يشير كثير من التربويين إلى أن الرعاية والحماية الزائدة عن حدها طوال الوقت، تحد من قدرات الطفل وتقتل استقلاليته، مطالبين بمنحه مساحة من الحرية يتعلم من خلالها بعيدًا عن التعليم التقليدي القائم على التلقين.
وخلال العقود الأخيرة انكمشت مساحات استقلالية الأطفال، وتؤكد دراسات متخصصة على أن حوالي ثلثي طلاب المدارس في الولايات المتحدة حرموا من الذهاب إلى مدارسهم سيرًا على الأقدام، وكذلك انخفضت مدة اللعب الحُر الأسبوعية، وتحول كثير من الأطفال إلى الجلوس أمام شاشات التلفاز والحاسوب والهاتف الذكي، عوضًا عن اللعب التقليدي في الحدائق والملاعب وباحات المنازل.
ويبدي كثير من الأهالي ارتياحهم للتحول الأخير، غير عابئين بنتائجه العكسية على إدراك الطفل وشغفه بالاكتشاف.
ضرورة اللعب الحر
وتؤكد الباحثة والكاتبة فضيلة عرفات على ضرورة انخراط الأطفال في اللعب الحر، فمن خلاله يتمكنون من «الاستقصاء والاكتشاف، مثل اختبار بعض النظريات، والتعرف إلى الأشكال والألوان، واكتشاف السبب والتأثير والعلاقات الاجتماعية والقيم العائلية.»
وتقول عرفات إن «اللعب وسيلة لإعداد الطفل للحياة المستقبلية ونشاط حر وموجه، وهو يأخذ شكل حركة أو عمل يمارس فرديًا أو جماعيًا، ويستغل طاقة الجسم العقلية والحركية، ويمتاز بالسرعة والخفة لارتباطه بدوافع الفرد الداخلية، ولا يُتعب صاحبه، وبه تتحول المعلومات إلى جزء من الحياة.»
وتضيف إن «اللعب وسيط لنقل الثقافة إلى جيل الغد، ومن خلال ممارسته يجد الطفل مكانته ويظهر قدراته بين أقرانه، وهو مهم جدًا لبلورة الهوية الذاتية.. ويشكل أداة وقناة مهمتين لاحتواء الأزمات النفسية للطفل.»
اللعب سلوك فطري في حياة الطفل يؤثر بجدية في توازنه الانفعالي، ويُعد إشباع حاجة الطفل للعب أمرًا تربويًا ونفسيًا وعقليًا؛ سواء في المنزل مع الأسرة أو في الحضانة والروضة أو في المدرسة.
ويساعد اللعب كذلك على تهذيب الغرائز العدوانية لدى الأطفال، وهو من متطلبات النمو الضرورية، ومتنفسًا بالغ الأهمية لطاقاتهم، ويساهم في امتصاص انفعالاتهم وتخفيف توتراتهم النفسية والاجتماعية.
ويرى عالم النفس والفيلسوف السويسري جان بياجيه، أن «اللعب مؤشر مهم على نمو الطفل ونضجه، وهو أساسي وضروري لعملية النمو بجميع إشكالها وجوانبها العقلية والاجتماعية والانفعالية والجسمية والجنسية والوجدانية.»
ويشير بياجيه -وهو مُطوِّر نظرية التطور المعرفي عند الأطفال- إلى أن «اللعب هو أساس النمو العقلي وتطوره، ودونه لا يحدث النمو العقلي ولا يتطور.»
يكاد يجُمع العلماء والتربويون على ضرورة ترك الطفل على سجيته؛ دعه يلعب، دعه يُجرِّب، دعه يُخرِّب، إنها بذور الفضول والاستكشاف، مهما كانت تكلفة ذلك، حتى لو حُرمت من نظافة بيتك وترتيبه، وهذا بالتحديد مضمون رؤية عميد جامعة هارفورد الأمريكية، التي نقلها تايسون؛ ومفادها باختصار: «إذا كنت تظن أن تكلفة التعليم عالية، فعليك أن تجرب تكلفة الجهل.»