بقلم: هبه ملحم

مشروع “عنقاء فلسطين ” الحائز على جائزة الثقافة: هوية صمود، والذي شارك مؤخراً في معرض فلسطين الدولي الثالث عشر للكتاب؛ تم تصنيفه ضمن أفضل عشر مشاريع ريادية في فلسطين باعتباره يخدم الثقافة والتراث والأزياء والعمارة والسياحة، فبمحاكاته الماضي والحاضر والمستقبل؛ يمكن اعتباره جزءً من التراث الفلسطيني الجدّي والمقاوِم الذي لا يخلو من الجمال والإبداع..

فيه كلُ ما هو محِبٌ لله تعالى وللخير.. للحرية والطبيعة والإنسان..

 يمكن اعتباره شكلاً لثقافة المقاومة الفلسطينية.. أصيل ذو هوية..

وكأنه يناديك لتغرق بناظريْك في عالمٍ نقيٍ ملوّن،

جريءٍ وحنون في آن.

عالم لا يستحق النكبة ولا النكسة ولا كل المزاودات الوطنية والإنسانية، وما بينهم من مخيمات اللجوء.

تهدف الفنانة التشكيلية لمى دويك من خلال مشروعها “عنقاء فلسطين ” إلى تجسيدِ معالم المدن الفلسطينية البارزة سواء كانت تاريخية أثرية أو دينية أو سياحية من خلال إنشاء زوايا فنية داخل الاستوديو، تجعل الزائر يشعر وكأنه داخل لوحة فنية أو متحف، أي يتم إنتاج قطع فنية تجمع بين العمارة الفلسطينية التقليدية والعناصر الثقافية والفنية الفلسطينية الأصيلة، التي تعكس الجمال الفلسطيني والتاريخ العريق.

لا يتوفر وصف.

أولى تلك الزوايا الفنية تمثلت في “عنقاء القدس”، والتي تمت عقب دراسةٍ دقيقة للعمارة التقليدية في المدينة المقدسة، تم إعادة إحياء غرفة مقدسية بأسلوب فني مبدع، باستخدام البلاط البلدي والأحجار والأقواس والشبابيك والزجاج الملون والقطع التراثية لإعادة إحياء روح المدينة، كما تم تزيين الجدران بالجرار والكراسي القديمة وآلات موسيقية تقليدية مثل الربابة والقُلل الفخارية.

يوجد محور آخر للمشروع مُستلهَم من الاسم نفسه “عنقاء”، الطائر الأسطوري الذي يرمز إلى القوة والتجديد. يتمثل هذا المحور في استخدام قطع أثاث قديمة وإعادة إحيائها من خلال الألوان والتصاميم الفنية، كما يشمل هذا أثاث من سوق البالة ومنزل الأسرة، وخشب قديم تم استهلاكه بشكل إبداعي. هذا يجسد فكرة التجدد والإعادة التي تميز هذا المشروع الاستثنائي الذي نشأت فكرته من حاجة شخصية لدى الفنانة دويك، حيث كانت لديها رغبة عاجزة عن تحقيقها وهي زيارة مدينة القدس الشريف، لكنّ هذه الرغبة والحاجة دفعتها إلى ابتكار المشروع الذي تكون فيه القدس حاضرةً من خلال الفنّ. مما يكد على أنّ الفن المفاهيمي يأخذ الفردَ في رحلة ثقافية وزمانية، حيث يمكنه أن يشعر بأنه داخل غرفة في المدينة القديمة منذ قرون، وقد راعت دويك فكرة اطلالة الاحلام لكل فلسطيني فتقول: “بتفتح شباكك بتلاقيه بِطُلَ على القدس “.

لا يتوفر وصف.

وجدت دويك، أن جزءً اساسياً في البيت الفلسطيني مندمج مع الطبيعة عكس المستوطنات الي نجدها نشاز مع الطبيعة، فالبيت الفلسطيني مبنيٌ من الحجارة والطين، وقد اختارت الالوان الترابية لتكون طاغية ولم تنسى وضع النبتة الممتدة والمتشبثة بحيطان المنزل وعلقت تحتيها صينية القش التي ترمز للحرفة التقليدية الي كانت الستات تشتغل فيها وتعلقها كزينة وتستخدمها

 من خطة دويك لدمج وتفاعل الشخص الذي يدخل في الاستوديو أن تقوم بإلباسه لوحة، أن يمسك قطع اللوحة ويجلس فيها، فمثلاً صممت الفنانة ثوباً مرسوماً وليس مطرزاً، بعد أن درست أشكال والوان وتصاميم الاثواب الفلسطينية، فاختارت هذه المرة التوب الخليلي ليعكس بصمتها وهويتها الخليلية وحملته معها للبيت المقدسي ، الثوب الذي صممته يتناسب مع كل حجم وكل طول لاي صبية ترتديه بسهولة بمساعدة مصممة ازياء، مثل روب العمليات يتم ربطه من الخلف ويُشَد حسب جسم الصبية ليتناسب معها، وهكذا تشعر انها هي جزء من اللوحة وأنها بتواصل ذهنيٍ أكبر.

لا يتوفر وصف.

إنّ تفرُّغَ الفنان لمشروعه الفني واهتمامه العميق به يظهر بوضوح في روح العمل الفني. فقد أخبرتنا دويك أن “العنقاء” هي مصدر شغفها وتفرغها، حيث تحوّلت هذه الفكرة إلى رسالة ماجستير تعمل عليها بجد وتطويرها بشكل مستمر. وليس هذا فحسب، بل تطمح أيضًا لدمج التكنولوجيا في عالم الفن، حيث تنوي إضافة الواقع المعزز والصور ثلاثية الأبعاد إلى مشروعها الفني. ما يثير الإعجاب هو شغفها الدائم واهتمامها العميق بالفن، وتقول إنها تفكر في “العنقاء” في كل لحظة من يومها. إن هذه الروح القوية تشبه روح الشعب الفلسطيني القائمة على الصمود ومواصلة الحياة، هو شعبٌ لايزال قوياً وثابتاً ويبني من الصعاب جسوراً وممراتٍ أكثر تميزاً وقدرة علىلا يتوفر وصف. تحقيق الهدف.

فعندما تلمعُ الأفكارُ وتلتقي ثلاثيات: (الفن والتراث والإبداع ) في لحظةٍ ساحرة؛ يمكن أن تنشأ حينها مشاريعُ فريدة تعبر عن جوهر الثقافة والهوية. هذا ما حدث مع الفنانة الفلسطينية لمى دويك، في مشروعها “عنقاء فلسطين”، وهو مشروع فني ريادي استثنائي يهدف إلى إعادة إحياء المدن والتراث الفلسطيني من خلال الفن التركيبي المفاهيمي.

 

أسرارٌ ومواقف تُكشَف لأول مرة

“عمرو دياب: رحلة استثنائية في عالم الفن والإبداع”

إعداد: هبه ملحم

شخصيةٌ استثنائية في عالم الفن، قدّم مساراً فنياً مميزاً غير مقتصرٍ على الموسيقى فحسب؛ بل امتد ليشمل شخصيته وأسلوب حياته. في هذا المقال، نُقدم بعضاً من أهم الأسرار والمواقف التي تُكشف لأولِ مرةٍ عن قُطب الغناء المصري: الفنان عمرو دياب.

الاستمرارية والطاقة المتجددة:

عمرو دياب لا يعيش على مجد الأمس، بل يستمر في تحفيز نفسه للتجديد والإبداع. يستيقظ كل يومٍ ليبدأ مشواره من جديد، ليخلق أعمالاً فنية جديدة تميزه وتبهر جمهوره. هذا النهج الذي ينبع من تواضعه وتفرّغه للإبداع يجسد جانباً أساسياً من شخصيته ونجاحه المستمر. في كل صباح، يستيقظ دون النظر إلى نفسه كنجم وبأنه قطب الغناء المصري، والحائز على 7 جوائز ميوزك أوورد أو أنه دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، أو أنه الذي تحدثت عنه جامعات أمريكية مرموقة مثل ألبرت ونورث كارولينا في مناهجها، فهو يبدأ يومه من جديد بكل تواضع، وشغف.

لا يتوفر وصف.

يخبرنا مصدر مقرب من الفنان عمرو دياب المعروف ب “حامد محمد/ مودي دياب ” عن أحد المواقف التي لم تُذكر سابقاً والتي تعكس قسوة البدايات والتحديات التي واجهها الهضبة؛ فيسألني: هل تعلمين لمَ أجرت الإعلامية المصرية مفيدة شيحة مقابلة خاصة مع الفنان عمرو دياب في منزله في العام 2002، بعيدًا عن أضواء استوديوهات التلفزيون؟ فيخبرني إجابة صادمة مرتبطة بحدثٍ قاسٍ، أنه وعندما اتفق دياب مع مخرج تلفزيوني على أداء فقرة في برنامج محدد، وعلى الرغم من أنه أعد لهذا اللقاء بالتفصيل وشارك الجميع في تلك اللحظة المهمة، تفاجأ بعدم تنفيذ اللقاء بشكل صادم ومثير للانزعاج. تلك التجربة القاسية والمحبطة دفعته إلى اتخاذ قرار بعدم زيارة مقر التلفزيون مُجدداً، وأن يكون التلفزيون هو من يأتي إليه في منزله، وهذا ما حصل.

لقد تربّع عمرو دياب على عرش الفن العربي بلا منازع، ولا زال يتلألأ اسمه كنجمٍ لامع في سماء الثقافة والفن. هو أحد الشخصياتِ الفريدة التي تستطيع ببراعتها الفنية أن تحقق رابطةً عاطفيًا عميقة مع الجماهير، وتترك إرثاً وبصماتٍ لا تُنسى في تاريخ الفن المعاصر، فنظرةٌ مُقتضبة إلى مسيرة الهضبة وأعماله تفتح أمامنا عالماً من الإبداع والتألق.

وكجزءٍ من الاستراتيجية التي يتبعها الهضبة فإنه يرفض تصنيف جمهوره وملتزم تجاهه. في بداية مسيرته الفنية، تعرّض دياب إلى موقفٍ له دلالاته؛ كان ذلك في إحدى حفلات شارع الهرم، وهو المكان الذي تجتمع فيه الجماهير للاستمتاع بأداء المطربين الكبار مثل “شريفة فاضل ” و”نجاح سلام “. في ذلك الحفل؛ تم تخصيص الفقرة الأخيرة لدياب، وعلى الرغم من تأخر الوقت وانصراف الجمهور حيث لم يبقَ سوى شخص واحد يجلس وحيداً ويعطي ظهره للمسرح؛ إلا أنّ الهضبة لم يتراجع وأكمل وصلته الغنائية والتزامه.

أما الآن.. وبعد مرور السنوات؛ فإنّ المشهد قد تغير بشكل جذري، إذ يظهر تأثير الهضبة على الملايين حول العالم، الذين يتابعونه ويُسارعون للاستماع إليه ومشاهدة كاريزما الهضبة التي لا تُضاهى.

تجدر الإشارة إلى أنّ عمرو دياب يؤمن بأهمية الفن والموسيقى كجسر يربط الجميع دون أي تمييز. يرفض تصنيف جمهوره مؤكدا على وحدة الجمهور وتعدد الثقافات.

مبدأ النُدرة

اعتمدَ عمرو دياب على خلقِ تواصلٍ مباشرٍ مع جمهوره ولكن من خلال آليات محددة ونادرة، مما جعل كلَّ ظهورٍ له حدثاً ينتظره الجمهور بفارغ الصبر.

في سنة 1985، أثناء فترة دراسته في المعهد في قسم التأليف الموسيقي، حدث موقفٌ مع الهضبة برفقة زميله الذي كان يتشارك معه الحياة الجامعية آنذاك وهو “أشرف زكي “، الذي يترأس اليوم نقابة الفنانين في مصر، ففي إحدى المرات، اقترح ” زكي” على “دياب ” أن يقضيا وقتاً معاً في المقهى المقابل للمعهد. ولكن اللافت كان رفضه لهذه الفكرة، حيث فضّلَ عدم التجمع في المقهى. إنّ من أهم الأسرار التي ساهمت في نجاح دياب، هو تبنّيه لنمط ومبدأ: “نُدرَتُه تكثّف حضوره “. منذ البدايات وحتى قبل أن يحقق شهرته الكبيرة، أخذ دياب يطبّق هذا المبدأ بحزم. اعتمد على أن يكون صعب الوصول إليه ونادر الظهور، فأصبح هذا المبدأ جزءاً أساسياً من هويته الفنية.

بعد 17 عاما.. مفاجأة غنائية لمحبي عمرو دياب

تركيزه على الأهداف والمشاريع

في ذهن الهضبة، تتجلى الأهداف بدلاً من الأشخاص، يُركز على المشاريع بدلاً من الأفراد. وعندما يحاول شخصٌ ما من محيطه أن يخبره بأحاديث عن فلان أو فلانة، يرد بـ” اقفلّي هالصفحة، مش عايز اسمع، أنا عايز اشتغل “، حيث أنه يتفادى خلق جوٍ من الاستياء تجاه أي شخص، بل يُفضل الاستمرار في العمل، ويحوّل الشائعاتِ والمحادثاتِ السلبية إلى حافز لزيادة الإنتاجية.

يتحكم في تركيزه، ويعمل بجد على تطوير نفسه، هذا سر من الأسرار التي تحيط بشخصية الهضبة، أنه يقوم بتوجيه طاقته نحو تحقيق أهدافه، ويواجه الشائعات بتجاهلها، فليست من عاداته وسماته التعليقَ أو الرد على أي شخص.

الإلهام

 منذ بداياته في عالم الفن، تميز عمرو دياب بأسلوبه المميز والمختلف عن باقي الفنانين. لم يكتفِ بالتمرد على الموسيقى وبالموسيقى، بل عمل على تطوير شكله الخارجي وأسلوبه الشخصي، حيث كان أول من قام بارتداء الجينز في مصر، وكان ذلك في إحدى حفلاته، وهذا يعكس تفرده وجرأته في اتباع اتجاهات جديدة في عالم الموضة.

أما فيما يتعلق بعلاقته مع أبنائه؛ فإنّ هذه العلاقة تبرز جانباً آخر من شخصية هذا الفنان العالمي؛ حيث يظهر كأب طبيعي يقدم الدعم والتشجيع لأولاده. فهو لا يزال يسعى لدعم ابنه عبد الله ومساعدته في بناء مساره الفني الخاص، مما يعكس تواضعه ورغبته في نقل الخبرة والإلهام للجيل الصاعد.

اعتداء من عمرو دياب على معجب حاول تصويره خلال حفل غنائي

القوة الناعمة المصرية العربية

ولد ثُطب الغناء المصري في 11 أكتوبر عام 1961 في مدينة بور سعيد بمصر، وسرعان ما ظهرت مواهبه الموسيقية والغنائية منذ سنوات صغيرة. استطاع دياب أن يخترق حواجز الزمن والمكان. في عام 1990 تم اختياره ليُمثّل جمهورية مصر العربية في بطولة الأمم الإفريقية الخامسة، فغنى حينها باللغتين الإنجليزية والفرنسية في حفلٍ نقلته قنوات التلفزيون العربية وإذاعة CNN . أما في عام 1991 كان أول مرة يستخدم الساكسفون في إنتاجاته الفنية في ألبوم “حبيبي “. لقد تُرجمت أغانيه إلى عدة لغات، من بينها: اللغة الانجليزية، والتركية، واليونانية، والفرنسية، والهندية، والكرواتية، والروسية. ولطالما امتاز بقدرته على تقديم مجموعة واسعة من الألوان الموسيقية والمواضيع الإنسانية العاطفية المختلفة. يتجاوز سحر الهضبة صوته وأغانيه، ويتعداه إلى كونه شخصية مؤثرة جعلت له الملايين من الجماهير المنتشرة حول العالم. امتدت مسيرة الهضبة الفنية لعقود؛ ولا يزال (بمثابرته ووفائه لجمهوره ) يحقق نجاحاتٍ باهرة ويبهر جيلاً جديداً بعد جيل، وسيظل سفيراً  للفن العربي ومنارة تضيء في سماء الثقافة والقوة الناعمة المصرية والعربية.

تجدر الإشارة إلى أنّ مصطلح “القوة الناعمة” ظهر لأول مرة في كتاب “ملزمون بالقيادة ” للمفكر الأمريكي جوزيف ناي عام 1990، ولكن جوزيف ناي لم يكتفِ بذلك، بل عاد ليناقش هذا المفهوم مرة أخرى في عام 2001 من خلال كتابه “مفارقة القوة الأمريكية”. ولم يقتصر اهتمامه عند هذا الحد، إذ ألف كتاباً مكرساً لهذا الموضوع تحديداً في عام 2004، وأطلق عليه اسم “القوة الناعمة”.

ففي عالم القوة والسيطرة، تأتي القوة الناعمة كمفهوم يضفي الإلهام ويبث التأثير بطرق متعددة. إنها العنصر الثالث الذي يُشكِّل المثلث مع قوى الإكراه وقوى المكافأة. تتجلى هذه القوة من خلال تأثيرها الغير مباشر، حيث تساهم في تعزيز التفاهم وترسيخ العلاقات الإيجابية بين الدول وبين شعوبها. ومن منظور ناي، تأتي الثقافة كأحد المكونات الرئيسية للقوة الناعمة. وتتجلى قوتها بوضوح في مجالات الثقافة المتنوعة، من المسلسلات والأفلام إلى الأغاني، مثل الإرث الفني الخاص بالفنان المصري عمرو دياب والذي تم اعتباره تجسيداً لقوة الفن والثقافة كوسيلة لتحقيق الفهم والتأثير العابر للحدود.

 

 

في خطوة محبة تعبر عن وعي الجمهور العربي واعتزازه بقضية فلسطين وحقوق شعبه المشروعة:
الفنان تامر حسني يرتدي الكوفية الفلسطينية خلال حفلة في الأردن
متابعة ورصد: هبه ملحم
في خطوةٍ تعبّر عن التضامن والوعي الثقافي؛ ارتدى الفنان المصري تامر حسني الكوفية الفلسطينية خلال حفله الأخير في الأردن. هذا الحدث أثار اهتماماً واسعاً في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ونال إشادة من جمهوره ومحبيه، باعتبار أنّ هذا التصرف يعكس حساً عميقاً بالمسؤولية الاجتماعية للفنان وقدرته على استخدام شهرته لدعم القضايا الإنسانية والعادلة.
وتعد الكوفية الفلسطينية رمزاً للهوية والنضال الوطني الفلسطيني. تتميز بنقوشها التقليدية وألوانها الزاهية، وتعبر عن روح المقاومة والتمسك بالأرض والحقوق الفلسطينية. وباختياره ارتداء الكوفية الفلسطينية، أراد حسني إيصال رسالة قوية تؤكد على دعمه وتضامنه مع القضية الفلسطينية وشعبها، إذ أنّ ارتداء الكوفية الفلسطينية من قبل فنان يحظى بقيمة فنية وشهرة عالمية وبمتابعة الملايين؛ يسهم في إبراز الثقافة الفلسطينية وتعزيز وعي الجمهور بالقضايا العادلة التي تواجه الشعب الفلسطيني.
تأتي هذه الخطوة في ضوء التحديات والصعوبات التي يواجهها الشعب الفلسطيني في الحفاظ على هويته وحقوقه، وإننا إذ ننظر بعين التقدير لاختيار حسني ارتداء الكوفية الفلسطينية في حفله الأخير في الأردن، في خطوة إنسانية ثقافية تعزز التواصل والتضامن بين المجتمعات العربية، وتساهم في نشر الوعي والتفاهم العالمي بقضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

فيلم تاج في صالات السينما الأردنية والفلسطينية

 تقنياتٌ عالية وذكاء عاطفي مشترك بين تامر حسني وكريس افانز

بقلم: هبه ملحم*

بطلُ كل الحكايات: (الدوق فليد الذي نحتاجُ ونشتاق )..

تشهد دور السينما العربية عروضاً لأفلام عيد الأضحى المبارك، وتفتح أبوابها لحضور فيلم “تاج ” الذي يقابل فيه مُدرّس الموسيقى “تاج” الأخصائية الاجتماعية “فريدة” وتنشأ بينهما قصة حُب. حتى يُفاجَأ تاج بظهور أعراض قوى خارقة غير معلومة المصدر في يوم عيد ميلاده! يحاول تاج ألا يُظهر قدراته، ولكن يواجه مراراً وتكراراً مواقفاً تضطره أن يتدخل وتحديداً عند ظهور أخيه في حياته فجأة. فيلم تاج من قصة وحوار: تامر حسني، وفيه يكرر تجربة الإخراج مع مخرجة فيلم “مش أنا”: سارة وفيق.

تتأرجح فلسفة البطل الخارق بين عدة مفاهيم وقيم، وقد تختلف من شخصية بطل إلى آخر ومن قصة إلى ثانية. ولكنها في الأساس تدور حول العدالة والنضال ضد الشر، ويتمثل رأس المال الأخلاقي للبطل الخارق في القتال من أجل قضية معينة والحماية للضعفاء ومحاربة الظلم والاضطهاد، كما يتحمل البطل الخارق مسؤولية كبيرة نحو المجتمع والعالم من حوله، إذ يتصدى للأخطار ويقدم التضحيات الشخصية من أجل الخير العام وحماية الآخرين.

يُذكّرنا فيلم حسني بالعديد من الأفلام التي تناولت البطل الخارق، ومن أجملها كان ما قدمه الممثل الأمريكي “كريس إيفانز “. هُنا تواجهنا مقارنة مثيرة بين نجمين محبوبين في عالمين مختلفين، بين فنان مصري معروف بمواهبه المتعددة في الغناء والتمثيل، وكريس إيفانز أحد أشهر الممثلين الأمريكيين بفضل دوره كـ “كابتن أمريكا” في سلسلة أفلام Marvel. على الرغم من أنهما ينتميان إلى مجالات فنية مختلفة، إلا أنه يمكننا استخلاص بعض النقاط المشتركة بينهما. على سبيل المثال، يتمتع كلا النجمين بشعبية كبيرة وجماهيرية واسعة، حيث يحظي كل منهما بقاعدة جماهيرية كبيرة من المعجبين في بلده وحول العالم. يعكس ذلك قدرتهما على الوصول إلى الجماهير بأعمالهما وإلهامهما للكثيرين، بالإضافة إلى ذلك، يتمتع كلا النجمين بمهارات تمثيلية قوية وقدرة على إيصال المشاعر والعواطف إلى الجمهور. سواء كان ذلك من خلال أداء أغاني تامر حسني التي تحمل رسائل عاطفية قوية، أو من خلال أدوار كريس إيفانز الذي يجسد شخصيات مؤثرة وملهمة في السينما.

يُظهر كلا النجمين الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والإنسانية، كما يستخدم كلاهما شهرته ونفوذه لدعم الأعمال الخيرية والمساهمة في تحسين حياة الآخرين. يعكس هذا الجانب الإنساني من شخصيتهما تواضعهما ورغبتهما في إحداث تغيير إيجابي في المجتمع. وعلى الرغم من أنهما ينتميان إلى ثقافات ولغات وأنظمة ترفيه مختلفة، إلا أن حسني وإيفانز يتمتعان بجماهيرية هائلة ويعدان قدوتين للكثير من الناس. يتشاركان القدرة على إلهام الجماهير وترك أثر إيجابي في حياة الآخرين من خلال فنهما وعطاءهما في مجالاتهما المختلفة، ومن بين السمات المشتركة بين الأبطال الطبيعيين والخارقين (من منطلق أنّ البطل هو بطل J ):

  • التضحية والتكاتف: يعكس البطل الخارق روح التضحية والتكاتف، حيث يستعد للخطر ويضحي بمصالحه الشخصية لصالح الآخرين. قد يعمل البطل الخارق ضمن فريق أو مجموعة لتحقيق الأهداف المشتركة.
  • النمو الشخصي والتغلب على الصعاب: قد يواجه البطل الخارق تحديات شخصية ويعيش صراعًا داخليًا. يتعلم من الأخطاء ويتطور كشخصية خلال رحلته، وقد يمثل قصة البطل الخارق رمزًا لتحقيق النجاح عن طريق التغلب على الصعاب.
  • التأثير الإيجابي على الآخرين: يتمتع البطل الخارق بقدرة على أن يكون مصدر إلهام للآخرين وأن يؤثر بشكل إيجابي على حياتهم. يمكن أن يعكس البطل الخارق القيم الإنسانية العليا ويساعد في تحفيز الناس على العمل الجاد والنضال من أجل الخير والتغيير.

يُشار إلى أنّ هذه السنة كان لكل من ايفانز وحسني فيلما مصنفان على أنهما آكشن ورومنسي في إطار كوميدي.

الذكاء العاطفي والمشكلات

يُعَد الذكاء العاطفي بأنه القدرة على فهم وإدراك المشاعر، سواء في الذات أو في الآخرين، والتحكم فيها واستخدامها بطريقة بناءة. وفي هذا السياق، يتجلى الذكاء العاطفي لدى حسني في كيفية تعامله مع الآخرين، سواء في حياته الشخصية أو في علاقته بجمهوره ومحبيه، حيث لا يقتصر عطاؤه على الفن والغناء فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى مجالات متعلقة بتطوير الذات والتواصل الإنساني، كما تعتبر القدرة على التعبير عن المشاعر والتفاعل العاطفي مهارة أساسية في الذكاء العاطفي، ويبرز حسني هذه المهارة بشكل واضح في أداءه السينمائي وفي أغانيه التي تحمل رسائل عاطفية قوية وتلامس قلوب الجمهور. إنه يتمتع بالقدرة على نقل المشاعر بطريقة مؤثرة وصادقة، مما يجعل جمهوره يتعاطف معه ويشعر بالانتماء إليه.

خلال الفنرة الماضية؛ أثارت بعض المشكلات والمواقف الصعبة والمفصلية في حياة حسني، جدلاً حوله، ولكنه لم يتخّذ ردة فعلٍ سريعة ومباشرة لعدة أسباب؛ فهو لا يريد أن يضعَ نفسَه موضعَ اتهام، كما أنّ طبيعة بناءه الشخصي تمنعه من الرد أو من أن يرد على الأذى بأذى، ولكن قد تأتي ردوده بشكل غير مباشر في حال أراد حماية أحد ما، فهو الذي نأى بنفسه ولا يزال ينأى عن أيّ خلاف، بل أنه قابل الإساءة بالخير وبالابتسامة والفُرَص الجديدة؛ لذا وجدناه قام بمصافحة زميله الذي أحرقَ منزله، وغيرها من المواقف. وأظهرت نتائج تحليل لغة الجسد في لقاءٍ عفوي جمعَ بين تامر وزميله المحبوب الذي يتمتع بجماهيرية مخيفة، أظهرت أنّ حسني كان مهتماً بهذا اللقاء ومعنياً به، في حين أنّ الطرف الآخر كانّ متردداً. فعلى الرغم من أنّ حسني ممثل وبارع، لكن لغة جسده صادقة في الحقيقة، ويظهر ذلك في لقاءاته المباشرة مع الإعلام، وفي المناسبات الاجتماعية والخيرية التي يشارك فيها. حيث أنّ قدرته على التعامل مع المواقف الصعبة بشكل هادئ وبنّاء، يُظهر جانباً آخراً من جوانب الذكاء العاطفي لديه. فهو يظهر قدراً كبيراً من الصبر والتفهم والقدرة على الاستجابة بشكل مناسب في المواقف التي تحتاج إلى حلول عاطفية ملائمة. بفطرته التي خلقه الله تعالى عليها؛ يمتلك حسني إدراكاً خاصاً للمشاعر وحاجات الآخرين وهو ما يعزز قدرته على التواصل العاطفي. فهو يسعى جاهدًا لفهم ما يعيشه الآخرون ويقدم الدعم والمساندة المناسبة في الوقت المناسب.

 

دينا الشربيني الأكثر قُرباً

تشارك في بطولة فيلم تاج الفنانة دينا الشربيني التي تمكنت من تطوير أدواتها وأدائها بشكل ملحوظ واكتساب مهارات تمثيلية عالية. تتميز بقدرتها على التعبير عن المشاعر ونقلها بصدق وإقناع، حيث تستطيع تجسيد مجموعة واسعة من الشخصيات بمختلف النغمات والعواطف.

اكتسبت دينا محبة جماهيرية عالية عقب انتهاء دورها البطولي إلى جانب شريف سلامة والذي حمل اسم “كامل العدد ” والذي أدت فيه دور(سينجل ماذر ) ضمن سياق لطيف على قلب المُشاهِد الذي أثقله الواقع المرير والعالم الافتراضي المُشوّه، فقد أشاد النقاد بها، وكانت تستحق تلك الإشادة.

إنّ اختيار الشربيني إلى جانب حسني يُعد اختياراً موفقاً، يليقُ بتاريخٍ من النجاحات في صناعة الموسيقي والأفلام التي حققها حُسني (وهذا ما قد أوصيتُ به في مراجعتي النقدية السابقة لفيلمه العام الماضي )، كما أنه اختيار يليق بمستوىً متطور اجتهدت نحوه الشربيني فتجلى في قدرتها على التكيف مع أدوار متنوعة، وأظهر استعدادها لخوض تحدياتٍ جديدة ومواجهتها، فلا خوف ما دامت تمتلك قدرة فائقة على تحليل الشخصيات وفهم عمقها وإعطائها حياة وجاذبية ورسائل نسوية مؤثرة وغزيرة الأفكار..

“فالبعض منّا يبكي بالدموع؛

والبعضُ الآخر يبكي بالأفكار “..

________

*متخصصة في المجال الإعلامي وإعداد الأبحاث ودراسات حقوق الإنسان.

 

بناء الهوية الفلسطينية وعلاقتها بالثقافة الوطنية الوطنية

بقلم: هبه ملحم*

إنّ الهوية تستيقظ حين يشعر صاحبُها بتهديد خارجي وإلا تبقى غافية، كما أنّ الطرف القوي لا يلتفت كثيراً إلى هويته.

تتكون الهوية الفلسطينية من عناصر عدة أولها: الذاكرة الوطنية وثانيها نسبية العدل الإنساني التي جعلت من القضية الفلسطينية قضية كونية، من هنا تظهر أهمية الوعي بالهوية الوطنية عبر تسجيل التجربة الفلسطينية من خلال المثقفين والأدباء أولاً ومن خلال السياسة الثقافية الوطنية. وهنا تظهر علاقة أولى بين الهوية والثقافة.

يُقال أنّ الفلسطينيين لديهم هويات مختلفة، فهناك ما يسميه البعض “المستعمرة الثانية/ أراضي 1967 ” أما المستعمر الأولى هي “اسرائيل ” هكذا يطلق عليها البعض، بالإضافة إلى مجموعة من الهويات الفلسطينية (أهل الضفة/ أهل قطاع غزة/ أهل القدس/ فلسطينيي 48 )، وهناك هويات تشكلت في المنفى والشتات فأغلبية المخيمات كانت في لبنان والأردن. بمعنى؛ يستمد الوعي الفلسطيني رموزه من ثلاثة مراجع: الوطن المغتصب، ومن المنفى، ومن المستقبل الذي يقف غامضاً، وهي ثلاثة مراجع يظهر من خلالها: أولوية الفعل الإنساني على البلاغة، وأولوية التجربة على الرموز، وأولوية المستقبل على الماضي، هكذا يتناول فيصل دراج بناء الهوية الفلسطينية والكيفية التي يتم ربطها في الثقافة الفلسطينية.

يطرح درّاج رؤيته الخاصة بأنه ليس بالضرورة أن تقوم الجغرافيا بتوحيد الفلسطينيين بمعنى أنها لا تبني القومية، ويتساءل حول إذا ما كان بالضرورة للثقافة الفلسطينية أن تكون موحدة من أجل الانتماء للقضية الفلسطينية، لكن يجاوب في آن أنه ليس بالضرورة أن تكون هناك ثقافة موحدة. من هنا يصل إلى ثلاث نتائج:

  1. الهوية الفلسطينية ليست مُعطى ثابت فهو يناقش مسالة الثابت والمتعدد والمزيج بينهما فالهوية الفلسطينية ليست شيء ثابت متوحد العناصر، هنا يتحدث عما هو موجود وليس فكرة.
  2. الشتات الفلسطيني يفرض ويستدعي التفكير بسياسة ثقافية وطنية.
  3. ليس من الممكن أن أي سياسة تنفصل عن السياسية الفلسطينية، فمثلاً كأن أوسلو كانت لتفكك الهوية الفلسطينية فيجب البحث في السياسة الصحيحة والتوصل إليها.

فيدعو إلى التجمع في إطار موحد على اختلاف الآراء والأفكار، هذه النقطة التي يحاول أن يصل إليها.

لقد نتج عن النكبة ظهور هويات مختلفة، فالهوية تؤدي إلى ثقافات مختلفة عند كل شخص. فالتظاهرات التي تخرج كل سنة في ذكرى إحياء النكبة، يدل على أن الهوية الفلسطينية هي متخيل وكأنه ليس بالضرورة أن يكون هناك ان نصور فلسطين التاريخية ككل تلك التي نعيشها في نكبة 48 في 15 أيار ونعيشها في ثورة عام 1936 ونعيشها في الانتفاضتين الأولى والثانية. يتوصل دراج إلى أنه لا توجد هوية جاهزة ثابتة فهي تتبدل وتتكون، من خلال المبادئ التالية:

  1. الهوية الفلسطينية تساوي الكفاح الوطني الفلسطيني.
  2. الهوية الفلسطينية هي وعي الفلسطيني لجملة من الوقائع التاريخية التي طردته من أرضه وجعلته يقاتل من أجل استعادتها. وهي جملة العناصر التي جعلته يرفض المنفى.
  3. الهوية الفلسطينية ليست نقيضاً كلياً للهوية الصهيونية، لأن هذا القياس يأخذ بالهوية الفلسطينية بتصورات الهوية الصهيونية مثل الكراهية والتمييز العنصري وأسطورة الماضي.
  4. مهما يكن الوضع القومي والديني والتراثي والموروث في الهوية الفلسطينية المحتملة فهي لن تحقق غايتها إلا إذا كانت هوية تنطلق من التحرر.
  5. مازال البحث من قبل الفلسطينيين عن هويتهم لحين لتحرير فلسطين من العنصرية وغطرسة القوة.

تمثل الهوية الفلسطينية الانتماء الجماعي والوعي الذاتي للفلسطينيين وروح الانتماء للأرض والتاريخ، وتتميز الثقافة الفلسطينية بتنوعها وعمقها التاريخي، وهي جزء لا يتجزأ من بناء الهوية الفلسطينية. يُعتبر بناء الهوية الفلسطينية عملية مستمرة ومعقدة، ويتأثر بالعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية المحيطة. فيما يلي نقاط تسلط الضوء على بناء الهوية الفلسطينية وربطها بالثقافة:

التاريخ: يعتبر التاريخ الفلسطيني وروابطه العميقة بالأرض والمكان جزءًا أساسيًا من بناء الهوية الفلسطينية. يتميز التاريخ الفلسطيني بالتعاقب الثقافي والحضاري والاجتماعي عبر العصور، ويسهم في تعزيز الوعي الثقافي والانتماء للأرض والهوية الوطنية.

اللغة والأدب: تلعب اللغة العربية دوراً هاماً في بناء الهوية الفلسطينية، حيث تعتبر اللغة العربية لغة العمل والتواصل في البيئة الفلسطينية. كما يعكس الأدب الفلسطيني التجربة الثقافية والتاريخية للشعب الفلسطيني، ويعبر عن آماله وتحدياته وتجاربه المختلفة.

التراث والفنون: يحتفظ الفلسطينيون بتراث ثقافي غني ومتنوع يشمل الموسيقى والرقص والأزياء والمطبخ والعمارة. يُعتبر الحفاظ على التراث الفلسطيني وتعزيزه ونقله إلى الأجيال القادمة جزءاً أساسياً من بناء الهوية الفلسطينية.

المقاومة: ترتبط الهوية الفلسطينية بالنضال الوطني والمقاومة ضد الظلم والاحتلال، إذ أنّ روح المقاومة تُعَد إحدى العناصر الأساسية في بناء الهوية الوطنية وتعزيز الوحدة الفلسطينية.

التكافل: تعتبر القيم الاجتماعية التي تعكس التعاضد والتكافل بين المواطنين جزءأ أساسياً من الهوية الفلسطينية، ما يعكس الروح الجماعية والمساندة المتبادلة والذي يعني قوة العلاقات الاجتماعية والانتماء للمجتمع الفلسطيني.

تختلف النظريات الفلسفية حول الهوية في الكثير من الجوانب، فمنها ما يؤكد على أن الهوية هي جوهر ثابت وثابت للفرد أو المجموعة، بينما يرون آخرون أن الهوية قابلة للتغيير والتشكل من خلال العلاقات والتفاعلات مع الآخرين والبيئة. وترتبط فلسفة الهوية بالعديد من القضايا المهمة مثل الانتماء، والتمييز، والانفصال، والتضادات الثقافية، والتعددية الثقافية. تتساءل الفلسفة أيضًا عن مفهوم الهوية الشخصية والهوية الجماعية والعلاقة بينهما، ومدى تأثير الهوية على سلوك الفرد وتصرفاته.

يمكن الحديث عن وجود علاقة تفاعلية ما بين الثقافة والهوية، فالهوية هي ما تميز إنسان عن غيره أو بطاقة إثبات لاسم الشخص وجنسيته ومولده، بينما الثقافة الثقافة حسب تيلور هي الكل المعقد الذي يتضمن المعارف والمعتقدات والفنون والآداب والأعراف والقوانين وغير ذلك من منجزات الإنسان كفرد أو كمجتمع، غذاً تظهر تظهر العلاقة التفاعلية ما بين الثقافة والهوية على اعتبار أن الثقافة هي صانعة الهوية ويجب توظيفها بفاعلية في بناء الدولة الفلسطينية، وتعزيزها وترسيخ حضورها في مختلف مناحي الحياة والأنشطة الإنسانية جميعاً.

دور المرأة الثقافي والنضالي في الحفاظ على الهوية الفلسطينية

من خلال تمرير المعرفة والممارسات التقليدية للأجيال القادمة؛ تقوم المرأةُ الفلسطينية بدورٍ حيويٍ في المحافظة على التراث الفلسطيني والهوية الثقافية، حيث تساهم في تعزيز اللغة والأدب والموسيقى والفنون التشكيلية والحرف اليدوية، وتحافظ على قيم وتقاليد فلسطينية فريدة، كما تسهم في الابتكار والإبداع في مختلف المجالات، بما في ذلك الأدب والفنون والعلوم والتكنولوجيا، وتُقدم رؤىً وخبرات فريدة تثري المجتمع الفلسطيني وتعزز تطوره.

من ناحيةٍ أخرى؛ تلتزم المرأة الفلسطينية بدورها في النضال والمقاومة من أجل الحرية والعدالة وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني عبر مشاركتها في الحركات السياسية والاجتماعية والنسوية، وتعبر عن هويتها الفلسطينية وتدافع عنها في المحافل الدولية. ومن خلال دورها الاجتماعي والتربوي تقوم بتعزيز التعليم وتساهم في تمكين الشباب، مما يساهم في نقل الهوية الفلسطينية والقيم الوطنية إلى الأجيال الجديدة.

لم تسمح المرأة الفلسطينية للظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحيطة ومختلف التحديات أن تكون سبباً في ضياعها وتلاشيها، بل طالما كانت رمزاً وكياناً قيّم نأى بنفسه عن التلاشي والاستسلام، وهنا أستذكر مقولةً فحواها بأنّ السفن لا تغرق بسبب المياه التي أسفلها إنما تغرق عندما تصل تلك المياه إلى داخلها،،

فنحن النساء وإن كنا في الحضيض، وإن كنا في قمة الانكسار؛ إلا أننا لدينا نور.. نُور إلهي، يضيء فسحة أملٍ في قلبنا وخيالنا.. لا نسمح لكل ما حولنا أن يصل إلى قلبنا فيثقله ويُغرقنا ويٌغرقه، لدينا يقينٌ تام بأنّ الاستثمار الحقيقي يكمن في أنفسنا.. نحن النساء اللاتي خلقنا الله تعالى بهذا القلب..

_________________

*متخصصة في المجال الإعلامي وإعداد الأبحاث ودراسات حقوق الإنسان.

توظيف المرأة في الإعلانات
بقلم: هبا ملحم* 
وراء كل منتج ناجح إعلان بتقنية عالية، وامرأة جميلة.
مع العقد العشرين ازدادت ظاهرة تناول المرأة في وسائل الدعاية والإعلان التي يربطها البعض بالحداثة، وقد اتخذ تناولها أنماطاً متعددة تتراوح بين الإيجاب والسلب، فيكمن الإيجاب في تناولها قضايا تتعلق بالوعي والأسرة أو المجتمع، أي حين يكون صوتها مُعْبراً للثقافة والوعي والنهوض. وتأتي السلبية حينما يوظّف جسدها بصورة مبتذلة تخدش الحياء العام. هكذا تلقى ظاهرة استخدام المرأة في الدعاية والإعلان رواجاً والتي يتفق كثيرون حول أنها أتت نتاجاً للحداثة وإحدى تمثلاته ومرتبطةً بالنظام الرأسمالي الغربي الذي يُقدّس المادة والربح بصرف النظر عن المبادئ والأخلاقيات وآليات الحصول عليها.
لقد حاربت الماركسية ذلك فحرمت بيع الجسد في السوق الرأسمالي باعتباره امتهان لإنسانية الإنسان عموماً والمرأة خصوصاً، كما تناولت قضية توظيف المرأة في وسائل الإعلام والدعاية والإعلان، إذ كتب ماركس في كتابه المخطوطات الاقتصادية الفلسفية: “لا يمكن أن تكون حرية، ولم تكن قط، ولن تكون يوما حرية حقيقية طالما لم تتحرر المرأة من الامتيازات التي يكرسها القانون الرأسمالي للرجل، طالما لم يتحرر العامل من نير الرأسمال، طالما لم يتحرر الفلاح الكادح من نير الرأسمالي والملاك العقاري والتاجر “. فقد ربطت الماركسية تحرر المجتمع بتحرر المرأة.

تناقش هذا المقالة ظاهرة استخدام المرأة في الإعلانات التجارية التي تشكل مرتكزاً في الاقتصاد العالمي، فلماذا يتم استخدام المرأة في الإعلان وما الدوافع والآثار الاجتماعية المترتبة على ذلك، مع الإشارة إلى أنّ حوالي 60% من النساء غير راضيات عن تلك الصورة في الإعلانات باعتبارها تقدم المرأة كسلعة للإغراء والترويج دون التركيز على جوهرها وإنسانيتها.
يُقصَد بصورة المرأة؛ تلك الصور أو القضايا التي تنشأ عن المواقف المتعارضة الوصف من المرأة ومن دورها الاجتماعي والانساني والتفاعلي مع الآخر أو العلاقة معها والتعامل مع وجودها وطبيعة دورها سلبا أم إيجاباً. ويمثل الإعلام ذلك التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت نفسه. والإعلان كإحدى أساسيات الإعلام يُعد عملية اتصال مخطط له.


غالباً ما يتم توظيف جسد المرأة في الإعلانات بناءاً على طلب من صاحب المنتَج، ولكن يوجد نقد موجه للكيفية التي توظف بها المرأة في الإعلان على اعتباره تشويه للإعلان أولاً وللمرأة ثانياً، وما هو إلا دليل على تراجع القيم المهنية والاجتماعية لدى المعلنين والمتسلقين على حد سواء، فكبرى الشركات تربط نجاح الإعلان بظهور المرأة المرتبط بالإيحاء، وهي صورة ذهنية نمطية موجودة أيضاً لدى الشركات التجارية الصغيرة، في محاولة للربح السريع.

أعتقد أنه لا بأس من توظيف المرأة في الإعلانات والمواد الدعائية لأن المرأة ارتبطت دائماً بالجمال والجذب، ووجودها يُضفي حِسّاً أنثوياً جذاباً. ورغم الانتقادات المتداولة عن صورة المرأة التقليدية التي تظهر في الإعلانات فما هي إلا حقيقة، فالمرأة هي ربة بيت تقوم بمهامها على أكمل وجه، تربية تنظيف، ولا يقل هذا من شأنها أو جمالها، فالمرأة القوية قادرة على الاهتمام بنفسها وجمالها وبيتها في آن. وظهورها بوظيفتها التقليدية ما هو إلا شكل من الوظائف المختلفة العِدّة التي تؤديها في حياتها. إذ نجد في الإعلانات كذلك نموذجاً آخراً لامرأة عصرية حضرية، وهو أيضاً نموذجاً حقيقياً لا يؤثر على كينونة المرأة. من ناحية أخرى فإنّ توظيف المرأة في الإعلانات بشكل محترم ولائق؛ لا يُعد استغلالاً من قبل الشركات، فالمرأة المحترمة تظل كذلك، حتى لو عملت في أي مجال ما دامت لا تخرج عن حدود الأدب العام واللباقة، وليس هناك أي ضرر من قيام المرأة بالإعلان عن المنتجات الاستهلاكية بشرط أن تتأكد من جودة المنتج لكي لا تقع فريسة للشركات التي تبيع الناس الوهم، ولكن لا تفقد مصداقيتها أمام الآخرين وأنا مع عمل المرأة في مجال الدعاية والإعلان؛ لأنه عمل إبداعي وفني جميل، يتطلب مهارة عالية وأسلوبـا رفيعـا لترويج المنتجات التجارية وأعتقد أن المرأة لديها المقدرة الكافية لذلك.
تستدعي ظاهرة تناول المرأة في وسائل الدعاية والإعلان الدراسة والمعالجة، باعتبارها ذات تأثير على الهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع وخاصة المجتمعات العربية “الفتيّة “، ولكنها ظاهرة تكمن خطورتها في تهديد الثقافة ومكانة المرأة: الإنسانة، الأم، العاملة المنتجة، والزوجة، والابنة، فنحن مع كل ما يعزز صورة المرأة العربية الناضجة المتزنة.
ويمكن إيجاز الآثار المترتبة على توظيف المراة في الإعلانات كما يلي:
1. المرأة والجسد: من خلال ربط صورة المرأة وأهميتها الإعلانية بالجسد، فكلما احتوت المادة الإعلانية على مغريات أنثوية جسدية كان ذلك أكثر دلالة على نجاح الإعلان.
2. المرأة كسلعة وسمتها سطحية: فيتم تصوير المرأة وكأنها سلعة وأداة تُعلن عن سلعة أخرى ضمن محتوى فارغ من الإبداع والجدية، فتبدو المرأة سطحية كشيء مُجرد من الأحاسيس والمشاعر والمحتوى الثقافي.
3. بث نزعة الاستهلاك وتوحيدها عالمياً من خلال محاكاة الغرب، باعتباره اتجاهاً تقوده الدول الغربية لأهداف اقتصادية وتسويقية.
4. تأثير اجتماعي على مستويين، الأول على مستوى أفراد المجتمع على اعتبار أن المرأة تمثل نصف المجتمع وهي التي تنجب النصف الآخر، فتتأثر بها مختلف الأجيال، باعتبارها قدوة وتتمتع بقوة مؤثرة، والمستوى الثاني يكمن في التأثير على ذاتية المرأة من خلال تذويب شخصيتها.

ختاماً؛
لا مفر من الأثر الذي تتركه وسائل الإعلام والاتصال بمختلف أشكالها كالمواد الإعلانية، القابلة للهضم والامتصاص الذهني والبصري من قبل الجمهور على اختلاف تصنيفه العمري والنوعي، فكثير من الأساتذة يجمعون على أن وسائل الإعلام الحديث تلعب دوراً فعالاً في تربية الأطفال، فقد أخذت من أدوار الآباء والأمهات في عملية التربية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ولا مفر من الأذى الذي تلحقه الإعلانات التي تركز على جسد المرأة وتوظفه في سبيل إنجاح الإعلان من أنه يجرد المرأة من عواطفها ومضمونها الفكري والثقافي والاجتماعي، إنها عملية تذويب لتاريخها النضالي والتربوي المعطاء.
إنّ عملية استغلال جسد المرأة وتوظيفه كأداة وسيطة بين المنتِج والمستهلك وكأداة جذب وإغراء وتسويق للمنتَج سواء اكان يمت للمرأة بصلة مباشرة أو لا؛ جميعها تعد شكلاً من أشكال الاستغلال للمرأة أولاً، وزيادة نزعة الاستهلاك ثانياً. فمازال 60% من النساء غير راضيات عن تلك الصورة في الإعلانات باعتبارها تقدم المرأة كسلعة للإغراء والترويج دون التركيز على جوهرها وإنسانيتها، وذلك حسب الدكتورة سعاد بن سليم في بحثها المقدم إلى منتدى المرأة والإعلام. وفي دراسة أجرتها الباحثة جيهان بيطار بعنوان أخلاقيات الإعلان؛ تبين أن:
1. 39% من الإعلانات تستخدم السيدات.
2. 73% من الإعلانات يتم تقديمها من خلال حركة المرأة.
3. أكثر من النصف يحتوي على إثارة في المضمون.
وهنا أؤكد على القدرة الإبداعية للمرأة في العطاء، فمقدرتها ربّانية حين تكون بإرادتها وحين تكون هي صاحبة القرار، فلا داعي لأن يتم توظيفها قسراً في مواد إعلانية تفتقر للمضامين الثقيلة التي لا تليق بأنوثتها ومكانتها الإجتماعية.
_______________

  • نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية.

الإعلامية هبا ملحم


*متخصصة في المجال الإعلامي وإعداد الأبحاث ودراسات حقوق الإنسان.

 

بقلم: هبه ملحم*

إنّ الواقع ليس هو الفن؛ ولكن الفن الواقعي يخلق جمالية لا تنفصل عن الواقع”؛ تأتي نظرية بازان للناقد الفرنسي اندريه بازان لتحاكي المكان والزمان وتفاصيل الواقع (أي هنا تحاكي العالم الخارجي، كما أنها تحاكي العالمَ الداخلي للمُصوّر، وتمتد إلى الشعور وإلى اللاشعور الكامن لدى المُتلقي في آن.

ينتمي جذر كلمة “الصورة ” إلى ما وراء العالم المادي لعالم الأرواح، فبالرجوع إلى أصل الكلمة نجدها مشتقة من Eidôlon والمقصود بها طيف الموتى وخيالهم، ولاحقاً صارت تسمى بالصورة، هذا في الإغريقية؛ ومن ثم تحولت إلى الانجليزية لتعني “فكرة ” ، فالفكرة والخيال والاجتهاد جميعها مجتمعةً تصنعُ واقعاً مختلفاً، وهذا يلفتنا إلى أنّ الواقعة تعَد أصغر وحدة تحليلية، ففي الواقعة ترتبط الأشياءُ، ووجودُها، وقدرتُها على أن تكونَ جزءً من الواقعة.

نجمةُ من فلسطين، كلما قدّمت أكثر وابتكرت مِساحاتٍ لدعم الصورة الفلسطينية؛ كلما لَمَعِتْ أكثر، وها هي تواصِلُ مسيرتها في تنفيذ دورات تصوير فوتوغرافي إحترافية؛ إنها الفلسطينية عرين ريناوي- مؤسسة وصاحبة أكاديمية عرين ريناوي للتصوير.

تحاول ريناوي من خلال مشاريعها وصورها أن تحقق أهدافها على المستويين الشخصي والمجتمعي، عبر تعزيز ورفع الروح المعنوية في ظل اليوميات الحياتية الفلسطينية الصعبة، وفي نفس الوقت تحرص على إبراز الألم الكامن في حياة فلسطين: المكان والإنسان، ولكن الأجمل هو دعمها لصمود النساء الفلسطينيات، والشباب، وكل إنسان صاحب فكرة.

تؤمن ريناوي بالوظيفة الاتصالية التي تقومُ بها الصورة، وما تتركه من أثر لدى المٌتلقي، من حيث تنمية وعيه، وتكوين اتجاهاته وحتى التأثير على السلوكِ أو تعليمه.

يُلاحِظ المتتبع لإنجازات ريناوي فطنتها في اختيار المشاريع المجتمعية التي تشارك بها، وحضورها المستمر في الحدث الذي تنبش فيه عن كنوزٍ وأفكار لم تُطرَح سابقاً..

ولكن في ظل ازدياد التلاعب الرقمي الحاصل على إثر التطورات المتتالية التي تشهدها تكنولوجيا المعلومات والاتصال الرقمي؛ فإني أقدم توصيتي بضرورة الحذر في نشر الصور وكل ما يتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك مع ازدياد الانتهاك الأخلاقي فيما يتعلق بتوظيف الصور ووضعها في سياقات تخدم أجندات معينة وأهدافها المشبوهة والتي تفتقد إلى الصفاء والصالح العام.

 

*هبة ملحم:

الكاتبة هبة ملحم

خبرة مهنية لأكثر من 10 أعوام في المجال الإعلامي، و7 أعوام في مجال إعداد الأبحاث، و4 أعوام في مجال المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، وكذلك مشاركة المجتمع ودراسات النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان. قامت مؤخراً بإعداد كتاب بعنوان: واقع الإعلام الثقافي في فلسطين وأثره على تشكيل الوعي الجماعي، قيد النشر وحفل توقيع الكتاب سيكون على هامش معرض فلسطين الدولي للكتاب المقرر تنفيذه في سبتمبر 2022، وبناء مشروع جائزة فلسطين للصحافة والإعلام 2012، لصالح نقابة الصحفيين، برعاية سيادة الرئيس محمود عباس، وبتمويل من صندوق الاستثمار الفلسطيني والوطنية موبايل (أوريدو حالياً )، فلسطين.

 

تذكيرٌ جديد بالقوة المُسيطرة على العالم: (الثمانية) بمواصفاتٍ عالمية لتركي آل الشيخ

بقلم: هبه ملحم*

“تقنياتٌ للعنف والفساد والربح: التنظيم والاستمرارية “

قد تلجأ القوى المُسيطرة على العالم إلى ما يُعرَف بالحرب الوقائية لحماية نفسها من أي خطرٍ مُحتمَل، وهذا ينسجم مع مبدأ بوش ( The Bush Doctrine ) والذي يُعَد ثالث نظرية في تفسير الدفاع الشرعي عن النفس، لكنها نظرية مرفوضة في القانون الدولي، وهذا ما يُفسّر الهَبّات الإجرامية التي تقوم بها تلك القوى/ المنظمات/ الجماعات، ومن بينها الخيالية: “الثمانية “!

إنّ (الثمانية ) هو عمل أو “تصميم ” بطابع عسكري، دقيق، مُتعدد الأقسام، مرتّب جداً، وكأنك ترى خريطة أو تقرأ رواية، وقد تضطر إلى تجميع الخيوط أكثر من مرة حتى تفهم الفكرة من بعض المشاهد، وبعض الحوارات!

وفي هذا الخصوص تحدث الفنان خالد الصاوي: أننا إذا افتقدنا الجزء النظامي الذي يشبه العسكري في أي عمل جماعي بمهنة التمثيل؛ فإنّ هذا يعطل العمل على الفور. كما أشار إلى أنّ المستشار تركي آل الشيخ لديه طاقة تشعرك أنّ كل شيء ممكن ونستطيع تحقيق ما نريد، وهو ما حدث في مسلسل الثمانية.

يأتي (الثمانية ) كعمل درامي عربي دولي مشترك من كتابة تركي آل الشيخ وإخراج أحمد مدحت، وبطولة آسر ياسين وخالد الصاوي ونجوم آخرين؛ كمحاولة لحل لغز الثمانية وهي جماعة أو عصابة إجرامية دولية لها وشمها الخاص المعتمد لدى أعضائها الذين يمارسون الجريمة بلا رحمة، لكن في ظاهرهم هُم أناسٌ مرموقون في المجتمع لهم صورتهم الاجتماعية التي يسعون للحفاظ عليها، من خلال المشاريع الخيرية التي يقومون بها.

“تذكير مستمر بوجود جماعة مُسيطرة على العالم “

ولكن هل الجماعة التي ترتكب الجريمة المنظمة في العالم والجماعات الإرهابية، هي ذاتها القوة المسيطرة على العالم! لا أظن ذلك، لأنّ الأخيرة أكبر من ذلك بكثير، هي تنظيم وبناء، ومال، وقانون “بمنافذه وخروقاته “، وإعلام واتصال.

على مر التاريخ كانت هناك جماعة مسيطرة على العالم تبنيه في الخفاء، أو تبني مدناً في الخفاء وجيشاً خاصاً بها، بأفكارها ودينها وأخلاقها! وكثيراً ما تم ربطها ببعض المظاهر مثل بناء الأهرامات أو بناء الهيكل أو ربطهم بفرسان الهيكل، والبعض رآها ولا زال بأنها مثل الحبل السُّري الذي يغذّي الروح والجسد بالمطلوب لحياة سليمة تامة من أجل الوصول إلى النور والبدء الفعلي بالحركة والبناء لصالح هذا العالم.

إنّ ما سبَق؛ يستدعي تفعيلَ دور مؤسسات المجتمع المدني الاجتماعية والتعليمية والحقوقية والبيئية وغيرها، في القيام بأدوارها المختصة، والمُسارَعة في تحقيق أهدافها في سبيل دعم التنمية في دول العالم بما فيها الدول العربية والتخفيف من مظاهر الإرهاب والسلوك الإجرامي المُنظّم لديها. فحتى وإن تم تعزيز التعاون الدولي والتنسيق بين اللجان المختصة لمكافحة الجرائم المُنظمة والإرهاب؛ إلا أنّه يظل هناك تقصير في النهج المُتبّع، وتراجع في الخطوات التي غالباً ما تكون هناك أسبقية فيها لصالح تلك الجماعات.

كما يتطلب الأمر التركيز على المواطن والاستثمار فيه؛ عبر بناء حملاتٍ على مستوىً وطني تنادي بالمباديء الدينية والإنسانية والأخلاقية والثقافية بحيث تساهم في تشكيل الوعي الذاتي للمُتلقي ونبذ العنف بأشكاله المختلفة، وهو ما يُعتبر تطبيقاً فعلياً وأكثر قرباً من المواطِن المستهَدف وبالتالي التزام حقيقي بالمواثيق الدولية  مثل ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المُنظمة عبر الحدود الوطنية.

______

الإعلامية هبه ملحم

*خبرة مهنية لأكثر من 10 أعوام في المجال الإعلامي، و7 أعوام في مجال إعداد الأبحاث، و4 أعوام في مجال المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، وكذلك مشاركة المجتمع ودراسات النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، وتقييم الاحتياجات. قامت مؤخراً بإعداد كتاب بعنوان: واقع الإعلام الثقافي في فلسطين وأثره على تشكيل الوعي الجماعي، قيد النشر وحفل توقيع الكتاب سيكون على هامش معرض فلسطين الدولي للكتاب المقرر تنفيذه في سبتمبر 2022، وبناء مشروع جائزة فلسطين للصحافة والإعلام 2012، لصالح نقابة الصحفيين، برعاية سيادة الرئيس محمود عباس، وبتمويل من صندوق الاستثمار الفلسطيني والوطنية موبايل (أوريدو حالياً )، فلسطين.

  • مُراجعة نقدية لفيلم تامر حسني 2022
    بقلم: هبه ملحم*

لم يقدم حسني أساليبَ جديدة للحياة؛ لكنه عزّز الصدق في نمط الحياة..
لم يقدم أبطالاً خارقين جدد، بل أنّ البطل الخارق موجود بالحقيقة وهو الذي يمتلك القوة والقدرة على الاحتفاظ بالمبدأ والعمل به، البطل هو الذي يفعل الصواب، ولا ينجر خلف الخطأ، حتى وإن كانت الفرَص أمامه مُتاحَة، ما يعني أنّ هذا الفيلم اللطيف قد تضمّن أفكاراً جميلة مستندة إلى الثقافة والأخلاق، ودعّم قصته بشخصيات جميلة طبيعية تتفاعل بتلقائية، مستمتعة، ووصلت إلى الجمهور.
لا يمكن الجزم بأنّ قصة فيلم “بحبك ” ل”تامر حسني ” نمطية، بل هي قصة واقعية، والمجتمع العربي مليء بقصص من هذا النوع، القصص التي دائماً ما ترافقها تبعات كارثية، لارتباطها بالكذب والخيانة، فتراها تدمّر إنساناً، أو أُسَراً، حين يكون الحدث قائماً على اللعب بالعواطِف!
قدم حسني القصة ووظفها بأسلوبه وحسّه الكوميدي، لكنه ظلّ محافظاً على المبدأ.
كانَ ثابتاً بأدواته المتنوعة
خرجَ إلى الكوميديا، وأبدعَ في توظيف الموسيقى..
لم تكن الأغاني التي تم توظيفها فقط للمؤلف، بل كان هناك وجود لأغانٍ أجنبية، فلا يمكن تجاهل الصوت الملائكي للمغنية الفرنسية انديلا Indila برائعتها  love story، لكن هذا الإنتاج الفني قد تُوّج بإحساس وبصمة حسني المطرب العربي والذي طالما اعتُبِرَ نموذجاً جميل تأثر به جيلٌ كامل من شباب وصبايا هُم الآن آباء وأمهات، ولازالوا يسعَوْن في هذه الحياة، ويبحثون عن تطوير لذاتهم، عن مخارج لأزماتهم المتنوعة، وعن فُرصة! فطالما كانَ هذا الفنان رفيق أحلامهم ونجاحاتهم وأوجاعهم وحتى ساعات جنونهم.
لم يسبق وأن شهدت صالات السينما في فلسطين والأردن هذا الالتزام والانتماء من قبَل الجمهور تجاه إنتاجٍ ما؛ مثلما يحصل مع إنتاجات حسني، ربما يعود السبب في ذلك إلى تعطشهم إلى قصص حُب وسلام حتى وإن كانت ضمن إطار كوميدي، في ظل تراكمات الحياة والنزعة نحو العنف في العموميات والتفاصيل. فلم تتمالك صالات السينما على امتداد أسبوع كامل أمام وفود الشباب والعائلات التي شكلت جمهوراً وِجهَتُهُ واحدة، وهو مشاهدة الفيلم السينمائي (بحبك ) للفنان العربي الشامل “تامر حسني “.


منذ البداية وحتى النهاية، ظل المُشاهد مُدركاً للجهد المبذول في العمل، وأحداثه التي تبعث على الراحة، واستطاع فهم الأبعاد والقيم، إذ أتاح فرصة للنظر إلى داخل النفس بإيجابية، وإلى الآخر أيضاً بإيجابية.
كان فيلماً مليئناً بالألوان، ألوان من جمال، وضحك، وروح شابّة، وصدق، وإخلاص، وقناعة، وحُب.
قد تثير كلمة “الحُب ” ذاكرةً نمطيةً وفورية، وسلسلةً من صور ومواقف مشوّهة أو صحية تعرض لها الإنسان، لكنه الحُب؛ هو من أعظم الأرزاق التي رزقها الله تعالى للإنسان، فالمحبة والمودة والعطف جميعها تؤدي مفعول المعجزات، خاصة إذا ما قامت وفق مبدأ محدد وقيم واضحة، فجاء الفيلم كحملة ودعوة للمحبة والصدق والاهتمام بالذات. وقد لوحِظَ أن تفاعُل الجمهور بدا وكأنهم في مسرح، تراهم يصفقون، ويتفاعلون بالصوت وحركات الجسد المختلفة.
تنوّعَ النقدُ الموجه للفيلم ولشخص حسني، فبدا غريباً ما قيل بحق التأليف والإخراج والتمثيل. لم يُلاحِظ المُشاهد الذي بدا مُندمِجاً ومتفاعلاً مع أدق التفاصيل والشخصيات؛ لم يُلاحِظ وجودَ أخطاء في التأليف والسياق الدرامي، بل كان هناك عنصر مفاجأة واضح في الأحداث؛ مفاجآت في التعبير عن الحُب والإعجاب، مفاجآت في الحدث والسياق نفسه، حينما اعترفت إحدى الشخصيات بأنّها تعمّدت نزع فرحة واستقرار من أحبّت، بعد أن اعتبرت ذاتها الضحية والمُضحية! حيث كانت هناك بعض المقالات العبثية التي أدرجت نفسها ضمن النقد، لكنها لم تكن نقداً بنّاءً ولا حتى هدّاماً، بل مجرد كلمات عبثية من هنا وهناك، ولو أنها دققت فقط بملامح الجمهور الذي يتمتع بذكاء واضح وإدراك لما يُقدّم له؛ لأدركت مدى حاجة الإنسان لخفة الظل والروح، ولجرعة العاطفة والسلام العاطفي التي غابت كثيراً عن درامانا العربية منذ سنوات، الدراما التي هي انعكاس للمجتمع، تتأثر به، وتؤثر فيه، ولكن جل ما يتم تقديمه للجمهور هو العنف والقتل، بل التفنن بالعنف، ما جعل المجتمعات العربية كافة تشهد سلسلة من الجرائم المتشابهة في الفكرة والإخراج، كما حدث في جريمة فتاة المنصورة المصرية، وطالبة التطبيقية الأردنية، وغيرهما.

التوصية الوحيدة التي أقدمها بناءً على عدة مراجعات لأفلام حسني، أنه وعلى الرغم من جمال وإبداع بطلات أفلامه مؤخراً؛ وحرصه على الاستثمار بملكات الإبداع لديهنّ؛ إلا أنه بحاجة إلى بطلة من وزنه، من خبرته، من زخم التفاصيل في الملامح والإحساس وأبعاد الحكايات، وهذا جله ينسجم مع الاحترام الذي يحظى به تامر حسني، ومن الأمان تجاه إنتاجاته الفنية، السمعية والبصرية، والثقة التامة بنوعية ما يُقدمه للمشاهد العربي والأسرة العربية التي تسمح لابنائها وبناتها بالذهاب لصالات السينما ومتابعة الإنتاجات الأجمل للفنان الراقي تامر حسني. فبانتهاء عرض أفلامه ينسحب الجمهور تباعاً دون رغبة في متابعة عروض الأفلام اللاحقة، وهذا هو انتماء الجمهور الذي شهدته صالات السينما في فلسطين والأردن.

الكاتبة هبة ملحم…

*خبرة مهنية لأكثر من 10 أعوام في المجال الإعلامي، و7 أعوام في مجال إعداد الأبحاث، و4 أعوام في مجال المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، وكذلك مشاركة المجتمع ودراسات النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، وتقييم الاحتياجات. قامت مؤخراً بإعداد كتاب بعنوان: واقع الإعلام الثقافي في فلسطين وأثره على تشكيل الوعي الجماعي، قيد النشر وحفل توقيع الكتاب سيكون على هامش معرض فلسطين الدولي للكتاب المقرر تنفيذه في سبتمبر 2022، وبناء مشروع جائزة فلسطين للصحافة والإعلام 2012، لصالح نقابة الصحفيين، برعاية سيادة الرئيس محمود عباس، وبتمويل من صندوق الاستثمار الفلسطيني والوطنية موبايل (أوريدو حالياً )، فلسطين.