منذ حوالي عقدين من الزمن، تعكف ربحية بني عودة من بلدة طمون جنوب طوباس على تصنيع وحفظ منتجات غذائية في منزلها، مستغلة المواسم الزراعية المختلفة في بلدتها لحفظ المنتجات وتسويقها بما يضمن لها ولأسرتها مصدر دخل جيد.
تقول بني عودة، التي تشغل منصب مديرة المركز النسوي لبلدة طمون، وتدير مشروع “الدكان الريفي” والذي تسوق من خلاله منتجاتها ومنتجات غيرها من نساء البلدة، يعتبر مجال التصنيع الغذائي مصدر دخل جيد للنساء في المناطق الزراعية والريفية؛ بسبب وفرة المحاصيل في مواسمها.
وتضيف، عشرات النساء في طمون يصنعن ويحفظن المنتجات الغذائية، وجميعها من أراضي بلدتهن.
ومن أكثر المنتجات التي يتم حفظها وبيعها في البلدة: البندورة المجففة، ورب البندورة، نظرا لشهرة طمون بزراعة مساحات شاسعة من البندورة، وتتوافر بسعر زهيد نهايات الموسم، ما يشجع على شراء كميات كبيرة منها وتصنيعه للبيع، ما يوفر هامشا جيدا من الربح.
ويضاف لذلك بيع ورق العنب المحفوظ عن طريق ضغطه، والملوخية بصنفيها المجفف والمجمد، وصناعة المخللات، والمربى.
وتؤكد بني عودة، وهي أم لخمسة أبناء، أن عملها في هذا المجال ساعدها على توفير حياة كريمة لأسرتها، ومكنها من تعليم أبنائها في الجامعات، وتأمين مصروفاتهم، مشيرة إلى أن دخل رب الأسرة وحده لا يكفي لتأمين كل ذلك في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة للشريحة الكبرى من المجتمع الفلسطيني.
وتطرقت إلى أهم الصعوبات التي تواجه النساء العاملات في هذا المجال، ومحدودية السوق، حيث تقوم النساء بتسويق المنتج في محيطهن، بالإضافة إلى إنتاجهن كميات قليلة نسبيا، بسبب اعتمادهن على العمل اليدوي دون وجود آلات لتسريع الانتاج.
وطالبت بني عودة كافة الجمعيات والمؤسسات الرسمية بمساعدة هذه الشريحة من النساء لمضاعفة انتاجهن من حيث توفير الآلات، بالإضافة لمساعدتهن في توسيع أفق التسويق ووصولهن لمختلف المناطق الفلسطينية.
أم يوسف مواطنة من بلدة طمون، تعمل هي الأخرى منذ أكثر من 20 عاما برفقة زوجها في مجال زراعة المحاصيل وتصنيعها، بهدف توفير حياة كريمة لأسرتها المؤلفة من تسعة أفراد.
وتابعت: تعمل مع زوجها على “ضمان” قطعة أرض من أصحابها على نسبة من الربح، ويقومون بزراعتها بمحاصيل الخيار والبندورة، وعند نضوج المحصول يبيعون جزءا منه طازجا، بالإضافة إلى تصنيع الجزء الآخر وبيعه على شكل مخللات ومجففات.
كما تعتمد وعائلتها بشكل أساسي على دفيئة مزروعة بورق العنب تعمل على بيع منتجاتها إما طازجة أو مضغوطة في زجاجات.
وتشكو أم يوسف من ضعف تسويق منتجاتها في كثير من الأحيان، حيث تعتمد على مهارتها الفردية بالتسويق إما للنساء في محيطها أو من خلال مشاركتها في المعارض، وهذا لا يكفي لتوفير دخل ثابت، كما تقول.
وفي السياق، قالت سرى دراغمة من غرفة تجارة وصناعة وزراعة طوباس، إن الغرفة تعمل مؤخرا على مساعدة النساء العاملات في هذا المجال من خلال عقد دورات تدريبية لهن في مجال التصنيع الغذائي، بحيث يتمكن من العمل بشكل احترافي أكثر.
وأضافت انهم بصدد العمل على توفير آلات خاصة بالتعليب والتغليف مستقبلا ووضعها تحت تصرف النساء العاملات بهذا المجال، بحيث تتمكن كل سيدة من إحضار منتجاتها وتغليفها.
من جهتها، أشارت عائشة حموضة من الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلى أن المرأة الفلسطينية تشكل غالبية القوى العاملة في مجال الزراعة والصناعات الغذائية، حيث تبلغ نسبة النساء العاملات في الزراعة حوالي 60% من العاملين هذا المجال الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد الفلسطيني.
وأوضحت أن قطاع التصنيع الغذائي في الريف الفلسطيني يشهد إقبالا متزايدا من قبل النساء، بسبب الفقر وغلاء المعيشة المتزايد، كما أن النساء يفضلن العمل في هذا المجال بسبب إمكانية بقائهن في منازلهن، ما يتيح لهن التوفيق بين العمل والأسرة.
ودعت حموضة إلى ضرورة وجود خطة ممنهجة من كافة الجهات لدعم صمود النساء العاملات في هذا المجال، خاصة في المناطق التي يستهدفها الاحتلال بشكل مباشر مثل الأغوار، إضافة لإيجاد آليات لتنمية مشاريعهن البيتية الصغيرة وضمان عدم تراجعها، وكذلك تنظيم هذا القطاع وانتقاله من كونه قطاعا عشوائيا ليصبح قطاعا منظما، ودمجه ضمن احتياجات السوق الفلسطينية.
ووفقا لدراسة أعدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) خلال العام 2016، بعنوان: (سبل النهوض بواقع ودور المرأة في القطاع الزراعي الفلسطيني) فإن 87% من ساعات العمل في الزراعة تقوم بها المرأة، فيما يعادل انتاجها نحو 70% من الغذاء الذي يستهلكه المجتمع.
وأشارت الدراسة إلى أنه “في ذروة إنتاج المحصول الزراعي في موسمه، يزداد العرض في بعض الأحيان عن مستوى الطلب، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار. ولمواجهة هذا الواقع، تلجأ بعض المزارعات إلى تصنيع بعض المحاصيل”.
وعن وسائل تسويق المنتجات النباتية المصنعة، توضح الدراسة أنه تم تحديد أربع وسائل للتسويق، وهي: داخل المزرعة، وفي المنزل، وبيع المنتجات لتجار، وعلى قارعة الطريق، إلى جانب وسائل أخرى يمكن أن تستخدم في تسويق المنتجات المصنعة.
ووفقا لنتائج الدراسة، “فالطريقة الأكثر شيوعا في تسويق هذه المنتجات، هي من المنزل بنسبة وصلت إلى 60%، ويأتي في المرتبة الثانية بيع المنتجات للتجار بنسبة 13%، ويأتي في المرتبة الثالثة بيع المنتجات داخل المزرعة بنسبة وصلت إلى 10%، أما استخدام الطرق الأخرى، فتتلخص بالبيع عن طريق التعاونيات، والمعارض الزراعية، والتجارية، والتسويق الإلكتروني، حيث بلغت نسبة مزارعات الثروة النباتية اللواتي تمت مقابلتهن، ويستخدمن تسويق منتجاتهن المصنعة بهذه الطرق 14%.