة بعد أن أُفرج عنها، ولم تضع اعتقالاتها المتكررة حاجزاً أمامها، ولم تقعد ضعيفة تندب حظها، بل امتلكت من القوة والطاقة ما يدفعها إلى الأمام لتكمل تعليمها ودراستها بعد انقطاع طويل بسبب الاعتقالات المتكررة.
وبعد حصولها على شهادة البكالوريوس في تربية إسلامية في جامعة القدس المفتوحة في جنين، حصلت على شهادة الماجستير في دراسات المرأة وتنمية في جامعة النجاح الوطنية، بالإضافة إلى ماجستير القانون الشرعيّ في المحكمة الشرعية في مدينة جنين.
وتتابع: “لن يقفَ طموحي عند حدٍ معين، فمازلت أبحث عن كل طرق النجاح التي توصلني إلى ما أريد وسيكون بعد شهادة الماجستير الدكتوراه إن شاء الله”.
فرض عليها الاحتلال قيوداً عديدة، مثل منعها من السفر إلى خارج البلاد ومواجهة صعوبة في التنقل بين المدن الفلسطينية، لكن إصرارها على بلوغ الهدف يمكن أن يكون سبباً قوياً بلا منازع يجعلها تتغلب وتجتاز الحواجز وتجد حلاً بعقلها السليم؛ فالعقل قوة وسلاح.
إنّ العلم خير منقذ من نوائب الدهر، وهو خير وسيلة لكل امرأة تسعى لتكسب نفسها بقوة، حتى تستطيع انتزاع الحرية التي ظن الاحتلال أنها خطفها.
وتعبر قعدان عن أهمية العلم خاصة للمرأة مضيفة: “دعم الأهل والمجتمع وحبي للتعليم عامل من عوامل الاستمرار بالنجاح؛ لأن المثقف أول من يقاتل وآخر من يُهزم”.
ومن الجدير بالذكر أن هناك 39 امرأة _بأعمار مختلفة_ قابعة في سجون الاحتلال في ظروف لا تليق بعيش إنسان، إضافة لتعرضهم لعذابات نفسية وجسدية.