“نص ليمونة

قراءة نقدية في موقع المرأة داخل البناء الاجتماعي

بقلم: أ. لما صبحي عواد

 في فضاء   أنتِ لها   ما رح نحكي بنعومة، رح نحكي بـ “الحامض”… بـ” نص الليمونة”.

في مجتمعات تُجيد تصنيف الناس وترتيب أدوارهم وفق أنظمة عمرها قرون، تُولد المرأة غالبًا على الهامش، لا بوصفها غائبة، بل “ناقصة” – كما لو كانت “نص ليمونة”، محفوظة في الثلاجة الاجتماعية، لا تُستخدم إلا عند الحاجة، ولا يُسمح لها بأن تكون كاملة الطعم أو كاملة الحضور.

نص ليمونة” هو أكثر من وصف عابر يُقال عن شيء ناقص، إنه تمثيل دقيق لوضع المرأة في المجتمعات التي تعلّمت أن ترى فيها أداة وظيفية، تُستخدم حين اللزوم وتُعاد إلى الثلاجة عند انتهاء الحاجة.

“ليمونة في الثلاجة” ليست استعارة لطيفة، إنها رمز لامرأة مؤجلة، تُؤخذ عند الحاجة، تُستخدم لنكهة، ثم تُعاد إلى الظل، لا أحد يسأل إن كانت قد جفّت، أو إن كانت ما زالت صالحة للحياة، هذه هي حال كثير من النساء في مجتمعاتنا حاضرات في الظل، غائبات في القرار، ومؤجلات في كل ما هو جوهري.

تُعامل النساء غالبًا كمكمّلات، لا كفاعلات، يُنظر إلى عملهن كدعم وليس كإنتاج، يُقدَّر حضورهن بحسب الحاجة، ويُعاد تدوير أدوارهن بحسب سياق العائلة أو المؤسسة أو الدولة، تمامًا كليمونة محفوظة في كيس بلاستيكي، لا أحد يسأل عن صلاحيتها إلا حين تظهر الحاجة.

بين الاكتمال المطلوب والدور المحدود، حيث تُنشَّأ الفتاة منذ طفولتها على قناعة أنها بحاجة دائمة إلى “شيء آخر” لتكتمل، نحن “نصف شيء”، “نصف فرصة”، “نصف صوت”، “نصف مجتمع”… وغالبًا ما يُنظر إلينا على أننا لا نبلغ الاكتمال إلا بـ”تكملة” خارجية:

بحاجة إلى رجل لتكتمل أنوثتها.

بحاجة إلى رضا المجتمع لتثبت جدارتها.

بحاجة إلى إذن أب، أو توقيع أخ، أو موافقة ربّ عمل.

وهكذا، تتحوّل المرأة من كيان مستقل إلى “كسر” اجتماعي: غير مكتمل، غير مستقل، قابل للتجاهل أو التأجيل أو الاستخدام المؤقت، تمامًا كـ “نص ليمونة في الثلاجة”: لا أحد يجرؤ على رميها، لكنها لا تُستخدم إلا في اللحظة التي “ينقص فيها الطعم”. هي ليست غائبة تمامًا، ولا حاضرة بالكامل- إنها في المنتصف، في الهامش الوظيفي لا في المركز.

موجودة في القرارات… لكن دون صوت.

موجودة في سوق العمل… لكن دون حماية.

موجودة في السياسة… لكن بلا تمثيل مؤثر.

نشتغل ضعف ونُحسب نصف.

نص وجود. نص صوت. نص حكاية.

إنها “نص ليمونة” – لأن المجتمع لم يتقبّل بعد فكرة أن تكون “كاملة”.

نصف ليمونة… ليست نقصًا        ، في الرياضيات، الكسر هو جزء غير مكتمل، ليس عددًا صحيحًا، ولا يُمنح دائمًا نفس القيمة أو الاحترام الذي يحظى به “الكامل”، وفي الحياة الاجتماعية، كثيرٌ منا نعيش ككسور… وخصوصًا النساء.

لكن الكسر ليس ضعفًا. ماذا لو أعدنا تعريف “الكسر”؟

 الكسر هو أيضًا مقاومة للكمال الزائف.

 هو الشكل الحقيقي للعالم، غير مكتمل، متغيّر، مشروط.

النساء اللاتي عشن كـ”كسور” داخل أنظمة لا تعترف بكينونتهن الكاملة، أثبتن أنهن الفاعلات الحقيقيات، حتى وإن كان حضورهن غير مرئي. تمامًا كالليمونة… لا تدخل أي وصفة دون ان تحث أثر، وإن كانت حامضة، فذلك لا يعني أنها فاسدة — بل حقيقية، حقيقية لدرجة أنها تغيّر طعم كل شيء تلمسه.

النسوية في سياق “الاستدعاء.

التمثيل النسائي في فلسطين – كما في معظم السياقات العربية – لا يعاني من غياب كامل، بل من حضور مشروط،  حضور لا ينبع من ايمان حقيقي بالدور، بل من احتياج لحظي،  المرأة تُستدعى حين تحتاج الخطة الوطنية إلى “مقاربة النوع الاجتماعي”، وتُعرض على الشاشات حين يُراد تصدير صورة “تقدمية”، وتُعيَّن في مواقع شكلية لضبط المشهد لا لقيادته.

هذا الشكل من التمثيل لا يمنح المرأة موقعًا فاعلًا، بل مساحة محددة مسبقًا ضمن هامش آمن، إنه تمثيل بالاستدعاء، لا بالانتماء. وهو ما يجعل من حضور النساء شكليًا، مؤقتًا، ووظيفيًا—تمامًا كـ”نص ليمونة” يُستخدم عند الحاجة، دون أن يُعترف بقدرته على أن يكون “كامل الطعم” أو “كامل التأثير”.

 

        نص ليمونة” في الثلاجة الوطنية

لو فتّشنا الثلاجة الوطنية، لوجدنا آلاف النساء – ناشطات، خبيرات، عاملات، مفكرات – محفوظات في الهامش، بانتظار الاستدعاء، يُستدعَين في الحملات الموسمية، في المؤتمرات، في تقارير المانحين، ثم يُعاد تخزينهن حتى إشعار آخر. في السياسة كما في الاقتصاد، لا تعامل المرأة كشريك أصيل، بل كمُكمِّل وظيفي…. نصف حضور، نصف صوت، نصف قيمة، ونصف فرصة. “نص ليمونة” تُعصر إذا نقص الطعم، وتُنسى إذا استقر الطبق.

لا شيء أكثر حدة من نصف الحقيقة

“نص ليمونة” هو أيضًا استعارة لنصف الحقيقة التي نُجبر على عيشها. فكل إصلاح لا يشمل النساء بجدية، هو نصف إصلاح. وكل خطاب تحرّري لا يتضمن المرأة كصاحبة حق، لا كمُستفيدة، هو خطاب مُعلّق، النساء لسن “نصوصًا” تُكمل جُمل الذكور.

هنّ سردٌ مستقل،

 بدايةٌ لا تحتاج ختمًا.

من “نص ليمونة” إلى “سيدة الطعم

الواقع لا يحتاج تزييف… بل اعتراف، ما نحتاجه اليوم ليس مزيدًا من الأقنعة أو المناصب الشكلية، بل اعترافًا حقيقيًا بأن النساء لسن أنصافاً، بل أن النظام الاجتماعي هو الذي يصنع منهن أنصافًا. فالنساء هن المحور في الأسرة، والعمل، والتعليم، والاقتصاد غير الرسمي، والعمل التطوعي، والتنمية المحلية، لكن كل ذلك يُنسب غالبًا إلى “المنظومة”، لا إلى صاحبات الفعل الحقيقي.

حان الوقت لأن ننتزع النصف،

ونعلن أن طعمنا الحامض ليس نقصًا بل ضرورة،

أن وجودنا الناقص لم يكن خيارًا ذاتيًا، بل قرارًا ممنهجًا.

كفى بقاءً في الأدراج،

لا نريد أن نُستهلك عند الحاجة، ثم نُعاد إلى مكاننا،

حان الوقت أن نكون في الواجهة — بطَعمنا، برائحتنا، بقوتنا، و”بحموضتنا” التي لا تُطاق لمن لا يحتمل الحقيقة. ولسن “نص ليمونة”   نحن الكلّ، ولسنا الكمال المصطنع، بل الحقيقة الناقصة التي تصنع الفرق.

نحن “نص ليمونة”… لكن فقط لأنكم لم تتحملوا الحموضة الكاملة.

 

 

 

نابلس:
اكدت نتائج دراسة أجرتها الباحثة شهيرة البلبيسي بعنوان التحديات التي تواجه الارملة المعيلة بالمجتمع الفلسطيني ” محافظة نابلس نموذجا” وجود تحديات اجتماعية وقانونية واقتصادية تنطلق من نظرة المجتمع للمرأة.
وهدفت هذه الدّراسة التي قدمت لنيل درجة الماجستير من جامعة النجاح الوطنية بنابلس، كما تشير الباحثة إلى التّعرف على التّحديات الّتي تواجهها الأرامل المعيلات بالمجتمع الفلسطيني ” محافظة نابلس نموذجاً ” بأشكالها المختلفة : نظرة الأرملة المعيلة لذاتها ولدورها ضمن أدوار النوع الاجتماعي ، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي تواجه الأرملة المعيلة واتخاذ القرار، كما هدفت الدراسة إلى معرفة اقتراحات الأرامل المعيلات لمواجهة هذه التحديات والتغلب عليها في سبيل إنجاح أداوراهن المزدوجة في الأسرة والمجتمع .


تكون مجتمع الدراسة من أرامل معيلات لأسرهن بمحافظة نابلس والبالغ عددهن عشرون أرملة ، وأجريت الدراسة مع سبع عشرة أرملة معيلة واللواتي وافقن على إجراء المقابلة، واتبعت الباحثة المنهج الكيفي لتحقيق أهداف الدراسة ولدراسة الظاهرة كما هي بالواقع، والتعبير عنها كماً وكيفاً، وتم اعتماد المقابلة المعمقة كأداة دراسية رئيسة لجمع البيانات .
وخلصت الدراسة إلى نتيجة عامة مفادها وجود تحديات مختلفة تواجه الأرامل المعيلات فمن خلالها نظرة الأرملة المعيلة لذاتها ولدورها ضمن أدوار النوع الاجتماعي والتي اتسمت بالتنوع ، وواضح أن هذا الاتسام له ارتباطات عدة لدى الأرامل المعيلات بتعزيز ثقتهن بأنفسهن والدور المزدوج الذي يقمن به، ومنحهن طاقة من القوة ، أما القسم الثاني من الأرامل المعيلات فقد تبين أن لديهن إحساس بالضعف والدونية والانكسار؛ كونهن يعشن في أُسر ممتدة تفرض هيمنتها على الأرملة المعيلة وأسرتها ، ونظرة المجتمع السلبية اتجاهها وتعزيز الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، وعلاقة الاستغلال والتحرش والتميز مع الرجل، ووجود صعوبات مختلفة نتيجة ممارسة الأرملة المعيلة خلال أدوارها المزدوجة .


كما تمثلت التحديات الاجتماعية التي تواجه الأرملة المعيلة بحرمانها من الإرث خوفاُ من انتقال بناتها لعائلة أخرى وانتقال الثروة لرجل آخر، وسوء معاملات الأبناء لها نتيجة التميز بين الأبناء والخلافات ما بين الأم وأبنائها، وتدخلات أهل الزوج وعدم ﺘﻔﻬﻡ ﺃﻫل ﺍﻟﺯﻭﺝ لطبيعة ﺃﺯﻤﺔ ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻋﻨﺩﻤﺎ ﺘﻔﻘﺩ ﺯﻭﺠﻬﺎ ﻭﺘﺤﻤﻴﻠﻬﺎ ﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﻤﻌﺎﻨﺎﺘﻬﻡ، وعدم قدرتها على إدارة البيت؛ ويعود ذلك إلى تعددية الأدوار التي تقوم بها داخل وخارج البيت وﺼﻌﻭﺒﺔ ﻤﻭﺍﺠﻬﺔ ﻀﻐﻭﻁﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؛ كون ﻓﻘﺩﺍﻥ ﺍﻟﺯﻭﺝ ﻴﺘﺭﻙ ﻋﺒﺌﺎﹰ كبيراًﹰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﺍﻷﺭﻤﻠﺔ ﻤﺘﻤﺜﻼﹰ ﺒﺘﻌﺩﺩ ﺃﺩﻭﺍﺭﻫﺎ ﻭكثرة ﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺎﺘﻬﺎ ﻭﺘﺒﻌﻴﺘﻬﺎ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻟﻶﺨﺭﻴﻥ ﻭﺍﻟﻌﻭﺯ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، كل ﺫﻟﻙ ﻴﺠﻌﻠﻬﺎ ﻏﻴﺭ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻤﻭﺍﺠﻬﺔ ﻀﻐﻭﻁﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
أما التحديات الاقتصادية فتتمثل في صعوبة الوضع الاقتصادي لهن، وصعوبة الإنفاق على الأسرة وعدم تقاضي الحد الأدنى للأجور في العمل، مما يفاقم من التحديات الاقتصادية لديها ولأسرتها .
وتمثلت التحديات القانونية التي تواجه الأرملة المعيلة بالوصايا على الأولاد وحضانتهم والإجراءات القانونية المتعلقة بالأمور المذكورة .
ويعتبر التعليم والعمل من مصادر القوة للأرملة المعيلة، حيث ساهما في زيادة قدرتها على اتخاذ القرارات المتنوعة سواء الروتينية أو الإستراتيجية لها ولأسرتها.
وأشرف على الدراسة كل من د. فدوى اللبدي والدكتورة سماح الصالح.

المصدر: موقع أصداء وصفحة الباحثة شهيرة البلبيسي