رام الله… وفا
أسيل الأخرس وبلال غيث
“لم أكن أعرف في ذلك الوقت ما معنى كلمة زواج، ما كنت اعرفه ان العروس ترتدي ثوبا أبيض ويحضر أقاربها ويحتفلون بالغناء ويفرح الجميع”. قالت “س.غ” على لسان منسقة البرامج في جمعية مدرسة الأمهات المعنية بالارتقاء بدور وموقع المرأة الفلسطينية مها أحمد.
“ما أن انتهت مظاهر الفرح، حتى بدأت تتكشف معالم مرحلة جديدة لم أكن أعي أيا من تفاصيلها او كيفية التعاطي معها، فخبرة طفلة بعمر 13 عاما، لا تكفي لعيش تجربة الزواج”.
زُوِّجَت “س.غ” وهو اسم مستعار، بعمر 13 ربيعا، لشاب يكبرها بـ11 عاما، بشهادة ميلاد مزورة، ولم يدرك والدها حينها أنه ارتكب جريمة بحق طفلته، فبحسب فقهاء وعلماء دين “ما بني على باطل فهو باطل”.
أقران “س.غ” في هذه المرحلة العمرية يعشن تحت جناح والديهما ينعمن بحمايتهما ورعايتهما، فلا مسؤوليات ولا اعباء يتحملنها، فتركيزهن ينصب على اللعب والدراسة استعدادا لمستقبلهن، بينما حرمت “س.غ” من ذلك كله، بل وأصبحت مسؤولة عن منزل وزوج وأطفال يحتاجون إلى رعاية لم تحظ بها أصلا.
“منذ الليلة الأولى تعرضت للضرب والتوبيخ من زوجي، وما كان يؤلمني أكثر من هذا، أنني لم أكن أعرف لماذا ضربني، لم أفعل له شيئا. هذا الوضع لم يكن لليلة واحدة فقط، بل أصبح جزءا من حياتي اليومية، إضافة إلى تهديده لي بالزواج من قاصرة أخرى”.
يتساءل البعض، لماذا لا تلجأ القاصرات إلى الجهات المختصة للشكوى من معاناتهن، المختصة مها أحمد، تقول: “غالبية القاصرات لا يتمتعن بالوعي والإدراك الكافيين، للتوجه إلى جهات الاختصاص، كما أن بعضهن لا يملكن الجرأة أو القوة للخروج من منازلهن للقيام بذلك، لذا هناك عشـــرات القصص لا زالت حبيسة مع ضحاياها داخل جدران المنازل”.
عادة يلجأ أولياء الأمور إلى تزوير شهادات بناتهم القاصرات للاحتيال على قانون المحاكم الشرعية، التي حددت سن الزواج بـ15 عاما هجريا، بمعنى 14 عاما ميلاديا و6 شهور و21 يوما.
وفي قصة مشابهة، حاولت “ب.ك” العودة من بيت زوجها ليلة عرسها إلى بيت أبيها، لقناعتها ان حفل الزواج قد انتهى، وأنها يجب ان تعود للنوم في سريرها”.
“ب.ك”، زوجت هي الأخرى في سن الـ15 عاما، من شاب يكبرها بسبع سنوات، وتركها والداها وسافرا إلى دولة خليجية.
تعرضت “ب.ك” للضرب والاهانة في بيت زوجها، وعندما لجأت إلى عمها الذي كان من المفترض ان يكون في مقام والدها ويدافع عنها، كانت الصدمة، حيث كان يعيدها إلى بيت زوجها، ويتجاهل شكواها، ما شجع زوجها وأهله على الاستمرار بضربها.
“في الليلة الأولى، تصرفت كأي طفلة لا تعي ما معنى الزواج، حاولت العودة مع والدي إلى منزلنا ببراءة. شقيقة زوجي منعتي وادخلتني إلى غرفة النوم مع زوجي وأغلقت الباب علينا من الخارج، حتى دون ان تحاول أن تحتويني أو ان تشرح لي ما يجري”، قالت “ب.ك” على لسان المختصة مها أحمد.
انجبت “ب.ك” سبعة أبناء من زوجها، وما زالت تعيش معه تحت سقف واحد، ولكن لرعاية أبنائها فقط”.
10256 عقد زواج سجلت عام 2016 لإناث دون 18 عاما في فلسطين، و9453 عقدا عام 2017، و8559 عقدا العام 2018، بينما الذكور من الفئة العمرية ذاتها، فبلغت عقود الزواج المسجلة لهم 507 عقود عام 2016، 429 عقدا عام 2017، و365 عقدا عام 2018، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
هذه الأرقام، دفعت مجلس الوزراء لاتخاذ قرر في جلسته بتاريخ 21 من اكتوبر الجاري، بالتنسيب إلى الرئيس محمود عباس، لتعديل المادة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية لعام 76 القاضي بتحديد سن الزواج ليصبح 18 عاما لكلا الجنسين، مع استثناءات يقررها قاضي القضاة
عواد: الزواج المبكر يدمر الأسرة ويهدد المرأة صحيا ونفسيا واجتماعيا
القائم بأعمال مدير عام صحة وتنمية المرأة في وزارة الصحة مها عواد، قالت إن الزواج المبكر يؤثر على الفتيات من الناحيتين النفسية والجسديةـ
وأوضحت أن الطفلة عندما تتزوج مبكرا لا يكون جسدها مكتمل النمو من ناحية، ولا تكون مستعدة نفسيا وفكريا لتحمل الزواج ومسؤولياته، فعندما تحمل الطفلة في سن الخامسة عشرة تعرض نفسها للخطر خلال مرحلة الحمل لضعف بنيتها في تلك المرحلة العمرية، إضافة إلى انها ستعرض حياة جنينها للخطر لا لشيء سوى لأنها قليلة الخبرة ولا تستطيع رعايته، كما أنها في بعض الحالات تكون هي من يحتاج إلى الرعاية.
وأضافت عواد: في مرحلة الحمل تحدث تغيرات على الانثى بسبب تقلب الهرمونات، الأمر الذي يمكن ان يحلق بها اضرارا من الناحية النفسية، فكيف لطفلة بعمر 14 عاما ان تتعامل مع كل هذه التغيرات، وفي الوقت ذاته عليها مسؤوليات تجاه زوجها وعائلته.
وبينت ان حالات الطلاق بين الأطفال المتزوجين مرتفعة، ويعزى ارتفاع هذه النسبة إلى عدم ادراكهم وعدم تقبلهم للتغيرات المرافقة للزواج، خاصة بعد الإنجاب.
وأشارت إلى أن “حالات الطلاق تزيد من تعقيد الأمور وتفاقم المشكلات الاجتماعية، فعندما تعود الطفلة إلى عائلتها ومعها طفل او اثنين، تبدأ فصول مرحلة جديدة من المعاناة لها ولأطفــــــالها، لعدم تقبل المحيطين بها والمجتمع لفكرة الطلاق، لهذا الزواج المبكر يساهم في تدمير الأسرة”.
ووفق بيانات إحصائية، وقعت 806 حالات طلاق للإناث ما دون 18 في العام 2016، و807 حالات عام 2017، و769 عام 2018، أما بالنسبة للذكور، سجلت 47 حالة طلاق عام 2016، و39 للعام 2017، و35 حالة عام 2018.
حمد: رفع سن الزواج انجاز وطني ينسجم مع الاتفاقيات الدولية
وزيرة شؤون المرأة آمال حمد، اعتبرت أن قرار الحكومة المنسب إلى الرئيس، انتصارا للمرأة الفلسطينية، وجاء نتاج عمل طويل بين الحكومة والمؤسسات النسوية، وينسجم مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها فلسطين والقانون الفلسطيني، الذي يحدد سن الطفولة 18 عاما.
وقالت حمد: زواج القاصرات مشكلة اجتماعية كبيرة، وغالبية من يتزوجن دون 18 عاما، تنتهي تجربتهم القاسية بالطلاق، كونهن غير ناضجات للزواج أًصلا في هذا العمر، خاصة أن الزواج قبل ذلك مخالف للمعايير الصحية ويمكن أن يهدد صحة الأم والجنين.
وأضافت: القانون على أهميته في الحد من هذه الإشكالية، إلا أنه يتوجب توعية المجتمع بشكل عام واولياء الأمور بشكل خاص، بخطورة وتداعيات الزواج المبكر صحيا واجتماعيا واقتصاديا.
وأشارت إلى أهمية هذا القرار في رفع مستوى التعليم لدى الفتيات القاصرات، كون زواجهن تحت سن 18 عاما يشكل عائقا امام اكمال دراستهن الثانوية والجامعية، ما يساعد في رفع نسبة التعليم بين الاناث بشكل عام، وهو ما ينعكس على وعيهن واسرهن بشكل إيجابي.
ورأت حمد أن القرار إنجاز كبير في اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية، الذي أقرته الحكومة في السادس والعشرين من تشرين اول من كل عام.
شبيطة: تزويج القاصرات يتعارض مع اتفاقيتي الطفل و”سيداو”
منسقة لجنة المرأة في شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية سناء شبيطة، أوضحت أن تزويج القاصرات ممن هن دون سن الـ18 يتعارض مع اتفاقية الطفل التي وقعت عليها فلسطين، وأن القانون الفلسطيني يعتبر من هن دون الـ18 عاما أطفالا، وبذلك لا تتحقق لهن حرية الاختيار والأهلية القانونية لتزويج أنفسهن.
وأشارت أيضا، إلى أن تزويج القاصرات يتعارض مع اتفاقية “سيداو” وتحديدا المادة (16)، التي تنص على “عدم وجود أي أثر قانوني وتثبيت للعقد او حق في اجراء العقود للأطفال”، والمادة (2) التي تتحدث عن المساواة الكاملة التي تنعدم في تزوجت القاصرات لأن لا حق لهن في اختيار شريك الحياة او تزويج أنفسهن.
واعتبرت ان قرار الحكومة المنسب الى الرئيس برفع سن الزواج الى 18 عاما، انجاز للمرأة وهو جزء من مطالب الحركة النسوية وانه ما زال بحاجة إلى المزيد من العمل لتحقيق هدفه بإنهاء الزواج المبكر.
ورأت أن القانون منقوص لأنه فتح الباب لوجود استثناءات يحددها قاضي القضاة، وهو ما أثار حالة من عدم الارتياح لدى مؤسسات المجتمع المدني والحقوقيين والعاملين في الحركة النسوية.
ودعت إلى ضرورة توحيد الجهود لمواءمة القوانين المحلية مع الاتفاقيات التي وقعتها فلسطين، لإنصاف المرأة وتمكينها من حقوقها قانونيا واجتماعيا.
وشددت طبيشة على ضرورة تقديم الدعم القانوني والإرشاد النفسي للطفلات المتضررات من الزواج المبكر.
يشار إلى أن اجمالي عقود الزواج المسجلة في فلسطين عام 2016 بلغ 49930 عقدا، وفي 2017 بلغت 47218، وعام 2018 بلغت 43515 عقدا.
اما حالات الطلاق المسجلة في فلسطين عام 2016، فقد بلغت 8510، وعام 2017 بلغت 8568، وعام 2018 بلغت 8509 حالات طلاق.