بقلم ناريمان عواد
غابت شمس الاغنية الذهبية وصاحبة الصوت المخملي عن تسجيلات جديدة في الفضائيات ومحطات التلفزة العربية، انتظرت طويلا ان تقوم احدى الفضائيات العربية باستضافة هذه الفنانة الكبيرة لنسمع منها سيرتها الذاتية ومسيرة حياتها لتقدم لنا قصتها كما تحب أن ترويها، فيروز التي اسعدتنا لسنوات طويلة حيث نصحو في كل يوم وفي كل صباح على أنغام صوتها الساحر والكلمات الرائعة التي حملتها أغانيها الدافئة والتي تسللت بها إلى بيوتنا، ومكاتبنا، وشرفاتنا وأحلامنا ومشاعرنا الجياشة.
فيروز الاسم الذي نبدأ فيه نهارنا وننهي به يومنا، الصوت الرائع الذي يعبق بالانسانية، يتسلل إلى الروح ويحلق بالفكرة ويرقى بالكلمة. وقد انطلقت اغاني فيروز بتميز أحدثت فيها ثورة على الموسيقى وقدمت الأغاني القصيرة، وغنت للفرح والحزن وللقضية الفلسطينية فعبرت عن قضية الشعب الفلسطين بأجمل صورة، اغتصاب فلسطين واحتلالها، أجمل مدنها “زهرة المدائن” واحتلالها والحزن الذي يلفها، وحلم المهجرين بالعودة إلى الديار، والحنين إلى الوطن، وغنت للحب والأطفال ضمن مسرحيات وصل عددها إلى 15 مسرحية تنوعت مواضيعها ما بين نقد الحاكم إلى تمجيد البطولة والحب بشتى أشكاله وغنت للعديد من العواصم العربية.
رافقتنا فيروز لسنوات طويلة فتحنا أعيننا على صوتها يتسلل من شرفات نافذتنا ليحملنا إلى عبق جمال الحياة والأسطورة، عندما كبرنا كانت فيروز قد قطعت أشواطا طويلة في فنها بعد بدايتها في العام 1940 كمغنية كورس في الإذاعة اللبنانية عندما اكتشف صوتها وعندما انطلقت في أولى أغانيها في العام 1952 التي ألفها حليم الرومي مدير الإذاعة اللبنانية آنذاك.
وقدم معها الأخوين رحباني المئات من الأغاني التي أحدثت ثورة في الموسيقى العربية، بعد وفاة زوجها عاصي في العام 1986 خاضت تجارب عديدة مع العديد من الملحنين أبرزهم ابنها زياد الذي قدم لها نموذجا جديدا على خلق نمط موسيقي خاص به مزيج من الموسيقى اللبنانية والعربية والشرقية والعالمية.
وقد أصدرت خلال هذه المرحلة العديد من الألبومات من أبرزها “كيفك أنت”، “فيروز في بيت الدين 2000″ والذي كان تسجيلاً حياً من مجموعة حفلات أقامتها فيروز بمصاحبة ابنها زياد وكان آخر ما قدمته ” في أمل جديد ” في العام 2010 . وشتان مابين الكلمة الجميلة الدافئة التي ارتقت بكلماتها فيروز لتقدمها للعالم العربي، وتغني فيروز معلنة انحيازها للفن الراقي وللتراث الانساني والارتباط بالحقل والأرض والهوية والعاطفة الجياشة التي تربط الفلاح بأرضه والحبيب بمحبوبته في تصوير رائع لتفاصيل يومية لحياة انسانية.
يضاف إلى كل ما ذكر من محبتنا لفيروز أنها ترتبط بأغانيها الملتزمة بقضية الشعب الفلسطيني ولعل أجمل ما قدمته من أغاني ارتبط بنضال الشعب الفلسطيني وقضيته، فغنت للقدس “زهرة المدائن و “مشيت بالشوارع ..شوارع القدس العتيقة ” حيث جاهرت بحبها للقدس في كلمات الأخوين رحباني الذين جسدوا حب المدينة ورفعتها ومكانتها للعالمين العربي والاسلامي وحزنها بعد احتلالها في العام 1967 .
وحملت بشائر العودة حينما غنت “جسر العودة يا جسر. الاحزان انا سميتك جسر العودة ” و “سنرجع يوما ” التي تبشر فيها بأجراس العودة وأهازيجها معلنة ساعات الخلاص، وأقدام العائدين تضرب الأرض بقوة فيما تترنح فلول الاحتلال أمام عودة أهلنا المهجرين وغنت ” خذوني إلى بيسان ” سيف فليشرع …الآن الآن وليس غدا أجراس العودة فلتقرع “، ” اذكر يوما كنت بيافا ” وفيها مشاعر الحنين للوطن المسلوب وغيرها الكثير من الأغاني التي جسدت رسالة الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة والحنين إلى الديار.
كما جسدت المشاعر الوطنية في أغنية ” وطني ” والكلمات الأخاذة التي تسلب الروح لتشحذ الهمم بمحبة الوطن بكلمات رائعة تمس كل من فيه وكل من يحلم بالعودة إليه خاصة لمن اغترب أو رحل قسرا، الوطن يسكن فينا كما صور في أغاني فيروز الملتزمة.
وطني.. يا جبل الغيم الأزرق
وطني.. يا قمر الندي والزنبق
يا وجوه الـ بيحبّونا..
يا تراب اللي سبقونا..
يا زغيّر ووسع الدني.. وسع الدني يا وطني
وطني..
كما غنت أغنيتها الرائعة “وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان ” وهي قصة ثلاثة شبان فلسطينيين تسللوا إلى الحدود وقاموا بعملية وسط ” إسرائيل ” من كلمات الشاعر اللبناني الكبير طلال حيدر تأثر بالحدث والحكاية فكتب قصيدته التي غنتها فيروز ، فاحتلت مكانة كبيرة في نفوس وقلوب ملايين المستمعين بينما لا يعرف حكايتها إلا القليل منهم.
هل تحلم فيروز أن تطأ قدماها مدينة القدس التي غنت من أجلها أجمل الألحان ؟ هل تحلم بزيارة فلسطين ولقاء أهلها وشعبها الذين نقلت رسالتهم إلى العالم أحلامهم، وآمالهم، وتوقهم للحرية على أحسن صورة فكانت سفيرة الأغنية الوطنية الملتزمة وسفيرة الفكرة الانسانية الملتزمة، وأتعجب لماذا لم تكرم فيروز على الصعيد الدولي لمساهمتها الانسانية في النضال من أجل الحرية والعدالة في فنها وإبداعها.
لك المحبة، يا صاحبة الصوت الأجمل، من كل فرد فلسطيني عشق صوتك وأغانيك وكبر وترعرع على فنك الجميل وانتصر لروحك الجميلة التي بثت الرسالة الوطنية والانتماء وعبرت الحدود بين الدول العربية فالفكرة الوطنية والقومية لا تعرف الحدود رغم ما يطال دولنا العربية من تمزيق وصراعات.
نجدد محبتنا لك ونعلن انحيازنا الكامل لفكرك الأصيل وفنك الراقي الذي تبثينه في كل أغنية تمجدين فيها الثورة والشهادة وحب الوطن، بهذا الصوت الملائكي الذي يتسلل إلى القلوب بطهارة وشفافية.
نرجو أن تتكحل عيوننا بلقائك قريبا في مدينة القدس وهي محررة حيث تشرع الأبواب لاستقبالك تعانقين أهلها وناسها الذين يقدرون ما قدمتيه لهم من فن أصيل وفكرة وطنية ملتزمة.
نحبك دائما ….
نمشي على هدي قامتك الممتشقة بالعزة والكبرياء
كل عام وأنت الاجمل لن تغيبي عن شرفاتنا وأحلامنا وسببقى صوتك الخملي الملائكي رفيقنا نحو الحرية والانتصار.