ولدت ناشطة حقوق الإنسان العراقية الكردية جميلة مهدي في مخيم للاجئين في منطقة سنندج الإيرانية عام 1974؛ بسبب لجوء والدها إلى إيران بعد الثورة الكردية في ذلك العام، ثم انتقلت عام 1979 إلى الحلة في العراق، وعاشت حياة صعبة مليئة بالكفاح. وفي 1980 نقلت وعائلتها إلى مجمع سكني في منطقة بين كركوك وأربيل (شمال البلاد).
ورغم زواجها المبكر والاضطهاد والفقر والعمل في الزراعة، وتربية أطفالها الأربعة، قررت مواصلة تعليمها ومثابرتها حتى أصبحت مسؤولة في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وحصلت على البكالوريوس في العلوم السياسية، وماجستير إدارة الأعمال.
وفي 2020 أدرجتها الأمم المتحدة ضمن قائمة النساء الأكثر إبداعا في الشرق الأوسط، وذلك تكريما لجهودها وقصتها الملهمة.
طفولة المخيم
وعن بدايات حياتها تبين الناشطة الحقوقية جميلة مهدي أنها ولدت في مخيم للاجئين، ولم يكن لديها أوراق ثبوتية، وبعدها نُفيت مع عائلتها إلى منطقة السماوة، ومنها إلى الحلة (جنوب بغداد).
وتضيف للجزيرة نت، “بعد ذلك نُقلنا إلى مجمع سكني في منطقة بين كركوك وأربيل (شمال البلاد)، وكان المجمع يضم النساء والأطفال فقط”، ومع بداية الحرب العراقية الإيرانية تعرض المجمع للقصف بالطائرات، وكان عمرها 6 سنوات، فنزحوا إلى إحدى القرى ثم إلى أربيل.
وفي عام 1984 أكملت مرحلة الرابع الابتدائي، وانتقلت مع عائلتها إلى الموصل، وواصلت دراستها في المدارس العربية إلى السادس الابتدائي، كما تبين مهدي.
قساوة الريف
وبعد مرحلة السادس الابتدائي، تزايدت مأساتها عندما قام أهلها بتزويجها، وهي بعمر 13 عاما، لشخص يعيش في قرية زراعية، حيث كانت تستيقظ في الساعة الرابعة فجرا، وتذهب للأعمال الزراعية.
وعن ذكريات زواجها تقول “عشت طفولة سيئة في مجتمع لا يرغب في البنات، ويوم زواجي كنت ألعب مع الأطفال في الشارع، فأخذوني إلى بيت زوجي مباشرة بلا فستان ولا حفل زفاف، والزواج أصبح مجرد خدمة وعمل، ولم أستطع أن أقضي الوقت الكافي مع أطفالي؛ بسبب ساعات العمل الطويلة”.
وتسترسل مهدي بالقول، “قررت العودة للدراسة في عام 1998، وتحسين أوضاعي؛ لكن زوجي وأخي الكبير رفضا في البداية، فهددتهما بالانتحار لأجبرهما على الموافقة، وساعدني أخي الصغير بجلب الكتب لأقرأها في البيت، فاستطعت أن أنجح من الصف الثالث المتوسط، وبعدها امتحنت الصف السادس الأدبي ونجحت”.
ويبدي الحقوقي سعود مستو مدير إحدى مخيمات النازحين، إعجابه بمسيرة حياة جميلة كونها كانت تعمل في الزراعة بالريف، ومن ثم نزوحها إلى المدينة، ومواجهتها الصعاب لتكمل دراستها، وإجادتها للغة الإنجليزية، وقبولها للعمل في الأمم المتحدة.
ويضيف للجزيرة نت، أنه تعرف على جميلة عام 2015 عندما كانت تعمل في مكتب حقوق الإنسان بأربيل، وذلك أثناء زياراتها للمخيمات وكتابة التقارير عن أحوال النازحين.
نشاط إنساني
وتبيّن مهدي أن ما رأته في القرية من اضطهاد النساء وقتلهن، دفعها لمغادرة القرية للعمل مع المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة.
وتروي الناشطة الحقوقية قصة دخولها للأمم المتحدة قائلة “كنت أعمل في أحد أكبر فنادق أربيل، وكنت أرى فعاليات الناشطين الحقوقيين ودعمهم للمرأة، فأعجبتني شعاراتهم، فقررت الدراسة أكثر حتى أستطيع أن أعمل معهم، ثم تقدمت ومن خلال المنافسة تم قبولي عام 2012”.
وتبيّن بأنها تخصصت في مجال حقوق الأقليات وأصحاب الإعاقات الجسدية والمتاجرة بالبشر، وعملت على ملف الأقليات، وكذلك على موضوع حقوق الإيزيديين.
وحول دورها في إغاثة المدنيين، يقول الناشط الإعلامي في (جنوب الموصل) مهند محمود، كانت جميلة تتابع أوضاع المدنيين المتضررين جراء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وتتواصل مع الجهات المختصة، كما ساعدت في إخراج 6 عائلات من تحت المنازل المقصوفة.
ويضيف للجزيرة نت كان المدنيون يتواصلون مباشرة مع جميلة لإبلاغها عن أي تقصير يحصل داخل مخيمات النزوح، وعندما تحصل أي انتهاكات أثناء محاربة تنظيم الدولة، مشيرا إلى أن أداءها كان مميزا.
وفي السياق ذاته، يقول مدير ناحية القيارة (جنوب الموصل) صالح حسن علي، إن الناشطة الحقوقية عملت معهم منذ عام 2014، واستمرت خلال الحرب على تنظيم الدولة، وكانت تجمعهم لقاءات في مقر المنظمة، لافتا إلى أنها كانت تقابل شيوخ القبائل والمخاتير النازحين إلى أربيل لتداول أوضاع مناطقهم، وتحثهم على الابتعاد عن روح الانتقام وإثارة الفتنة.
ويشيد علي، خلال حديثه للجزيرة نت، بجهود جميلة بعد العمليات ضد تنظيم الدولة، حيث كان لها دور كبير في توفير المواد الإغاثية العاجلة، وتشجيع المنظمات الدولية للقيام بإعادة تأهيل المناطق المدمرة.
محاربة السرطان
اكتشفت جميلة إصابتها بمرض سرطان الثدي عام 2017، وأخذت 4 جرعات كيميائية؛ لكن المرض انتقل إلى الرأس، وأجرت عدة عمليات جراحية لإزالة الأورام، وأخذت أكثر من 25 جرعة كيميائية.
وتشبّه مهدي محاربتها للسرطان بمكافحتها في الحياة، حيث طلب منها الأطباء أكثر من مرة الذهاب إلى المنزل وقضاء الوقت مع أولادها؛ لأنها سوف تموت، ولم يبق لها أمل، مؤكدة أن ذلك لم يجعلها تشعر باليأس وما زالت متفائلة بالحياة.
وفي السياق ذاته، يلفت مستو إلى أن جميلة كانت صامدة في حياتها وعانت وتحدت الصعاب، وهي الآن تقاوم مرض السرطان منذ سنين، وفي الوقت نفسه تمارس عملها في الدفاع عن حقوق الأقليات.
تكريم أممي
وتعتقد جميلة أن سبب اختيارها ضمن مبدعات عام 2020 جاء نتيجة عملها بجد وضمير وإنسانية في المنظمة، ونجاحها باجتياز الكثير من الصعوبات منذ الطفولة، وصارت نموذجا لتشجيع الآخرين.
وتختم حديثها بنصيحة إلى المرأة العراقية بأن تحاول تحسين أوضاعها، حتى لو بدأت التغيير بنفسها وأطفالها.
وتعرب الناشطة العراقية عن أملها بأن يعم السلام في العراق، وتتوفر الحقوق الأساسية، وألا تكون هناك مجاعة وحروب، وأن تأتي حكومة عادلة، لتكون المواطنة حقيقية للجميع.
المصدر: الجزيرة