لجين بني عوده
بين أشجار الزيتون المنتشرة في حقول بلدة جماعين جنوب نابلس والقرى المجاورة، تتنقل الحاجة مريم حج علي (68 عاما) منذ ستة عقود، تقطف أعواد زيتون لينة، أو كما يطلق عليها الفلاحون “أعواد الزوان”، لتصنع القبع وصواني القش والسلال.
مريم، وهي واحدة من خمسة نساء في البلدة امتهن تلك الحرفة، اهتدت لصناعة القبع وصواني القش مذ كانت في الثامنة من عمرها، بعد أن تعلمتها من عمتها، وباتت تلك الحرفة مصدر دخل لها ولعائلتها منذ 38 عاما.
تقول الحاجة مريم : إنها تبدأ نهارها بجمع أعواد الزوان من حقول بلدتها ومحيطها، واعتادت أن تحمل ما تجمعه على رأسها وتعود سيرا على أقدامها لمنزلها مع اشتداد شمس النهار حتى وقت قريب، فيما كانت تجني قش القمح مما تزرعه في حقلها.
لكن تلك الأحوال تغيرت مع تقدمها في العمر، فبات تجمع أعواد الزوان بمساعدة نجلها وتنقلها لمنزلها عبر مركبته، فيما تشتري القمح من المزارعين اليوم.
ما أن وصلت الستينية حج علي إلى دكان صغير افتتحتها قبل قرابة ثلاث سنوات وسط البلدة تملؤه رفوف عرض عليها مشغولاتها من القبع والجونة والقرطل، حتى بدأت تنظيف أعواد الزوان من أوراقها وتجهزيها للتشكيل.
أثناء طيها أعواد الزوان، تحدثت حج علي بأنها تنتج عددا من القرطل خلال اليوم الواحد، فيما تحتاج لثلاثة أيام لصناعة قبعة من قش القمح وأربعة أيام أو أكثر لتجهيز إحدى صواني القش.
قديما، كان الناس يستخدمون صواني القش لوضع الخبز عليها،والقبع لقطف التين والعنب والصبر بإقبال قليل نوعا ما رغم انخفاض أسعارها، إلا أن تلك المشغولات ازداد الطلب عليها خلال السنوات القليلة الماضية رغم ارتفاع أسعارها، لغرض استخدامها للزينة فقط، وفق ما تؤيد حج علي.
وتشير إلى إن هذه الحرفة أتاحت لها وللعديد من النساء إبراز ما لديهن من قدرات إبداعية، وأصبحت باب رزق لعائلاتهن.
وتؤكد إن الوضع الاقتصادي الصعب دفعها لممارسة هذه الحرفة، لكي تعيل عائلتها المكونة من عشرة أفراد يعيشون في بيت صغير.
“تمكنت من تدريس ثلاث طالبات في الجامعة خلال عملي في تلك الحرفة”.. تقول حج علي بفخر.
ويتردد العديد من النساء إلى منزل حج علي لتعلم الحرفة التي أصبحت على حافة الاندثار،إلا أن الحاجة الستينية تؤكد على الاستمرار بصنع السلال ما دامت قادرة على ذلك، فهذه تاريخ البلاد ورائحة الأرض، وفق قولها.