أسرارٌ ومواقف تُكشَف لأول مرة
“عمرو دياب: رحلة استثنائية في عالم الفن والإبداع”
إعداد: هبه ملحم
شخصيةٌ استثنائية في عالم الفن، قدّم مساراً فنياً مميزاً غير مقتصرٍ على الموسيقى فحسب؛ بل امتد ليشمل شخصيته وأسلوب حياته. في هذا المقال، نُقدم بعضاً من أهم الأسرار والمواقف التي تُكشف لأولِ مرةٍ عن قُطب الغناء المصري: الفنان عمرو دياب.
الاستمرارية والطاقة المتجددة:
عمرو دياب لا يعيش على مجد الأمس، بل يستمر في تحفيز نفسه للتجديد والإبداع. يستيقظ كل يومٍ ليبدأ مشواره من جديد، ليخلق أعمالاً فنية جديدة تميزه وتبهر جمهوره. هذا النهج الذي ينبع من تواضعه وتفرّغه للإبداع يجسد جانباً أساسياً من شخصيته ونجاحه المستمر. في كل صباح، يستيقظ دون النظر إلى نفسه كنجم وبأنه قطب الغناء المصري، والحائز على 7 جوائز ميوزك أوورد أو أنه دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، أو أنه الذي تحدثت عنه جامعات أمريكية مرموقة مثل ألبرت ونورث كارولينا في مناهجها، فهو يبدأ يومه من جديد بكل تواضع، وشغف.
يخبرنا مصدر مقرب من الفنان عمرو دياب المعروف ب “حامد محمد/ مودي دياب ” عن أحد المواقف التي لم تُذكر سابقاً والتي تعكس قسوة البدايات والتحديات التي واجهها الهضبة؛ فيسألني: هل تعلمين لمَ أجرت الإعلامية المصرية مفيدة شيحة مقابلة خاصة مع الفنان عمرو دياب في منزله في العام 2002، بعيدًا عن أضواء استوديوهات التلفزيون؟ فيخبرني إجابة صادمة مرتبطة بحدثٍ قاسٍ، أنه وعندما اتفق دياب مع مخرج تلفزيوني على أداء فقرة في برنامج محدد، وعلى الرغم من أنه أعد لهذا اللقاء بالتفصيل وشارك الجميع في تلك اللحظة المهمة، تفاجأ بعدم تنفيذ اللقاء بشكل صادم ومثير للانزعاج. تلك التجربة القاسية والمحبطة دفعته إلى اتخاذ قرار بعدم زيارة مقر التلفزيون مُجدداً، وأن يكون التلفزيون هو من يأتي إليه في منزله، وهذا ما حصل.
لقد تربّع عمرو دياب على عرش الفن العربي بلا منازع، ولا زال يتلألأ اسمه كنجمٍ لامع في سماء الثقافة والفن. هو أحد الشخصياتِ الفريدة التي تستطيع ببراعتها الفنية أن تحقق رابطةً عاطفيًا عميقة مع الجماهير، وتترك إرثاً وبصماتٍ لا تُنسى في تاريخ الفن المعاصر، فنظرةٌ مُقتضبة إلى مسيرة الهضبة وأعماله تفتح أمامنا عالماً من الإبداع والتألق.
وكجزءٍ من الاستراتيجية التي يتبعها الهضبة فإنه يرفض تصنيف جمهوره وملتزم تجاهه. في بداية مسيرته الفنية، تعرّض دياب إلى موقفٍ له دلالاته؛ كان ذلك في إحدى حفلات شارع الهرم، وهو المكان الذي تجتمع فيه الجماهير للاستمتاع بأداء المطربين الكبار مثل “شريفة فاضل ” و”نجاح سلام “. في ذلك الحفل؛ تم تخصيص الفقرة الأخيرة لدياب، وعلى الرغم من تأخر الوقت وانصراف الجمهور حيث لم يبقَ سوى شخص واحد يجلس وحيداً ويعطي ظهره للمسرح؛ إلا أنّ الهضبة لم يتراجع وأكمل وصلته الغنائية والتزامه.
أما الآن.. وبعد مرور السنوات؛ فإنّ المشهد قد تغير بشكل جذري، إذ يظهر تأثير الهضبة على الملايين حول العالم، الذين يتابعونه ويُسارعون للاستماع إليه ومشاهدة كاريزما الهضبة التي لا تُضاهى.
تجدر الإشارة إلى أنّ عمرو دياب يؤمن بأهمية الفن والموسيقى كجسر يربط الجميع دون أي تمييز. يرفض تصنيف جمهوره مؤكدا على وحدة الجمهور وتعدد الثقافات.
مبدأ النُدرة
اعتمدَ عمرو دياب على خلقِ تواصلٍ مباشرٍ مع جمهوره ولكن من خلال آليات محددة ونادرة، مما جعل كلَّ ظهورٍ له حدثاً ينتظره الجمهور بفارغ الصبر.
في سنة 1985، أثناء فترة دراسته في المعهد في قسم التأليف الموسيقي، حدث موقفٌ مع الهضبة برفقة زميله الذي كان يتشارك معه الحياة الجامعية آنذاك وهو “أشرف زكي “، الذي يترأس اليوم نقابة الفنانين في مصر، ففي إحدى المرات، اقترح ” زكي” على “دياب ” أن يقضيا وقتاً معاً في المقهى المقابل للمعهد. ولكن اللافت كان رفضه لهذه الفكرة، حيث فضّلَ عدم التجمع في المقهى. إنّ من أهم الأسرار التي ساهمت في نجاح دياب، هو تبنّيه لنمط ومبدأ: “نُدرَتُه تكثّف حضوره “. منذ البدايات وحتى قبل أن يحقق شهرته الكبيرة، أخذ دياب يطبّق هذا المبدأ بحزم. اعتمد على أن يكون صعب الوصول إليه ونادر الظهور، فأصبح هذا المبدأ جزءاً أساسياً من هويته الفنية.
تركيزه على الأهداف والمشاريع
في ذهن الهضبة، تتجلى الأهداف بدلاً من الأشخاص، يُركز على المشاريع بدلاً من الأفراد. وعندما يحاول شخصٌ ما من محيطه أن يخبره بأحاديث عن فلان أو فلانة، يرد بـ” اقفلّي هالصفحة، مش عايز اسمع، أنا عايز اشتغل “، حيث أنه يتفادى خلق جوٍ من الاستياء تجاه أي شخص، بل يُفضل الاستمرار في العمل، ويحوّل الشائعاتِ والمحادثاتِ السلبية إلى حافز لزيادة الإنتاجية.
يتحكم في تركيزه، ويعمل بجد على تطوير نفسه، هذا سر من الأسرار التي تحيط بشخصية الهضبة، أنه يقوم بتوجيه طاقته نحو تحقيق أهدافه، ويواجه الشائعات بتجاهلها، فليست من عاداته وسماته التعليقَ أو الرد على أي شخص.
الإلهام
منذ بداياته في عالم الفن، تميز عمرو دياب بأسلوبه المميز والمختلف عن باقي الفنانين. لم يكتفِ بالتمرد على الموسيقى وبالموسيقى، بل عمل على تطوير شكله الخارجي وأسلوبه الشخصي، حيث كان أول من قام بارتداء الجينز في مصر، وكان ذلك في إحدى حفلاته، وهذا يعكس تفرده وجرأته في اتباع اتجاهات جديدة في عالم الموضة.
أما فيما يتعلق بعلاقته مع أبنائه؛ فإنّ هذه العلاقة تبرز جانباً آخر من شخصية هذا الفنان العالمي؛ حيث يظهر كأب طبيعي يقدم الدعم والتشجيع لأولاده. فهو لا يزال يسعى لدعم ابنه عبد الله ومساعدته في بناء مساره الفني الخاص، مما يعكس تواضعه ورغبته في نقل الخبرة والإلهام للجيل الصاعد.
القوة الناعمة المصرية العربية
ولد ثُطب الغناء المصري في 11 أكتوبر عام 1961 في مدينة بور سعيد بمصر، وسرعان ما ظهرت مواهبه الموسيقية والغنائية منذ سنوات صغيرة. استطاع دياب أن يخترق حواجز الزمن والمكان. في عام 1990 تم اختياره ليُمثّل جمهورية مصر العربية في بطولة الأمم الإفريقية الخامسة، فغنى حينها باللغتين الإنجليزية والفرنسية في حفلٍ نقلته قنوات التلفزيون العربية وإذاعة CNN . أما في عام 1991 كان أول مرة يستخدم الساكسفون في إنتاجاته الفنية في ألبوم “حبيبي “. لقد تُرجمت أغانيه إلى عدة لغات، من بينها: اللغة الانجليزية، والتركية، واليونانية، والفرنسية، والهندية، والكرواتية، والروسية. ولطالما امتاز بقدرته على تقديم مجموعة واسعة من الألوان الموسيقية والمواضيع الإنسانية العاطفية المختلفة. يتجاوز سحر الهضبة صوته وأغانيه، ويتعداه إلى كونه شخصية مؤثرة جعلت له الملايين من الجماهير المنتشرة حول العالم. امتدت مسيرة الهضبة الفنية لعقود؛ ولا يزال (بمثابرته ووفائه لجمهوره ) يحقق نجاحاتٍ باهرة ويبهر جيلاً جديداً بعد جيل، وسيظل سفيراً للفن العربي ومنارة تضيء في سماء الثقافة والقوة الناعمة المصرية والعربية.
تجدر الإشارة إلى أنّ مصطلح “القوة الناعمة” ظهر لأول مرة في كتاب “ملزمون بالقيادة ” للمفكر الأمريكي جوزيف ناي عام 1990، ولكن جوزيف ناي لم يكتفِ بذلك، بل عاد ليناقش هذا المفهوم مرة أخرى في عام 2001 من خلال كتابه “مفارقة القوة الأمريكية”. ولم يقتصر اهتمامه عند هذا الحد، إذ ألف كتاباً مكرساً لهذا الموضوع تحديداً في عام 2004، وأطلق عليه اسم “القوة الناعمة”.
ففي عالم القوة والسيطرة، تأتي القوة الناعمة كمفهوم يضفي الإلهام ويبث التأثير بطرق متعددة. إنها العنصر الثالث الذي يُشكِّل المثلث مع قوى الإكراه وقوى المكافأة. تتجلى هذه القوة من خلال تأثيرها الغير مباشر، حيث تساهم في تعزيز التفاهم وترسيخ العلاقات الإيجابية بين الدول وبين شعوبها. ومن منظور ناي، تأتي الثقافة كأحد المكونات الرئيسية للقوة الناعمة. وتتجلى قوتها بوضوح في مجالات الثقافة المتنوعة، من المسلسلات والأفلام إلى الأغاني، مثل الإرث الفني الخاص بالفنان المصري عمرو دياب والذي تم اعتباره تجسيداً لقوة الفن والثقافة كوسيلة لتحقيق الفهم والتأثير العابر للحدود.