وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التنشئة الاسرية المجتمعية
إن لمواقع وبرامج التواصل الاجتماعي أهمية كبيرة، فقد أصبحت شهرتها واسعة، وكثر التعامل معها بين الناس، حيث يتواصلون عبر هذه المواقع للتعرف على بعضهم ومعرفة أخبار بعضهم البعض، وإرسال رسائل وتلقي الأخبار والموضوعات وكل ما هو جديد وهي سلاح ذو حدين ايجابي وسلبي ونحن اليوم نحتاج للوعي والادارك والفهم الصحيح للاستخدام الأمثل والآمن للمواقع التواصل الاجتماعي.
وإن هذه المواقع والبرامج لا توجد لها ضوابط تضبط الأمور، ولا توجد وسائل أو طرق محددة يتقي منها المستخدم الشرور التي قد تصل إليه عنوة، أو حتى لا يوجد منهج محدد لإفادة الغير في الاتقاء من هذه الشرور، وتكمن المشكلة في انتشار برامج التواصل الاجتماعي بشكل كبير، مما أثر على حياة الناس عمومًا، سواء بشكل سلبي أو إيجابي.
ويمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي:
الأول: الطبقات الشعبية المهمشة، ويستخدمون أدوات التواصل الاجتماعي كأداة للتعبير عن الرأي، فيرونها أداة تمنح لهم مجالا للتعبير عن الرأي دون مساءلة قانونية، وهم عادة ما يتناقلون النكات الشعبية أو السياسية ويرددون الشائعات.
الثاني: النخب، سواء من المنتمين للأحزاب السياسية أو لمنظمات المجتمع المدني، أو حتى من الشخصيات المستقلة، وهي الفئات التي تمتلك مستوى تعليميًّا ومكانة اجتماعية متميزة تجعل من تعاملها مع أدوات التواصل الاجتماعي أكثر تطورًا وانسجامًا مع مجتمعاتهم التي ينتمون إليها.
الثالث: فئة الشباب المهمشين من خريجي الجامعات والتي عرفت نمطين من التهميش، سواء تهميش السلطة، أو المجتمع المدني، حيث حرمت من المكانة الاجتماعية المرموقة، سواء داخل المجتمع أو داخل المجتمع المدني. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من الأهمية التي تعلقها الحكومات على هذه الفئة، فإن هذا القطاع لا يشارك عادةً في صنع القرار، على الرغم من أنهم يعاملون دائمًا على أنهم الجيل القادم وقادة الغد.
وفي إطار تشكيل الوعي لدى الشباب، توجد العديد من الدراسات التي تناولت الدور التربوي لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث تقوم بدور مهم في تربية النشء، وإكسابهم العديد من العادات والسلوكيات الصحيحة، كما أنها تُعد أداة مهمة من أدوات التغيير الاجتماعي، فقد تم إنشاؤها في البداية لتحقيق التواصل الاجتماعي بين الأفراد (عادات وقيم اجتماعية)، ثم تطور ليشمل النشاط السياسي من خلال تداول المعلومات الخاصة بالأحداث السياسية، وكذلك الدعوة إلى حضور الندوات أو المشاركة في التظاهر والاحتجاجات (قيم وأحداث سياسية).
تلعب التنشئة دورًا كبيرًا في الحفاظ على الاستقرار المجتمعي، خاصةً في المجتمعات التي تشهد تغيرًا اجتماعيًّا وثقافيًّا، ومجتمع اليوم يعيش تغيرات عديدة في مختلف المجالات والميادين وعلى جميع الأصعدة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتلك التي اعترت أيضًا المجتمع المعلوماتي وإنتاج المعرفة بواسطة استخدام الإنترنت بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص.
وسائل الاتصال الحديثة والطفرة التكنولوجية التي حدثت في السنوات الاخيرة، غيرت معالم كثيرة في حياتنا العملية والدراسية والعائلية ايضا، ففي الوقت الذي باتت فيه تكنولوجيا الاتصال الانفجارية في متناول الجميع.. إلا أنها حملت معها من المشاكل الاسرية ما لم نكن نعرفه من قبل، كما انها طوقت افراد الاسرة بجدارات العزلة، حيث انفرد كل منهم منكباً على حاسوبه يتصفح المواقع الالكترونية، او غارقا في الحوارات مع اصدقاء او مع اناس مجهولين، يقيم معهم علاقات مختلفة، بعضها جاد ومفيد، وبعضها لأغراض التسلية وغيرها.
آخر ما تردد في وسائل الاعلام إن موقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني «فيسبوك» وراء ثلث حالات الطلاق، وهذا ما آثار الاستغراب، مثال على ذلك، فقد رصدت الولايات المتحدة 66% من حالات الطلاق بسبب الفيس بوك، لذلك أصبحت وسائل التكنولوجيا وموقع الفيس بوك مَدْعَاةً للهروب من التعامل المباشر، وإقامة العَلاقات ألاجتماعية في المجتمع الامريكي، وإنَّ ضعف هذه العَلاقات في الواقع وندرة القيام بالزيارات الاجتماعية يقلل التحاور وتبادُل الخبرات والمشاعر، وقد تُسْتَبدل هذه الامر بالرسائل القصيرة.
إن اللافت للنظر تلك النِّسَب العالية للاشخاص – صغارا وكبارا – الذين يقضون ساعات طويلة خلف الحاسوب (الكومبيوتر) إلا أن الدراسة المذكورة تبيِّن أن الإنسان اجتماعي بطبعه، فإذا ضَعُفت علاقته بأفراد أسرته وجد البديل في جهاز الحاسوب وغيره من أجهزة التكنولوجيا، التي حلَّت بمكان الأبوين بالنسبة للأبناء، لذلك فإن التعامل مع هذه الأجْهِزة يُضعف عَلاقة الأبناء بوالديهم، وتنتشر أمراضٌ نفسية بينهم؛ مثل: الاكتئاب وحب العزلة والإنطوائية، وبطء قابلية الفرد على قبول قيم المجتمع، وثوابت الدين التي سيحل محلها قيم روَّاد ومُستخدمي أجهزة التكنولوجيا الالكترونية الحديثة.
أهم الدراسات التي تتحدث عن خطر الأنترنت على مجتمعاتنا وحياتنا الأسرية :
هناك العديد من البحوث والدراسات التي تناولت موضوع المجتمع الالكتروني و أثر وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية من زوايا متنوعة وأُجريت في مجتمعات مختلفة، ولعل من أهمها:
1 . في دراسة ميدانية قامت بها الباحثة حنان الشهري على عينة من طالبات جامعة الملك عبد العزيز بجدة كانت بعنوان “أثر استخدام شبكات التواصل الإلكترونية على العلاقات الاجتماعية”الفيس بوك وتويتر نموذجا” حيث هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على الأسباب التي تدفع إلى الاشتراك في موقعي الفيسبوك وتويتر والتعرف على طبيعة العلاقات الاجتماعية عبر هذه المواقع، والكشف عن الآثار الإيجابية والسلبية الناتجة عن استخدام تلك المواقع. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف اعتمدت الدراسة على منهج المسح الاجتماعي واستخدمت أداة الاستبيان لجمع البيانات حيث تم تطبيق البحث في جامعة الملك عبد العزيز على عينة مكونة من ( 150 ) طالبة تم اختيارهن بطريقة قصدية. وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها: أن من أقوى الأسباب التي تدفع الطالبات لاستخدام الفيسبوك وتويتر هي سهولة التعبير عن آرائهن واتجاهاتهن الفكرية التي لا يستطعن التعبير عنها صراحة في المجتمع و أشارت النتائج كذلك أن الطالبات استفدن من هذين الموقعين في تعزيز صداقاتهن القديمة و البحث عن صداقات جديدة . و التواصل مع أقربائهن البعيدين مكانياً . كما تبين أيضاً أن لاستخدام الفيسبوك و تويتر العديد من الآثار الإيجابية أهمها الانفتاح الفكري و التبادل الثقافي فيما جاء قلة التفاعل الأسري أحد أهم الآثار السلبية و تشير النتائج –أيضاً- إلى وجود علاقة ارتباطية عكسية بين متغيري العمر والمستوى الدراسي وبين أسباب الاستخدام وطبيعة العلاقات الاجتماعية والإيجابيات والسلبيات . كما توجد علاقة ارتباطية موجبة بين متغير عدد الساعات وبين أسباب الاستخدام ومعظم أبعاد طبيعة العلاقات الاجتماعية والإيجابيات ، في حين أثبتت النتائج وجود علاقة ارتباط طردية بين متغير طريقة الاستخدام وبين أسبابه وطبيعة العلاقات الاجتماعية والإيجابيات والسلبيات. وخلصت الدراسة إلى وضع مجموعة من التوصيات منها : تنظيم دورات لتوعية الفتيات على حسن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك العمل على توظيف تكنولوجيا الاتصالات الحديثة في عملية التعليم الأكاديمي.
2. تأثير الإنترنت في المجتمع
أجريت هذه الدراسة من قبل محمد الخليفي عام 2002 م ، وطبقت على (137) طالبا من طلاب المرحلة الجامعية ، و تهدف إلى التعرف على تأثير الانترنت في المجتمع من خلال تقصي فوائد شبكة الإنترنت و سلبياتها ، و اعتمد الباحث على المنهج الوصفي التحليلي ، أما أدوات الدراسة فكانت المقابلة و الاستبيان ، و توصلت الدراسة إلى :
•أن معظم أفراد مجتمع الدراسة (%91.7) لديهم رغبة في استخدام الانترنت ، و تركزت أهم الاستخدامات في أغراض الاتصال ، وتبادل المعلومات مع الآخرين ، و البحث عن المعلومات ، و الترفية و التسلية ، رأى المبحوثون أن سلبيات شبكة الإنترنت تمثلت في أنها تساعد على الغزو الثقافي ،وتسبب مشاكل اجتماعية و أخلاقية ،وصحية بكثرة استخدامها .
3. و في دراسة أخرى عن “تأثير الإتصال عبر الإنترنت في العلاقات الإجتماعية” أُجريت من قبل حلمي خضر عام (2003م) وطبقت في المجتمع القطري على عينة من الشباب في مدينة الدوحة من كلا الجنسين بلغ حجمها (471) ، و تهدف الدراسة إلى معرفة الأبعاد النفسية و الاجتماعية والثقافية التي تركها الإنترنت بوصفه وسيلة اتصال إلكترونية حديثة في المجتمع على علاقات الشباب الاجتماعية بأسرهم و تفاعلاتهم الاجتماعية مع معارفهم و أصدقائهم إضافة إلى محاولتها معرفة الخصائص الثقافية للانترنت ،وقد اعتمد الباحث على منهج المسح الاجتماعي ، وتم استخدام أداة الاستبيان ، و توصلت الدراسة إلى :
•وجود مانسبته (38.6%) من أفراد العينة كانوا قد تحدوا آليات الضبط الأسري والاجتماعي وقاموا بلقاءات مباشرة وجهاً لوجه بمن تعرفوا إليهم عبر الإنترنت غير آبهين بالعواقب المترتبة على مثل هذه اللقاءات المحظورة اجتماعياً .
•نجم عن استخدام الشباب للانترنت تراجع في مقدار التفاعل اليومي بينهم وبين أسرهم و تراجع في عدد زياراتهم لأقاربهم ، أن هناك حالة من العزلة و الاغتراب النفسي بين الشباب باعد بينهم وبين مجتمعم إذ بلغت نسبة من شعر منهم بهذه الحالة (40.3%) ،وفي نفس الوقت تعمل الإنترنت على تقريب البعيدين مكانياً عبر اختزال المسافات الجغرافية بين ما نسبته (67.1%) منهم لتشعرهم بالقرب النفسي بأسرهم و عائلاتهم الذين يعيشون خارج الوطن.
مواقع التواصل تزيد توتر العلاقات العاطفية
في هذا السياق أظهرت دراسة حديثة، قام بها باحثون من جامعة بوسطن الأمريكية، مفادها أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يتسبب بالفوضى في العلاقات العاطفية، حيث كشف الباحثون عن وجود علاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كـ”الفيس بوك” و”تويتر” والمشاكل الاجتماعية المتعلقة بالطلاق والعلاقات العاطفية، لافتة إلى أن الغيرة التي يسببها “فيس بوك”، تزيد من المشاكل والمشادات لين الأزواج في جميع الأعمار.
وأكدت دراسات اخرى أجراها الدكتور “روسل كلايتون” من جامعة “ميسوري”، وأساتذة بجامعة بوسطن الأمريكية، وشملت مستخدمي “فيس بوك” الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و82 سنة، وكان السؤال: كم من الوقت يقضون على الفيس بوك وكم مرة حدثت مشكلة مع شركائهم العاطفيين بسبب هذا الموقع؟، فأظهرت نتائج الدراسات أن استخدام فيس بوك، كان مؤشرًا كبيرًا على ارتفاع معدل الطلاق بين الزوجين وتزايد معدل المشاكل بينهما.
وأفادت الدراسات بأن معدلات الطلاق بين الأزواج، تزايدت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي في 45 دولة، في الفترة ما بين 2010 و2014، وأنه من بين أسباب الانفصال بين الأزواج دائمي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، هي اكتشاف أحد الزوجين رسائل غير ملائمة، كذلك تعليقات فظة وبها مجافاة للزوج أو الزوجة، واكتشاف سلوك غير مرضٍ من خلال نص مبعوث من الصديق الجديد، وأشارت إحدى الدراسات إلى أن أكثر الأشخاص في علاقة رومانسية يستخدمون الفيس بوك، يكون على الأرجح لمراقبة نشاط شركائهم على الموقع، والتي ممكن أن تؤدي إلى مشاعر الغيرة، وأن مستخدمي الفيس بوك بشكل مفرط لهم حظ أكبر للاتصال مع المستخدمين الآخرين بما فيهم شركائهم السابقين، ومن الممكن أن يؤدي إلى الخيانة العاطفية أو الجسدية.
وكشفت الدراسة التي قام بها علماء جامعة ميسورى، أن مواقع التواصل الاجتماعى، فيس بوك وتويتر، تتسبب في الخيانة والطلاق، مشيرة إلى الاستخدام المفرط للشبكة الاجتماعية يؤدي في كثير من الأحيان إلى تفككك العلاقات الزوجية وتدمير العلاقات الإنسانية، وبينت الدراسة التي أجرتها الجامعة على أكثر من 500 مستخدم، أن الفرد يقضي أغلب وقته أمام مواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى وقوع العديد من المشاكل الزوجية، وانفراط عقد العلاقة القوية بينهما والتأثير سلباً على المشاعر، حيث وجدت الدراسة أنه بغض النظر عن مدة العلاقة الزوجية، فإن الاستخدام الزائد عن الحد لتويتر وفيس بوك، وإهمال الطرف الآخر وعدم التحدث معه أو حتى عدم إبداء أي اهتمام لحوار ما مع الطرف الآخر، يثير الغضب ويولد مشاكل وغيرة ومشاعر سلبية تجاه الآخر، ينتج عنها تدمير العلاقة الزوجية، لذا تنصح الدراسة المقبلين حديثاً على الزواج بضرورة تقليص الوقت الذي يقضونه أمام تلك الشبكات.
وأكدت الدراسة، أنه كلما أصبح الاتصال بالإنترنت أسهل، زاد الإغراء الذي يفرزه العالم الافتراضي، فالإنترنت أصبح كالعنكبوت بعدة أرجل، منها ما تنصب الفخاخ للآخرين، ومنها ما ترخي العنان؛ لتطلق فريسة كانت على وشك الاختناق، وقالت الدراسة: إن الغالبية العظمى من الناس في العالم يتواصلون عبر الإنترنت، مستخدمين مواقع التواصل الاجتماعي، فالأصدقاء يسألون عن بعضهم عبرها، فيما تقل الزيارات الشخصية، وهناك أناس جدد يتعرفون على بعضهم البعض، وغرف المحادثة المسماة “تشات”، يتواعدون في نقاط التقاء؛ فيتقابلون، إما للصداقة أو لإقامة علاقة غرامية، أو حتى للزواج، إذا جرت الأمور بشكل جيد.
والخلاصة لا بد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بوعي وثقافة عالية دون الانجرار نحو الادمان أو حتى تضييع الوقت مما يؤثر على الأسرة بشكل سلبي فنحن نحتاج لادارة ذواتنا بشكل سليم وأن لا ننجر خلف التواصل الاجتماعي التافه وأن لا نقيم علاقات أو صداقات وهمية وسلبية.
#المصدر: الدكتور محمد مصطفى بشارات
خبير التنمية البشرية والإستشاري الأسري