هذه قصة إحدى الفتيات الناجيات من درنة الليبية، قصة عن البقاء والأمل في وجه الكوارث والمحن. يوم العاشر من سبتمبر، وسط هدوء ما قبل العاصفة، بدأت هذه الحكاية المليئة بالصراع والإيمان.
القصة كما وردت وتناقلتها العديد من الصفحات والمواقع
بسم الله وحده وبعد :
هدوء ما قبل العاصفة.
في يوم العاشر من سبتمبر يوم الأحد تحديدا..
استيقظت فجرا كما أحب دائماَ صليت وقرأت أذكاري ووردي ، لنقُل ان هذا اليوم حاز الترتيب الأول في كونه مُرتبا عن سائر أيام هذا العام!
قُمت بالرياضة ٣٠ دقيقة سعادة ونشاط مع أنغام أنشودة (ماضٍ كالسيف)
أعددت الشوفان وأخذت ساعة من دراسة محاضرة نساء و ولادة التي تغيبنا عليها يوم السبت نتيجة إعلانات سابقة على إعصار شديد قادم، الذي لم يأبه لأمره أحد!
حان موعد صلاة الضحى، قمت وصليت
ثم خرجت لإعدادات المنزل من تنظيف وترتيب وتنسيق مع روح مبهجة سعيدة بإنجازات يومها اللطيف!
قلبٌ مليئ بالحَمْد والشُّكر على نِعمة الإيواء والمنزل والأهل ..
جاءت الرابعة عصرا ، وبعد صلاة العصر جلست أنا والعائلة باحتساء فنجان قهوة مع أصوات الضحكات والمزاح اللطيف!
بعد المغرب قمت أنا وصديقتي على التليقرام بتكرار ما تيسر من سورة يونس ساعة كاملة
الانترنت بدأ يضعف تدريجيا بسبب الأمطار الغزيرة
الغير معتاد في الأمر أنها أمطار غزيرة في شهر سبتمبر
ولكن اعتدنا على صوتها
أحب المطر وأحب أن اتبلل بقطراته لكن هذه المرة لم أرد رؤيته أبدا ولم أخرج لتمسني قطرة واحدة منه
كنت أشعر أنه ثمة شئ غريب سيحدث!
صليت العشاء وقلت في نفسي أنام ثم استيقظ الرابعة فجرا لقيام الليل!
كتبت قبل نومي إنجازات اليوم ثم وضعت مذكرتي جانبا ، قرأت أذكاري ونمت!
ساعتين وصوت المطر يعلوا
الرياح أصبحت شديدة شديدة لا كلام يصفها!
الرعد والبرق في تزايد
استيقظت بقلب مرتجف ،قلت يا ويحي نفسي تنام وآيات الله أراها عيانا حولي!
توضئت طرحت السجادة أتيت بمصحفي
ساعة قُضيت بين صلاة واستغفار وتلاوة القرآن
كنت قد تلوت آيات سورة الأحقاق{وأذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف} وأتأمل كيف الله عذبهم بالرياح والأمطار { قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}
ثم آتي على كلمة{تُدمّرُ} وأنادي أتراك يا ربّ تدمرنا؟!
أترانا نرى ما رأى قوم عاد{ فَأصْبَحُوا لا تَرى إلّا مَساكِنَهم كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ﴾
أترانا نحنُ مُجرمين ؟!
أصوات الرياح تزداد …تحولت من رياح عادِيّة إلى رياح عاتية شديدة الهبوب!
بدأ الماء يدخل للمنزل بالتدريج!
يذهب اخي بعد كل ١٠د يطمئن على سيارته أنها لم تغرق لأنها أغلى ما يملك ففيها ماله وممتلكاته!
أمي تطمئن على السجاد بأنه لم يتبلل!
أختي رأت الحل ان تذهب لتنام في الطابق السفلي بعيدة عن ضجيج العائلة وصوت المطر!
أنا على السجادة اتضرع وأبكي إن كان بلاء فيا رب خفف وإن كان مجرد مطر فيا رب أنزل السكينة والطمأنينة على قلبي لأني أعاني حينها من ضربات قلب شديدة زادت تخوفي؟!
خرجت من غرفتي بالصدفة أراد أخي النزول ليطمئن على سيارته للمرة العاشرة بالصدفة يفتح وميض الضوء تجاه باب المنزل!
وهنا كانت الصدمة ؟!
الماء يتدفق بغزارة داخل المنزل؟!
وأختي نائمة في الطابق السفلي!!
ذهب أخي مسرعا ليوقظها ..صرخات أمي تعلو بإسمها!
سمِعت أختي صراخنا أرادت الخروج من باب الشقة السفلية وإذا بباب المنزل ينقلع من مكانه ويأتينا سيل من الماء ، من رحمة ربي أن انقلاع الباب لم يأتي بصورة مستقيمة وإلا ماتت أختي حينها
أرسل أخي يده كي تتشبث أختي بيده بسرعة..
في لمح البصر الماء وصل للطابق الثاني
ذهبنا مسرعين للطابق الثالث ثم خرجنا لسطح المنزل!
الماء يعلو والأمطار تتزايد
صعِدنا لأعلى قُبه المنزل بجوار تنك(خزان) الماء
السماء فوقنا مباشرة وسيول الماء تعلوا تحتنا
المنزل احتمالية ٥٠% ينهدم لوقوعه في بيئة تربية رطبة جدا
صراخنا يعلوا
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
الرجال كالنساء ..الكل يبكي وبشدة
الموت أمامنا لا محاله!
حينها لم أفكر في خِزانة ملابسي ولا نوع الطعام المفضل لدي!
لم آبه بإكسسواراتي المفضلة!
ولا فلانة لماذا لم تتصل بي،
ولا حتى هاتفي!
كنت فقط أتذكر أعمالي بماذا سألاقي ربي ؟!
ماذا أعددت لهذه اللحظة؟!
هل ربي راضٍ عنّي؟!
ماذا كان حجابي؟!
هل كان كما يُحبّ الله؟!
لم أمنح في حياتي للقرآن وقتا كثيرا
هل سأموت شهيدة ويتقبلتي ربي من الشهداء؟!
أم غير ذلك؟!
أردد آيات قصة نوح عليه السلام{ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم○وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين○قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}
ومن كان منزله من طابق واحد انجرف تحت السيل وكان من المغرقين!
رأيت أهوال كأنها أهوال يوم القيامة
و”لَيوم القيامة أشد وأبقى!”
في تلك الساعة الجميع يلفظ كلمة التوحيد
الجميع يستغفر ويتوب من شدة ما رأى؟!
لم اهتم بأبي ولا أمي ولا أخوتي ..
نفسي الوحيدة كانت شغلي الشاغل!
{يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه،
لكل امرئٍ منهم يومئذ شأن يُغنيه}
وأنا لي شأن يغنيني عن غيري
فإما جنة أو نار لا ثالث لهما!
ثلاث ساعات قضيناها تحت هذا الرعب
يعجز اللسان عن وصف مافيها من خوف ورجاء
أصبحت اصواتنا تعلوا وتنادي
{يا أرض ابلعي مآءك ويا سمآء أقلعي}
{يا أرض ابلعي مآءك ويا سمآء أقلعي}
{يا أرض ابلعي مآءك ويا سمآء أقلعي}
وكلنا بين ساجد ومتضرع يناجي ربه
{يا أرض ابلعي مآءك ويا سمآء أقلعي}
فما رفعت رأسي من السجود إلا وسمعت جارنا الذي يعلونا بطابق (منسوب المية قلّ ، منسوب المية قلّ)
أي منسوب المياه قلت.
فنحمد الله ونشكره ونسأله أن يسخر لنا من يأتي لإنقاذنا.
كبر المؤذن لصلاة الفجر
صلينا الفجر تحت المطر الخفيف
بكيت كثيرا لأنها كانت لأول مرة أصعد فيها سطح المنزل المكشوف جرئة دون خمار!
ناديت بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يسترني دنيا وآخرة ، أن يرفع عنا البلاء أن يغفر لذنوبنا وتقصيرنا أن يشملنا بعفو منه وبر؛ أن يحسن خاتمتنا ، أن يتقبل منا كل صالحة ويغفر لنا كل زلة …
ناجيته بكل عمل صالح قدمته ، وتذكرت ذنوبي فاستحييت منها ومسني الخجل ،فسألته المغفرة وأن يعاملنا بما هو أهل له ولا يعاملنا بما نحن أهل له.
رب كريم ، أردد نِعم الربّ ربّي ..وبئس العبد أنا!
عصيتك جاهلا ياذا المعالي ففرج ما ترى من سوء حالي!
كان لدي يقين تام أنه مُنجينا بلا شكّ
وأنه خلف هذا البلاء حكمة ربانية وخير كبير.
لكني كنت خائفة من نفسي التي بين جنبي أكثر من أي شئ آخر!
خفت أن أكون ممن يذكر الله خالصا وقت الشدة وينساه وقت الرخاء
فكانت تدور في ذهني كثيرا هذه الآيات :
{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }
{وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ○فَلَمَّآ أَنجَاهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ}!
يا ويحَ نفسي إن هي عادت للتبذير والإسراف!
.•
أتممنا صلاة الفجر
انتظرنا الشروق
توقف المطر
منسوب المياه قل
الرياح توقفت
أردد اللهم دفئا وسلاما
اللهم لا غيم اللهم شمس مشرقة.
أشرقت الأرض بنور ربها؛ و سُجّل على أنه يوم عالمي
لم يُرى من قرون عدة.
نزلنا للسطح أسفل تنك المياه.
نظرت للاسفل؛ لشارعنا
فكان الدمار!
وكانت ءاية ربّي في قوم عاد حقا{ فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم}
فلم أرى حينها سوى بعض المساكن
ولم يسلم بيت واحد من الغريق والخراب
ذهبت سيارة أخي الفاخرة فوق الشجرة
وسيارات الجيران كل واحدة في مكان .
الأرض مليئة بالجثث والموتى
الطابق الأول من المنزل وُجد فيه جثتين لفتاتين شابتين!
وحمار المزرعة وخروف الجار ونخيل الشارع
كل البيوت تهدمت كل الممتلكات ضاعت ؛
السعيد الوحيد هو ذاك الذي رأى نفسه وأهله جنبه ولم يغرق أحد!
ذهب التعلق بالدنيا ، ذهب حب الدنيا وزينتها من قلبي ومن كل شئ.
المدينة تهدمت، الأحياء القريبة من الوادي الذي انفجر تهدمت بالكامل واستوت مع الأرض
كل شئ لونه بنيا كل شي طينيا!
خرجنا هاربين من منازلنا …لم اهتم بملابسي
المهم نقابي ولباسي الشرعي
اريد الستر لا أكثر .
سِرنا حُفاةً نصارع الأرض المبللة والطين
مررنا بجانب بيت جارنا الذي مات كل افراده بالكامل عدا الإبن الأكبر
دموع تذرف
قلب يرتجف
الحال لا يوصف
ودعنا كل شئ
ودعنا الأحياء والأموات
ودعنا الذكريات
ودعت غرفتي ونافذة غرفتي التي تطل على النباتات الخضراء
ودعت كتبي وأقلامي
وذكريات الطفولة
ودعت سَكَنِي ومسكني وملاذي الآمن
ودعت سجّادتي ومُصحفي ..
الآن لم يتبقى لي شئ !
تبقى لي القليل فقط ، ولم تنته الحكاية بعد ..
تبقى لي القليل من العمل الصالح وأهلي.
الآن اِنْتهت الحكاية، كُبِلت أجنحةُ العصَافير..
وأسدل ستار المدينة والحيّ . .
ومن مات نجا ومن نجا مات ..
والحمد لله رب العالمين.
، اللهم أجرنا في مصيبتنا هذه واخلف لنا خيرا منها
واالحمد لله رب العالمين
إعصار دانيال درنة
١٠.سبتمبر ٢٠٢٣
كُتب:١٧ سبتمبر ٢٠٢٣
بُشرى أمحيميد _غفر الله لها
منقول من صفحة الحبيبة هبة الليثي
إعصار دانيال في درنة سيظل ذكرى صعبة ومؤلمة في قلوب من عاشوه، ولكنهم تجاوزوا تلك اللحظات بالصبر والإيمان. الحياة تستمر بابتلاءات القدر لنتعلم قيمة العائلة والإيمان وأهمية السعي للتقرب من رب العالمين مُنجينا وهو أرحم الراحمين.
قد تلهمنا هذه التجربة لإدراك ما هو مهم في الحياة حقاً، ولإدراك أنّ القوة والثبات تكمن في العبادة والإيمان، والأمل الحاضر دائماً بفرص جديدة وغدٍ مُشرق. لنصلي معاً من أجل الشفاء والتعافي لجميع المتضررين من تلك الكارثة: دانيال 2023.
قد تلهمنا هذه التجربة لإدراك ما هو مهم في الحياة حقاً، ولإدراك أنّ القوة والثبات تكمن في العبادة والإيمان، والأمل الحاضر دائماً بفرص جديدة وغدٍ مُشرق. لنصلي معاً من أجل الشفاء والتعافي لجميع المتضررين من تلك الكارثة: دانيال 2023.