طالبت صحافيات من كل مناطق فلسطين، بتكثيف خدمات الدعم النفسي المقدّمة لهنّ عبر برامج متخصصة، وتعزيز قدراتهن المهنية وتدابير السلامة لهن في التغطية الميدانية.
جاء ذلك في ختام مؤتمر “الإعلاميات يتحدثن6″، الذي عقدته مؤسسة “فلسطينيات” في الضفة الغربية وقطاع غزة، تحت عنوان “الإعلاميات الفلسطينيات في المواجهة”، ذلك بالشراكة مع مؤسسة CCFD الفرنسية.
الصحافيات المشاركات، تحدثن عن ضرورة إحداث مجموعةٍ من الإصلاحات والتدخلات على المستوى القانوني، بإيجاد لوائح وقوانين تضمن حقوقهن، وتلاحق المنتهكين، خاصة الاحتلال الإسرائيلي.
ونادين بضرورة توفير أدوات السلامة المهنية، التي يمنع الاحتلال دخولها إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى إجراء إصلاحات على مستوى الجسم النقابي، وتمكينهن اقتصاديًا، خاصة بالنسبة للعاملات بشكل حُر (freelancers)، من خلال تمويل مشاريع تخدمهن، وتطوير قدراتهن في مجال نقل الرواية من خلال تدريبات مكثفة.
في افتتاح المؤتمر قالت وفاء عبد الرحمن مديرة مؤسسة “فلسطينيات”، ورئيسة تحرير شبكة نوى: “كإعلاميات نقف كما كل النساء لنواجه سياسات الاحتلال التي تريد اجتثاثنا من جذورنا، بالإضافة إلى سلطة ذكورية لا ترانا، وترسل أجهزتها الأمنية لقمع عين كاميرا تحملها صحافية”.
مسجلةً اعتزازها بالأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الإٍسرائيلي مع بداية حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد النساء.
وتابعت: “نعقد مؤتمرنا هذا العام ونحن غاضبات من الاحتلال وجرائمه، غاضبات من الأجهزة الأمنية، ووزارة الإعلام، وشيخ القبيلة، والقتل المجاني للنساء، ومن حكومة ترسل أجهزتها الأمنية لقمعنا، وأخرى تقول رفقًا بالقوارير وتمنع سفرهن”.
واستذكرت ” فلسطينيات” في مطلع مؤتمرها المناضلة الفلسطينية الراحلة عزة قاسم، التي كانت إحدى مدرباتها في غزة. وقالت شقيقتها مروة: “كانت عزة تحمل فكرًا نسويًا خاصًا، جعلها تبتعد عن أي عمل تنظيمي، كانت مؤمنة بأن العمل الوطني أشمل”، مضيفةً: “فكرها كان ينبع من احتياجات النساء، وكانت تؤمن بالشباب وقدراتهم، ولطالما حملت تفاؤلًا خاصًا إزاء ما تقدمه مؤسسة فلسطينيات”.
الحاجة لخطة طوارئ
في الجلسة الأولى للمؤتمر، قدمت الباحثة تهاني قاسم ورقة بحثية بعنوان “صحافيات قطاع غزة تحت العدوان“، هدفت إلى تشخيص واقع الإعلاميات، والعنف الذي تعرضن له، وتحديد احتياجاتهن بناءً على بيئة العمل في ظل الأزمات والطوارئ.
ودعت الورقة إلى دمج الصحفيات في تدريبات السلامة المهنية وتوفير أدواتها لهن، موصيةً الجهات الرسمية بالعمل على إعداد خطة طوارئ بالتنسيق مع الأجسام الصحافية، مجهزًا باللوجستيات لاستخدامه وقت الطوارئ.
وقدمت المصورة الصحافية مريم أبو دقة شهادة عن تغطيتها الصحافية خلال العدوان على غزة، حيث قالت: “انتهى العدوان ميدانيًا، وما زال أثره يحاصر نفوسنا وقلوبنا”. مشيرة إلى الظروف التي رافقت حركتها في تلك الفترة “من الشمال إلى الجنوب، حيث عايشت الكثير من الصدمات، من قصف البيوت، والمؤسسات، والأبراج”.
التمييز لصالح صحافة الاحتلال
وفي ورقة بعنوان “الصحافيات في المواجهة- هبة أيار مايو 2021م في عموم فلسطين”، ناقشَت الصحفية والباحثة ليندا الشويكي الصورة النمطية لتغطية المرأة للأحداث في فلسطين، والمخاطر والصعوبات الميدانية التي تعرضت لها الصحافيات.
بينت ليندا في ورقتها اعتماد عدد من الصحفيات في عموم فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي في التغطية، وهو أمر لم يكن شائع سابقًا، “حيث تواجدن بشكل دائم، وواجهن التمييز ضدهن لصالح صحافة الاحتلال في الداخل والقدس”.
ورغم دورهن البارز، إلا أن بعض الصحفيات من مختلف المناطق لا زلن يواجهن موقفا مجتمعيا رافضا لعملهن في الميدان.
وقدمت الصحافية إيمان الجبور من مدينة الناصرة في الداخل المحتل، شهادتها حول ما تعرضت له الصحافيات خلال هبة أيار، إذ واجهت، برفقة الصحافيين الفلسطينيين، القمع من قبل جيش الاحتلال، “لكن الاعتداءات الأكثر خطورة، كانت خلال هجمات المستوطنين بحماية من شرطة الاحتلال في مدينة اللد بالداخل بالمحتل”.
وقالت الجبور:” أثناء تغطية الأحداث في مدينة اللد خاصة كنا كفريق من الصحافة الفلسطينية، نخشى الحديث باللغة العربية، كي لا نتعرض للهجوم والاعتداء من المستوطنين”.
عن القمع الداخلي أيضا
بدورها قدمت الصحافية شذى حماد، ورقة بحثية بعنوان: “الصحفيات في المواجهة الداخلية” استعرضت ما تعرضت له الصحفيات الفلسطينيات في ٢٦ و٢٧ حزيران لقمع عنيف ومتصاعد من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، خلال تغطيتهن الاحتجاجات على اغتيال الناشط نزار بنات.
ودعت الباحثة إلى ضرورة وجود إصلاحات وتدخلات قانونية تضمن حق العمل الصحفي وتحميه، وإحداث إصلاحات في جسم نقابة الصحافيين، وفتح مساحات حوار واسعة في أقسام الإعلام حول واقع العمل الميداني.
وقدمت الصحافية هند الشريدة شهادتها حول ما تعرضت له من اعتداءات عقب اغتيال الناشط السياسي نزار بنات، حيث تعرضت للضرب من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية خلال تظاهرها، احتجاجًا على اعتقال الأمن لزوجها، أثناء مشاركته في الاحتجاجات على قتل الناشط بنات.
وقالت الشريدة: “تعرضتُ للضرب والسحل، واقتادوني إلى مركز الشرطة، وهناك وجدت عدة نساء تعرضن للصفع، والشتم بألفاظ جنسية، وشعرت في هذا التحدّي بأني وحيدة في ظل غياب تام حتى لوزارة شؤون المرأة ومحافظة رام الله والبيرة”.
وجهت هند فيما بعد نداءً للمؤسسات النسوية والنائب العام، اللذان غابت أدوارهم، “ثم استوعبت لاحقًا ما عانته نفسيًا نتيجة هذه الاعتداءات، وتلك الرواسب التي تلاحقها حتى يومنا هذا”.
آثار نفسية حادة
وفي الجلسة الثانية للمؤتمر، قدّمت الباحثة الصحافية عزيزة نوفل ورقة بحثية بعنوان: “الآثار النفسية للعدوان والاعتداءات الإسرائيلية والداخلية على الصحفيات الفلسطينيات خلال أحداث عام 2021″، أظهرت فيها وجود آثار صعبة ناتجة عن صدمات نفسية، بفعل تعرضهن لوقائع غير طبيعية أدت إلى أعراض فورية كالخوف والقلق والتوتر، وأعراض جسدية أخرى منشأها نفسي، كأوجاع المعدة والمفاصل والصداع، إلى جانب تأثيرات لاحقة كالانعزال والشعور بالوحدة.
من غزة، قدمت الصحفية أمل حبيب شهادتها حول ما عايشته خلال تغطية العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وعرضت تجربتها كصحفية وأم ونازحة.
عايشت أمل تجارب عائلات استشهد الكثير من أبنائها، وظلّت صور الطفلة الشهيدة مريم التلباني تلاحقها كأم حتى الآن خاصة وأنها تحمل ذات اسم طفلتها.
تقول: “كان يتوجب علي أن أبدو قوية أمام الضحايا، قوية أمام أبنائي في البيت، لكن سرعان ما ينكشف هذا كله أمام كلمة قد تنهمر بعدها الدموع”، ذاكرةً كلمة قالتها ابنتها أثناء النزوح في إحدى المرات عندما قالت لها: “ماما إذا عشنا، إحنا بنكون نادرين”.
وقدمت الصحفية نسرين سالم من مدينة القدس المحتلة شهادتها حول ما تعرضت له من اعتداءات عنصرية على يد سلطات الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيتها أحداث حي الشيخ جراح.
ورغم ملاحقتها بالنظرة الاجتماعية النمطية الرافضة لخروج النساء في هذه التظاهرات، أصرت على المواصلة، تقول: “الاحتلال يفرض علينا في القدس تقسيمات جغرافية يرفضها المقدسيون، إلا أن أصعب ما تعرضت له حقيقةً كان الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة، وإعاقته لعملي، ناهيك عن اعتقالي من قبل جنود الاحتلال، وشتمي ووصفي بألفاظ عنصرية بسبب لون بشرتي.
توفير بيئة مساندة
بدورها، قدمت الباحثة نور أبو عيشة ورقة بحثية بعنوان: “التدخلات لدعم وحماية الصحفيات والصحفيين“، هدفت لمناقشة سبل تعزيز دعم الصحافيين وتقييم الدعم الذي قُدم لهن.
وعزت أبو عيشة القصور إلى أسباب موضوعية، منها ضعف التمويل، وتأثير الانقسام، وأخرى ذاتية مثل سوء الإدارة، كما أوصت بإنشاء لجنة قانونية تستند إلى قاعدة بيانات ضخمة للصحافيين، وإيجاد فرص عمل للمصابين منهم، وتطوير برامج الدعم النفسي، ووضع استراتيجية إعلامية حقوقية رقمية، وتوفير مقر دائم للصحافيين في غزة والضفة، تتوفر فيها شبكة إنترنت على مدار الساعة.
أما الصحافية ميسون كحيل، فقد تعرضت لفقدان مكتبها الصحفي الذي كانت تدير عملها من خلاله، نتيجة قصف الاحتلال الإسرائيلي للبناية التي كان فيها، بالإضافة للعديد من المكاتب الإعلامية الأخرى، ولفتت إلى وجود العديد من المؤسسات التي أجرت تدخلات فورية، بمجرد توقف آلة الحرب الإسرائيلية، “وعلى رأسها فلسطينيات التي قدمت دعمًا نفسيًا للصحافيات، وجهوزيتها لاستضافة المتضررات منهن، كذلك نقابة الصحافيين التي قدمت دعمًا جيدًا، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان التي قدمت تدريبًا حول آليات تقديم الشكاوى للجهات الدولية”.
وقدمت الصحافية فيحاء خنفر، من جانبها، شهادتها حول ما تعرضت له من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيتها أحداث الاعتداءات على المقدسيين في هبة أيار، فقالت: “الاحتلال يتعمد استهداف الصحافيات والصحافيين العاملين في الميدان، بغض النظر من أي منطقة هم، كل فلسطيني مستهدف، رغم أنهم يرتدون الزي الذي يميز شخصيتهم”.