في عتمة وضيق وعفن زنازين معتقل الجلمة، أمضت الشابة هبة اللبدي إحدى جلسات التحقيق وهي في وضعية الشبح من الساعة التاسعة صباحا وحتى الخامسة من فجر اليوم التالي.
عشرون ساعة واللبدي مقيدة بكرسي، دون استسلام للمحققين وضباط المخابرات الذين تناوبوا على محاولات انتزاع اعترافات وهمية منها.
صمدت هبة، وجن المحقق… الأمر الذي دفعهم لإبلاغها بنقلها إلى السجن، بينما كانوا في الحقيقة يرسلونها إلى غرف العصافير، الذين بدورهم لا يتركون أذكى محاولة للإيقاع بالأسير، وكانوا سببا في انتزاع الاعتراف من آلاف الأسرى.
لم يفلح العصافير في اصطياد هبة.. التي ظلت غزالة فلسطينية حرة الكلمة والروح، وإن بقي الجسد أسيراً.
هبة (32 عاماً) اعتقلت بتاريخ 20-8-2019، خلال عبورها على معبر الكرامة، متجهة إلى مدينة نابلس لحضور فرح إحدى قريباتها من بلدة يعبد التي تنحدر منها، وتعيش اليوم في الأردن وتحمل الجنسيتين الأردنية والفلسطينية.
اللبدي، تخرجت من قسم المحاسبة في الجامعة الأهلية بعمان، وعملت في دولة الإمارات والأردن.
أحد أشقائها قال لـ”وفا”: شقيقتي تعيش حياة طبيعية جدا، ولا يوجد ما يثير الشكوك أو يدينها بأنها تعمل أو تخطط ما يمس بأمن الاحتلال.
بدوره، محاميها رسلان محاجنة، قال لـ”وفا”: أنا محاميها منذ اليوم الأول لاعتقالها، لكنني منعت من زيارتها لمدة 23 يوماً، وما يحدث مع هبة هو إجراء انتقامي من قبل مخابرات الاحتلال والمستوى السياسي.
هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قالت في بيان صدر عنها يوم أمس، إن الأسيرة تعرضت لتحقيق صعب وقاسٍ خلال الأيام الماضية، كالسب، والشتم، والصراخ، والتهديد بالانتقام منها وعائلتها، كما تم التحقيق معها لأيام من ساعات المساء حتى صباح اليوم التالي بشكل متواصل لإرهاقها وإجبارها على الإدلاء باعترافات.
وخلال فترة التحقيق تم زج الأسيرة في غرف ضيقة معدومة التهوية وعالية الرطوبة وفيها حشرات وصراصير، وعصب عينيها ويديها باستمرار، وتقديم أطعمة سيئة جدا من حيث الكم والنوع.
وخلال الشهر تم نقلها الى سجن “الدامون”، ومن ثم الى مركز تحقيق “بيتح تكفا” وبالعكس، وتعمد التعذيب النفسي خلال فترة التحقيق بشكل همجي، وكذلك تعمد إرهاق الأسيرة خلال نقلها بسيارة البوسطة لأكثر من 6 ساعات في كل مرة وتعمد تشغيل المكيف على أعلى درجات الحرارة رغم الطقس الحار في الخارج كنوع من التعذيب.
ولعدم وجود أية تهمة تجاه اللبدي تم تحويلها للاعتقال الإداري لخمسة أشهر بتاريخ 26/9/2019، وعلى أثرها أعلنت إضرابها المفتوح عن الطعام، لتقوم الإدارة بنقلها وعزلها في مركز توقيف الجلمة بظروف مأساوية.
الزنزانة التي تقبع بها حاليا مليئة بكاميرات المراقبة، وعالية الرطوبة ومعدومة التهوية، وخالية من كافة الاحتياجات سوى شرشف صغير وزجاجة مياه، وتعمدت الإدارة وضعها بجانب سجناء جنائيين اسرائيليين يصرخون ويشتمون طوال الوقت.
من جهتها، نشرت الأسيرة السابقة شيرين العيساوي عبر صفحتها على “الفيسبوك”: ما أن قرأت عن عزل هبة اللبدي في زنازين الجلمة حتى شعرت بالاختناق ورغبة بالصراخ، هذه الزنازين وضعوني فيها ما يقارب الشهرين في العام 2017.
وأضافت: الزنزانة عفنة ولا يدخلها هواء نظيف، وفيها 3 كاميرات تعمل على مدار الساعة وبالتالي لا توجد خصوصية والسجان يراقب كل حركة. واذكر جيداً أنني كنت انام وانا جالسة على طرف السرير كي لا يراني السجان اللعين وانا مستلقية.
وبينت: القلق الأكبر هو تلك الكاميرا الموجهة للحمام ذي الجدران الزجاجية، ما منعني من الاستحمام طوال فترة عزلي، وكنت لا اتناول الطعام أو الماء الا ما ندر لأقلل من رغبتي بدخول الحمام، والذي كان تحديا بحد ذاته حتى وجدت طريقة كي احافظ على بعض من خصوصيتي، واعلنت اضرابي عن الطعام لأنهي هذا الكابوس.
في أيار الماضي تزور اللبدي رام الله التحتا، في جولة للمباني الأثرية، تفتح كاميرا هاتفها وتبدأ بتصوير المباني الأثرية وزينة شهر رمضان في الشوارع والبيوت، قائلة: شهيتي للبلاد لا تنتهي.
في لبنان، تذهب اللبدي لبيروت وصيدا ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وتنشر صوراً من كل مكان يتواجد فيه فلسطيني، مكررة عبارات العودة القريبة للوطن الذي لا بديل عنه، معددة أسماء المدن والقرى المسلوبة.
عاشقة القدس التي زارتها وصلت فيها معظم أيام الجمعة في رمضان الفائت، وتنقلت بعدستها في أزقة القدس القديمة وأبوابها، عاشقة حيفا التي ظلت تهتم بأخبارها وصورها، دون أن تنسى أن هناك طبريا وبيسان وعكا ويافا وقيسارية.