بقلم: هبه ملحم
مشروع “عنقاء فلسطين ” الحائز على جائزة الثقافة: هوية صمود، والذي شارك مؤخراً في معرض فلسطين الدولي الثالث عشر للكتاب؛ تم تصنيفه ضمن أفضل عشر مشاريع ريادية في فلسطين باعتباره يخدم الثقافة والتراث والأزياء والعمارة والسياحة، فبمحاكاته الماضي والحاضر والمستقبل؛ يمكن اعتباره جزءً من التراث الفلسطيني الجدّي والمقاوِم الذي لا يخلو من الجمال والإبداع..
فيه كلُ ما هو محِبٌ لله تعالى وللخير.. للحرية والطبيعة والإنسان..
يمكن اعتباره شكلاً لثقافة المقاومة الفلسطينية.. أصيل ذو هوية..
وكأنه يناديك لتغرق بناظريْك في عالمٍ نقيٍ ملوّن،
جريءٍ وحنون في آن.
عالم لا يستحق النكبة ولا النكسة ولا كل المزاودات الوطنية والإنسانية، وما بينهم من مخيمات اللجوء.
تهدف الفنانة التشكيلية لمى دويك من خلال مشروعها “عنقاء فلسطين ” إلى تجسيدِ معالم المدن الفلسطينية البارزة سواء كانت تاريخية أثرية أو دينية أو سياحية من خلال إنشاء زوايا فنية داخل الاستوديو، تجعل الزائر يشعر وكأنه داخل لوحة فنية أو متحف، أي يتم إنتاج قطع فنية تجمع بين العمارة الفلسطينية التقليدية والعناصر الثقافية والفنية الفلسطينية الأصيلة، التي تعكس الجمال الفلسطيني والتاريخ العريق.
أولى تلك الزوايا الفنية تمثلت في “عنقاء القدس”، والتي تمت عقب دراسةٍ دقيقة للعمارة التقليدية في المدينة المقدسة، تم إعادة إحياء غرفة مقدسية بأسلوب فني مبدع، باستخدام البلاط البلدي والأحجار والأقواس والشبابيك والزجاج الملون والقطع التراثية لإعادة إحياء روح المدينة، كما تم تزيين الجدران بالجرار والكراسي القديمة وآلات موسيقية تقليدية مثل الربابة والقُلل الفخارية.
يوجد محور آخر للمشروع مُستلهَم من الاسم نفسه “عنقاء”، الطائر الأسطوري الذي يرمز إلى القوة والتجديد. يتمثل هذا المحور في استخدام قطع أثاث قديمة وإعادة إحيائها من خلال الألوان والتصاميم الفنية، كما يشمل هذا أثاث من سوق البالة ومنزل الأسرة، وخشب قديم تم استهلاكه بشكل إبداعي. هذا يجسد فكرة التجدد والإعادة التي تميز هذا المشروع الاستثنائي الذي نشأت فكرته من حاجة شخصية لدى الفنانة دويك، حيث كانت لديها رغبة عاجزة عن تحقيقها وهي زيارة مدينة القدس الشريف، لكنّ هذه الرغبة والحاجة دفعتها إلى ابتكار المشروع الذي تكون فيه القدس حاضرةً من خلال الفنّ. مما يكد على أنّ الفن المفاهيمي يأخذ الفردَ في رحلة ثقافية وزمانية، حيث يمكنه أن يشعر بأنه داخل غرفة في المدينة القديمة منذ قرون، وقد راعت دويك فكرة اطلالة الاحلام لكل فلسطيني فتقول: “بتفتح شباكك بتلاقيه بِطُلَ على القدس “.
وجدت دويك، أن جزءً اساسياً في البيت الفلسطيني مندمج مع الطبيعة عكس المستوطنات الي نجدها نشاز مع الطبيعة، فالبيت الفلسطيني مبنيٌ من الحجارة والطين، وقد اختارت الالوان الترابية لتكون طاغية ولم تنسى وضع النبتة الممتدة والمتشبثة بحيطان المنزل وعلقت تحتيها صينية القش التي ترمز للحرفة التقليدية الي كانت الستات تشتغل فيها وتعلقها كزينة وتستخدمها
من خطة دويك لدمج وتفاعل الشخص الذي يدخل في الاستوديو أن تقوم بإلباسه لوحة، أن يمسك قطع اللوحة ويجلس فيها، فمثلاً صممت الفنانة ثوباً مرسوماً وليس مطرزاً، بعد أن درست أشكال والوان وتصاميم الاثواب الفلسطينية، فاختارت هذه المرة التوب الخليلي ليعكس بصمتها وهويتها الخليلية وحملته معها للبيت المقدسي ، الثوب الذي صممته يتناسب مع كل حجم وكل طول لاي صبية ترتديه بسهولة بمساعدة مصممة ازياء، مثل روب العمليات يتم ربطه من الخلف ويُشَد حسب جسم الصبية ليتناسب معها، وهكذا تشعر انها هي جزء من اللوحة وأنها بتواصل ذهنيٍ أكبر.
إنّ تفرُّغَ الفنان لمشروعه الفني واهتمامه العميق به يظهر بوضوح في روح العمل الفني. فقد أخبرتنا دويك أن “العنقاء” هي مصدر شغفها وتفرغها، حيث تحوّلت هذه الفكرة إلى رسالة ماجستير تعمل عليها بجد وتطويرها بشكل مستمر. وليس هذا فحسب، بل تطمح أيضًا لدمج التكنولوجيا في عالم الفن، حيث تنوي إضافة الواقع المعزز والصور ثلاثية الأبعاد إلى مشروعها الفني. ما يثير الإعجاب هو شغفها الدائم واهتمامها العميق بالفن، وتقول إنها تفكر في “العنقاء” في كل لحظة من يومها. إن هذه الروح القوية تشبه روح الشعب الفلسطيني القائمة على الصمود ومواصلة الحياة، هو شعبٌ لايزال قوياً وثابتاً ويبني من الصعاب جسوراً وممراتٍ أكثر تميزاً وقدرة على تحقيق الهدف.
فعندما تلمعُ الأفكارُ وتلتقي ثلاثيات: (الفن والتراث والإبداع ) في لحظةٍ ساحرة؛ يمكن أن تنشأ حينها مشاريعُ فريدة تعبر عن جوهر الثقافة والهوية. هذا ما حدث مع الفنانة الفلسطينية لمى دويك، في مشروعها “عنقاء فلسطين”، وهو مشروع فني ريادي استثنائي يهدف إلى إعادة إحياء المدن والتراث الفلسطيني من خلال الفن التركيبي المفاهيمي.