الصحافي عمر موسى
على طاولة الطعام، في المنزل الواقع في محافظة جباليا، مدّت الخياطة رائدة صلاح “أم يحيى”، قِطعَ القماش التي جلبتها الشابة نداء الريس، وراحت تدققّ في صورة العباية التي عرضتها الشابة على هاتفها. هزت الخياطة رأسها بعد أن وزعت نظراتها على الشابة والصورة في الهاتف وقالت: “فهمت منيح.. الياقة تركي، وباقي العباية خليجي”، ثم شرعت تقص القماش المفرود أمامها.
في قطاع غزة، تعتاش نساءٌ من حياكة أزياء بتصاميم عالمية، بأسعار تناسب إمكانية النساء
بعد وقتٍ قصير، وقفت الشابة نداء أمام رائدة، بعد أن مررت الأخيرة شريط القياس، وقالت: “الطول 160 (..) وعرض الكتف 39، والخصر 41″، ودونت الأرقام سريعًا على دفتر العمل.
الصورة التي عرضتها الشابة نداء على الخياطة، كانت لعبايةٍ منشورة على صفحةٍ لأحد المحلات المتخصصة في الماركات العالمية للعبايات، ولأن سعرها مرتفعٌ وفوق القدرة الشرائية للشابة، ها هي الخياطة رائدة ستستنسخ لها هذه العباية، بأقل تكلفةٍ ممكنة.
هذه الطريقة غدت مؤخرًا من أبرز الوسائل التي تلجأ إليها شاباتٌ ونساءٌ من غزة، لمجاراة الموضة بأقل التكاليف المادية الممكنة، كما قالت نداء، فهذه الطريقة وفرت لها الكثير من التصميمات التي لم تكن تستطيع شراءها، قبل معرفتها بالخياطة رائدة.
وغدت هذه الوسيلة أيضًا، باب رزقٍ رئيسي للخياطة رائدة، تصرف من عائدها المالي على عائلتها وأولادها.
رائدة (45 عامًا) تتقن الخياطة منذ أن كانت في الـ24 من عمرها ، تقول إنها، تقسم حياتها قسمين، الأول، أنها ربة منزل ومسؤولة عن إعالة أولادها الـخمسة وزوجها، والثاني أنها، عاملة خياطة، مرتبطة بالتزامات عمل مع زبائنها.
“هذا متعبٌ بقدر ما هو ممتع، لأني أحب الخياطة” أكملت رائدة وهي تدس طرف القماش تحت إبرة آلة الخياطة المثبتة فوق طاولة قديمة، موضوعة في إحدى غرف المنزل.
لا تملك رائدة محلاً خاصًا للعمل، بل عدة بسيطة من أدوات الخياطة، موضوعة في إحدى غرف منزلها، حيث تُنجز خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام، عباية جديدة لإحدى زبوناتها، كانت قبل وقت قصير صورة على أحد مواقع التواصل، أو معروضة في أحد محلات الملابس الفخمة، وها هي الآن، جاهزة ومصممة بصورة طبق الأصل، عن الأصلية.
“موضة على قد الإيد.. من 300 شيكل أو أكثر في المحل إلى 100 شيكل عند أم يحيى” قالت نداء.
تشرح الخياطة رائدة لـ الترا فلسطين، مراحل تفصيل العباية/الفستان: “تحدد الفتاة/السيدة، التصميم الذي تريده أولاً، ثم تشتري نوع القماش المناسب لذلك”.
هنا، تختلف أنواع القماش، حسب الرغبة أولاً والقدرة المادية ثانيًا، كما يوضح بائع القماش، محمد الشرافي لـ الترا فلسطين، فتختار السيدات عادة للعبايات أنواع القماش هذه “انترنت، مارينا، كريب، شيراز”. أما الفساتين، فهناك أنواعٌ مثل: “جورجيت، شيفون، سيتان، مخرز، قفير، دانتيل، دايس”.
ووفق الشرافي، تتراوح “أسعار القماش بين ( 15 – 20 – 30) شيقل للمتر الواحد، حسب الخامة والجودة وقدرة الزبائن.
تُبين رائدة، أن إنجاز عباية/فستان، يحتاج ما بين مترين ونصف أو أقل، أو ما لا يزيد عن ثلاثة أمتار من القماش الذي تختار نوعه الزبونة.
حركة بيع القماش تشهد “نشاطًا جيدًا ومقبولاً” في غزة بعد انتشار تفصيل العبايات والفساتين
يقول الشرافي، إن حركة بيع القماش تشهد منذ مدة كبيرة “نشاطًا جيدًا ومقبولاً” في السوق، خصوصًا بعد انتشار، تفصيل العبايات والفساتين.
في المرحلة الثانية من خياطة العبايات والفساتين، تُسقط رائدة تصميم العباية، على الزبونة، وتُحدد القياسات وتكاليف الزينة التي ستوضع على القماش، وتُطابق ألوان القماش مع بعضها.
وتشير إلى أن هناك عدة أنواع من الأزياء، لكن أبرز طلبات الزبونات محصورة عادة في الأكثر شيوعًا مثل: العبايات الخليجية والتركية والمصرية والأردنية.
الخياطة ختام الأشقر “أم وسام” عندما زرناها في موقعها وسط مدينة غزة، كانت تنهمك في طيّ أكتاف وذيل الفستان من الأسفل، وهي المرحلة التي تصفها الخياطة بأنها “مرحلة التشطيب الأخيرة، ويصبح بعدها الفستان جاهزًا للزبونة”.
ختام (37 عامًا) تعمل بنفس الآلية التي تعمل بها رائدة، مستخدمة المعدات البسيطة ذاتها. تقول، إن الظروف المادية دفعتها للبحث عن مهنةٍ تمكنها من تحصيل دخلٍ تُسيّر به أمور منزلها.
في البداية، كادت رتابة المهنة تجبر ختام على تركها والبحث عن بديلٍ آخر، إذ كانت تكتفي بترتيق بعض الملابس المهترئة أو تقصير/إطالة بنطالٍ أو فستان، وما لبثت إلا أن اقتحمت، ما تسميه، عالم التصميم و”استنساخ” العبايات والفساتين المصممة عالميًا، ثم خلال فترة قصيرة، غدت شغوفة بتوسيع نشاطاتها، حتى صارت متقنة لذلك ومعروفة في محيطها.
“صرت متخصصة أكثر في تصميم وخياطة فساتين المناسبات، أكثر من العبايات، وربما طلب الزبونات المتكرر للفساتين كان السبب. وأبرز أنواع الفساتين الفرنسية، الطويلة/قصيرة، والسواريه، وقصات أخرى”.
الشابة التي كانت تجلس عند ختام حين زرناها قالت لنا، إن الفستان كلفها 110 شواقل، في حين يزيد سعره في المحل الذي رأته معروضًا فيه عن 250 شيقل.
بالإضافة للفساتين، تُصمم ختام “أطقمًا مكونة من جاكيت وتنورة أو بنطال”، ابتسمت وهي توضح لنا أنها لا تعرف اسم هذه الأزياء، وتعرفها من هواتف الزبونات.
تحصل السيدتان رائدة وختام من هذه العملية على مكافأة تتراوح بين (50، 60، 70) شيقل، وتقدير السعر هنا يرجع إلى نوع التصميم والجهد المبذول فيه، فهذا العمل “رغم المتعة إلا أنه يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، عادة ما تُفاقمه أزمة الكهرباء المستمرة في غزة، وتوزيع التيار الكهربائي بصورة غير منتظمة أحيانًا” وفق قولهما.