بيان نعي وتكريم لزعيمة الصحافة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة
صادر عن الحركة الفلسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال
جماهير شعبنا الفلسطيني العظيم،
كعادته، لا ينشط الاحتلال، ولا يتسلل لارتكاب جرائمه إلا مع ساعات الفجر الأولى كما الخفافيش واللصوص، وذلك بهدف إخفاء هذه الجرائم، والتستر عليها بعيداً عن كشفها وفضحها عبر وسائل الإعلام.
وكعادته، لا يدرك الاستعمار بأن عين الحقيقة لا تنام، وترصد كل تحركاته لأنها اعتادت على طرقه المخادعة، ونحن بدورنا اعتدنا أن ننام، وندعوا الله في كل ليلة بأن لا يطلّ علينا الصباح برأسه المشؤوم، ومع ذلك تتوالى علينا الأوجاع والآلام مع توالي الصباحات والأيام على زنازيننا المعتمة، لأن الشر الكامن في هذا الاستعمار الصهيوني، لا يمكن أن ينتهي إلا بزواله مرة واحدة وإلى الأبد.
جماهيرنا الأبية في كل مكان،
إن الحركة الفلسطينية الأسيرة، جزء لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني المعطاء، ولا نبالغ إذا ما قلنا لكم بأننا كتلة بشرية مكثفة، كما الإسفنج، تمتص كل أوجاع شعبنا وتتأثر بها، صغيرها وكبيرها، الجماعية منها والفردية، وقد فُجعنا مثلكم صباح يوم الأربعاء 11-5-2022، بعد وجعنا برحيل الأم الغالية الحاجة المناضلة صبحية يونس بنبأ اغتيال المناضلة المنتمية لشعبها وقضيتها الوطنية والإنسانية الصحفية شيرين أبو عاقلة، الإعلامية التي حملت عذابات الشعب الفلسطيني لكل أرجاء المعمورة، مغلفة إياها بروحها الطاهرة، لتغتسل في أيار ببحر من دموع أبناء شعبها ومحبيها حول العالم، وبنبأ إصابة الصحفي الإنسان والفلسطيني المخلص علي السمودي شافاه الله.
شيرين التي أطلقت مع طاقم قناة الجزيرة وأسرة الإعلاميين الفلسطينيين، “إعلامييّ المقاومة” الانتفاضة الإعلامية التي واكبت انتفاضة الأقصى، وقلبت المفاهيم المغلوطة حول طبيعة الصراع التي طالما روّج لها الإحتلال الصهيوني لتضليل الرأي العام العالمي، فجبهة الصحافة والإعلام تحتاج إلى جنود أشداء وأوفياء لقضايا العدل والعدالة، ولأن شيرين تنتمي لهذه الشريحة المهمة من شرائح شعبنا، بات إسمها علامة فارقة من علامات فلسطين!!
شيرين التي تركت أثار خطواتها على مساحة خارطة فلسطين، وهي توثق وتفضح ممارسات هذا الاحتلال وانتهاكاته، غادرتنا باكراً، ليسير شعبنا الفلسطيني بكامل أطيافه السياسية، وشرائحه الاجتماعية والدينية، بنسائه وشيبه وشبابه، خلف جثمانها الطاهر، مودعاً أيقونته الإعلامية، وحارسة من حارسات ذاكرته الوطنية والجماعية، مودعاً إياها بجنازات مهيبة أشبه بجنازات الزعماء، فهي أيضاً على جبهتها كانت زعيمة، زعيمة الصحافة الفلسطينية بامتياز!!
شيرين بمصداقيتها وجرأتها وشجاعتها، سكنت بيوت الفلسطينيين وقلوبهم من غير استئذان، فهي الشاهدة والشهيدة على حكاية شعب لا زالت تكتب أحداثها بالدماء، ولطالما كانت قريبة من الموت، تقف بجواره، لا تتمناه ولا تخشاه، وقد شقت طريقها الإعلامية وهي مؤمنة بأن الدفاع عن الحقيقة، وعن الإنسانية، جديران بهذه المغامرة.
ها هي شيرين، ابنة القدس، كما القدس تماماً، تمكنت من توحيد الفلسطينيين على وجع فراقها، كما وحدتهم بمصداقية كلمتها، خرجت من بيتها الصغير تلبيةً لواجبها المهني والإنساني، لتعانق بدمائها دماء القسام، في جنين الفداء والتضحية، بذات الرصاصة الاستعمارية وإن فصلت بين الرصاصتين “82” سنة، فصارت كل فلسطين بيتها، وصار كل الشعب الفلسطيني أسرتها وعائلتها، فقلة من البشر هم أولئك الذين يستطيعون حفر أسمائهم في سجل الخلود، لأنهم بتواضع القديسيين وشجاعة الفدائيين، تمكنوا من دمج الحياة مع الموت في لوحة إبداعية وخلاقة تبقى ملتصقة بالذاكرة الجماعية لضحايا الظلم والإضطهاد، وتحتل مكانها في التاريخ بلا مزاحمة كشاهد حي على مرحلة من أهم وأدق مراحل الثورة والمقاومة، فهذا هو مكان شيرين، وهذه هي مكانتها في قلوبنا وفي سجل الخالدين!!
يا أحرار العالم كل باسمه ولقبه،
الحقيقة لا يمكن إسكاتها ولا يمكن طمسها، حيث سعى الاستعمار الصهيوني منذ 74 عاماً لتحقيق هذه الغاية، لكنه فشل فشلاً ذريعاً، فكلما طال عُمر الاستعمار إزدادت جرائمه، وبات أكثر إجراماً وبشاعة لحسم أمره، غير أن العالم أيضاً، يزداد وعياً وإدراكاً لحجم الكارثة التي يلحقها صمته بضحايا الإستعمار ومعذبيه، والشعب المضطهد يزداد صلابة وتمسكاً بحقوقه، واستعداداً للتضحية في سبيل الدفاع عنها، هذه هي الحقيقة التي يعمل الاستعمار جاهداً على تجاهلها لكنه غير قادر على إخفائها!!
أو لم يحن الوقت لتخففوا من أوجاعنا، وتضمدوا جراحنا؟ ولو بصرخة جماعية تنتصرون فيها لإنسانيتكم أولاً وقبل كل شيء، صرخة تصدح بها أصواتكم عالياً في كل العواصم، بأن كفى لهذا الاحتلال الغاشم، الذي يقتل الأطفال، والنساء، والشيوخ، والأطباء، والصحفيين، والحجر والشجر، وكل ما تطاله آلته العسكرية، ورعاع مستوطنيه، صرخة تنتصر لحق الإنسان الفلسطيني في أن يحيا في وطنه بحرية وكرامة، مثله في ذلك مثلكم تماماً، صرخة تضع حداً لازدواجية المعايير الدولية الظالمة، التي لا تثير سوى الحقد والكراهية، وتشجع وتعزز من عنصرية الحركة الصهيونية ضد شعب أعزل لايملك سوى إرادة المقاومة للدفاع عن حقه في وطنه التاريخي، الذي لا وطن له سواه، لكم الحق في مواصلة الصمت المريب، ولنا الحق في مواصلة الصراخ حتى يسمعنا من كان به صمم!! فقتل شيرين لن يخرس الكلمة الحره، ولن يمنع نقل الحقيقة، ولن يطفئ لهيب حناجرنا!!
أسرة شيرين العزيزة، وأسرتها الإعلامية الباسلة،
نعزيكم ونعزي أنفسنا بهذا الفقدان الكبير، الذي وقع علينا مثل الصاعقة، رغم أن معظمنا جاء من ساحات المعركة، وكثيراً ما صادفتنا شيرين أو صادفناها في الميدان، وبادلناها وبادلتنا إبتسامة الأمل بغد مشرق ومستقبل أفضل، تكلّله الحرية والإستقلال، لكن مسيرة النضال والمقاومة ضد هذا الاحتلال الشرس لا زالت طويلة وتحتاج إلى المزيد من التضحيات، فشاءت الأقدار أن نُمسي نحن في مقابر الأحياء، وأن تصبح شيرين حية في مقابر الأموات.