عندما تكبر وتكتشف أن أكل البيت ليس الأفضل
لسنوات، كنت مقتنعاً تمامًا أن طبيخ والدتي كان يستحق تقييم سبعة نجوم، حتى جاءت اللحظة التي تناولت فيها الطعام الجيد
هل تتذكر تلك اللحظة التي تقوم فيها بطلب طبق لحم مشوي أو لازانيا في مطعم وأنت مقتنع أنه “لا يوجد أحد يطبخ اللحمة مثل أمي” ومن ثم تدرك شيئًا فشيئًا أن هذا فعلاً صحيح، ولكن لأن هناك من يقوم بذلك أفضل منها. الاعتقاد بأن والديك كانا أفضل طهاة في العالم أمر طبيعي. لسنوات، كانت جميع الطبخات المنزلية في فترة الطفولة تستحق تقييم سبعة نجوم. كانت هناك ثقة عمياء بنفسك وبأهلك، تماماً كما كنت تقول لنفسك في المدرسة بأنك “أكثر فتى وسيم في العالم” وهو أمر يبدو صحيحاً، حتى تلتحق بالمدرسة الثانوية والجامعة وتدرك أنك على خطأ.
لنعد إلى الطعام: في السابق، كنت كلما رأيت لافتة مطعم تقول أننا نقدم أطباقاً “أفضل من طعام البيت” كنت أشعر بأنني أريد أن اقتحم المطبخ، والامساك بذلك الطباخ من ياقته البيضاء والصراخ فيه “غير ممكن لا تستطيع القيام بذلك، طعام البيت هو الأفضل.” لا شك أننا نفرط في إضافة نوع من الرومانسية لطعام البيت في مرحلة الطفولة لأن تلك المرحلة كانت هي عملية التعارف الأولى ما بيننا وبين الطعام الجيد، وهو يشبه عندما تشاهد فيلماً للمرة الأولى، ثم تصبح خائفاً من العودة ومشاهدته مرة أخرى، خشية ألا يعجبك.
لذلك، عندما تخرج إلى العالم وتطلب وجبة طفولتك المفضلة في مطعم، فإنك تخاطر بالإساءة لسمعة والديك، فماذا لو كانت المذاقات الأخرى جيدة حقًا، وتمكنت الحرفية العالية في إعداد الطعام والمكونات من تحطيم كل ذرة من الحنين إلى الماضي؟ تلك اللحظة قد تغير نظرتك للحياة، ستجد نفسك تهرول إلى الحمام وأنت متعرق، وتبدأ بالتساؤل حول كل شيء: هل كان الطعام في طفولتي سيء؟ هل كان والداي يحبان بعضهما البعض؟ هل أنا أبشع فتى في العالم؟ ماذا أيضًا كان كذباً؟
ولكن قبل أن تقوم بالافتراء على ما كان يطبخه والديك، عليك أن تأخذ بعين الاعتبار ما يلي: قد يكون لوالِداك ميزانية محدودة لشراء المكونات الجيدة؛ هما بالتأكيد لم يكن لديهم فريق من الطهاة المحترفين الذين يعملون لصالحهم، وكان عليهم أن التحضير للطعام أثناء عملهم في وظيفة بدوام كامل. هذا ما يحصل إذا قمت بمقارنة الفرق الرياضية من سنوات مختلفة؟ صحيح؟ لهذا من الصعب أيضا مقارنة الطعام الذي كنت تتمتع به عندما كنت طفلاً. الأطفال ما هم سوى مجموعة من العملاء الذين لا يدفعون أجراً ويتذمرون ويشكون ولا يعرفون شيئاً عن فنون الطهي؟
إذاً، كيف يمكن أن تعرف ما إذا كان الطعام الذي تعده والدتك جيداً أم لا؟ يأتي الاختبار الحقيقي عندما تعود إلى المنزل لقضاء العطلة بعد تجربتك لأطعمة فاخرة ومختلفة وتصبح قادراً على تمييز المذاقات على نطاق واسع، ومن ثم تقوم بتناول واحدة من الطبخات المنزلية المفضلة لك. ستشعر بالفرق، وسيعرف والِديك أنك شاهدت عوالم أخرى، وتعلمت أن الناس خارج المنزل لديهم القدرة على الطهي أيضاً. قد تتحدث بلا توقف عن ذلك المطعم الذي جَربته مؤخراً. ربما ستشعر أمك بخيبة أمل، أو ربما تقوم بإلقاء صحنك على الحائط وتخرج من الغرفة، مهما حدث، فإنك ستكتشف تدريجياً أن مشاعر الراحة في مطبخ العائلة، والدفء والحَنين الذي لديك لطعام أمك في مرحلة الطفولة يتلاشى.
لا يهمني إذا كان طهي والدتي أفضل أو أسوأ من أي مطعم، ما يهم هو أنه كان أفضل بكثير من كل القاذورات التي كان يتم طهيها في منازل أصدقائي، هل سمعتني يا جورج
هذا ليس الحال دائماً، في بعض الأحيان فإن الأكل في المطاعم لن يعجبك، وفي أحيان كثيرة تلك المطاعم التي تركز بشكل مزعج على عمل “نسخة خاصة بنا” من الأطباق التقليدية، ليس لديهم القدرة على إعداد الطبق الأساسي بشكل جيد، وهذا هو المدخل الذي يدخل منه والداك.
اللحم المشوي الطريّ، المعكرونة الدسمة بصلصلة البولونيز اللذيذة التي تتطلب تغيير الملابس بعد تناولها، هذه الأطباق المنزلية التي يعدها أهلك بحب ستصمد أمام اختبار الزمن والخبرة. مثلاً عندما يقوم أهلك بالاتصال بك قبل زيارتك لسؤالك عن الوجبة التي تفضلها عندما تعود إلى المنزل. هذه خدمة مميزة، فكر بالأمر، هل سيتقاتل الطهاة من أجل أن يقوموا بنفس ما يقوم به والداك قبل زيارتك لمطعمهم؟
مطبخ والديك هو أول وأفضل مطعم سوف تعرفه على الإطلاق، ليس فقط بسبب الطعام، ولكن لأنه بالنسبة للكثيرين منا، مرتبط ايضاً بالمودة والحب، حتى لو حضرت قبل خمس دقائق من الإغلاق فهو مفتوح دائماً لك، وحتى لو كان والداك قد انفصلا وتحولا إلى مطبخين منفصلين -الحمد لله أنني انتهى بي المطاف لأكون تحت رعاية الوالد الذي كان يعرف كيف يطهو.
في النهاية، لا يهمني إذا كان طهي والدتي أفضل أو أسوأ من أي مطعم، ما يهم هو أنه كان أفضل بكثير من كل القاذورات التي كان يتم طهيها في منازل أصدقائي