جنين- الحياة الجديدة
ميساء بشارات
في قرية عنزة جنوب غربي مدينة جنين، تقع ورشة صغيرة تملأها أدوات الخزف وألوان الصلصال المختلفة، في مشهد يبعث شعورًا بالتحدي والإصرار. هُنا تعمل هَنا براهمة (27 عاما)، خريجة جامعة النجاح الوطنية تخصص فن خزف، في مشروعها الصغير لصناعة الخزف، تصنع تحفًا يدوية بألوان وأشكال متفردة.
حلم هنا بمشروعها الخاص في عالم الخزف جاء بعد تخرجها من الجامعة، حيث كانت تتطلع إلى تحويل شغفها بالفن إلى مصدر رزق يعينها ويمنحها استقلالًا، فبعد أن تخرجت عملت بعدة أماكن ومن المنزل لتجمع مبلغا وتفتتح ورشتها الخاصة بالخزف والتحقت بعدة دورات وحصلت على منح.
وحققت هنا مشروعها وافتتحته قبل أربعة أعوام، وشهدا إقبالًا لافتًا من قبل محبي الفنون اليدوية والهدايا ذات الطابع الخاص، مما شجعها على توسيع نطاق العمل وإضافة منتجات جديدة تلبّي احتياجات الزبائن.
تقول هنا: “كان مشروعي يحمل آمالًا كبيرة، وكنت أنوي تقديم الكثير الكثير من الخزف والأعمال اليدوية، خاصة مع تشجيع الأهل وبعض الزبائن على الاستمرار، وكنت أطمح لأن أوسع مشروعي ليشمل مناطق أخرى في الضفة الغربية.”
لكن حدث ما لم يكن في حسبان هنا وهو تلك التحولات القسرية التي حملت معها تأثيرات اقتحامات الاحتلال لمدينة جنين ومخيمها وما تلاها من الحرب على غزة، ما أثر على الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية بسبب التضييقات والاقتحامات والاغلاقات والحواجز بين مدن الضفة الغربية.
تروي هنا بمرارة: “بعد أن وصلت مبيعاتي الى الحد المرضي عنه، بدأت تتراجع بشكل كبير، وبدأ الزبائن يقلّون تدريجيًا، حتى بات مشروعي مهددًا بالتوقف، فقد اضطررت لتقليص الإنتاج وحتى تقليل حجم المادة المنتجة من أجل خفض سعرها لتناسب وضع الزبائن الاقتصادي.”
وتتابع: “أن ما يميز مشروعها عن غيره أنه المشروع الأول المنفذ في الخزف في مدينة جنين وقراها”.
التحديات الاقتصادية التي فرضها الاحتلال من الاقتحامات والاغلاقات والحواجز في الضفة الغربية، والبطالة التي شهدها عمال إسرائيل البالغ عددهم قبل السابع من أكتوبر 2023، حوالي 177 ألف عامل فلسطيني يعملون في إسرائيل والمستوطنات، واحتجاز أموال المقاصة والتي أثرت على انتظام دفع رواتب الموظفين العموميين، والتي بلغت نحو 7.26 مليار شيكل، أثرت على الوضع الاقتصادي لدى الناس، وجعلت حياة أصحاب المشاريع الصغيرة مثل مشروع هنا أكثر صعوبة.
وبحسب وزارة الاقتصاد الوطني فإن 122 مشروعا نسائيا تضرر من تداعيات العدوان الإسرائيلي استفاد من منحة وزارة الاقتصاد العينية بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة وذلك بتوفير المواد الخام والمستلزمات لتعزيز صمود هذه المشاريع، والمشاريع النسوية تأثرت بشكل كبير بتداعيات العدوان واعتداءات المستوطنين والاغلاقات والاقتحامات التي تنفذها قوات الاحتلال على المدن والبلدات في الضفة الغربية، ما تسبب بإغلاق 29% من المنشآت الاقتصادية بين جزئي وكلي.
تقول هنا: “كنت أتابع أخبار إغلاق المشاريع النسوية، وشعرت بالخوف من أن يأتي الدور على مشروعي، خاصة وأن الضغوط تتزايد يوماً بعد يوم.”
وكانت هنا تتخذ محلا صغيرا لعرض بضائعها في مدينة جنين، لكن بسبب الوضع الاقتصادي والتراجع في المبيعات لديها، ووضع الاحتلال عراقيل لحركة المواطنين والتنقل بين المدن وقراها وبين المحافظات، ما جعلها خالية من المتسوقين، اضطرها لإغلاق المحل توفيرا لإيجاره، والاستغناء عنه بالترويج لإنتاجها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، فأنشأت صفحة خاصة بها باسم “ريشة ولون”.
وبدأت الشابة في عرض أعمالها، وأصبحت قطعها اليدوية تتزين بها البيوت مثل الرسم على الفناجين والسلاسل والصواني المرسومة بعناية وغيرها.
ومع ذلك، ترى هنا أن الاستسلام ليس خيارا، فالفن الذي تقدمه هو جزء من هويتنا ومن المقاومة الصامتة التي تمارسها من خلال كل قطعة خزفية تصنعها بحب. وتتأمل هنا أن تجد الدعم الكافي من المؤسسات التي تهتم بتمكين المرأة في فلسطين، فهي تطمح لاستمرار مشروعها، وأن يكون منارة للإبداع والصمود أمام التحديات الكبيرة التي يواجها الفلسطينيون.
تواجه هنا حاليا أيضا صعوبات في إيجاد المواد الأولية المستخدمة في عملها مثل الطين والألوان المستوردة من اسبانيا والذي أدى لارتفاع أسعارها خاصة مع التضييقات من قبل الاحتلال للاستيراد من الخارج عبر الجسر.
بالإضافة إلى ذلك، تراجع الطلب على منتجاتها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس، وكانت هذه التحديات بمثابة اختبار للإرادة والعزيمة.
وتؤمن بأن فنون الخزف ليست مجرد صناعة، بل هي وسيلة للتعبير عن الأمل والصمود والتراث.
تقول: “أؤمن بأن الفنون يمكن أن تعيد الحياة حتى في أحلك الظروف، وسأواصل العمل على تحويل الطين إلى قطع تحمل قصصنا وأحلامنا حتى الى خارج فلسطين، فأطمح بأن أرى قطع فنيّة من تصميمي في المنازل خارج حدود فلسطين، لأن الفن قادر على تجاوز الحدود ويحمل رسالة وطنية”.
وتختتم هنا حديثها مع الحياة الجديدة، قائلة: “رغم كل شيء، سأبقى هنا، سأصنع من الطين والأمل قصة جديدة”.
وتحاول الآن الحفاظ على مشروعها ولو ببطء، وتبحث عن دعم من جهات محلية ودولية تساعد في تمويل المشاريع الصغيرة المتضررة من الوضع الاقتصادي. كما تأمل في أن تجد وسائل لتسويق منتجاتها عبر الإنترنت لتصل إلى جمهور أوسع في الخارج، بعيداً عن القيود المحلية.
تجسد قصة هنا وغيرها من المشاريع النسوية الصغيرة الإصرار الفلسطيني الذي لا يلين أمام أصعب الظروف، وعلى التمسك بالأحلام، حتى وإن كانت الأحلام تحت الحصار. وفق ما نشرته صحيفة الحياة الجديدة على موقعها على الانترنت.