التاريخ، ليس مجرد سنوات مضت من عمر البشرية، بل هو صورة شخصية لحضارات الأمم. فحجارة المباني في المدن التي نعيش فيها، والتي تم تشييدها في زمان غابر، هي وثائق عن أصحابها وكيف كانت تعيش تلك الأرواح بين جدرانها وفي شوارعها. فالمدن، مشاهد لا تزال على قيد الحياة حتى الآن عن حياتنا في تلك الأيام.
وحمل تقرير نشرته صحيفة «تليغراف telegraph» البريطانية، نقلاً عن قائمة الـ«يونيسكو» لأقدم المدن في العالم، العديد من المفاجآت، إذ إنه من بين 20 مدينة مختلفة، احتلت المدن العربية 11 مرتبة، وصلت إلى أن أقدم مدينة في العالم هي مدينة عربية سنتعرف إليها خلال التقرير. كما احتلت المدن العراقية «كركوك وأربيل«، المراتب 14 و13 في القائمة، أما المرتبة الـ 12 فكانت من نصيب مدينة «صور» اللبنانية، وحلت مدينة القدس في فلسطين بالمرتبة رقم 11. وهذه المراتب الـ 10 الأولى في لائحة أقدم المدن في العالم.
عاشراً: بيروت – لبنان
في المرتبة العاشرة حلّت العاصمة اللبنانية «بيروت»، التي تم تأسيسها خلال الألف الثالث قبل الميلاد، وعلى الرغم من أن الظروف الطبيعية والحروب تسببت في هدمها عدة مرات، إلا أنه تم تشييدها لـ 7 مرات أخرى بعد ذلك. ومرّت على بيروت، العديد من الحضارات المهمة عبر تاريخها، من أهمها «الفينقيون والرومان والعرب». وتحت مبانيها القديمة والحديثة، تعيش آثار عمرها آلاف السنوات.
تاسعاً: غازي عنتاب – تركيا
نشأت في العام 3650 قبل الميلاد، وعايشت مدينة «غازي عنتاب» الواقعة على الحدود مع سوريا جنوب تركيا، العديد من الحضارات والأمم السالفة، حيث عُثر فيها على آثار تعود إلى «العصر الهيلنستي»، التي كانت فيها الحضارة الإغريقية / اليونانية القديمة في أوج قوتها. كما أن فيها قلعة «رافندا»، التي رممها البيزنطيون بالقرن السادس ميلادية. بالإضافة إلى أنه تم العثور في مركز المدينة التركية على «موزاييك» يعود تاريخه من الحقبة الرومانية.
ثامناً: بلوفديف – بلغاريا
نتوجه إلى القارة الأوروبية، وتحديداً إلى مدينة «فيلبة» أو «بلوفديف»، التي تعتبر ثاني أكبر المدن البلغارية، وأقدم مدينة في القارة الأوروبية. حيث تم تأسيسها قبل 4 آلاف عام قبل الميلاد. وكانت المدينة التاريخية قد سُميت «فيلبة»، نسبة إلى الإمبراطور الروماني «فيليبوس»، والد «الأسكندر الكبير» الشهير، والذي فتحها في العام 342 قبل الميلاد. ومن الجدير بالذكر، أنه أعيد تسميتها لـ«بلوفديف» خلال القرن الخامس عشر.
سابعاً: صيدا – لبنان
نعود إلى منطقتنا العربية، وتحديداً إلى لبنان صاحبة حصة الأسد من قائمة الـ«يونيسكو»، ونتجه معاً إلى مدينة «صيدا» على ساحل البحر الأبيض المتوسط، التي تعتبر ثالث أكبر المدن اللبنانية، وتحتل المرتبة السابعة في أقدم مدن العالم. حيث تم تشييدها قرابة العام 4 آلاف قبل الميلاد، ومن المثير بأن الشاعر الإغريقي «هوميروس» مؤلف الرائعتين التاريخيتين الـ«إلياذا» والـ«أوذيسا»، كان قد ذكرها بالعديد من قصائده القديمة. ويُشار إلى أن مدينة «صيدا»، مرّت عليها العديد من الحضارات الغابرة مثل الأشورية، البابلية، اليونان والرومانية.
سادساً: الفيوم – مصر
من بيروت، نسافر حتى نصل إلى مصر، وهناك نتجه إلى مدينة «الفيوم»، التي تم بناؤها حوالي العام 4 آلاف قبل الميلاد، والتي كانت جزءاً مهماً للغاية من مدينة «كروكوديلوبوليس» الفرعونية القديمة. ولها تاريخها ودورها في الحضارة المصرية في ذلك الوقت. كما أنها تضم العديد من الآثار فرعونية مثل: «هرم هوارة، وهرم اللهون» بالإضافة إلى الآثار الرومانية واليونانية، إلى جانب أخرى قبطية وإسلامية.
خامساً: شوشان – إيران
نتجه شرقاً إلى إيران، لنتجول في المدينة صاحبة المرتبة الخامسة بين أقدم دول العالم، وهي مدينة «شوشان»، التي يعود تاريخ تأسيسها للعام 4200 قبل الميلاد، والتي كانت عاصمة «الإمبراطورية العيلامية»، قبل أن تخضع لحكم الـ«أخمينيين»، الأسرة الملكية الفارسية، التي امتدت سطوتها ودولتها حتى ليبيا. وتعتبر مدينة «شوشان»، المدينة الملهمة لأقدم مسرحية محفوظة في التاريخ الإنساني، وهي مسرحية «أهل فارس The Persians» للكاتب التراجيدي الروماني «إسخيلوس».
رابعاً: دمشق – سوريا
على الرغم من أن مدينة «دمشق» السورية، تحتل المرتبة الرابعة في هذه القائمة، إلا أن المؤرخين اختلفوا كثيراً بشأنها، إذ أن فريقاً منهم، يرى بأن دمشق هي أول مدينة كانت مأهولة في السكان عبر التاريخ، وأنها أصبحت مدينة حضرية منذ 10 آلاف سنة قبل الميلاد. أما الفريق الآخر منهم، فيعتقد بأنها سُكنت وأصبحت مأهولة خلال العام 4300 قبل الميلاد. وبغض النظر عن صحة آراء أي من الفريقين، إلا أن الرأيين يثبتان بأن دمشق واحدة من أقدم مدن العالم. والأمر المؤكد هو أنها كانت موطناً للعديد من الحضارات القديمة، مثل الآراميين، والسلوقيين – الذين يعتقد كُتاب التاريخ أن هذه المدينة كانت مهداً لدولتهم – ثم الرومان والأنباط، كما أنها كانت من أهم المدن العربية في العهدين الأموي والعباسي.
ثالثاً: حلب – سوريا
ونبقى في سوريا، لتحتل مدينة أخرى من مدنها مرتبة متقدمة في قائمة الأقدم في العالم، حيث تأسست مدينة «حلب» في العام 4300 قبل الميلاد بحسب العديد من المصادر، وأنها خلال «العصر البرونزي» كانت عاصمة لمملكة «أرمان»، قبل أن تكون عاصمة سلالة العموريين، ثم المملكة الحثية. وفي جميع فتراتها التاريخية، كانت «حلب»، تحتل مكانة مقدسة عند ساكنيها. ومن أهم الحضارات التي مرّت وعاشت في المدينة، الحضارة الآرامية، قبل أن تصير مكاناً مهماً في الحضارة الهيلينية، ثم الرومانية والفارسية. وحالها كحال شقيقتها مدينة «دمشق»، كانت من أهم مدن العصرين الأموي خاصة، ثم العباسي.
ثانياً: جبيل – لبنان
نعود إلى المدن اللبنانية، التي كما ذكرنا سالفاً، لها المكانة الأكبر من بين المدن الأقدم تاريخياً في العالم، وهذه المرة نتجه صوب مدينة «جبيل» إلى الشمال من العاصمة بيروت، والتي وصفتها العديد من المصادر، بأنها «منبع الأبجدية الفينيقية»، حيث سكنها الفينيقيون خلال الألف الخامس قبل الميلاد، ومرّت عليها العديد من الحضارات التي تركت أثرها في المدينة وفي التاريخ عامة، مثل الآشوريين والبابليين والإغريق والرومان.
أولاً: أريحا – فلسطين
على رأس القائمة الأقدم في التاريخ بين مدن العالم، تتربع مدينة فلسطينية، لا تعد الأقدم فقط، بل الأكثر حضارة وتاريخاً، فإن كانت مدينة «جبيل» ثانية هذا الترتيب، تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد، فإن تاريخ تأسيس مدينة «أريحا» الفلسطينية، يعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد، لتكون أقدم مدينة في تاريخ العالم كله.
وعثر علماء التاريخ والآثار في مدينة أريحا الفلسطينية، التي تقع بالقرب من نهر الأردن شمال البحر الميت، على العديد من الآثار التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، الذي يمتد في الفترة ما بين 9000 – 4500 عام قبل الميلاد. وكان الكنعانيون قد اتخذوا منها مكاناً لعيشهم وحياتهم، قبل أن يستولي عليها الصليبيون، ومن ثم لاحقاً الرومان.