نعم الأمومة هدف كل امرأة، ولكن الكثير من الأمهات يعانين من مشكلات نفسية بعد الولادة، وقد تدوم هذه الحالة طويلاً. ورغم خطورتها، إلا أنها لا تؤخذ على محمل الجد، حسب مقال لشارلوت ناغتون منسقة مجموعة «Mothers Uncovered» نشرته في صحيفة The Guardian البريطانية.
تقول شارلوت إن الحرمان من النوم والذعر ونوبات الهلع وتقلب المزاج والعزلة الاجتماعية والكآبة والقلق والضرر العصبي، تعتبر من بين الأمور المثيرة للقلق.
ولكن ماذا لو كانت تلك نتيجة لأول ولادة؟ يتعامل البعض بعدم اهتمام مع الأم حديثة الوضع باعتبار أن هذه المشكلات التي تتعرض لها أعراض طبيعية للولادة، ولكن هذا الاستخفاف أمر غير صحيح وقد يكون خطيراً.
تقول شارلوت وهي تخاطب النساء، ربما سبق لكن أن خُضتنَّ تجربة الأمومة، وتعتقدن أنه يمكن للنساء الاستعداد لها، وفي بعض الأحيان، لا يمكن للنساء اللاتي لم ينجبن أطفالاً معرفة خلفية هذا الجدل.
وبالنسبة للنساء اللاتي لديهن أطفال، ولم يواجهن العديد من هذه المشكلات، فيعتقدن أن هؤلاء المتذمرات يجب عليهن فقط الكف عن التذمر. فكلنا لدينا أمهات، وما مدى صعوبة ذلك بالنسبة لهن؟
الأمر له آثار سلبية ليس على الأم فقط بل على الطفل أيضاً
عدم الاعتناء بالأم ومَن حولها يمكن أن يكون له تأثير اجتماعي سلبي، خاصة على رضيعها ، فبالنسبة لمعظم الأمهات، فإن الاعتناء بالطفل مهمة صعبة، لكن عند الولادة ورعاية الرضع، تبدأ الأم باختبار الحقائق لوجودها لأنها بذلك تقترب من ذاتها البدائية حين تلمس الطفل لأول مرة وهذه التجربة ربما تكون لها آثارها السلبية على الأم لأنها ليست معتادة عليها.
وقد تؤثر على علاقتها بالزوج أيضاً
بين الشعور بالرغبة في البكاء والارتباك، والاكتئاب الشديد، هناك مجموعة من المشكلات النفسية التي تستحق الاهتمام، على غرار القلق واضطرابات الأكل واضطراب ما بعد الصدمة، هذا بعد الوضع، لكن حتى قبل الولادة فإن المجتمع يتعامل مع المرأة بنوع من السلبية تقول إيمان أكرم (23 عاماً) لعربي بوست:
منذ علمي بأنني حامل في شهوري الأولى تعرضت لنوع من الضغط المعنوي الكبير والذي تمثل في رسائل سلبية تلقيتها من صديقاتي وأقاربي للأسف، رسائل من نوعية «يمكنك النوم الآن لأنك لن تستطيعي النوم الفترة المقبلة»، إن التعب والألم لم يأتيا بعد، وإن كل النساء وضعن أطفالاً ولا أقوم بمعجزة فلماذا الشكوى.
هذه الرسائل تكاد تكون قتلت فرحتي بانتظار طفلي وجعلتني في الوقت ذاته أشعر أنني مقبلة على مرحلة تعيسة في حياتي مليئة بالإرهاق والتعب أكثر مما كنت أعانيه بالأساس
بسخرية تقول إيمان «المرأة الحامل تعرف بالطبع أنها كرة على وشك الانفجار فلا داعي لتذكيرها بذلك»، وتضيف «من أكثر التعليقات التي كانت تؤلمني نفسياً التعليق على التغيرات التي طرأت على مظهري، أنفك لماذا ازاد حجمه، مقاس قدمك لماذا زاد إلى مقاس أكبر، حتى أن بعض صديقاتي كن يمازحنني بأنهن لم يتعرفن علّي حين تقابلنا وأنا على وشك الولادة لأن شكلي تغير، بالطبع لم أكن في حاجة لأن أسمع كل هذه التعليقات السلبية لأنني أعرف أن شكلي تغير لكن المجتمع لا يقدر الحالة النفسية والضغط الذي تتعرض له الأم الحامل وحديثة الولادة».
لا تؤثر هذه المشكلات على المرأة فقط، بل على دورها كأم أيضاً، وتكون لها انعكاسات على قدرتها في الارتباط والتعامل مع أطفالها، والحفاظ على علاقتها المستقبلية بهم، وقد تتأثر علاقتها بشريكها أيضاً.
أنا حامل.. لست مريضة
في أول الحمل قررت أن أتغاضى عن كل الرسائل السلبية التي كنت أتلقاها، وألا أسمع إلا طبيبتي التي أتابع معها حالة طفلي، انطلقت في رحلات في أكثر من مكان للتغلب على حالة الخوف التي تنتاب الأم في حملها الأول وزوجي ساعدني في ذلك وبالفعل قدم لي الدعم المناسب،
كنت متحمسة للتجربة وحماسي طغى على الخوف فقررت أن أقوم بجلسة تصوير مع مستلزمات الطفل التي اشتريتها قبل الولادة وقررت أن أخوض التجربة وأستمتع، أنا حامل لست مريضة.
كلمة السر.. المشاركة
مع أولى لحظات الوضع كانت التجربة صعبة تقول إسراء، التي أضافت «وحتى الآن أحاول عمل روتين لنوم ابني لأن نومه متقطع بطبيعة حال الأطفال في أول الولادة ورفضت الذهاب لوالدتي لأن زوجي لابد أن يشاركني كل لحظاتي الصعبة ويعيش معي تفاصيل اعتنائي بابننا وأعتقد أن ذلك أثر بشكل كبير على تفهمه للأمر وتعامله معي لأنه أدرك عن قرب التعب الذي أعيشه كل يوم وبدأ مشاركتي فيه؛ مشاركتي في التعامل مع الطفل وفي محاولات إسكاته وقت بكائه والاعتتناء به».
كلمة السر في المشاركة، أنا لم أكن أريد في هذه الفترة إلا الدعم المعنوي والاعتناء والتغاضي عن كل العبارات التي تسمعها أي أم على مشارف الوضع أو في أيام حملها الأولى والتي تتلخص في أننا على وشك الدخول إلى نقطة مظلمة
.وكأننا على مشارف معركة وعلينا الاستعداد لها
تحدث عالم النفس سيمون بارون كوهين عن مصدر القوة الداخلي، الذي يساعدنا على شقّ طريقنا في هذه الحياة، والذي نحصل عليه عادة من أحد الوالدين خلال مرحلة الطفولة.
ويوفر الاستقرار خلال السنوات القليلة الأولى من الطفولة هذا المورد الداخلي، الذي يمكن للأطفال فيما بعد الاعتماد عليه.
وإذا اعترفنا بأن السنوات الأولى من حياة الطفل هي الأكثر أهمية، فإننا نحتاج إلى البدء في توعية الأمهات بأهمية التوقف عن زرع أزمة الصحة العقلية في صغارهن.
تبدو عدوانية وتعاني من افتقار للدعم الأمر الذي قد ينتهي بها إلى العزلة
تقول إحدى الأمهات، إنها كانت «خلال السنة الأولى من الولادة، عصبية وكثيرة الطلبات ومزاجية وعدوانية
ولا يقتصر هذا على قلة من النساء، إذ تعاني نصف الأمهات من مشكلات صحية وعاطفية أو عقلية يمكن أن تكون لها آثار طويلة الأمد.
كما أن الافتقار إلى هياكل الدعم الاجتماعي يعني أن النساء غالباً ما ينتهي بهن المطاف في حالة عزلة.
هرعت للحمام وأخذت في البكاء
قد تكون فترة الأمومة قصيرة ولكن عواقبها يمكن أن تدوم طويلاً. وحسب ما ذُكر في موقع هيئة الخدمات الصحية الوطنية ببريطانيا، فإن حالة الكآبة النفسية أو ما يعرف «بكآبة الأطفال» لا تدوم أكثر من أسبوعين بالنسبة لبعض النساء.
وفي كتاب الحياة السرية للأمهات، تحدثت الأمهات عن مجموعة من المشكلات التي تظهر ببساطة في الأسابيع القليلة الأولى من الولادة. وتقول إحداهن «من المعروف أن الأمهات يعانين من الاكتئاب، لكنهن يتحدثن عن ذلك مباشرة بعد إنجاب الطفل. وما يلبث أن ينتهي ذلك العام حتى يتجاوزن بأنفسهن تلك الحالة النفسية».
وإن اختلفت الإحصائيات، فإن بين 50 و90% من الأمهات يعانين من «كآبة الأطفال»، وتعاني امرأة من بين 10 نساء من اكتئاب ما بعد الولادة. تقول إحداهن «كنت أسلم ابنتي الرضيعة إلى زوجي، ثم أذهب مسرعة إلى الحمام وأجلس هناك لأبكي».
ولهذه الأسباب تُفضل الأمهات عدم الإفصاح عن هذه المشاعر
وفقاً للصندوق الوطني للولادة، نصف مشكلات الصحة العقلية لدى الأمهات الجديدات تمر دون أن يتم اكتشافها
ما يقرب من ثلثي الأمهات (60%) يقلن إن الفحوصات التي خضعن لها طيلة الأسابيع الستة الأولى في هيئة الخدمات الصحية الوطنية تركز بشكل رئيسي على الطفل.
ولم تشعر نصف النساء اللاتي يعانين من مشكلة صحية عاطفية أو عقلية بأنهن مستعدات للتحدث عنها.
كما صرَّحت الكثيرات منهن بأن أخصائيي الرعاية الصحية لا يبدون أي اهتمام بهذا الموضوع.
وغالباً ما تخاف النساء من إظهار انهزامهن، أو يتم إبعاد أبنائهن بعيداً عنهن. لذلك، يشعرن بأن عليهن التأقلم مع ما يعانين منه من مشكلات ومواكبة الصورة النمطية، لأنهن يشعرن بأنهن غير مؤهلات لتربية الطفل ومذنبات إذا أظهرن معاناتهن.
هناك حل لهذه المشكلات
نعم، هناك العديد من الطرق لمعالجة هذه الأعراض، والتقليل من الشعور بالقلق إزاء عدم التأقلم.
لا بد من مراجعة بعض المصطلحات المستخدمة فيما يتعلق بالأمومة، مثل «كآبة الأطفال»، التي تقلل من وطأة معاناة العديد من الأمهات اللاتي خضن هذه التجربة. ويمكن أن نتوقف عن نداء النساء بكلمة «ماما» بمجرد أن يلدن، لأن هذا يلغي أسماءهن وهويتهن وشعورهن بالأهمية.
ويمكننا أيضاً أن نتواصل مع الأمهات الجديدات من حولنا، ونتقبل حقيقة أن شعور الأم بالمعاناة بشكل مؤقت أو دائم ليس أقل قيمة من معاناة بقية الأمهات إذا كانت تحب رضيعها وقد خططت لقدومه.
ويجب أن تُعطى المرأة الحق في التفكير
الخدمات المتخصصة مثل الدعم الذي يقدمه الأقران فعالة بشكل كبير، حسبما ذكر صندوق الولادة الوطني ببريطانيا.
ويمكن أن يؤدي الفرق إلى امرأة تتأقلم بشكل جيد وأخرى «على وشك الدخول في حالة صحية عقلية خطيرة».
إن إعطاء المرأة الحق في التفكير في نفسها، كما تفعل في منظمة Mothers Uncovered، يمكن أن يكون في بعض الأحيان كافياً لمعالجة المشكلة.
إجراء فحص الصحة العقلية للأمهات الجديدات، وهذا يعكس درجة نمو الوعي بهذا الموضوع.
هذه الممارسات جعلت المجتمعات الأوروبية تغير نظرتها للأمهات الجديدات وباتوا يقدرون حجم المشكلات النفسية والعاطفية التي تعاني منها الأم حديثة الوضع أكثر من أي وقت مضى، أصبحوا يقدرون أنه بدون دعم معنوي كاف سيكون من الصعب تخطي هذه المرحلة.
وعن هذه الحالة، تقول إحدى الأمهات: «أتذكر أنني ذهبت منذ سنوات لرؤية صديقة لي، وكان لديها وَلَدان غاية في الجمال، وزوج رائع، ومنزل جميل، ولكنها كانت مكتئبة. وأتذكر حينها أنني كنت أفكر في سبب اكتئابها، لأنه بالنسبة لي كان لديها كل شيء. ولكنني أصبحت أدرك عندما وضعت سبب معاناتها الآن».