في عام 1966 وفي مخيم يسمى بالبص يقع في دولة لبنان ولدت سميرة قاسم القطب لتأخذ من الحياة لوعة قسوتها، بين اربعة اخوة واربعة اخوات كانت هي اخرهم لتنال لقب المدلله صاحبة الضحكة الجميلة واخر زهرات حقل قاسم القطب.
سميرة قاسم القطب او ام احمد كما تلقب الان امرأة ذاقت قسوة الحياة طوال 54عاماً بين اللجوء والحروب والفقر والغربة عن عائلتها وفقدانها احب الناس لقلبها دون رؤيتهم ل 30 عاماً ام لأربعة شباب وفتاتين كانو مسكن جروحها وسبب خوفها الدائم.
في كنف عائلتها:
في فجر احد أيام عام 1966 صاحت زوجة قاسم صيحاتها من الم المخاض فقد حان وقت استقبال اخر زهرة للعائلة، ” ولدت عام 1966 في عائلة كبيرة ويوم ولادتي عانت امي كثيراً وكانت تقول انها اصعب ولادة وكأنها تلد للمرة الأولى كنت اخر العنقود والمدللة بين اخوتي في بداية حياتي عشنا في مخيم البص في لبنان وقضينا هناك حوالي 10 اعوام، عائلتي كانت مليئة بالدفء والحب عشنا معاً لحظات لا اظن انها قد تتكرر”
بدأت سميرة تعايش الحروب واحدة تلو الأخرى فمنذ نعومة اظافرها شهدت النزاعات والقتل ففي عامها الثالث بدأت الحرب الاهلية اللبنانية الأولى فأقتتل الجيش اللبناني مع المسلحين الفلسطينين والتي أدت إلى الاعتراف بحق الفلسطينيين بامتلاك السلاح على الأرض اللبنانية من خلال ما عرف باتفاق القاهرة، وكانت الشعلة الحقيقة في الحرب عام 1975:” لا اذكر تفاصيل ما حدث في ذلك الوقت فعمري لم يتجاوز العشر أعوام ولكن أتذكر جيداً معاناتنا في ذلك الوقت وتنقلنا بين الملاجيء وهروبنا الدائم من الموت وحينها استشهد احد اخوتي لم اكن اعي فقدان اخي الأكبر فقد كنت صغيرة حينها اتذكر انهم تركوني في البيت مع اولاد اخوتي عندما قامو بدفنه فلم اتمكن من وداعه حينها ولكنني اتذكر بالتفصيل استشهاد اخي الثاني لقد رأيته حينها بصورة لا اتمناها لعدو او صديق كانت الرصاصة قد دخلت من جبينه لتخرج من رأسه بالخلف لقد كان منظراً قاسيا لم اتمكن من نسيانه طوال تلك السنين كلها”
في 6 حزيران 1982 قرر الاحتلال الإسرائيلي ان يشن عملية عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية بعد محاولة اغتيال سفيرها إلى المملكة المتحدة، شلومو أرجوف على يد منظمة أبو نضال،قامت إسرائيل باحتلال جنوب لبنان بعد أن هاجمت منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السوريّة والمليشيات المسلحة الإسلامية اللبنانية، وحاصرت منظمة التحرير وبعض وحدات الجيش السوري في بيروت الغربيّة.
وهكذا وصفت سميرة اعوامها التي قضتها بين افراد عائلتها قبل ان تبتعد عنهم ل 30 عاماً” كانت الحرب من كل صوب ونحب والاحتلال يطل علينا من كل زاوية، لم استطع اكمال دراستي في ذلك الوقت درست حتى الصف الخامس ولكن بسبب قصف الاحتلال للمدارس بالمخيمات لم استطع اكمال تعليمي، وقاصيت مع عائلتي معاناة التنقل من ملجيء لأخر هروباً من القصف والقتل”.
انتقلت هي وعائلتها من مخيم البص الى مخيم عين الحلوة في لبنان لعلهم يحصدون استقرارهم المرجو كان يعيشون في خيم اللجوء واحتياجاتهم الخاصة كان من الصعب تأمينها وظل الحال هكذا حتى انتهاء الحرب عام 1985 وانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان.
زواجها من حسن الحلبي:
“بعد انتهاء الحرب عدنا لمخيم عين الحلوة وفي اواخر الثمانينات تقدم لي حسن الحلبي لم اكن اعرفه حينها هو من الثوار جاء وتقدم لي عن طريق اخي كان ذلك في اواخر الثمانينات”
وافقت سميرة على زواجها من حسن لعلها تجد السعادة والاستقرار مع زوجها وبعد فترة من عقد خطوبتهما اقامو حفل زفاف صغير اقتصر على افراد العائلة:”تزوجنا بعدها بفترة وعشنا في مخيم عين الحلوة وهناك انجبت اول ولدين احمد وعلي، وفي تلك الفترة فقدت والدي وبقينا في مخيم عين الحلوة ثماني سنوات كانت تلك الفترة صعبه جدا لانه لم نتمكن من العمل كوننا لاجئين ولم نكن نملك اي مال والاخرين يتصدقون علينا لم نكن نملك اي شيء لنعيل اطفالنا الظروف لم تساعدنا حينها”.
“وبعدها غادر حسن الى الاردن عن طريق تنسيق من الجبهة الديمقراطية ليستطيع الدخول للاردن وبعد عام من سفره وصلنا مرسال بأنه قد تزوج علي ولم يعد يريدني انا وابناءه ولكنني لم اصدق ذلك”.
غادرت سميرة اللبنان راكضة لتطمئن على احوال زوجها وكانت غير مصدقة لما قيل لها عنه بأنه تزوج وتخلى عن اولادها وحين وصولها علمت ان احساسها لم يخب وان زوجها لم يتخلى عنها قط بل كان سجين في الاردن ومحكوم عليه ثلاث سنوات.
قضت ام احمد تلك الاعوام لوحدها بدون اي معيل وبدون عائلتها التي تركتهم خلفها في لبنان وغادرت لتبدأ تعد الاعوام منذ فراقها عنهم ولم تكن تعلم ان عامها الواحد سيصبح 30 عاماً، انتظرت ام احمد خروج زوجها بفارغ الصبر لعلها تلبي احتياجات ابنائها فالامر كان صعب عليها كونها وحيده في بلد غريب ولا تعرف احدا فيها وبعد انتهاء الثلاث اعوام خرج ابو احمد ليستنشق هواء حريته وليعود الى احضان زوجته واولاده.
” قضينا في الاردن بعد خروج زوجي عام واحد ثم استطعنا ان نعود الى فلسطين بعد عناء طويل تركت فيه اخوتي وعائلتي لألحق بزوجي واولادي ولأبحث عن الاستقرار معهم”
المحطة الاخيرة(فلسطين):
وصلت سميرة الى محطتها الاخيرة في تنقلها بين الدول لتبدأ محطة جديدة داخل فلسطين، تلقت ام احمد ضربات الحياة المتتالية بصدر مرحب وبصبر كبير لتستمر في حياتها ولتسير في طريقها لعلها تصل الى المنفذ الاخير والى استقرارها الذي لطالما بحثت عنها طوال 25 عاماً.
” وصلنا الى فلسطين شعرت بالسعادة حال وصولنا فلطالما كنت احلم بأن اصل الى هذه الأرض فهو وطني الذي لم اولد به، في البداية عشنا في قرية تياسير في مدينة طوباس الفلسطينية وهي مسقط رأس زوجي وانجبنا هناك ولدنا الثالث ابراهيم وكان ابو احمد يعمل في مدينة نابلس ويذهب يومياً هناك والامر يصعب كثيرا عليه يوما بعد يوم”
اجبرت ام احمد ان تغير مكان سكنها مرة اخرى لتلحق زوجها في طريقه نحو الحياة ونحو العيش الكريم فغادرو تياسير للبحث عن مكان يحتويهم في مدينة نابلس الى ان وصلو محطتهم الثانية في عصيرة الشمالية التي حملت في داخلها ثلاث مراحل من التنقل.
“وجد زوجي بيت في عصيرة الشمالية كان بيت صغير ومناسب لنا وبإيجار قليل ونقلنا اغراضنا الى هناك لنبدأ رحلة العشرين عام في عصيرة، صعب جداً ان اقول انها كانت سهله فالامر بات اصعب مع ولادة مولودي الرابع محمد زادت احتياجاتنا ومصاريفنا فقررت ان اساعد زوجي وان اعينه في هذه المحنه”
وتضيف:”ساعدته كثيراً حاولت بكل جهدي ان اقدم يد العون كنا نحضر العقوب معاً ثم بدأنا بضمان الاراضي في موسم الزيتون، والامر اصعب مما اتخيل كنا نذهب مشياُ على الاقدام نقطع الجبال والوديان وفي الحر حاملين اولادنا ومترحيلن لنقطف الزيتون في تلك الفترة انجبت ابنتي بيان وكانت طفلة لم استطع تركها في البيت ولم استطع منع نفسي من مساعدة زوجي وعندما نعود وكأن اجسادنا تخدرت من التعب فننام تعبين من حمل مشوارنا وطول طريقنا واقدامنا تهترئ من كثر المشي”
طفل على الكتف وشوال من الزيتون على الكتف الاخر والشمس ترقص بشعاعها على رؤوسهم واقدامهم ترجوهم التوقف من تعبهم والعقل يفكر في لقمة العيش والزوجة تتبع زوجها في مر حياتها وحلوها وبين الخطوة والاخرى دعوات بالتيسير، وعصي المعاناة ما زالت تلقى امام سميرة.
“في تلك الفترة كان الانتفاضة الثانية تضع خطوط بدايتها والاوضاع متوترة كنت خائفة كثيراً على زوجي واولادي صحيح انها لم تكن اول حرب اعشها ولكنها الأصعب ففلذات كبدي اطفالي الصغار معي وخفت ان يصيبهم اي مكروه”
عام 2000 ميلادي بدأت الانتفاضة الفلسطينية بعد ان قام رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أرئيل شارون باقتحام المسجد الأقصى وتجول في ساحاته وقال ان الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية مما أثار استفزاز المصلين الفلسطينيين فاندلعت المواجهات بين المصليين وجنود الاحتلال في ساحات المسجد الأقصى فسقط 7 شهداء وجُرح 250 وأُصيب 13 جندي إسرائيلي وكانت هذه بداية الانتفاضة
“بعد 6 اعوام من انجابي لبيان اي في عام 2005 انجبت اخر عنقودي بيسان واعتبرتها السلام لكل فلسطين فحينها توقفت الانتفاضة بعد ان دامت 5 أعوام واصبح عدد اولادي 6 وزاد الحمل ولكن الامل بالله لم يقل وبدأ اعوام فراقي عن عائلتي تزداد وتطول والشوق يغلبني في تلك الفترة وصلني خبر وفاة اخي لا ادري كيف اصف شعوري حينها كان مناي ان القاه وان اراه اشتقت له كثيراً ومات دون اودعه شعرت حينها وكأن جزء من روحي قد ذهبت واقتلعت مني”.
فقدت سميرة اخاها وبقي لها اختان واخ على قيد الحياة يعيشون في لبنان، وخبر وفاة اخيها كان عالصفعة التي ايقظتها من غيبوبة الوهم بأنها قد تعود وتلقاهم لتحملها على سفينة الشوق والندم والالم والخوف ولم تكن تعلم ان لا بد لها ان تجهز نفسها لصفعتها التالية.
” بعد فترة وصلني خبر بأن احد اخواتي مريضة جدا وعلى وشك ان تموت خفت حينها ان افقدها كما فقدت اخي فكان لا بد لي ان افعل المستحيل لأراها وحاولت جاهدة لجميع مال السفرة لعلني اطفئ نار شوقي ولا اعيش ذاك الشعور مرة اخرى، فسافرت الى الاردن وذهبت الى السفارة اللبنانية هناك لمساعدتي في السفر ولكن للاسف لم اتمكن من الذهاب لللبنان فجوازي فلسطين ولا يسمح لحملة الجواز الفلسطيني السفر الى لبنان حاولت بكل الطرق ولم استطع فعل ذلك وفي لحظات محاولاتي وصلني خبر وفاتها كالصدمة”.
عاشت ام احمد الفقد مرة ثانية لتلعن في صدرها كل الحدود والقوانين التي منعتها رؤية اختها ولتلعن عدوها وغربتها وحاجتها، وتعود مثقلة بحزنها الى فلسطين والدمعة تسبقها.
بعد 20 عام:
بعد 20 عام في عصيرة الشمالية قررت ام احمد وزوجها الانتقال الى مكان اخر افضل لهم ولأولادهم خاصة بعد انهاء 3 من أولادها دراستهم في المدرسة وهروبا من ان يتكرر عجزهم في تدريس باقي أولادها.
انتقلت العائلة الى منطقة الاكاديمية-جامعة النجاح الوطنية الحرم الجديد- لعلها تجد عونا افضل لها ورزقا أيسر عليها خاصة وانها هي وزجها قد شابو من التعتير وليس من العمر وعلى امل ان يستيطع أولادها العمل لإعانتهم.
” انتقلنا الى الاكاديمية املا منا بعيشة افضل واستئجرنا بيت يكفينا لنعيش فيه وبدأ زوجي يبحث عن عمل هو واولادي حيث تنقلو من عمل الى اخر وعمل الواحد منهم اكثر من شيء في الوقت نفسه والوضع كان صعب من ايجار واحتياجات وابنتاي كانو بالمدرسة”.
وفي صيف 2015 غادرت سميرةالى الاردن لتلتقي بأختها القادمة من لبنان،” كان لا بد لنا ان نلتقي فهي الباقية من عائلتي ففكرنا كثيرا حتى قررنا الالتقاء في الأردن وبعد ان جهزت اموري سافرت انا وابنتاي من فلسطين الى الأردن وكانت السفر صعبا الا ان ما نهايته كان يهون علينا مشقة الطريق، وبعد ان وصلت الى الأردن كانت اخت زوجي تعيش هناك فذهبنا لهم وكنت انتظر الوقت الذي أرى فيه شقيقتي، ولكن تأخر قدومها وكنت خائفة من ان لا تتمكن من القدوم ولكن في اليوم الخامس من وصولي دق جرس الباب شعرت حينها وكأن جزء مني قد حضر وعندما فتح الباب رأيتها لا استطيع ان اصف شعوري في تلك اللحظه فبعد غياب 23 عام كان الامر اصعب من ان يوصف، حاولو ان يخدعوني لظنهم انني لن استطيع تميز شقيقتي فجعلوها تتنكر بثياب عجوز قبل ان اذهب للتسليم عليها، زلكنهم يجهلون ان قلبي هو من رأها وليست عيناي فلم تنطلي خدعتهم علي”
التقت سميرة بشقيقتها بقدر كبير من الألم والكلام والدموع كانت تنتظر ان تسند رأسها على كتفيها لتشكيها هم الحياة ولوعة شوقها، التقت بها كطفل ضائع وجد امه بعد غياب طويل حضنتها بكل اشتياق ال 23 عاما وكأنها تراها لأول مرة وللمرة الأخيرة كانت غائبة الوعي عن التفكير وكل ما يهمها ان تتأمل ملامح شقيقتها لترى في وجهها اخاها واختها التي لم تراهم قبل وفاتهم ولترى في ملامحها أمها واباها وتتذكر نفسها تلك الطفلة الصغيرة التي تلهو مع اخوتها.
رددت ام احمد على مسامع اختها جملة” كم كانت الحياة صعبة بدونكم” وكانت تفكر من اين تبدأ الحديث وهل سيكيفهم الوقت للكلام وللسؤال عن الحال وللاطمئنان فهي خائفة من انتهاء هذا اللقاء قبل ان يمتلأ جوف صدرها من شقيقتها.
” في اليوم الذي وصلت فيه اختي سهرنا للصباح ولم نكن نرغب بالنوم فقط طال حديثنا لم اكن اعرف عن من سأبدأ سؤالي ولكن الحديث اخد سياقه بنفسه فقط حدثتني عن اخوتي رحمهم الله وعن وضع البلاد وعن حالها وحال أولادها وحال شقيقي الباقي في لبنان شعرت حينها برغبة بضمها للصباح قد اطفئ نار شوقي”
وتابعت:” حاولت منع نفسي من ان أقول لها عن معاناتي وسوء حالتي وصعب معيشتي ولكنني لم استطع ان امنع نفسي من اخراج كل ما في صدري لها كنت احتاج ان افضفض لها كل شيء وظللنا هكذا أسبوع كامل نجلس بالساعات نتحدث ونسهر للصباح ونخاف النوم ونهرب منه لنملأ عيوننا برؤية بعضنا، وبعد أسبوع حان وقت الافتراق مرة أخرى”.
” عدنا الى فلسطين صحيح ان اللقاء لم يكن طويلا ولكنه خفف من اشتياقي قليلاً، فعدت وفي قلبي امل بحياة افضل، وفعلا بدأت امورنا تتحسن قليلا استطعنا ان نفتح سوبرماركت لنا يعيلنا ولو قليلاً وبعد فترة انتقلنا من بيتنا لبيت اخر اكبر واستطعت تزويج ابني الكبير”.
مشروعها للحياة:
قررت ام احمد هي وزجها ان يغيرو حالهم السيء ويفتحو عمل خاص بهم يعيلهم في ما تبقى من حياتهم فخطر ببالها فكرة صنع الطعام وبيعه لتبدأ بإمكانيات بسيطة،” اول الامر كنت اطبخ وانزل بقدر الطعام على الشارع لبيعه كنا نضع طاولة ونبيع عليها بعدة بسيطة واستمرينا عامين على هذا الحال ثم دخلت ابنتي بيان التوجيهي ونجحت وكان لا بد ان نجعلها تكمل دراستها الجامعية كي لا يحدث لها ما حدث مع اخوتها وفعلا حاولنا جهدنا وسجلناها بالجامعة”
بعد الاقبال الكبير على طعام ام احمد واعجاب طلاب السكنات به كان لا بد لهم ان يفكرو بتطوير هذا العمل،” عندما رأينا حب الطلاب والناس للطعام فقررنا بإستغلال ذلك لفتح مطبخ صغير نوزع منه الطعام خاصة اننا نعيش في منطقة مليئة بسكنات الطلاب اللذين يشتاقون لتناول طعام البيت لذلك قمنا بإستئجار مخزن وتحويله لمطبخ صغير اسميناه مطبخ الحلبي، وبدأت اعمل انا واولادي فيه والأمور أصبحت افضل لنا فبدأنا تحضير الطعام وتوزيعه بمبلغ مالي بسيط على الطلاب”
بعد فتح المشروع بدأت الأمور تهون على ام احمد وزوجها وأولادها فأستطاعو تدريس ابنتهم والانتقال لبيت اكبر وافضل لهم وتأمين احتياجاتهم ونيل الاستقرار التي لطالما تمنت سميرة الحصول عليه.
” فتحنا المطبخ وعملت فيه انا وزوجي والسوبرماركت عمل فيه ابني الكبير واولادي يساعدوننا في توزيع الطعام والطبخ، والحمدلله سار امر المطبخ على خير وآمن لنا قوت يومنا ومن خلال استطعت تدريس ابنتي بيان في الجامعة وظلت بيسان في المدرسة وبعدها انتقلنا الى بيت جديد اكبر ويسع افراد عائلتنا واظن انه البيت الأخير فبعد كل هذه الأعوام اعتقد انني قد وجدت بداية الطريق نحو الاستقرار”
وفي بداية مارس من عام 2020 وصل فيروس كورونا الى فلسطين بعد ان انتقل من الصين ليحصد في طريقه الاف الأرواح وملايين الإصابات وليقف عائقاً جديداً امام عائلة ام احمد بعد ان أعلنت الحكومة الفلسطينية حالة الطوارئ فأغلقت الجامعات والمساجد والمحلات التجارية وعاد الطلاب الى بيوتهم مما دفع سميرة وأولادها على اغلاق محلهم ومطبخهم:” بعد ان سارت امورنا على خير جاء كورونا ليوقف عملنا فأغلقنا السوبرماركت والمطبخ ولم يعد لنا أي دخل استطعنا تجاوز اول شهر على خير ولكنها بعد بدأت تضيق علينا فلا دخل يكفينا ليومنا”
تختتم ام احمد روايتها بعينان دامعتان وفي قلب يرجف خوفاً من الغد ويمتلأ املاً بحدوث كل خير بأن يكون مستقبل اوللادها افضل من ما قاسته هي طوال حياتها، عانت بين اللجوء والحروب والفقدان وما زالت تتذكر افراد عائلتها وتشتاق لهم وتتمنى لقائهم ولكن هذا ما شاءت به الاقدار ان تعانيه في حياتها.
54 عاماً حملت الكثير فماذا تبقى لباقي عمرها لتعيشه؟