ليست مجرد مهنة.. فلسطينية تحمي صناعة “الطابون” من سرقة الاحتلال الإسرائيلي
تنكب خمسينية فلسطينية على عجن الصلصال والتبن بيديها في باحة منزلها، وتطوّعه جيدا ثم تُشكله وتضعه تحت أشعة الشمس ليجفّ.
أجسام دائرية متشابهة لكن بأحجام متفاوتة تشكلها الفلسطينية آمنة صلاح من بلدة الخضر بمحافظة بيت لحم في فلسطين، وتقول “هوايتي صنع الطوابين من الطين”.
تتخذ آمنة من صناعة الأفران العربية التقليدية (الطابون) مهنة لها، لكنها تمتهنها بمعان عميقة، وتقول إنها أخذت الصنعة عن والدتها التي كانت تصنع الطوابين وتبيعها، وكانت تحظى بإقبال كبير في ذلك الحين.
وتوضح آمنة ذلك بأنه “لم يتوفر لربات البيوت آنذاك بدائل مثل الأفران الكهربائية وأفران الغاز، وكان الطابون الوسيلة الوحيدة لطهي الخبز في المنزل”.
غاصت الصانعة في ذكرياتها وهي تقول “أحببت المهنة.. أسترجع من خلال ممارستها ذكرياتي مع والدتي، كما أحرص على إحياء التراث والحفاظ عليه”.
وتقول إنها تصل الماضي بالحاضر، حتى تجعل الأجيال الجديدة مرتبطة بماضيها وتفاصيله، وتتابع “أتمنى لو عاد الناس لطهي الخبز باستخدام الطابون”.
وأضافت آمنة أنها لو أمكنها أن تصنع الخبز وتبيعه إلى جانب ما تفعله الآن، لنافست أفران الشارع المنتشرة في المنطقة.
آليات العمل
تمتهن آمنة هذه المهنة منذ 5 سنوات وتحتاج فيها إلى الصلصال والتبن (أغصان القمح والشعير المكسرة)، وتوضح أنها تستخدم نوعا من التراب يُسمى محليًّا “الكلالة، وهو تراب أصفر اللون بداخله خطوط زرقاء وأخرى خضراء”، تجلبه من حقول قريتها.
وبعد تنقية التراب من الحجارة والشوائب تخلطه بالماء وتضيف إليه تبنًا منقوعا بالماء حتى يصبح طينة يمكن تشكيلها يدويا بسهولة.
ووفقًا لآمنة، فإن خلط التراب بالماء وإضافة التبن عملية صعبة للغاية وبحاجة إلى جهد عال وقوة.
وبعد أن تحدد آمنة حجم وشكل الطابون، تبدأ تشكيل العجينة يدويا، ولا يمكن إنهاء العمل في يوم واحد، فالقطعة الواحدة تحتاج عدة أيام كي تكتمل، وفقًا لقولها.
وتفيد بأنها تصنع من المكونات ذاتها قطعا أخرى إضافة إلى الطابون، منها الموقد وهو أشبه بالمنقل، والخباية وهي صندوق من الصلصال لحفظ القمح والقطين، ويعد من أهم مكونات البيت القديم.
وتشير آمنة إلى أن الطابون التقليدي صديق للبيئة، فهو يُصنع من مكونات طبيعية من دون أي مادة صناعية أو ملونات أو مواد كيمياوية، مما يجعله آمنًا لإعداد الطعام والمخبوزات.
إقبال كبير
وبالنسبة للإقبال على ما تصنعه، تقول آمنة إنه “كثيرا ما يطلب الزبائن أفران طينية (طابون) بأحجام صغيرة توضع في حدائق المنزل لصناعة الخبز ومنهم من يستخدمها فقط للزينة”.
وتضيف أن زبائنها من كافة محافظات الضفة الغربية ومن فلسطيني الداخل، وتخصص حدائق منازل فارهة ركنا خاصا للطابون التقليدي.
ويقصد آمنة زوار كثر، وتقول “دون تخطيط بت أحظى بشهرة واسعة، يأتي السياح لمشاهدة طريقة صناعة الطابون وكذلك طلبة المدارس”.
حياة وتراث
“حياة وتراث وتاريخ”.. هكذا هي مهنة صناعة الطابون بالنسبة لآمنة، التي قالت إن “الاحتلال الإسرائيلي يسرق كل شيء فلسطيني كالثوب والحمص والفلافل وغيرها، والطابون جزء أصيل من تراث الشعب الفلسطيني يجب المحافظة عليه من السرقة والاندثار”.
وتحذر الصانعة من أن صناعة الأفران الطينية تكاد تندثر، وتقول إنها تأخذ على عاتقها إعادة إحيائها وتعليمها للأجيال القادمة.
وأضافت أن الطابون كان جزءا أساسيا من كل بيت فلسطيني، لكن الحداثة وعصر السرعة والانشغال وعمل السيدات في الوظائف دفع إلى هجرته.
ومقارنة بجهد ووقت الصناعة، تبيع آمنة منتجاتها بأسعار تكاد تكون زهيدة، فثمن الطابون الواحد يعادل نحو 60 دولارا أمريكيا. وفق ما نشر على موقع البيت المهني على الفيسبوك