في الوقت الذي سجلت فيه مصر نسبة 63% في الولادة القيصرية، واحتلت بها المرتبة الأولى عالميا، سعت العديد من الدول إلى إعادة تفعيل نظام قديم يعتمد على الاستعانة بـ”القابلة” في الولادة.
خلال العقود الماضية كان سكان المناطق الريفية يستعينون بالقابلة (الداية) للولادة في المنزل حتى بداية الألفية الثانية، عندما بدأ الاهتمام بالرعاية الصحية والذهاب إلى المستشفى.
القيصرية والقابلة
في اتجاه معاكس لما سلكته مصر، أطلقت وزارات الصحة في بعض الدول العربية مثل السعودية ولبنان والأردن، برامج تأهيل لما يعرف بـ”القابلات القانونيات” وهن ممرضات مؤهلات في مجال رعاية الأم والطفل، يتكفلن بعمليات التوليد والرعاية بعد الولادة، حتى إن دولة مثل السعودية أطلقت برنامجا للتوليد المنزلي تقوم به قابلات قانونيات أجنبيات ولاقى استحسانا وقبولا كبيرين، كما في أغلب الدول الأجنبية التي تعتمد “القابلة” أثناء عمليتي الحمل والولادة.
الولادة من خلال “القابلة القانونية” اتجاه معروف وسائد في العديد من الدول الأجنبية مثل هولندا و بريطانيا واستراليا وكندا والسويد والأرجنتين والولايات المتحدة وغيرها، فهناك مراكز مخصصة ومجهزة كالمنزل تماما من أجل ولادة طبيعية على يد “القابلة”، بل إن عددا من تلك الدول تسمح قانونيا باستدعاء “القابلة” للولادة في المنزل.
“القابلة” اليوم، بالطبع، تختلف عن نظيرتها قديما، حيث تتلقى تعليما وتدريبا جيدين مما يصنع الفرق بين المؤهلة منهن ومن توارثت المهنة عن الجدات، وتقوم بدور أساسي في توفير رعاية صحية ذات جودة عالية للنساء أثناء الولادة في جميع الظروف، وتقديم المعلومات والاستشارات الأساسية حول تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية للنساء والفتيات.
تنقذ القابلات المدربات الأرواح، حيث يمكن أن يسهمن في تجنب نحو مئتي ألف حالة وفاة للأمهات وثلاثة ملايين لحديثي الولادة كل عام.
ووفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان، يمكن للقابلات اللاتي حصلن على التدريب الجيد المساعدة في الحد من وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة بنسبة 66%، بل وأكثر من ذلك، فالتقديرات تشير إلى أن النساء اللواتي يتلقين رعاية مستمرة من القابلات يشهدن انخفاضا بنسبة 24% في الولادات المبكرة ويصبحن أقل عرضة لفقدان أطفالهن بنسبة 16%، وتقديرا لدورهن يحتفل العالم بـ”اليوم العالمي” للقابلات في 5 مايو/أيار من كل عام.
بيوت الولادة
تختلف مراكز الولادة المنتشرة في بعض الدول عن المستشفيات التقليدية بأنها توفر بيئة طبية شبيهة بالمنزل، ويقدم الدعم للسيدات الحوامل فريق صغير مكون من “قابلة” متخصصة ومساعدات لها، وتبدو غرف المراكز شبيهة بغرف المنزل مما يبعث الطمأنينة وحرية الحركة دون قيود.
وأوردت الكاتبة الأميركية كريستين هولت، المتخصصة في مجال الطفولة والأمومة، عددا من المميزات في مراكز الولادة في مقابل المستشفى، منها تكلفتها المالية الأقل، كما أن مدة البقاء فيها بعد الولادة أقل، فضلا عن الدعم الحقيقي والمساعدة في الرضاعة الطبيعية، وحرية الحركة ومشاركة الأسرة وسماع الموسيقى كما لوكنت في منزلك بعيدا عن صرامة المستشفيات.
والأهم أنها توفر بديلا جيدا للوالدين اللذين لا يطمئنان للولادة في المنزل وفي الوقت نفسه لا يرغبان في الولادة في المستشفى سواء لاعتقاد البعض أنها بيئة مخيفة وغير حميمية أو خوفا من انتقال العدوى.
وتشير دراسة صادرة عن “الجمعية الوطنية الأميركية” إلى تزايد الإقبال على “بيوت التوليد” بعد عام 1970 بشكل لافت، ربما لتأسيس أول معهد للقابلات القانونيات، فزاد تبعا لذلك معدّل الولادات من 20 ألفا عام 1975 إلى 200 ألف عام 1994.
بينما في العام نفسه أيضا، أنجزت القابلات القانونيات 6944 ولادة خارج المستشفيات، الأثر الحميمي لذلك النوع من الولادة يجعل 25 ألف امرأة أميركية تفضل الولادة في المنزل سنويا.
الولادة في المنزل أكثر حميمية
ورغم أن الولادة في “مراكز الولادة” تحظى بأفضلية عند الكثيرين من المستشفيات، فإن الولادة داخل المنزل أصبحت تحظى بأفضلية أكبر عن الولادة في “المراكز”.
ويوضح موقع “ماما ميدويفز” (MamaMidWives)، المهتم بتوفير “قابلات” للولادة في المنزل، أن الولادة في “مركز الولادة” تشبه الولادة المنزلية لكن في منزل شخص آخر، بينما تميل النساء أكثر إلى الولادة في منازلهن لأنهن يعرفن كل زاوية وركن، ويمكنهن العثور على كل ما يحتجنه للراحة في المخاض.
الولادة المنزلية آمنة مثل الولادة في “مركز الولادة”، لأن القابلات يجلبن كل شيء إلى منزلك، بما في ذلك الأكسجين والأدوية والمعدات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجراثيم في منزلك تميل إلى أن تكون “جراثيم الأسرة” لذا يكون لديك الأجسام المضادة التي ستمرر إلى الطفل من خلال الرضاعة الطبيعية.
تجاه صاعد في الدول العربية
في السعودية، بدا أن هناك اتجاها صاعدا للولادة على يد “القابلة” داخل المنزل، بما يتناسب مع طبيعة المجتمع السعودي، وخاصة مع وجود تخصص “قبالة” في الكلية الصحية للبنات، حيث يجري فيها تأهيل الطالبات وتدريبهن للعمل في مهنة “القبالة” المرخصة داخل المستشفيات وخارجها، وبعض “القابلات” قررن تعزيز تخصصهن باستكمال الدراسة العلمية والحصول على درجة الدكتوراه.
الولادة في المنزل تشهد رواجا أيضا في العراق، فهي الخيار الأقوى للنساء هناك، نظرا لقلة عدد المستشفيات وضعف الإمكانيات فيها، في الوقت الذي تكون فيه “القابلة” مدربة ولديها خبرة في ذلك المجال.
وفي لبنان تعمل 1400 “قابلة” قانونية في “مراكز الولادة” والمستشفيات، أو بشكل فردي للتوليد في المنزل، إضافة إلى “الدايات” اللاتي يعملن في المناطق النائية.
أما في مصر، فرغم تزايد الولادة القيصرية فيها، دون دواع طبية، فإن المسح الصحي السكاني الصادر عن وزارة الصحة والسكان منذ ستة أشهر ،أشار إلى أن 16% من الولادات السنوية تكون في المنزل، كما أن بعض الحالات القليلة مؤخرا لجأت إلى الولادة الطبيعية في المنزل من قبيل ملاحقة التوجه الصاعد، وحتى إن كان الأمر كذلك، فيمكن اعتبارها خطوة جيدة للحد من “شق البطون” والبحث عن وسيلة ولادة أكثر أمانا وحميمية.
المصدر : الجزيرة